فيما
تناضل الحكومة في جميع الجبهات لتنفيذ إستراتيجية خروج البعثة المشتركة لحفظ
السلام في دارفور "يوناميد". وتعوِّل الحكومة في ذلك على أن الوضع في
دارفور لم يعد في حاجة لقوات أجنبية، وتقول إنها بسطت سيطرتها على الإقليم بالكامل
وانهت النشاط المسلح للحركات الدارفورية وتوصلت إلى اتفاق سلام الدوحة.
كل
تلك الخطوات تراهن عليها الحكومة لتكون مخارج تمهد لمغادرة قوات
"اليوناميد"، بعيدا عن دارفور سيما وإن جنوب أفريقيا وبوركينا فاسو
قررتا في وقت سابق سحب قواتهما من البعثة. لكن يبدو أن ملابسات فشل اجتماعات
إستراتيجية خروج يوناميد الأخيرة التي احتضنتها الخرطوم، إضافة لعدد من التقارير
الأممية عن أوضاع النازحين جراء القتال في جبل مرة فضلا عن منع الحكومة لفرق من
الأمم المتحدة للوصول إلى النازحين كل ذلك يبدو أنه كان بمثابة رياح لا تشتهيها
سفن الحكومة لتكون النتيجة تقريرا يصدر بالأمس من مفوضية الاتحاد الأفريقي ومجلس
الأمن ومجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي بتمديد ولاية
"يوناميد" لمدة 12 شهرا تنتهي في يونيو 2017، دون تعديل أولوياتها أو
تغيير الحد الأقصى لقوام قواتها وأفراد الشرطة التابعين لها.
تقرير
مخيب للآمال
التقرير
الصادر بالأمس جاء مخيبا لآمال الحكومة خاصة وأنه يمكن أن يكون مؤشرا ظاهرا لما
ستؤول إليه الأحوال في مقبل الأيام إذ ينتظر أن يستمع مجلس الأمن الدولي الثلاثاء
المقبل إلى تقرير من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ورئيسة مفوضية
الاتحاد الأفريقي عن الأوضاع في دارفور، لذا طالب رئيس البعثة المختلطة للسلام في
دارفور "يوناميد" مارتن أوهوموبيهي، مجلس السلم والأمن الأفريقي في جلسة
التأمت أمس بأديس أبابا بالتمديد لولاية البعثة عاما آخرا، بعد أن استمعوا جميعا
داخل الاجتماع إلى نص التقرير المشترك الذي أعدته بعثتا الأمم المتحدة والاتحاد
الأفريقي عن الأوضاع في دارفور وهو ذات التقرير الذي سيقدم لمجلس الأمن الثلاثاء
المقبل، غير أن التقرير بشكله الحالي وبحسب خبراء تحدثوا لـ(الصيحة) رسم صورة
قاتمة للأوضاع في إقليم دارفور، وأكد أنه لم يطرأ تغيير على طبيعة النزاع في الإقليم
مبينين أنه ربما كان التقرير الاسوأ على الإطلاق خلال السنوات الست الماضية.
فترة
التقرير
التقرير
الخاص استند على نتائج تقييم للأوضاع في دارفور للفترة من مطلع يوليو 2015 إلى 15
مايو 2016، على يد فريق تقييم مشترك بين مفوضية الاتحاد الأفريقي، والأمانة العامة
للأمم المتحدة، تمهيدا لتنفيذ إستراتيجية خروج البعثة المشتركة من دارفور، لكنه
توصل إلى أن الوضع لا يزال كما هو وعزا التقرير تردي الوضع لثلاثة عوامل أجملها في
عدم إحراز أي تقدم في إيجاد تسوية سياسية شاملة للنزاع، نظرا لأن حكومة السودان
والحركات المسلحة غير الموقعة لم تتوصل إلى اتفاق، سلام فضلا عن استمرار النزاعات
القبلية التي لا تزال تشكل مصدرا لانعدام الأمن والاستقرار في جميع أنحاء المنطقة،
ويقول التقرير "استمر الاقتتال القبلي وحوادث العنف ضد السكان المدنيين من
جانب الجماعات والمليشيات الإجرامية في الانتشار، على الرغم من الجهود التي تبذلها
الحكومة من أجل احتواء تلك الحالة".
