قبل أن أجيب عن هذا السؤال، دعوني، أسألكم.. بكل عناونيكم، وزراء،
موظفون، مهندسون، أطباء، طلاب، عاملون، عاطلون، معارضون للنظام، أو مؤيدون له.. كم
هو مؤلم ان تحتفل بلادنا بذكرى إستقلالها الستون.. والمشهد بكل تجلياته، وأشكاله
وألوانه، في الحواشي والمتون، لا يبشر بخير او عافية، أهو إحتفالا، أم أرتجالا، أم
إرتحالا للضمير، بين الأثنين، ام هو إرتحالاً نحو المجهول، بعد أن صارت البلاد
نصفين، والموقف الراهن، كالليل الداكن، والبحر الساكن، ونحن نركض دوما للوراء، بكل
ملكات عقلنا، بينما عجلة الزمن والاحداث تركض في الإتجاه المعاكس، هكذا دوما
يستفزنا الزمن والأحداث.. يستفزانا حتى في يوم إستقلالنا..؟ ما أتعسها من ذكرى..
تثير فينا مشاعر الحزن والأسى.. لأننا لم نكن بمستوى التحديات، لذا خذلنا الطموحات
والتوقعات، هكذا كانت وما زالت حياتنا، كلها كبوات، وصدمات، وهزات، هزت الضمير
والوجدان، إلا إننا ظللنا ندمن السكون والركوع والخشوع والقنوع والخمول والركود
وعشقها حتى الهيام بها، في عالم لا يعرف السكون، عالم متغير يوما بعد آخر،عالم
متغير في كل ساعة، في كل لحظة.. عالم متغير في فكره، في عقله، في حسه في سلوكه،
عالم كالبحر كالنهر، عالم لا يعرف السكون، لا سكون الارادة ولا سكون العقل، ولا
سكون الضمير، عالم يفتح عيونه للمستقبل، يبتسم له، يوقد له الشموع، يرقص له طربا،
يركض نحوه، في جامعاته ومعاهده، في مزارعه، في مصانعه، في مشافيه، في طرقاته، في
ميادينه، في مكتباته ومسارحه، في رياض أطفاله.. عالم يحترم الزمن، ويسعى لصداقته،
عالم يعرف النظام وقيمته، وسحره، عالم يحترم الإنسان، لا للونه، لا شكله، لا أصله،
لا لفصله، لا لعرقه، لا لدينه.. يحترمه لانه إنسان. هذا المخلوق العجيب، الذي في
غياب الحريه، يموت، كما تموت الاسماك بفقدها للماء، فالحريه هي ماءه، هي غذائه، هي
فضائه، الذي يفجر من خلاله، وبه عطائه، ومواهبه العلميه، والعقلية، والفنية
والثقافية. كل هذه، وغيرها، تحتاج للهواء النقي، إنها الحرية في حياة الإنسان.
التي تملأ الحياة، حياة وقوة وضجيجا وبهاءاً. وما نقوله ليس إكتشافاً جديداً،
وإنما هي حقائق واقعية يشهد لها جملة تاريخ الإنسان، وجملة تدرجه في مدارج
الإستواء، والنضج، وإخراج مواهبه من الإنكماش والكمون لتبدأ مسيرة الصعود في مدراج
السمو والرفعة والمنعة، لذلك صنع الإنسان الساعة، لأنه عرف قيمة الوقت، وهكذا
الحركة، فكانت السيارة والقطار، قديما، بل أنجب منها أجيالاً جديدة، سنة بعد أخرى،
وهكذا كانت الطائرة، والباخرة والسفينة، وإكتشافاته المتجددة للطاقة من بترول
وغاز، وغيرها من ابتكارات جديدة في هذا المجال. وراح يهاجم الأمراض بأبحاثه وعلومه
وتجاربه، وقد صنع لها الأدوية الناجعة، ووضع لها الأرصاد والالآت الحساسة التي
تعرف أين توجد، وأين تحل، وأين تعسكر، وأي بيئات حاضنة لها... جاء بالهاتف
ومواليده الجدد، والحاسوب والإنترنيت والأيباد، وبرامج التواصل الإجتماعي التي
سهلت الحياة، وأعطتها معنى وقيمة أن تعاش، عرف كيف يهيء الظروف، برغم أجواء
السياسة المشحونة، والمعبأة بالكراهية والعنصرية، التي يروج لها الأشرار من الناس،
هنا وهنك.. إلا أن الإنسان الحي، قد صنع جسوراً قوية من المعرفة والعلم والمحبة،
تجاوزت تلك العقبات، ومكنت الناس من التواصل مع بعضهم البعض، يتبادلون الأفكار
والمصالح، والمشاعر، برغم تعددهم وتنوعهم، وبعد المسافات بينهم، وأضحى العالم مثل
القرية الصغيرة، بل بيتاً، بل غرفة .. كل هذا كان بنعمة العقل الحر والضمير الحي..
وليس العقل المقهور، العقل المقموع، المسجون، الممنوع من الحياة، لغياب الحرية ..
لذا تعود علينا ذكرى إستقلالنا هذا العام، وربما القادمات منها، بمزيد من الحسرة
والأسى لاننا راكبين في العربة الخطأ، وفي القطار الخطأ، الذي يسير في الإتجاه
الخطأ... فالمسيرة حتماً، تحتاج لتصحيح ..!
الطيب
الزين
0 comments:
إرسال تعليق