ملاحظات /عثمان نواى


ملاحظات فى السياسة
ملاحظة عن مسالة الثورة
- يبدو لى ان السودان فى الوقع يعيش حالة انفصام سياسى . فالثورة فى السودان هى فى الواقع ثورتين وليست ثورة واحدة. فمن جانب هناك الثورة التى يعتقد الجميع انها هى فقط " الثورة" ويعطونها ضجيجا اكبر وشرعية اوسع. وهى الثورة على النظام الديكتاتورى الحاكم ، وعلى هذه الثورة يكاد ان يتفق الجميع ، شعب ، احزاب سياسية معارضة، يسارية او اسلامية ، وبالطبع الحركات المسلحة. فى الظل هنالك تلك الثورة التى لا تجد ذات القدر من الرواج والاتفاق حولها بل يتملص منها الكثيرين او يعترضون على وسائلها ، ولا زالو يتحدثون عنها على انها ثورة " مبررة ويمنون عليها حين يصفونها بالمشروعة، كصفة ممنوحة وليست اصيلة . تلك هى الثورة على "الكيان السودانى" لانه لا توجد فى السودان دولة حقيقية او امة او حتى نظام، هناك نظم حاكمة ولكنها ليست نظم متحكمة ثابتة. لذا هناك ثورة على ما يسمى بأنه السودان فى اطاره التاريخى السياسى والاجتماعى الكلى وحتى الجغرافي ، والذى يتبناه العقل الجمعى للسودانيين منذ تكوين ما يعرف بالسودان الحديث ، والذى قد نؤرخ له ببداية الحكم التركى المصرى للسودان اوائل القرن التاسع عشر.
فى اعتقادى ان تلك الثورة على الكيان السودانى يعيها بشكل جزئى الثوار فى مناطق النزاعات فى السودان وبشكل عام المهمشين لانهم هم الجزء الاكثر تاثرا بمنتوجات الواقع المشوه الذى يشكله الكيان السودانى الحالى. وقال احدهم ان العنف احيانا هو الدرجة القصوى للوعى. وهذا الوعى هو وعى ناتج عن التجربة الواقعية والمباشرة والمؤلمة بالضرورة 
ان الثورتين هما فى حالة من التضاد على المستوى العميق ، اما على السطح فنجد محاولات فطيرة لادماج الثورتين فى اطار مشوه يشبه التشوه العام للواقع السودانى الكلى. 
فالذين يريدون ان يثوروا على النظام الديكتاتورى الحاكم يرون ثورتهم اكبر وأهم وتشكل " الحل الشامل" وكان النظام الحاكم هو الازمة الاساسية للسودان. وفى داخلها تحل جميع الازمات. خاصة الحروب المستعرة فى ثلثى السودان الماهول بالسكان. على النقيض من ذلك نجد ان الواقع يكذب هذا الاتجاه فالنظم الديكتاتورية فى السودان كانت اكثر مقدرة على الوصول الى اتفاقات توقف الحروب وفى ظلها توقفت الحروب فعليا لعدة سنوات على الاقل ، في المقابل فان فترات ما بعد الثورات والديمقراطيات لم تتمكن من وقف الحروب قط على النقيض ، احيانا أسهمت في زيادة أستعارها نتيجة للفوضى السياسية إبان تلك الفترات. الاهم فى الامر ان النظم الديكتاتورية اتت وذهبت وظلت المناطق المهمشة والحروب مستمرة. اذن اى الازمة لم تكن ابدا كما ليست هى الان مرتبطة بنظام الحكم بل ان وجود الحروب واستمرارية نظام الحكم الديكتاتورى من الاساس ، هى انعكاس لتشوه الكيان السودانى ، والذى يجب ان تقوم الثورة الشاملة الحقيقية  عليه بشكل كامل. بالتالى علينا اولا ان نعى ان الحل الشامل الحقيقى يقتضى بالضرورة اسقاط النظام لكنه ليس سوى الخطوة الاولى فى الطريق لاسقاط الكيان السودانى نحو تكوين دولة سودانية 
والخارطة السياسية الموجودة حاليا ، للآسف تتضمن مكونات اساسية فى الجانب المعارض والذى يرغب فى اسقاط نظام الحكم ، هى فى ذاتها تحتاج الى مراجعة كبيرة وربما الى اسقاطها ككل او اسقاط اجزاء منها باعتبارها جزء من الكيان السودانى المعطل لتكوين الدولة السودانية. وربما هذا الوعى الكامن لدى هذه الاطراف يجعلها تلعب دور سلبى فى قلب الحقائق ، والحفاظ على الواقع المشوه للكيان السودانى

مصطلح الكيان السودانى قد لا يكون صحيح ، لكن يقصد به هذا الكيان المبهم الذى يسمى السودان حاليا ، الذى لا يستطيع ان يعرف نفسه لذاته او للاخرين ، الا عبر مفاهيم اثبت التاريخ زيف معظمها وكذب ما تبقى منها. في ظل تغييب متعمد لحقائق هامة لأنها تهدد وجود هذا الكيان
Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق