(حريات)
واجهت صفقة الاتحاد الأوربي السرية مع النظام السوداني وعدد من الأنظمة الديكتاتورية في الإقليم ردود فعل مستهجنة واسعة في الصحافة الغربية، وصدرت عناوين تغطي الفضيحة مثل تقرير بوزفيد (ألمانيا سوف تساعد زعيماً مطلوباً للإبادة الجماعية على بناء معسكرات لاحتجاز اللاجئين.. هذا ليس مزاحاً)، و(صفقة أوربا السرية مع ديكتاتوريي أفريقيا) في مجلة نيو ستيتسمان البريطانية، وغيرهما.
وأعقبت مراسلة بوزفيد “جينا مور” بالثلاثاء عنوان تقريرها (ألمانيا سوف تساعد زعيماً مطلوبا للإبادة الجماعية على بناء معسكرات لاحتجاز اللاجئين) بجملة : هذا ليس مزاحاً، ثم ابتدرت التقرير بالقول (إن أعضاء الاتحاد الأوروبي لا يريدون اللاجئين بحق وحقيقة).
وذكر التقرير إن أكثر من مليون طالب لجوء وصلوا لأوروبا من تركيا العام الماضي، معظمهم عبروا البحر من تركيا على متن قوارب مطاطية. وإن الاتحاد الأوروبي وافق في مارس على دفع ما يقارب من (7) مليار دولار على مدى العامين القادمين لتركيا، وفي المقابل، وافقت تركيا على قبول اللاجئين الذين تقرر أوربا إعادتهم. كما اقترح الاتحاد الأوروبي مؤخراً أن على البلدان الأعضاء بالاتحاد التي ترفض قبول بعض أولئك الناس أن تدفع مقابل الفرد الواحد ما يقارب من 300 ألف دولار كـ “مساهمة تضامن”.
ومضى التقرير ليصف مجهودات أوربا المضنية في التخلص من اللاجئين بقوله: (وذلك لدرجة أن الألمان الآن في طريقهم لمساعدة زعيم عالمي مطلوب بتهمة الإبادة الجماعية على إقامة “معسكرات احتجاز مغلقة” في بلاده) في الإشارة لعمر البشير المتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
وذكر التقرير إن وثائق سرية حصلت عليها مجلة دير شبيقل الالمانية وإذاعة المؤسسة العامة للبث الاذاعي لجمهورية ألمانيا الأتحادية ARD كشفت عن خطة أوروبية سرية لإرسال كاميرات، وماسحات ضوئية، وخوادم (إنترنت) لتسجيل اللاجئين للسودان، وهو نقطة العبور للاجئين من شرق ووسط أفريقيا، والذين يتحركون عبر الصحراء لليبيا ليعبرون البحر نحو إيطاليا.
وكانت (حريات) قد نشرت بالاثنين تقريراً حول الصفقة التي شكلت فضيحة دولية داوية، مع تعليق الكاتب الأمريكي إريك ريفز ، المختص بالشأن السودانيحول الفضيحة.
ويمضي تقرير بوزفيد قائلاً : وتشمل الخطة أيضا تقديم المساعدة من ذراع التطوير الدولي الألماني ، منظمة التعاون الاقتصادي الدولي GIZ، لإقامة معسكري احتجاز للاجئين في السودان.
وذكر التقرير إنه تم توجيه الاتهام للرئيس السوداني ، عمر البشير، في ثلاث تهم بالإبادة الجماعية من قبل المحكمة الجنائية الدولية. وقد هرب مرتان من الاعتقال أثناء رحلات دبلوماسية، مرة بجنوب أفريقيا، ومرة الأسبوع الماضي، في يوغندا.
وذكر كذلك أن الخطة كان من المفترض أن تبقى سرية ، ووفقا لوثائق سرية حصلت عليها وسائل الإعلام الالمانية . فقد قال موظف رفيع بالاتحاد الأوربي يعمل في مكتب فيديريكا موغيريني ، ممثلة الاتحاد الأوروبي العالي للشؤون الخارجية ، إن ( سمعة أوروبا قد تكون على المحك). وقالت مجلة دير شبيقل إن ( المفوضية الأوربية حذرت خلال اجتماع لجنة الممثلين الدائمين بأنه لا ينبغي للجمهور الاطلاع على ما قيل في المحادثات التي جرت في 23 مارس تحت أي ظرف من الظروف).
