-سلسلة مقالات غير محددة الحلقات عن مسكوتات جنوب كردفان- (1) عمر منصور فضل

السلام حالة ذهنية، شعور نفسي، وواقع حياة .. ليس مهرجانا يا هؤلاء!!..
..وﻷن مسار الأشياء بجنوب كردفان في جملتها صار عبارة عن ملهاة هزلية ، وعبثية كبرى ، ومعرض عارم لعجايب الحكم والأحكام ، فلا غرو ولا غلو أن بدأنا بالنكتة..
تقول الهزلية المتداولة أن ضابطا في الجيش برتبة اللواء إصطحب معه صباحا طفله الصغير إلى مقر قيادته العسكرية في عربته الرسمية التي يقودها سائق عسكري..
وهناك أمام مكتبه نزل تاركا الطفل مع السائق لكونه لا يريد البقاء بمكتبه حيث يخرج للتحرك إلى مكان آخر..
وإسترعى إنتباه الطفل الصغير إنه منذ لحظة دخولهم القيادة، و إلى لحظة وقوف العربة أمام مكتب والده ، هناك سرعة وحركة ملحوظة وسط العساكر والضباط بالمكان ، بل أن بعضهم حين يمر في طريقه أمام المكتب يسرع في التخطي بما يشبه الهرولة..
فسأل الطفل السائق:
)عمو إنتا الناس ديل مالم جارين كده..!!؟(
رد السائق في هدوء:
)الناس ديل جارين كده عشان خايفين من أبوك..(
نظر الطفل للسائق في حيرة متسائلا:
)يعني أبوي مخوفهم جت -كلهم..؟!(-
رد السائق: آي.
فعلق الطفل ببراءة :
)آها ويعملو شنو لو أمي جات هنا..!؟(
لو أمه .. تلك التي تجعل هذا اللواء المهيب المهاب في مملكتها المنزلية هناك يهرول النهار كله مثلما يفعل العساكر وصغار الضباط أمامه هنا..
تذكرت النكتة ومرت في خاطري تساؤلات الطفل الصغير الغرير ، مع فارق المثال والمقال..
)آها والناس دي تعمل شنو لو لقو شغل جد جد ..!!؟( وأنا أرى شخصيات يحملون ألقاب : وزراء ، معتمدون ، مستشارون ، أمناء ، مدراء ....،اء ، متصارعي الأنفاس ، متسارعي الخطا في ما يشبه الهرولة .. خارجون من مكاتب ، داخلون إلى مكاتب .. نازلون من عربات ، راكبون عربات .. وحين إستفسرت مرافقي ببراءة :
)يا أخوي إنتا الناس ديل مالم جارين كده ،!؟(وشخصي أحد فصيلة الغائبين الحاضرين ، الحاضرين الغائبين بالولاية بعد أن صارت متابعة أحداثها مثيرة للسقم والألم ..
رد صاحبي:
)دا ما الإستعداد للمهرجان..(
-مهرجان !!؟..، مهرجان شنو!!؟..
رمقني محدثي بنظرة أقرب إلى الرثاء والشفقة منها إلى الإستياء:
)ياخي معقولة !!؟ .. ما سمعت بمهرجان السلام..!؟(
مهرجان السلام للسياحة والتسوق والتجارة و...
آها .. لافتاتكم الوهمية تضحكني ، على مقولة الرائع الراحل نزار قباني).. ليراتك الخمسون تضحكني..(
بالله معقولة سيدي والي جنوب كردفان ويا عموم حكومة الولاية ..!!؟
معقولة بس في ناس كده ..!!؟
مهرجان سلام وسياحة وتسوق حتة واحدة!!؟..
بالله عليكم أي) عبقري أبله( ذلك الذي) ينجر (مثل هذه اللافتات الجوفاء ..!!؟
و) عليكم الله (أي) ألمعي أخرق (ذلك الذي يمكنه أن يفسر لبسطاء جنوب كردفان من أمثالي مضمون مثل هذا المهرجان ..!!؟
سلام ، سياحة ، تسوق ..!!
هل هو مهرجان للدعاء لسلام مرتجى أم إحتفاء بسلام ماثل ..!!؟
سلام في وحدة إدارية مدينة كادقلي ، في الطريق من منزل الوالي إلى مكاتبه بأمانة الحكومة أم أين ..!!؟
سياحة في سوق مدينة كادقلي والحديقة النباتية المجاورة لمكتب الوالي أم أين ..!!؟
لماذا بربكم سياحة وتسوق وتجارة في هذا الوقت والظرف..!!؟ 
و بإسم السلام .!!؟
فليس هناك من شئ آخر سوى سوق كادقلي هذا والشارع المؤدي إليه من مدخل الدلنج مرورا إلى منزل الوالي .. مرورا إلى رئاسة الأمن .. مرورا إلى رئاسات الشرطة .. مرورا إلى قيادة الجيش .. وليس ماسوى ذلك من مكان يستطيع الانسان أن يمشي فيه) آمنا ( ناهيك عن) سائحا (فهل السياحة إلى )رئاسات الحكومة ( هذه ..!!؟ و ما هي الضرورة لمهرجان سلام في هذا الظرف غير السليم .. ومهرجان سياحة في هذا التوقيت غير السياحي..!!؟ 
لماذا هذا القفز فوق المراحل ووضع الحصان أمام العربة .. والحمار خلف الكارو .!!؟ لماذا لا نعمل جميعا لإستتباب السلام أولا .. والباقي ملحوق ومتبوع ..!!؟ وبديهي أن السلام لا يتحقق بمهرجانات ..
