(نيروبي، 5 مايو/أيار 2015) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الغارات الجوية التي تشنها الحكومة السودانية بصورة مستمرة على مناطق جبال النوبة، بولاية جنوب كردفان، باتت تهدد بانتهاء مصير الأطفال في هذه المناطق إلى الموت بصورة عنيفة. علاوة على ذلك، فإن الحظر المفروض على دخول منظمات العون الإنساني تسبب في أزمة صحية وتعليمية في المناطق المتأثرة بالنزاع.
وكانت هيومن رايتس ووتش قد زارت في أبريل/نيسان 2015، 13 قرية ومدينة في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين في جبال النوبة بجنوب كردفان، التي تعرضت بصورة متكررة خلال العام الماضي لهجمات بذخائر متفجرة تسقطها طائرات سلاح الجو السوداني بالإضافة إلى عمليات القصف المدفعي الأرضي. وتركز اهتمام باحثي هيومن رايتس ووتش بصورة رئيسية على مدى تأثير الانتهاكات التي ارتُكبت خلال النزاع على الأطفال بصورة خاصة.
وقال دانيال بيكيلي، رئيس قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “حمم القنابل مزقت الأطفال إلى أشلاء بالفعل وأحرقتهم أحياء مع أشقائهم وشقيقاتهم”، وأضاف قائلاً: “هؤلاء الأطفال عاجزون عن الحصول على غذاء كاف ورعاية صحية أو تعليم، والوضع يزداد سوءاً.”
وقالت هيومن رايتس ووتش إن الهجمات المخالفة للقانون على المدنيين ومنع وصول المساعدات الإنسانية يجب أن تخضع للتحقيق كجرائم حرب، كما يجب على مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، أن يتحقق بشأن ما يحدث على الأرض وأن يفرض حظراً على السلاح في منطقة النزاع. ويتعيّن أيضاً على مجلس الأمن فرض حظر على سفر الأفراد الأكثر مسؤولية في كلا طرفي النزاع عن عرقلة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتجميد أرصدتهم.
وكان القتال بين قوات الحكومة السودانية والمعارضة المسلحة، الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، قد اندلع في يونيو/حزيران 2011 عقب خلاف بشأن نتائج انتخابات في جنوب كردفان، وانتقل النزاع بصورة سريعة إلى ولاية النيل الأزرق. واتسم النزاع في الولايتين باستخدام السودان أسلحة متفجرة في الهجمات الجوية على المدن والقرى، كما أن الحظر الذي ظلت تفرضه الحكومة على وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاع فاقم من الأوضاع المتدهورة أصلاً.
وكانت هيومن رايتس ووتش قد قامت بتوثيق مقتل ما يزيد على 100 مدني خلال عامي 2014 و2015 بسبب عمليات القصف الجوي أو عقب الهجمات التمهيدية بذخائر غير متفجرة وبقايا متفجرات استخدمت خلال الحرب، بما في ذلك مقتل 26 طفلاً، بالإضافة إلى توثيق 29 حالة تعرض فيها أطفال لإصابات بعضها بالغة. وفي واحدة من هذه الحالات لقي 5 أطفال مصرعهم عندما احترقوا حتى الموت بعد أن تسببت قنبلة في تدمير منزلهم واشتعال النيران فيه، و من ضمنهم فتاة احترق جسدها بالكامل وتوفيت بعد أسابيع من أصابتها وهي تعاني من آلام مبرحة.
وقالت امرأة فقدت ستة أطفال في عملية قصف جوي عام 2014 لفريق هيومن رايتس ووتش البحثي، وهي جالسة إلى جانب منزلها الذي دمره القصف الجوي في مدينة هيبان، بمحلية هيبان: “جيراني كانوا يحاولون منعي من الوصول إلى المكان الذي قٌصف فيه أطفالي، حيث كانت بعض أشلائهم عالقة على هذه الشجرة.”
وقامت منظمة سودانية محلية معنية برصد حقوق الإنسان بتوثيق العديد من عمليات القصف الجوي الأخرى والقصف المدفعي التي أوقعت ضحايا مدنيين خلال هذه الفترة.
كما أن هيومن رايتس ووتش وقفت على أدلة تثبت أن الطائرات الحكومية تقوم بقصف المستشفيات والمرافق الإنسانية الأخرى عمداً. ففي مايو/أيار ويونيو/حزيران 2014 تعرض العديد من المستشفيات والمرافق الإنسانية الأخرى للقصف خلال فترة زمنية قصيرة سبقها في ثلاث حالات تحليق طائرات بدون طيار فوق هذه المرافق، الأمر الذي يشير إلى تعمد قصف هذه المرافق.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن الهجمات التي تستهدف المرافق الصحية وعمليات القصف العشوائي الواسع التي تستهدف المدن والقرى، والتي تسفر عن قصف المنازل والمزارع والمرافق الصحية والتعليمية، يشكّل جرائم حرب. إذ أسفرت هذه الهجمات عن المزيد من التراجع في مجال الخدمات الصحية، التي تعرضت أصلاً للتدمير بفعل أربع سنوات من النزاع وسياسة الحظر التي فرضتها الحكومة على عمل وكالات المساعدات الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين بعد وقت قصير من بدء النزاع. وكان طرفا النزاع قد فشلا منذ ذلك الوقت في التوصل إلى اتفاق بشأن كيفية توصيل المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الأغذية والأدوية وإمدادات المدارس.
وتقول هيومن رايتس ووتش إن الحرمان المتعمد من المساعدات الإنسانية يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، ومن الممكن أيضاً أن يكون جريمة حرب.
تجدر الإشارة إلى أن غالبية الأطفال الذين ولدوا في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين بجبال النوبة منذ العام 2011 لم يتم تحصينهم ضد أمراض يمكن الوقاية منها. وعقب فشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق حول وقف مؤقت لإطلاق النار للسماح بإجراء حملة التحصين ضد شلل الأطفال في عام 2013، أصاب مرض الحصبة عدة مئات، وربما آلاف، من الأطفال.
وكان عاملون محليون في المجال الصحي قد تلقوا نحو 2000 حالة يشتبه في أن تكون إصابة بالحصبة خلال الفترة بين أبريل/نيسان وديسمبر/كانون الأول 2014. وعلى الرغم من أن العاملين في المجال الصحي قد نجحوا في تحصين عشرات الآلاف من الأطفال ضد هذه الأمراض، فإن عدة آلاف آخرين لا يزالون عرضة لمخاطر الإصابة بالمرض، إذ لا تزال هناك حالات جديدة يتم الإبلاغ عنها. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه في حال التوصل إلى اتفاق بشأن حملة الأمم المتحدة للتحصين ضد شلل الأطفال، فمن الممكن أن يكون هناك تحصين لمكافحة تفشي مرض الحصبة في بعض المناطق.
وفي هذا السياق قال بيكيلي: “هناك التزام على الطرفين بموجب القانون الدولي بتقليل معاناة المدنيين إلى أدنى حد وعدم عرقلة حصولهم على خدمات الرعاية الصحية المستقلة”، وأضاف قائلاً: “يجب على الطرفين أن يقوما فوراً بتسهيل عمليات التحصين قبل أن يتسبب فصل الأمطار المقبل في الحد من الحصول على هذه الخدمات أو تفشي المزيد من الحالات.”
وتوصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن النزاع وحظر دخول المساعدات قد تسببا في تدمير النظام التعليمي. إذ أن حملات القصف التي تقوم بها الحكومة قد تسببت في تدمير ما يزيد على 20 مدرسة، كما أن غالبية المدارس الـ250 المتبقية تعمل في العراء تحت الأشجار أو يتم تجميع تلاميذها في مناطق جبلية بغرض حمايتهم من القصف. كما أن غالبية هذه المدارس تفتقر إلى الأدوات المدرسة، الأمر الذي اضطر التلاميذ في بعض المناطق إلى التعلُّم الشفاهي وحتى إجراء امتحاناتهم شفاهة وبكتابة الكلمات على الرمل.
وقال بيكيلي: “مرت أربع سنوات ولا تزال آثار هذه الأوضاع الأليمة في جبال النوبة واضحة تماماً”، وأضاف قائلاً: “لم تنجح الضغوط الدولية على طرفي النزاع لحملهما على التوصل إلى اتفاق حول وصول المساعدات. لذا، يجب على مجلس الأمن أن يلجأ إلى التهديد بفرض عقوبات على الجهات المسؤولة عن منع وصول المساعدات، كما يجب أن يفرض المجلس حظراً على السلاح.”
حملة القصف الجوي
ظلت الحكومة السودانية، منذ العام 2011، تستخدم باستمرار قنابل تسقطها طائرات سلاح الجو السوداني على المناطق المدنية في جنوب كردفان مستخدمة طائرات شحن من طراز آنتونوف تحلق على ارتفاعات عالية أو مقاتلات نفاثة تحلق على ارتفاعات منخفضة.
لم يتم توثيق بصورة جيدة لأنواع القنابل، لكن باحثي هيومن رايتس ووتش عثروا على شحنة متفجرة مثبتة على باراشوت في موقع تعرض لهجوم جوي في مدينة كاودا، بمحلية هيبان، في مايو/أيار 2014. ومن المرجح أن هذه المتفجرة غربية الصنع، ومن المخزونات القديمة لسلاح الجو السوداني.
عثرت هيومن رايتس ووتش أيضاً على دليل يثبت أن السودان ربما يكون قد استخدام قنابل عنقودية في جنوب كردفان، كما شاهدت بقايا هذه القنابل في قريتي تونقولي ورجيفي في أبريل/نيسان 2015، علماً بأن هذه الأسلحة محرمة بموجب اتفاقية حظر الذخائر العنقودية، التي لم يوقع السودان عليها.
تعارض هيومن رايتس ووتش استخدام المتفجرات التي تسقطها الطائرات والأسلحة المتفجرة الأخرى التي يتم إسقاطها على مساحات واسعة في المناطق المأهولة بالسكان المدنيين باعتبار أنها في نهاية الأمر عمليات قصف عشوائي – أي، أنها لا تفرِّق بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية، إذ عندما تنفجر هذه الذخائر فإنها تلحق دماراً وتنشر شظايا معدنية تصل إلى مسافات طويلة ولها آثار قاتلة. يُضاف إلى ذلك أن الغطاء المعدني لهذه الأسلحة المتفجرة قد يكون مصمماً لكي ينشطر وينتشر في شكل شظايا يمكن أن تخترق الجسم وتمزق الأعضاء الداخلية.
أطفال لقوا مصرعهم بفعل هجمات بالأسلحة المتفجرة على مناطق مأهولة بالسكان
قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق سلسلة من الأحداث التي وقعت خلال العام 2014 والأشهر الثلاثة الأولى من العام 2015، حيث أسفرت عمليات القصف الجوي أو المدفعي عن مقتل أطفال. وفي بعض الحالات لقي أطفال مصرعهم وهم مختبئون في حُفر هرباً من عمليات القصف.
وكان خمسة أطفال تتراوح أعمارهم بين 4 و17 عاماً قد لقوا مصرعهم حرقاً بسبب قنبلة أسقطتها طائرة من طراز أنتونوف دمرت منزلهم وأضرمت فيه النار بمنطقة سرف جاموس في محلية أم دورين. وأبلغ مدرِّس هيومن رايتس ووتش بأن الأطفال كانوا في المدرسة عندما سمعوا صوت الطائرة، وفرّوا باتجاه منزلهم للاختباء في حُفرة مجاورة للمنزل لم يستطيعوا الخروج منها بعد أن أسقطت الطائرة القنبلة.
توفيت أيضاً فتاة كانت مع هذه المجموعة من الأطفال بعد أن احترق جسدها بالكامل باستثناء منطقة صغيرة في بطنها، وتوفيت بعد أسابيع متأثرة بالحروق التي أصيبت بها. وقال طبيب كان يعالج الفتاة إنه لم ير من قبل شخصاً يعاني من فرط الألم مثلما عانت تلك الفتاة. وأسفرت نفس عملية القصف عن إصابة طفلين آخرين ورجل.
وكان طفل وامرأة تبلغ من العمر 18 عاماً قد لقيا مصرعهما في الحال، مطلع فبراير/شباط 2015 بمنطقة أم سردبة، عندما سقطت قذيفة على مجمع كانوا ينامون داخله. وتسببت النيران التي اندلعت بفعل هذه القذيفة في مقتل أربعة أطفال ضمن مجموعة من سبعة أطفال كانوا يختبئون في حُفرة هرباً من القصف.
احترق واحد من الأطفال تماماً، وعلى حد وصف زعيم محلي فإن جسد الطفل كان “متفحماً ومتيبساً بالكامل”، وقال زعيم محلي آخر ساعد في إخماد النيران إن ستة أطفال آخرين قد تم إنقاذهم قبل أن تسقط قذيفة أخرى على المسكن. وقال شهود وعاملون في المجال الطبي إنه بسبب عدم توفر وسائل المواصلات فإن نقل الأطفال الستة إلى مستشفى لتلقي العلاج استغرق يومين تقريباً، وتوفي ثلاثة منهم في وقت لاحق بسبب الحروق التي تعرضوا لها.