وقالت دير شبيقل إن الخطة تضع 45 مليون دولار لثمانية بلدان تصفها بـ(الدكتاتورية) في القرن الأفريقي – وهي منطقة تضم إريتريا ، وهي بلد استبدادي معروف بانتهاكات حقوق الإنسان – والصومال، والتي ظلت في حالة حرب لأكثر من عقدين من الزمان .
واضافت أنه ربما لا تكون أفضل فكرة للاتحاد الأوروبي تقديم معدات مراقبة واحتجاز لحكومات متهمة بارتكاب الإبادة الجماعية والتعذيب. ووفقاً للمؤسسة العامة للبث الإذاعي الألمانية فإن الوثائق تقول إن (المعدات ربما استخدمت لقمع السكان).
وأكد التقرير صعوبة العثور على بلد في منطقة القرن الأفريقي لا لا ينتهك حقوق الإنسان ويمارس التعذيب والاعتقال التعسفي والاحتجاز، والرقابة الصحفية، ومضايقة المعارضة السياسية، أو حتى القتل خارج نطاق القانون . ويعقب التقرير في أسى : (ولكن يبدو ان الاتحاد الأوروبي لا يهتم لذلك).
وذكر التقرير إن وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية علقت لـ(دير شبيقل) ان الخطة (ملزمة) ، على الرغم من أن القرارات حول تنفيذها لم تتخذ بعد . وإن اتفاقية الاتحاد الأوروبي السرية قد تضع الأساس لنقل طالبي اللجوء جماعياً إلى السودان. وأن إبراهيم غندور، وزير الخارجية السوداني، قال للإذاعة الألمانية ARD: (سألني مفوض الهجرة التابع للاتحاد الأوروبي في بروكسل : لدينا (12000) مهاجر غير شرعي من السودان في دول الاتحاد الأوروبي فهل أنتم على استعداد لاستقبالهم مرة أخرى؟ قلت له : على الفور بإننا سنرحب بهم).
وعلق تقرير بوزفيد بان إعادة اللاجئين دون التحقيق والبت في طلبات لجوئهم يعد عملا ضد القانون الدولي . وأضاف التقرير بأن السودان يقول إنه يخطط لإبقاء الناس في المعسكرات الجديدة لأجل غير مسمى – والأوروبيين يعرفون ذلك. وإن مسؤولين سودانيون قالوا لصحفيين ألمان إن السودان قد استضاف مؤخراً العديد من الزوار الألمان لمناقشة بناء المعسكرات. وقال مسؤول هجرة سوداني للإذاعة الألمانية ARD ( ما قلناه للوفد الألماني هو أن اللاجئين سوف يبقون في المعسكرات، وذلك لتتم مراعاة احتياجاتهم ، ويمكنهم المشاركة في مشاريع مدرة للدخل، والهدف هو ألا يترك اللاجئون المعسكرات الجديدة. لقد ناقشنا كل هذا بدقة مع الوفد الألماني).
وتقول منظمات حقوق الإنسان مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن الاعتقال إلى أجل غير مسمى ينتهك القانون الدولي.
وفي صعيد متصل قالت وكالة ترونيوز إن الدبلوماسيين، بقيادة ألمانيا، أجروا محادثات مع الطغاة في جيبوتي وإريتريا وإثيوبيا والصومال والسودان، حول الصفقة وسوف يتلقون أكثر من (57) مليون دولار على مدى ثلاث سنوات. وذكرت الوكالة أن بعض أعضاء الاتحاد الأوربي قلقون من أن المعدات المعنية ربما استخدمت للقمع في تلك الدول وربما لن تحل مشكلة المهاجرين.
وقالت مارينا بيتر الخبيرة في الشأن الأفريقي ساخرة لـ(ترونيوز) : ( إن نظاماً زعزع الإقليم ودفع مئات الآلاف من الناس على الفرار من المفترض الآن أن يوقف مشكلة اللاجئين للاتحاد الأوروبي)!