أرقام
جديدة
ارتكز
التقرير في معلوماته بصورة كبيرة على المعارك التي خاضتها الحكومة ضد مسلحي حركة
تحرير السودان التي يقودها عبد الواحد محمد نور والتي كانت مسيطرة على منطقة جبل
مرة، مؤكدا أن القتال مع حركة عبد الواحد نور بجبل مرة تسبب في مزيد من المعاناة
للسكان المدنيين في دارفور. وقال التقرير إن المدنيين لا يزالون في جميع أنحاء
المنطقة يتحملون عواقب الحالة الأمنية المتقلبة، إذ شهد عام 2016 عمليات نزوح
جديدة لعشرات الآلاف من الأشخاص، كما ظل نحو 2.6 مليون شخص في حالة نزوح في
دارفور، بالإضافة إلى أن التقرير عكس صورة بائسة للأوضاع الإنسانية في دارفور خلال
الأشهر المنصرمة، المشمولة بالرصد، وأشار إلى تسبب النزاع في نزوح المزيد من
المدنيين، مما فاقم حالة النزوح القائمة التي يعاني منها عدد كبير من السكان منذ
أمد طويل.
أوضاع
النازحين
وبحسب
التقرير فقد قدرت الجهات الإنسانية الفاعلة، عدد النازحين في دارفور بما يفوق 2.6
مليون شخص، من بينهم 1.6 مليون شخص في المعسكرات، وما لا يقل عن مليوني شخص بحاجة
إلى المساعدة الإنسانية، موضحا أن العديد من النازحين عادوا إلى مناطقهم الأصلية
خلال العام 2015م وقال التقرير "يواجه حوالي 2.7 مليون شخص الآن في دارفور
أزمة أو حالة الطوارئ فيما يتعلق بالأمن الغذائي. ورغم أن بعض هؤلاء النازحين
عادوا إلى ديارهم، بما في ذلك ما يقدر بنحو (70,000) شخص منذ بداية عام 2015، فإن
كثيرين اختاروا البقاء في المخيمات أو في المستوطنات والمناطق الحضرية". بيد
أن التقرير أشار إلى وجود (300,000) لاجئ لا يزالون في تشاد. علاوة عى ما يناهز
(50,000) من جنوب السودان وصلوا مؤخراً إلى شرق وجنوب دارفور".
قيود
حكومية
التقرير
اشتكى من عراقيل تضعها الحكومة على العملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم
المتحدة في دارفور خاصة فيما يتعلق بإمكانية الوصول وحرية التنقل لدورياتها وبعثات
التحقق الموفدة إلى جبل مرة ومناطق النـزاع الأخرى في أعقاب الاشتباكات، واورد أن
"الغالبية العظمى من القيود على التنقل فرضتها السلطات السودانية في انتهاك
لاتفاق مركز القوات". وأشار التقرير إلى أنه ونتيجة لهذه القيود، لم تستطع
العملية المختلطة أن توفد على الفور بعثات تقييميه وأمنية ذات أهمية حيوية إلى
مناطق القتال بين القوات الحكومية والحركات المسلحة والمناطق التي تشهد عمليات عسكرية،
من قبيل أجزاء من جبل مرة في وسط دارفور، و(أنكا) في شمال دارفور، و(مولي) في غرب
دارفور، مبينا أن البعثة لاقت قيودا على الرحلات الجوية ازدادت حدتها عقب استئناف
أعمال القتال في جبل مرة في منتصف يناير 2016، ولا سيما الرحلات الجوية المتوجهة
إلى مواقع النازحين المدنيين.
