شكراً للتاريخ والمؤرخين ، الذين تسوروا أسوار وأبراج الحكام والسلاطين العالية ليأتونا بأخبارهم ، وبأخبار ما كان يعرف ببيوت الحريم ( الجواري ). فعرفنا ما بداخل بيوت حريم الخلفاء العباسيين، والاتى اشتهرن ب(أمهات الولد). وعرفنا أيضا كيف صولن وجولن فى القصور ، وتآمرن على بعضهن من أجل وصول الأبناء لسدة الحكم . فاشتهرت منهن فى قصور بني العباس " سلامة البربرية " أم المنصور ، و" الخيزران " أم هارون الرشيد و" ماردة " أم المعتصم ، و" مراجل " أم المأمون. أما فى بلاد الأندلس لم نجد من الخلفاء من هو ابناً من غير الجواري .
أما حديثاً ، ففى الدولة العثمانية ، تحولت بيوت الحريم إلى " الحرملك " ، والكلام عنه كثير ، ولكن نكتفى بالشهيرات منهن وهن " حويرم " وقويسم ، و "نخشديل ".
فماذا عن بيوت حريم دولة المهدية فى بلادنا " السعيدة " السودان ؟ بالطبع ، موضوع بيوت حريم الدولة المهدية ، هو من تاريخنا الإجتماعي المسكوت عنه ، لم يقترب منه المؤرخ الوطني – الرسمي – أو المستقل .ولكن نعوم شقير ، أخرج لنا هذا " التابو " . فأخبرنا وذكر لنا أسماء زوجات المهدي الشريعيات (4) ، والمحظيات ( 63) وهن من كل قبائل السودان والحبشة و مصر. ولم يقل خليفة المهدي عبدالله التعايشي عدداً عن سيده المهدي، فكان له (4) شرعيات ، و(17) من السراري وكلهن ولدن له صبيان وبنات ، جملتهم (32 ) (21 ) ذكراً و(11) أنثى ، وجميع السراري من كل أركان السودان والحبشة ومصر .
فلنعد لصديقنا ، عبدالله المسلماني " شارليس نيوفيلد " ، التاجر الذى أراد أن يغتني من صمغ كردفان ، فيرميه الأقدار في قضبة دولة الخليفة عبدالله التعايشي ، حيث تم اعتقاله وخادمته الحبشية " حسينة " بوادي ( القعب / الكاب ) من قبل قوات أمير دنقلا المقدام عبدالرحمن النجومي . بعد استجوابهما من قبل الأمير النجومي ، تم ترحيلهما إلى أم درمان ، حيث أُودع شارليس نيوفيلد سجن (الساير/ السائر ) الشهير بأم درمان ، وهو منسوب إلى مديرها " إدريس ود الساير أو السائر " وله قصة ، وتم إيداع " حسينة " لبيت حريم الخليفة أولا ، ولكنها إدعت بأن لها ابن فتم إخراجها من بيت حريم الخليفة إلى بيت حريم إدريس الساير ، وفى بيت حريم إدريس حبلت المسكينة حسينة .
خلق هذا الحمل " السفاح " إشكالية لكل من أدريس لكونه الفاعل ، ولحسينة المفعول بها ، ومحاولة نسب المولودة "مكيّة " لشارلس نيوفيلد . فإدريس يحاول أن يستولى على " حسينة " الحبشية الجميلة ، ويجعلها حرة "كأم ولد " وتبقى كإحدى زوجاته ، وأرسلها لمناقشة الموضوع مع شارلس نيوفيلد فى سجنه ، احتار نيوفيلد ، فهو لا يريد أن يتخلى عن خادمته التى وقفت معه فى كل محنه منذ دخولهما السودان ، فإذا إدعى نسب الولد إليه ، فإن ذلك سيحرج إدريس الساير لدى الخليفة عبدالله ، فى أين ومتى حدثت الخلوة بين نيوفيلد وخادمته حسينة ؟ أما إدريس نفسه سيقع فى فخ الزنا بحسينة بكونها ليست جارية له ، وبالتالي سيكون مصيره الحد ولحسينة . وبعد مداولات بين القضاة فى الأمر تحول الأمر إلى خليفة المهدي ، عبدالله ، يبدو أنه تغاضى الطرف عن القضية ، وعرض لنيوفيلد اطلاق سراحه مقابل عمله في مصنع زخيرة أم درمان ، ووجد سكنا لحسينة في حي " المسلمانية ".
توفيت ابنتها بعد فترة من الزمن ، فساءت حالة حسينة ، فبدأت تتصرف تصرفات غير أخلاقية ، أحرجت سيدها بسرقاتها من بيوت أصدقاء نوفيلد ، فنصحه أصدقاؤه بالتخلص منها ، وإلا أنه سيجد نفسه أمام القضاء كشريك لحسينة ، فتخلص منها بالطلاق بعد موافقة الخليفة عبدالله . وتزوج نيوفيلد من سيدة حبشية أخرى تدعي " أم الشول " وهي التى فى الصورة المرفقة مع صورة نيوفيلد .
0 comments:
إرسال تعليق