وفي مارس/آذار 2015 قُتل صبي وفتاتان عندما كانوا يحاولون الاختباء تحت شجرة في منطقة أم سردبة بمحلية أم دورين بفعل سقوط قذيفة بالقرب من مكان اختبائهم تم إطلاقها من اتجاه مدينة كادوقلي، عاصمة الولاية، الخاضعة لسيطرة الحكومة.
واضطرت عمليات القصف المتكررة التي استهدفت منطقة أم سردبة 270 أسرة للاختباء في منطقة واد صخري بمنطقة النُقرة، لكنهم تعرضوا رغم ذلك لهجمات جوية أخرى. ولقيت طفلة صغيرة مصرعها إلى جانب شقيقها البالغ من العمر 14 عاماً عندما أسقطت طائرة قنبلة بالقرب من مخبأهما في 22 يناير/كانون الثاني.
توفي أيضاً طفل يبلغ من العمر 4 سنوات في يناير/كانون الثاني عندما كان ذووه بصدد نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج، إذ تعرض الطفل لإصابات بالغة عندما أسقطت طائرة أكثر من 20 قنبلة على قرية أبو ليلى بمحلية برام.
وفي فبراير/شباط 2014 لقي طفل مصرعه وسط 13 شخصاً آخرين عندما ألقت طائرة مقاتلة أكثر من 20 قنبلة على سوق صغير ومناطق مجاورة بالقرب من منطقة لتعدين الذهب بمنطقة أم دلة في محلية برام أيضاً. ووفق إفادات مراقبين معنيين برصد أوضاع حقوق الإنسان في المنطقة، فإن 16 شخصاً آخرين تعرضوا لإصابات في نفس الهجوم.
لقى 6 أطفال مصرعهم أيضاً وأُصيب طفل آخر عندما قصفت طائرة آنتونوف منزلاً بمدينة هيبان، في محلية هيبان. وكانت الطائرة قد حلقت فوق المدينة صباحاً وألقت 8 قنابل، على الأقل، على المنطقة، ما أسفر أيضاً عن مقتل رجل، وفق إفادات شهود عيان. وتحدثت والدة الأطفال القتلى وهي تصف عودتها مسرعة إلى المنزل عقب الهجوم ومحاولة الجيران الذين وصلوا قبلها إلى المنزل منعها من الدخول كي لا ترى أشلاء أطفالها القتلى، التي كان بعضها عالقاً بشجرة في فناء المسكن.
توصلت هيومن رايتس ووتش أيضاً إلى أن عمليات القصف التي تتسبب في قتل وإصابة السكان تواصلت في المناطق السكنية بمحلية هيبان وحولها. ففي فبراير/شباط 2015 تسببت قنبلة ألقتها طائرة في إصابة امرأة، كما أسفر هجوم جوي في 14 مارس/آذار في إصابة 14 شخصاً، وفقاً لإفادات شهود.
تسببت قنبلة أسقطتها طائرة آنتونوف في مقتل سيدة وطفلها البالغ من العمر 8 سنوات، في فبراير/شباط 2015. وكانت القنبلة قد سقطت على المنزل الكائن في بلدة كلكادا بمحلية هيبان في هجوم وصفه واحد من الزعماء المحليين بأنه واحد من الكثير من الهجمات التي وقعت خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار.
وفي مساء يوم 31 يناير/كانون الثاني 2015 أسقطت طائرتان نحو 20 قنبلة على قرية نياكاما بمحلية هيبان، ما أسفر عن مقتل امرأة وطفل وإصابة ثلاثة أطفال آخرين، طبقاً لإفادات مراقبين محليين لحقوق الإنسان. وفي وقت سابق من نفس الشهر، وفي نفس القرية، أسفر هجوم آخر عن مقتل خمسة أشخاص.
كما تسببت قنبلة في مقتل ثلاث فتيات، في مايو/أيار 2014، عندما كن نائمات في كهوف مجاورة هرباً من القصف الذي استهدف قرية تونقلي بمحلية دلامي. أسفر الانفجار في تمزيق جسد واحدة من الفتيات إلى نصفين، كما أسفرت الشظايا في تمزيق جسدي شقيقاتها إلى “أشلاء كثيرة”، حسب إفادات أقربائهن.
ولدى زيارة هيومن رايتس ووتش منطقة تونقلي في أبريل/نيسان 2015 توصل فريقها البحثي إلى أن عمليات القصف التي تقوم بها قوات الحكومة السودانية من خطوطها الأمامية، التي تبعد نحو 30 كيلومتراً، تسببت في إصابة أربعة أطفال.
وفي محلية دلامي، قُتل طفلان بقرية كيريلي بالقرب من قرية تونقلي عندما سقطت قنبلة على مقربة من حُفرة كانا يختبئان داخلها. وقال الشقيق الأكبر، الذي نجا من الهجوم، إن شقيقيه قُتلا بسبب الحرارة والدخان.
وعلمت هيومن رايتس ووتش أن أربعة أطفال آخرين تعرضوا لإصابات في كيريلي إثر هجمات جوية خلال هذا العام أسفرت أيضاً عن احتراق كثير من الأكواخ.
أطفال تعرضوا لإصابات بفعل هجمات بالأسلحة المتفجرة على مناطق مأهولة بالسكان
قامت هيومن رايتس ووتش أيضاً بتوثيق حالات أخرى متعددة تعرض فيها أطفال لإصابات هجمات بأسلحة متفجرة على مناطق مدنية مأهولة بالسكان.
وقالت طفلة تبلغ من العمر 10 سنوات، لا تزال حتى الآن طريحة الفراش بالمستشفى، لفريق هيومن رايتس ووتش البحثي إنها تعرضت لإصابات هي وأصدقاؤها منتصف فبراير/شباط عندما أسقطت طائرة قنبلة بالقرب من مكان للحصول على المياه بقرية شوري في محلية هيبان. وقالت الطفلة: “لا أتذكر جيداً، لكن وجدت أن ساقي اليسرى قد بُترت.”
وفي الوقت نفسه فقدت فتاة تبلغ من العمر 12 عاماً قدمها إثر إصابتها بشظية قنبلة قال شهود أن طائرة آنتونوف أسقطتها على قرية ألابو بمحية أم دورين.
أسقطت طائرة آنتونوف قنبلتين في 1 فبراير/شباط 2015 بالقرب من منزل في قرية راجيف، بمحلية أم دورين، ما أسفر عن إصابة خمسة أطفال، حسبما أفاد أفراد أسر الأطفال الخمسة. وقال والد اثنين من الأطفال إنه اضطر لحمل طفليه، الذين اخترق جسد واحد منهما عدد يتراوح بين 20 إلى 30 شظية معدنية صغيرة، لمسافة تبعد عدة كيلومترات عن منطقتهم محاولاً العثور على سيارة لنقلهما إلى المستشفى.
كما تعرض ثلاثة أطفال لإصابات مطلع مارس/آذار 2015 نتيجة قنبلة قال شهود عيان إن طائرة آنتونوف أسقطتها على بلدة دابي بمحلية أم دورين، حيث قتل ثلاثة أشخاص في أبريل/نيسان 2014 إثر عمليات قصف.
وتوصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن بقايا متفجرة تسببت أيضاً في إصابة أطفال. إذ تعرض طفلان من بلدة مندي، بمحلية هيبان، أعمارهما 12 و13 سنة، لإصابات بالغة بفعل مواد متفجرة عثروا عليها ملقاة على الأرض في حادثتين منفصلتين وفي موقعين مختلفين عندما كانا بصدد البحث عن فاكهة المانجو.
تعرض أحدهما لإصابات في كامل جسده، وقالت زوجة والده إنه عثر على جسم كروي الشكل بداخله ما يشبه النصل، وأضافت في معرض شرحها لما حدث: “كان يحاول فتحها [القنبلة] لاستخدام النصل في قطع فاكهة المانجو لأكلها.” وتعرض الطفل لإصابات بالغة في وجهه عندما قذف بالجسم الكروي الشكل على صخرة محاولاً فتحه. وقال شقيقه إنه كان يبحث عن مدية لتقطيع فاكهة المانجو.
الهجمات الجوية على المرافق الصحية
سلّم مسؤولون محليون يعملون في المجال الصحي هيومن رايتس ووتش قائمة تحتوي على 22 مرفقاً صحياً تعرضت لأضرار منذ العام 2011، غالبيتها بسبب الهجمات الجوية التي تشنها القوات الحكومية. ووقف أعضاء الفريق البحثي لهيومن رايتس ووتش على أدلة تثبت وقوع العديد من هذه الحوادث، بما في ذلك مبان وبنى تحتية تعرضت لأضرار.
فعلى سبيل المثال، زار أعضاء الفريق البحثي مركزاً صحياً ببلدة تونقلي، في محلية دلامي، تعرض لأضرار بفعل عمليات القصف، وظل مغلقاً منذ عام 2013. كما وقف باحثو هيومن رايتس ووتش أيضاً على الأضرار التي لحقت بمستشفى هيبان، بمحلية هيبان، حيث قال شهود إنه تعرض للقصف بطائرة آنتونوف في فبراير/شباط 2015.
وفي الكثير من الحالات التي تعرضت فيها مرافق صحية وتعليمية لأضرار بفعل القصف لم يتسن لهيومن رايتس ووتش التأكد مما إذا كانت مواقع محددة قد تعرضت للاستهداف المتعمد أم أنها تعرضت للقصف بفعل إلقاء القنابل بصورة عشوائية على مختلف الأماكن.
ولكن ثمة ظروف وحيثيات تشير إلى عمليات استهداف متعمد ضمن سلسلة من عمليات القصف الجوي التي وقعت خلال الفترة من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران 2014 على ثمانية مواقع مختلفة تضم منشآت صحية ومستودعات لإمدادات إنسانية. وفي ثلاث حالات حلقت طائرات من دون طيار فوق هذه المواقع خلال الأيام التي سبقت الهجمات الجوية.
وكانت طائرة آنتونوف قد أسقطت في 5 أبريل/نيسان 2014 عدداً من القنابل على مستشفى ببلدة توجور، بمحلية دلامي، وعلى المنطقة الواقعة حول المستشفى، حسب إفادات شهود كانوا يعملون في المستشفى في ذلك الوقت. وكانت واحدة من القنابل قد سقطت على المجمع الصحي وألحقت أضراراً بمستودع في المجمع.
وفي 1 مايو/أيار 2014، هاجمت طائرات حكومية مستشفى جيديل، الذي يعتبر أكبر مستشفى في المناطق الخاضعة لسيطرة التمرد، بثلاث قنابل سقطت في المنطقة الواقعة حوله وقنبلة رابعة سقطت على المجمع التي يقع فيه المستشفى. وفي 2 مايو/أيار أسقطت طائرة آنتونوف ثماني قنابل حول المستشفى، حيث شاهد العاملون في المستشفى طائرة بدون طيار وهي تحلق فوق المستشفى قبل نحو أسبوع من الهجوم.
وفي 5 مايو/أيار، قصفت طائرة مجمع مستشفى آخر ببلدة لويري، بمحافظة هيبان أيضاً، في هجوم مماثل أسفر عن مقتل شخص وإلحاق أضرار بالبنى التحتية. وكما هو الحال في مستشفى جيديل، فإن العاملين بالمستشفى شاهدوا طائرة بدون طيار تحلق فوق المنطقة قبل بضعة أيام من الهجوم. وتعرضت المنطقة المحيطة بالمستشفى للقصف مجدداً في 29 مايو/أيار.
تجدر الإشارة إلى أن مستشفى كاودا الريفي، بمحلية هيبان، لم يعمل منذ أن استهدفته طائرة بثلاثة صواريخ في 28 مايو/أيار 2014، أصاب واحد منها مبنى المستشفى وسقط اثنان خارج مباني المستشفى.
وفي كاودا أيضاً، تعرض للقصف في مايو/أيار 2014 مجمع لأكبر منظمة إنسانية محلية تعمل في جبال النوبة بعد أن استهدفته طائرة آنتونوف، ولم يتضح بعد ما إذا كان الهجوم متعمداً أم جزءاً من عدد من الهجمات الجوية التي استهدفت المدينة في ذلك الوقت.
وفي 16 يونيو/حزيران قصفت طائرة آنتونوف مستشفى تديره منظمة “أطباء بلا حدود” في منطقة فاراندالا، بمحلية برام، ما أسفر عن مقتل مريض كان طريح فراش المستشفى وطفل حديث الولادة وإصابة والديه، وتدمير غرفة الحالات الطارئة والصيدلية التابعة للمستشفى وغرفة تضميد الجروح ومطبخ تابع للمستشفى.
وكانت منظمة “أطباء بلا حدود” قد أبلغت السلطات في الخرطوم بموقع المستشفى الذي تديره. وتعرض المستشفى للهجوم مجدداً في يناير/كانون الثاني 2015. وأبلغ شهود هيومن رايتس ووتش بأن مقاتلتين أسقطتا قنبلتين على المستشفى أحدثتا أضراراً كبيرة بمبنى المستشفى. وقال واحد من العاملين في المجال الصحي إنه شاهد طائرة بدون طيار تحلق فوق المستشفى في فبراير/شباط، الأمر الذي يثير مخاوف من احتمال استهداف المستشفى مرة أخرى في إطار حملة القصف الجوي التي تقوم بها القوات الحكومية.
وكانت طائرة مقاتلة تابعة للقوات الحكومية قد أسقطت في يونيو/حزيران 2014 قنبلة على مستودع للأغذية تابع لمنظمة إنسانية تعمل في المنطقة، ما أسفر عن مقتل واحد من العمال. وشوهدت طائرة بدون طيار تحلق فوق الموقع قبل يومين من وقوع الهجوم.
وفي يونيو/حزيران قصفت طائرات حكومية مجمعاً آخر تابعاً لمنظمة غير حكومية بمنطقة أم سردبة كان يستخدم لتخزين إمدادات الإغاثة، إذ أسفر الهجوم عن مقتل مدنيَين اثنين وجرح ثلاثة آخرين.
تفشي الحصبة
بدأ تفشي حالات الحصبة في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين في أبريل/نيسان 2014 بعد وقت قصير على تفشيها في معسكر ييدا للاجئين بجنوب السودان. وقال مسؤولون في المجال الصحي لهيومن رايتس ووتش إنهم سجلوا 2000 حالة يشتبه في أنها إصابات بالحصبة. وبنهاية العام 2014 كان المستشفى الرئيسي قد قام بعلاج 1300 حالة، كما شهدت عيادتان بمحلية أم دورين 500 حالة أخرى يشتبه في أنها إصابات بالحصبة.
وبسبب ندرة البنى التحتية للمرافق الصحية ونقص وسائل المواصلات، فإن مسؤولين في المجال الصحي يتوقعون أن تكون هناك حالات أخرى كثيرة لم يتم التبليغ عنها، كما أشار إلى أن الحالات التي تم التبليغ عنها ربما يتكون جزءاً يسيراً من الحالات الفعلية الموجودة. وكان 30 طفلاً قد توفوا نتيجة الإصابة بالحصبة في المستشفى الرئيسي، إلا أن حالات الوفاة وسط الأطفال الذين لا يستطيعون الحصول على خدمات صحية قد تكون أكبر على الأرجح.
غالبية المصابين بحالات الحصبة من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 4 سنوات، وهؤلاء ولدوا بعد بدء الحرب في العام 2011، ولم يتم تطعيمهم بالأمصال المضادة للحصبة. وكانت مجهودات واسعة النطاق من جانب الأمم المتحدة والحكومة السودانية قد تم تعليقها في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين بعد أن حظرت الحكومة السودانية منظمات العون الإنساني من العمل في هذه المناطق، علماً بأن هذه الجهود استمرت في أنحاء أخرى من السودان، بما في ذلك مناطق في جنوب كردفان.
ويجب على كافة الأطراف في أي نزاع مسلح، والقوات الحكومية والمليشيات المدعومة من الحكومة وجماعات التمرد على حد سواء، السماح بمرور المساعدات المحايدة إلى المدنيين الذي يحتاجونها وتسهيل مرورها. إذ يعتبر نظام روما الأساسي، الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، “الحرمان من الحصول على الطعام والدواء بقصد إهلاك جزء من السكان” جريمة ضد الإنسانية عندما يتم ارتكابها كجزء من هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين.
وعلى الرغم من القيود المفروضة، فإن عاملين محليين في المجال الصحي قد قاموا بتحصين عشرات الآلاف من الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين منذ بدء التفشي السريع لحالات الحصبة، إلا أن هؤلاء العاملين أبلغوا هيومن رايتس ووتش في أبريل/نيسان بأنهم يخشون من أن يكون هناك كثير من الأطفال الذين لم يتلقوا جرعة التحصين. إذ أن طبيعة تضاريس المنطقة وتدهور الأوضاع الأمنية بسبب عمليات القصف والنقص في عدد الثلاجات اللازمة لحفظ الأمصال قد أعاقت جهود حملة التحصين في الأماكن التي يصعب الوصول إليها. وأعرب مسؤولون في المجال الصحي عن مخاوفهم من احتمال عدم حصول عدد كبير من الأطفال على التحصين اللازم ضد الحصبة بسبب مخاوف العاملين في حملة التحصين من احتمال أن تستهدف عمليات القصف تجمعات الأطفال المراد تحصينهم ضد الحصبة – لذا كان يتم إبلاغ سكان القرى قبل يوم واحد فقط من الموعد المقرر لتحصين الأطفال.
حاولت الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي الضغط بهدف السماح لوكالات العون الإنساني بالدخول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين في جنوب كردفان. إلا أن كافة هذه الجهود قد باءت بالفشل، كما هو الحال في آخر محاولة أواخر العام 2013 بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار للسماح بحملة الأمم المتحدة للتحصين ضد شلل الأطفال، إذ لم يتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق حول كيفية نقل الأمصال.
