أيها الأصدقاء
القادمون من كل الجهات ، والذاهبون في كل الجهات . . أنتم اتيتم، وذهبتم، في عهد
لا حكمة فيه، انه عهد الظلام الذي يتربص بالعقول والضمائر، عهد الاوهام التي تتجنى
على الحقائق، بافتراض امتلاك الكمال، اعذورني ان كنت مباشراً معكم وقلت لكم انه
عهد الخديعة والخيانة والسرقة، انا مثلكم لا املك في جيبي المثقل بالديون، مفتاحاً
الحل. ولا أتوفر في بيتنا
العتيق الذي تربيت فيه، مع اخوتي وأصدقائي على قبعة سحرية. أضع بها حداً لمسار
العبث. لكني سأحاول ما استطعت ان اروض
خيول المستحيل، لكي ألملم دماء الضحايا. قطرة قطرة. احاول
عبثاً كسر الطوق، لكي اخترق جدار الصمت وأطلق صرخات في أودية الموت والخراب،
وصولاً الى قمم جبال الفساد، علها تعيد الصدى إلى آذان دكتاتورنا المتكبر المتنمر
المتثعلب، الذي تسلل لبيتنا العتيق ليلاً وسرق ألعاب الأطفال، وآحلام الصغار
والنساء، ودس تحت وسائد الكبار اكياساً معبأة بالرصاص . . فَطَال ليلنا، ونومنا
تحول الى كوابيس . . فأصبح ليلنا الطويل جدار مغلف بالسواد، لا نجوم ولا قمر،
والشمس ما زالت في غياب. فبكت السماء دماً حينما تحول الوطن ساحة للحرب باسم الدين
والعرق. . ! ودكتاتورنا
المبجل يزداد تكبراً وتجبراً، ويشد كتفيه متباهيًا علينا، وهو الغريب، الذي اصبح
سيد الدَّار وصانع القرار . . بل الآمر الناهي، يا لها من أقدار . . ! لذا راح
يضحك ملء رئتيه وهو يرى احفاد المهدي والمرغني وبقية حاشية الانتهازيين والفاسدين،
راكعون تحت قدميه. لذا يا
اصدقائي، واصلوا سيركم ورحلة بحثكم عن ذواتكم، اذ لا معنى للانتظار في عهد الظلام
الذي تشوهت فيه الملامح واختلطت الألوان . . حتى على حملة رأية النضال الذين ظلوا
يتقاتلون حول جلد النمر قبل اصتياده وتخليص شعبنا من مخالبه المغروسة في أعناقه
اكثر من ربع قرن . . ! كيف يغيب
عنهم الوضوح وهو أمامهم يضيء كل أوجه الحياة . . ؟ يا أصدقائي الذاهبون والقادمون
من كل الجهات التي هدها الظلم، يبدو أن الأسئلة التي نطرحها يوماً بعد آخر ليس لها
ثقل الحجر الذي يحرك برك التفكير الراكدة. ترى كم نحتاج في عهدنا الذي لا حكمة فيه
من الأحجار . . ؟ بل كم من الصخور لنحرك برك التفكير الساكنة . . ؟ أخاف أن أختنق
بأفكاري. لاني لا أجيد الوقوف في المنطقة الفاصلة، بين الحقائق والاوهام، ولا اعرف
السباحة في بحور السراب- هذه المفردة التي تذكرنا بفنان الحب والشباب، الراحل
زيدان إبراهيم- لكن لا بأس ان أعوم في اعماق عقلي، بحثاً عن الأحلام التي تحولت في
هذا العهد، الذي قلنا لا حكمة فيه، الى كوابيس مزعجة . . اجاد في صنعها الاشرار من
وراء الكواليس، لكي ترعبنا وتبعدنا عن حلمنا، لنصاب باليأس ونطلق عليه كلمة كابوس
بدلا من حلم . . ! انه عهد
الظلام الذي أراد ان يفرغ الذاكرة من كل ألوان الجمال والبهاء، وشحنها بأثقال
ثقافة الاوهام ومنطق التبرير، الذي يبرر الذل والخضوع. . ! حتى نقع في فخ الخطأ،
ونفكر بمنطق الربح والخسارة، اي ان نفاضل او نكامل، بين حكم الشعب وحكم الفرد الذي
مهما فاضلنا وكاملنا فيه، ومهما أدعى حكم الفرد من تفاضل لن يصل لدرجة حكم الفضيلة
. . ؟ ما اجمل ان نتعلم شيئاً عن الحياة كما هي في أعماقنا، نتعلم الوضوح ورؤية
الأشياء كما هي، وتسميتها بأسمائها، فالصدق مع النفس، هو سر نجاح كل الشرفاء على
مدار التأريخ، وهو الحكمة المفقودة في هذا العهد . .!
0 comments:
إرسال تعليق