قيود
تأشيرة
ويبدو
أن طرد الحكومة لمسؤول "اوتشا" بالخرطوم الشهر الماضي وعدم تجديد إقامته
حفز الأمم المتحدة والمنظمات العاملة في دارفور لكشف المزيد من التفاصيل، فقد أكد
التقرير أن الحكومة رفضت منح 97 تأشيرة دخول مدنية منذ عام 2015، ووافقت في مارس وأبريل
2016، على 17 تأشيرة تخص أساسا موظفين فنيين أدرجت أسماؤهم في قائمة تضم 29 تأشيرة
ذات أولوية قدمتها العملية المختلطة إلى الحكومة في 24 فبراير 2016"، وكشف
التقرير أن الحكومة رفضت منح 39 تأشيرة دخول، منها 19 لموظفين مدنيين، وواحدة لأحد
أفراد الشرطة، فضلا عن رفض إصدار التأشيرات لمرشحين مختارين لشغل مناصب عليا هامة
بينها الموظف الأول للشؤون الإنسانية ووظيفة كبير المستشارين لشؤون حماية المرأة
في مرتين مستقلتين بالنسبة لكل منهما. كما لم يتم تجديد تأشيرتي الإقامة للقائم
بأعمال الممثل الخاص المشترك ونائب الممثل الخاص ولرئيس مكتب غرب دارفور إلا
لشهرين فقط، بينما رُفض طلبا رئيس المكتب في جنوب دارفور، ونائب رئيس قسم حقوق
الإنسان.
تركيز
جهود
خلص
التقرير إلى التوصية بأن تركز العملية المختلطة جهودها على مسألتين بوجه خاص
أولهما حماية النازحين، وثانيهما، التصدي للتهديد المتزايد الذي يشكله العنف
"القبلي" في دارفور، وشدد على أن الأوضاع الراهنة في دارفور لا تساعد،
في ظل استمرار النزاع المسلح بين القوات الحكومية والحركات المسلحة وانتشار العنف
القبلي والهجمات ضد المدنيين، على عودة النازحين داخليا إلى مواطنهم الأصلية على
نطاق واسع وأردف التقرير "ورغم ملاحظة أن الحكومة مصممة على أن يعود النازحون
إلى مناطقهم الأصلية أو أن يعاد توطينهم في مناطق نزوحهم، فإن جميع عمليات العودة
ينبغي أن تكون آمنة وطوعية وأن تستند إلى الموافقة المستنيرة للنازحين أنفسهم،
وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني". وطالب التقرير
بأن تقترن عمليات العودة بإيجاد حلول دائمة، تشترك فيها جميع الجهات الفاعلة
المعنية، بما في ذلك النازحون داخليا والمجتمعات المضيفة، وأن تستند تلك العمليات
إلى بيانات أساس موثوقة ومحدّثة بشأن احتياجات النازحين أنفسهم وشواغلهم المتعلقة
بالحماية وتركيبتهم الديمغرافية ونواياهم.
إشادة
بالحكومة
ومع
أن التقرير ارسل انتقادات حادة للحكومة إلا أنه لم يخلُ من بعض الفقرات الإيجابية
تجاه الحكومة فقد أشاد التقرير بالمبادرات التي ظلت تقوم بها الحكومة من أجل كبح
المستويات المرتفعة من العنف القبلي في دارفور. غير أنه عاد ليؤكد أن تلك الجهود
لا يمكن أن تستمر من دون إبرام اتفاق سياسي شامل، بعد إجراء مشاورات مكثفة مع جميع
أصحاب المصلحة بشأن مسائل رئيسية من قبيل الإدارة المنصفة للأراضي والموارد
الأخرى. ونبه التقرير إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للنزاع في دارفور،
داعياً جميع أطراف النزاع أن تقوم فورا باستئناف المحادثات المباشرة بحسن نية، وحث
جيش تحرير السودان فصيل عبد الواحد محمد نور على الانضمام إلى عملية السلام، دون
أي شروط مسبقة، بغية وقف الأعمال العدائية.
رفض
حكومي
وبدوره
كذب مندوب السودان بالاتحاد الأفريقي وسفير السودان لدى إثيوبيا، عثمان نافع، ما
ورد في التقرير وعده يغرد خارج سرب الواقع والمنطق، وقال في بيانه أمام مجلس السلم
والأمن الأفريقي، إن الذين اعدوا التقرير "لا علاقة لهم بالتطورات الأمنية
والإنسانية التي تشهدها دارفور".مشيرا إلى أن الجهود التي قامت بها القوات
المسلحة في القضاء على الحركات المتمردة وطردها من الإقليم حيث لجأت إلى ليبيا
ودولة جنوب السودان.
0 comments:
إرسال تعليق