الهجوم على المرافق التعليمية
ينص القانون الدولي الإنساني على حق الأطفال في التعليم، حتى في أوقات النزاعات، كما ينص على حماية المدارس من الهجمات إلا أذا أصبحت هدفاً عسكرياً مشروعاً – إذا تم تحويلها، على سبيل المثال، إلى ثكنات عسكرية. لكن عدم اكتراث السودان بهذه القوانين تسبب في أزمة في مجال التعليم بجنوب كردفان.
وكانت عمليات القصف التي تقوم بها الحكومة على القرى والمدن الصغيرة في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين، منذ العام 2011، قد أسفرت عن إلحاق أضرار بما لا يقل عن 22 مدرسة، كما أسفرت أيضاً عن اضطرار تلاميذ ومعلمين إلى ترك البنى والمرافق الدائمة والانتقال لأكواخ من القش تقع إلى جانب مرتفعات صخرية أو تحت أشجار اتخذوا منها مدارس خوفاً من الغارات الجوية. ولا تزال عمليات القصف الجوي تروع الطلاب والتلاميذ حتى بعد لجوئهم إلى هذه المواقع. وكانت هيومن رايتس ووتش قد قامت بتوثيق خمس حالات تم فيها قصف مدارس أو مناطق ملاصقة لها، ثلاث منها وقعت عامي 2014 و2015.
وقال تلاميذ لهيومن رايتس ووتش إنهم يواجهون معاناة في عملية التركيز، إذ دائماً ما يركزون سمعهم على رصد أصوات الطائرات. كما أن الدراسة غالباً ما يتم تعليقها خلال الفترة التي تشهد عمليات قصف مكثفة.
يُضاف إلى ما سبق، فإن حظر السودان وصول المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين تسبب في ندرة المواد والأدوات المدرسية في غالبية المدارس. أما المعلمون، الذي يدفع رواتبهم السكان المحليون ويواجهون صعوبات في الإبقاء على المدارس مفتوحة، فلديهم نُسَخ من الكتب المدرسية في المدارس التي زارتها هيومن رايتس ووتش، إلا أن هذه الكتب غير متوفرة للتلاميذ. كما أن التلاميذ الذين يستطيع أولياء أمورهم توفير كراسات للواجبات المدرسية يشاركون التلاميذ الآخرين الأكثر فقراً بعض صفحات هذه الكراسات.
وفي مدرسة تونقلي، بمحلية دلامي تسبب النقص الكامل في الأدوات المدرسية في لجوء التلاميذ إلى التعلم الشفاهي وحتى أداء اختباراتهم شفاهة، أو بالكتابة على الرمل.
وحتى في حال نجاح التلميذ في استكمال مرحلة التعليم الابتدائي، فإن هناك خيارات محدودة لمواصلة مراحل التعليم، إذ أن هناك نحو 400 طالب فقط في المرحلة الثانوية في المنطقة بكاملها يدرسون في مدرستين ثانويتين، هما كل ما تبقى من المدارس الثانوية في المنطقة. لذا، آثر معظم التلاميذ التوجه إلى معسكرات اللجوء في جنوب السودان سعياً للحصول على التعليم.
زارت هيومن رايتس ووتش أيضاً مدارس في معسكرات اللاجئين في جنوب السودان ووجدت أن هذه المدارس تعاني من الاكتظاظ وتفتقر إلى المدرسين. ففي معسكر ييدا للاجئين، ومعسكر آجونق ثوك الجديد، تعاني المدارس من ازدحام واضح. إذ أن هناك ما يزيد على 16000 تلميذ في ست مدارس في معسكر ييدا، و73 مدرساً فقط. كما أن هناك مدرسة ثانوية واحدة فقط.
لم تقدم منظمة الأمم المتحدة مساعدات لمدارس معسكر ييدا بسبب قرب المعسكر من الحدود واعتباره بالتالي ذا طابع عسكري لا يسمح بأن يصبح معسكراً دائماً. وقامت الأمم المتحدة بناءاً على ذلك بتقديم مساعدات لمدارس وخدمات أخرى في معسكر آجونق ثوك الجديد، إلا أن المدارس فيه كانت تعاني مسبقاً من الاكتظاظ، ويبلغ التلاميذ فيها 5300 تلميذ موزعون على أربع مدارس ابتدائية.
0 comments:
إرسال تعليق