كان الله في عون مدينة الخرطوم، وكان الله في عون ساكنيها، وكان الله في عون كل المتطلعين اليها، وكان الله في عون النيل الذي يجري بين خديها، لكنه يتسرب هكذا، كالهواء من بين يديها . . وهي تعزف ترنيمة الحزن والعطش والاسى، وهي ترى صناديد عناكب الفساد، يخرجون من بين شقوق بيوتها القديمة، وهم ينفضون غبار المبادئي والانتماء، ويصعدون عربة الطاغية التي تأخذهم الى حيث بوابة المجلس الوطني من دون المرور بمحطات صناديق الاقتراع. وشئياً فشئياً يتجمع صناديد عناكب الفساد من كل ارجاء البلاد، كما تتجمع بنات آواى حول فريستها . .
انه زمن الميلودراما الذي نشهد فيه صخب مهرجانات الفساد، الذي اصبح من دم ولحم. الفساد هو جنرال يقود ولاية الخرطوم بقضها وقضيضها، اما بقية جنرالات وشيوخ الفساد الآخرين فهم موزعون كولاة في ولايات السودان الاخرى، وقادة في الجيش، والشرطة، وبقية مؤسسات جمهورية الفساد . . الفساد الموقر، اصبح قاعدة حصينة وثقافة رصينة . . وزانة للقفز من قاع الفقر والبؤس الى قمة العز والجاه. . لذا، ليس غريباً ان يأتيك النبأ العظيم، من دهاليز المجلس الوطني، الذي التقى فيه صناديد عناكب الفساد، المحترفون بالهواة الجدد . .!
الخرطوم والنيل، من حقهما، بل كل مدن السودان الاخرى، من حقها، ان تقيم مهرجانات للرفض والغضب، وهي تسمع ان حلايب وشلاتين قد صدر قراراً من المجلس الوطني المصري بقضمهما وضمهما الى مصر . . بينما بعض أعضاء المجلس الوطني الموقرين في السودان مشغولون باستخراج بطاقات مزورة، بغرض الحصول على قطع أراضي تحقيقاً لمصالحهم الخاصة. . !
يا لها من ماساة . .؟ ان تصمت الخرطوم وهي ترى النيل يجري شمالاً، واغلب مدن السودان الاخرى عطشى، ولا تخرج في مظاهرة تعبر عن حنقها ورفضها، ادانة لقرار القضم والضم . . ؟؟؟
هل فعلاً ان المجلس الوطني، هو مجلس وطني بحق وحقيقة . .؟ للامانة من يعرف النظام والثقافة السائدة فيه هذه الأيام، والطبع الذي يغلب على سلوك قادته ومناصريه والبيئات التي جاءوا منها، لا يعتريه الاستغراب، من حالة الصمت المطبق. . اذ لا جلسة طارئة عقدها أعضاء مجلسنا الموقر، لمناقشة ما تم، ينجم عنها على الأقل إصدار بيان هزيل يعلن فيه ادانته ورفضه، ويطلب من وزير الخارجية لاستدعاء سفير مصر في السودان وتسليمه فحوى البيان . . ومن ثم دعوة الشارع السوداني للخروج في مظاهرات رفض وغضب. . !
للامانة لو كنت رئيساً لهذا البلد، لما إكتفيت بهكذا خطوات برغم أهميتها، بل لأعلنت التعبئة العامة في صفوف الشعب وحشدت القوات المسلحة عند الحدود، عملاً ببيت الشعر الذي القول: من لم يمت بالسيف مات بغيره، فالموت بالسيف او غيره، أفضل الف مرة من خيار الصمت على الذل والاهانة، الذي لاذ اليه النظام وبقية مؤسسات تزييف إرادة الشعب بما فيها مجلسنا الموقر الذي يعج بالسادة من كبار صناديد الفساد . . !
ما نقول او نفعل اكثر في زمن الاوغاد، الذين لا فرق بينهم، سواء كانوا نواباً في البرلمان، أو كتاباً وصحفيين أو قادة في الجيش، ما دام انهم قد قبلوا ان يكونوا عبيداً وخدماً تحت امرة نظام حكم أوتوقراطي فاسد، مثل نظام الانقاذ، الذي أورثنا كل هذا الْخِزْي والعار . . !
ما أقوله ليس منبعه التشاؤم، أو الاتهام الأجوف للابرياء، بل مصدره الواقع والوقائع التي تقول: ان كل ما عرفناه من نماذج حكم، منذ 1956، وحتى الآن، هي نماذج استهبال ولعب عيال، نماذج حكم فاسدة، لاسيما الزمرة الحاكمة التي كل همها السرقة والسيطرة تحت لافتات الدين والوطن، المفترى عليهما، والشعب المضحوك عليه بشعارات زائفة، لم يقبض من روائها حتى الان ، سوى السراب والوقوع في مستنقع الخراب والخزي والعار، وللخروج من هذا النفق، على المظلومين في كل بلادي، ان يثقوا ان الحلم البشري هو محرك التاريخ وصانع الثورات والتغيير.
0 comments:
إرسال تعليق