بدورها نشرت مجلة (نيو ستيتسمان) الخميس تقريراً بعنوان (صفقة أوروبا السرية مع دكتاتوريي أفريقيا) كاتبه مارتن بلوت، ذكر فيه أن الخطة، التي شملت التعاون مع بعض الأنظمة الأسوأ سمعة في القارة، تهدف الى منع اللاجئين من أفريقيا الوصول إلى أوروبا.
وذكر التقرير إن خططاً تفصيلية، تلقت مجلة (نيو ستيتسمان) نسخاً منها، وضعت برنامجاً للتعاون مع بعض الأنظمة الأسوأ سمعة في أفريقيا. والهدف منها هو الحد من نزوح اللاجئين الأفارقة، الذين أصبح وصولهم لأروربا مسألة سياسية سامة.
وبعد الإشارة لتحذير مسؤولي الاتحاد الأوربي بضرورة الاحتفاظ بسرية الصفقة حفاظاً على سمعة أوربا قالت نيو ستيتسمان إن: الاتحاد الأوروبي يدرك تماما مدى خطورة هذه المقترحات في الواقع. وتحت عنوان (المخاطر والافتراضات) تنص الوثيقة التي أطلعت عليها المجلة على: ( توفير المعدات والتدريبات لسلطات وطنية خطيرة – مثل الأجهزة الأمنية أو إدارة الحدود- متحولة لأهداف قمعية.
وتقول المجلة إن المقترحات التفصيلية توضح مجموعة من المطلوبات لتسع دول أفريقية، من أوغندا إلى جيبوتي. ولكن الأمر الأكثر إثارة للجدل يتضمن الصفقات المقترحة مع السودان وإريتريا وإثيوبيا. نسبة لأن حاكم السودان (عمر البشير) مطلوب بتهمة ارتكاب جرائم حرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية. كما تجري الأمم المتحدة تحقيقات في أريتريا عن إرتكاب جرائم ضد الإنسانية هناك ؛ وقمعت إثيوبيا أكبر مجموعة عرقية ، وهي شعب (الأورومو).
ويضيف التقرير: على الرغم من هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان فإن الخطط تتضمن استقبال السودان لمجموعة من أجهزة الكمبيوتر، والماسحات الضوئية والكاميرات والسيارات وكل التدريب اللازم في (17) نقطة عبور حدودية. واقترح مراكز استقبال” في كل من القضارف وكسلا بشرق السودان الشرقية على الحدود مع إثيوبيا وإريتريا.
وتقول مجلة نيو ستيتسمان: (في الوقت نفسه يعترف الاتحاد الأوروبي أن الدول المعنية تنضح بالفساد – الذي عادة ما يلغ فيه المسؤولون الذين سيكون عليهم تنفيذ هذه التوصيات المتعلقة بالسياسة العامة. فـ (شبكات التهريب التي تتعامل في الاتجار بالبشر هناك منظمة للغاية ومعقدة ، وغالبا ما تكون بالتواطؤ مع مسؤولين … فالفساد بحسب التقارير واسع النطاق في كل بلد مستفيد تقريباً، مما يسهل للهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر من خلال تواطؤ مكاتب بيع التذاكر، ومكاتب تسجيل إجراءات الوصول، ومكاتب موظفي الهجرة، ودوريات الحدود، إلخ .. ورغم كل هذه المخاطر التي تم تحديدها تم المضي قدماً في المقترحات).
وحاول متحدث باسم الاتحاد الأوروبي ، اتصلت به مجلة (نيو ستيتسمان) نفي الأمر ، قائلاً : ( لا توجد حاليا أي خطط لتوفير معدات للحكومة السودانية وليست هناك أي خطط على الإطلاق لبناء مراكز استقبال في السودان) ، ولكن عند الضغط عليه حول ما إذا كانت الوثائق التي حصلت عليها وسائل الإعلام مزورة ؟ أحجم المتحدث عن الإدلاء بأي رد.
0 comments:
إرسال تعليق