بقلم/الطيب الزين
حكمنا
هذا الانسان المتواضع الحكمة، لمدة تجازوت الربع القرن، كان لزاما علينا، ان نهديه
هدية في هذه الايام، والناس يتبادلون كروت التهانيء بمناسبة العام الجديد، التي
تذكرنا بعيد إستقلالنا، أو بالاحرى، بعيب إستقلالنا..! الذي كشفنا وعرانا، بين
الأمم، لأن الامم من حولنا، حتى التي نالت إستقلالها من بعدنا، إستقيظت ونهضت،
وراحت تشق طريقها، نحو التقدم والإستقرار بكل كبرياء وعنفوان وشموخ.. إلا نحن...!
سبحان الله.. بقينا ضعفاء بؤساء فقراء.. لأننا، رحنا نبحث في جيف مدافن التاريخ
العتيقة، عن فتاوى، ترى ان البحث العلمي، والعمل الدائب من أجل الدنيا بكل إخلاص
وإجتهاد ليس فضيلة ولا حسنا، بل ترى ان عاقبة العمل وهذه الدنيا ليست مأمونة ولا
حميدة، لأن الله سيؤاخذنا عليها، بل سيحاسبنا الحساب الشديد، ثم يعاقبنا على قدر
ما كسبنا منها، فتاوى تعتقد وترى ان كل ما نناله منها، هو إلا حسنات تعجل لنا ..
فتاوى تدعونا للخضوع والضعف.. فتاوى تشرعن لكل حاكم بلا شرعية، وتدعوا لطاعته..
وتحرم الخروج عليه...!
لذلك
لابد ان تكون هديتنا له مختلفة عن ما عهده في السابق، كونه جعلنا في ذيل الامم..
هديتنا ليست من شاكلة ومعيار الفتاوى المنافقة وخطابات المديح، التي ظل يتكرم بها
عليه، ثلة المنافقين والإنتهازيين، أمثال بلة الغائب، والكاروري، وعبد العاطي،
ومندور، وغندور، والحاج ساطور، وكل من وضع نفسه، أو قبل أن يكون عبدا مأمور، من
ضباط ورجال مليشيات، وسياسيين، وكتاب وصحفيين، تركوا مهنة المتاعب والبحث عن
الحقائق، بل راحوا يبحثون عن لقمة العيش، في التراب، تحت رحمة الحاكم الظالم، بل
أصبحوا في عهده، كالحشرات والنمل، وتنازلوا عن شرف وقيم المهنة والرسالة، ولاذوا
بالصمت، وإن شاء لهم هوى الكتابة يوما ان يكتبوا، كتبوا مزيفين، مشوهين للواقع
ومزورين للحقائق. لذلك ظن عمر البشير ونظامه، خلال الربع قرن المنصرم، إنهم خليفة
الله في الأرض، وراحوا يعبثون بمصير البلاد لمدة ربع قرن بلا حكمة أو بصيرة.
لان
ليس هناك من بين الكتاب والصحفيين عدا القلة القلية، من يستطيع أن يتجرأ، أن يقول
له ولهم، أن الأمن الحقيقي لاي دولة ليس في ضخامة حصة الامن والجيش والبوليس من
الميزانية العامة، وإنما في زيادة حصة الركيزة الاجتماعية في المقام الاول ، حتى
قبل الركيزة السياسية. فالمجتمع المستقر هو بكل بساطة وإيجاز، دعامة الإستقرار
السياسي، وأمن الدولة.
وإنهيار
الدولة يبدأ من إنهيار مجتمعها، فكيف يصل المجتمع السوداني ، إلى حالة الإستقرار
والشعور بالأمن..؟ والسودان منذ إستقلاله، وحتى اللحظة يعاني الظلم ...؟ وكما هو
معلوم ليس هناك في الوجود ما هو أشد وطأة على النفس من الإحساس بالغبن وعدم العدل.
والإحساس بعدم العدل قد يقود الى سلوكيات وتصرفات لا يمكن التنبؤ بها، ولكنها في
النهاية تجتمع عند نتيجة واحدة، وهي دمار المجتمع بما يحتويه من حاكم ومحكوم
ومؤسسات وعلاقات ومشتركات بين الناس وغير ذلك كثير. ومن منظور أمني بحت، من الممكن
أن يعمم في هذا المجال بالقول إن مفتـــــاح الأمن من عدمه هو في معرفة درجة الإحساس
بعدم العدل، ومن ثم الإنتماء، في مجتمع ما، عند نقطة زمنية.. وعند تلك النقطة
الزمنية الحاسمة.. تنطلق شرارة الحريق التي تقضي على الأخضر واليابس، وهذا ما حدث
في حرب جنوب السودان، التي ظلت مشتعلة لأكثر من نصف قرن، حتى إنتهت بفشل النظام في
الإستجابة لشروط الخروج من طوق تلك النقطة الزمنية الفارقة.. وكان الإنفصال الذي
لم يخلصنا نحن الذين فشلنا، من ويل الحروب وبؤسنا.. ولا هم الذين ظنوا انفسهم قد
ربحوا، قد خلصهم من ويل الحروب وخطر المجاعات..
يحدث
الإنهيار والخراب حينما يعم الفساد وتغيب معايير العدالة، وتصدر فتاوى التحلل،
وتوجد الأعذار، إذا سرق القوي، وإذا سرق الضعيف طبقوا عليه الحكم. وكلنا يعرف
ويردد مقولة الهرمزان عندما وجد عمر ابن الخطاب نائما في ظل شجرة من دون
حراسة:" حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر" ومقولة عمر بن عبد العزيز: حصنوا
مدنكم بالعدل" وكلنا يردد دائما ان العدل أساس الملك. كلنا أو أغلبنا يعرف
ذلك، وعمر البشير ونظامه يعرفان ذلك، لكن السؤال ليس في معرفة الشيء، او في تطابق
الاسماء، وإنما في الإيمان بقيمة العدل، وتطبيقها. لذا هديتنا لعمر البشير تقول:
له إن كنت تؤمن بقيمة العدل، فعليك ان تطبقها في نفسك، بحل نظامك، وطلب عفو الشعب
السوداني عنك، في ذكرى الإستقلال القادمة التي تبقى منها أقل من إسبوعين، وعندها
ستكون قد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، وسيضاف أسمك لاسم عمر أبن الخطاب وعمر أبن
عبد العزيز، والشعب السوداني
كريم
وأصيل لن يخيب ظنك فيه. وإن فعلتها حتما ستظهر لنا ولكل العالم إنك ليس متواضع
الحكمة كما نعتقد حتى الآن..!
الطيب الزين
الطيب الزين
0 comments:
إرسال تعليق