إنها لا شك برامج عباقرة)النجر الأجوف( وإبتداعات مدمني ملئ الجيوب من أموال هذا الشعب المغلوب على أمره كلما إشتكت جيوب هؤلاء من خوائها الذي لا ولن يمتلئ أبدا.
بالله عليكم سيدي الوالي ، سيدتي حكومة الولاية .. كم طفل مدرسة حائر أولى بهذه المبالغ ..!!؟ 
كم جائع هائم بأسواق كادقلي ، الدلنج، هييلا، رشاد، تلودي ، أبوجبيهة .. إلخ ناهيك عن معوزي القرى والفرقان ..!!؟
كم عائل أسرة فقير متعفف .. كم عجوز .. كم مريض .. كم مبدع مبتكر في مجالات عدة يمكنه تغيير وجه حياته وتغيير وجه المنطقة بأسرها يقف بينه وبين ذلك فقط أدوات وآلات ومعينات لا تكلف عشر معشار ما تصرفونه في مثل هذه البرامج ..!!؟ 
وكم مرفق خدمي حيوي معطل لا تنقضه إلا أشياء يسيرة هي جزء قليل ضئيل هزيل مما) تبعزقون ..!!؟ (
و كم .. و كم .. و كم كم .. ثم كم و كم ..!!؟ 
وكم من جيوب وبطون تقفز فوق كل هذا تريد أن تمتلئ بخلق مثل هذه البرامج الهلامية ولا ولن تمتلئ ..!!؟
تسوق وتسويق ماذا وكيف ،وقد صارت جميع حواضر وعواصم محليات الولاية ، تقريبا ، مدن بلا أرياف )تستورد (حتى الطماطم والجرجير من مدن شمال ووسط السودان .. ناهيك عن منتجات الريف التقليدية المشهورة والسياحية ، بعد أن غادرها إنسانها قهرا .. أتسوقون آلام وجراح الناس وغبنهم أم ماذا وأنتم لم تتركوا للناس في جنوب كردفان غير الغبن والآلام والجراح!!؟..
وبربكم لمن الوزر وعلى من العتب إذا قضى أحد نحبه ب)إنفقاع (مرارة أو ذبحة قلبية أو جلطة دماغية ، أو إنتحارا بإشعال النار في جسده -على النموذج التونسي- تعبيرا عن فقدان حد التحمل لهذه المبالغة في العبث بعقول الناس ومشاعرهم وزمنهم وأموالهم !!؟..
ولله لو أن هذا الوالي دعا ل)نفرة كبرى (أو) إستنفار شامل ( أو نادي ل)تجريدة( مجهود حربي ل)خريف ساخن-( طبعا مضي ذلك الصيف الساخن الموعود بردا وسلاما على المتوعدين به وبهم-، لعذرنا الرجل وقلنا إنه يؤدي مهمته البديهية والأبجدية كمندوب لحكومة الحرب والتشريد واﻹبادة بالخرطوم، فتنفيذ سياسة مركز الدولة هو من صميم مهام أي حاكم مبعوث من هناك .. لكن أن يتحدث هؤلاء عن مهرجان بإسم سلام وسياحة وتسوق وتجارة ... إلى آخر اللافتة الطويلة فهذا شئ يثير الشفقة والرثاء على عبثية وإنصرافية حكومتنا بالولاية أكثر مما يثير من إستياء أو غضب ..
يا سادتي ، هذا الشعب الطيب البسيط) الذي كان أبيا ذات يوم ولم يعد كذلك بالطبع (في جنوب كردفانه وعموم سودانه، أبدي إستسلامه وخنوعه وخضوعه بلا حدود ، فلماذا بالله هذه المبالغة في إهانة عقله ، والفجور في إستفزاز )ما تبقت من (مشاعره إلى هذه الدرجة!!؟..
ولماذا كل هذا الولوغ والإيغال في العبث بعقول الناس و هم في الأصل قد ألغوا عقولهم بعد أن جعلتم لهم من أمر قوت اليوم وسد الرمق شغلا شاغلا!!؟..
لماذا بالله هذا الإمعان في إدمان جلد الناس و هم ميتون أصلا بتراكم الإحباطات والمرارات والغبائن عليهم!!؟.. والضرب على الميت حرام!!؟..
..ولكن هل قلت حرام!!؟..
إنه مصطلح كطائر العنقاء أو الرخ .. أو الغول أو البعاتي أو ال)كاتي مول..(يجد المرء عنتا و رهقا كبيرا في تفسيره، إذ لم يعد يعرفه أحد..
ولله أخجلتم إستسلامنا نحن سابلة وبسطاء وضعفاء جنوب كردفان أولاء .. 
وأحرجتم صمتنا وهواننا وقلة حيلتنا
ونواصل ......
omarmnsr@Yahoo. com

Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق