من
منطلق حب هذا الوطن، واستحضاراً للتضحيات الجسيمة التي قدمها أبناء الشعب
السوداني، من اجل الاستقلال، أو من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة. اسمح لنفسي
ان بتوجيه هذا الخطاب، الى المعارضة السودانية عموماً، وقوى نداء السودان، على وجه
الخصوص، التي رأت أو أجبرتها الظّروف التوقيع على خارطة الطريق الافريقية املاً
منها في ان تنقل البلاد من ساحة الحرب والصراع العنيف، الى ساحة السلام والصراع
السلمي، لكن ما بين الأمل والواقع، بون شاسع، وهذه الحقيقة تجلت بكل وضوح طوال
سنوات حكم نظام الإنقاذ الذي عاش على سياسة فرق تسد، ومنطق دغدغت احلام ومشاعر
الضعفاء، دون ان يلزم نفسه بتحقيق شيء منها، بدءاً من شعار الانقاذ، الذي رفعه، لكنه
في ممارساته وسياساته على الارض لم يتحقق منها سوى الاحباط، وهكذا شعارات نأكل مما
نزرع ونلبس مما نصنع، حتى بلغنا مرحلة نضحك مما نسمع، لانه نظام بطبيعته معادي
للأحلام والآمال والتطلعات المشروعة والحياة وقيم الحرية والديمقراطية وحقوق
الانسان. لذلك يتساءل المرء الى هذا حد وصل بكم الضعف والهوان ان تقبلوا لانفسكم
ان لا يخدكم كما خدع من قبل قوى المعارضة التي دخلت في حوارات ومفاوضات معه، ولعل
قوى نداء التي تفاوضه هذه الأيام في أديس ابابا، قد فاوضته في محطات تاريخية
سابقة. . لكن السؤال الذي مازال يطرح نفسه ماذا تحقق للشعب السوداني ..؟ في أمنه
ومأكله وملبسه ومشربه وحريته ..؟ شيء من هذا لم يتحقق، بل الذي تحقق هو بقاء
النظام، الذي لم يخيب امال من وقفوا ضده منذ لحظة مجيئه عبر الخيانة والتامر فحسب،
بل خيب امال واحلام حتى من شاركوه في وضع خطّة الغدر والخيانة التي غيبت الحرية
والديمقراطية والاستقرار والسلام وأججت آوار الحرب وهيأت بيئة الخراب ..!
وأكاد
ان اجزم ان اي حوار تقود نتائجه الى مشاركة ومقاسمة النظام السلطة والثروة، لن
ينتظر منها ان تحقق اي مصلحة للشعب وفقرائه وكادحيه.
وفي
ضوء المجريات الراهنة، وتعدد منابر المعارضة، ليس من قبيل المبالغة القول إن حالة
الجمود التي تطبع هذا المشهد، تجعل الجميع يدور في حلقة مفرغة وقاسية، بحيث لا أحد
يعرف إلى أين سوف تقودنا هذه الأوضاع التي تقف على مفترق طرق سياسيّاً واجتماعيّاً
وأمنيّاً. فكلما تضاءلت فرص وحدة قوى المعارضة، كان ذلك مدعاةً لمزيد من الخلافات
وتعمقها بين القوى السياسية. ومعنى ذلك استمرار النظام في مواصلة سياسة الجزرة
والعصا، مع المعارضة السودانية، لاسيما الساعية منها للمشاركة في السلطة والثروة،
وهو ما يعني تعمق المأزق الراهن، وتزايد حالات التوتر والتجاذب السياسي، والاحتقان
الشعبي. وهكذا سوف يجد الكل نفسه أمام حالة معقدة تختلط فيها الأسباب بالنتائج،
وتتحول معها البلاد إلى بيئة منتجة للأزمات وطاردة للأمل وكلما أقتربت البلاد من
عتبة تخطي عقبة النظام بموقف موحد، يجنح النظام الى تشتيت جهود المعارضة، عبر
إظهار رغبته في التوصل الى تسوية سياسة مع احد اطرافها لاسيما التي تعول على
السلاح وليس النضال اليومي وسط الشعب، لانه عرف من يأكل كتفها.
لكل
هذه الأسباب، فإنه لا سبيل أمام المعارضة لوقف هذا التناسل للأزمات، والاندفاع نحو
المجهول، سوى كسر حالة الجمود الراهنة. عبر قراءة الوضع الراهن قراءة صحيحة
وبعناية للتوصل إلى الاستنتاج الصحيح، الذي مفاده ان المرحلة ليست مرحلة إصلاح
للنظام ومن ثم اعادة إنتاجه، لان توقيت ذلك قد ولى، والمرحلة الان هي مرحلة التخلص
منه ومن سياساته من خلال الموقف الوطني الصائب والمسؤول وهو الموقف الذي يجب أن
ينطلق أساساً من المصلحة العامة، والحرص على ترميم أوضاع البلاد بعد التصدع الذي
تعرضت له في ظل هذا النظام. والشيء الوحيد الذي يمكن أن يؤمّن حائط صدٍّ للبلاد من
هذه المخاطر، هو يقظة قوى المعارضة ووعيها لمخططاته حتى تنأى بنفسها من المنزلقات
الخطيرة التي يسعى إلى سوقها اليها، بتوحيد صفوفها وتحديد أولوياتها وآليات نضالها
لتوفير الظروف الملائمة للتخلص من النظام وسياساته التي أجهزت على كافة الحقوق
والمكتسبات المادية والاجتماعية.
وفي
ضوء هذه الوقائع المريرة، والظروف الموجعة، فإن كل ما نتمناه أن يكون تحرك كل
الأطراف إيجابيّاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن نجد أنفسنا ومعنا البلد كله،
غارقين في وحل الفساد الذي يقود الى مزيد من واقع الأزمة والصراعات المشتعلة في
العديد من دول الجوار لاسيما دولة جنوب السودان، والتي أخذت أبعاداً خطيرة باتت
تهدد وحدة ووجود هذا البلد، وعندها سوف نجد وعلى رغم كل هذه الجراح الغائرة
والصورة القاتمة، فإننا لم نفقد الأمل يوماً في إيجاد مخرج لهذه الأزمة المستعصية،
والسودان بوعي شعبه وثراته النضالي باستطاعته دوماً تقديم نموذج بالضد من هذا
المناخ المتأزم سياسيّاً والمحتقن، وإن أبواب المُستقبل لم توصد، مستفيداً من ثقافة
شعبه التي تغلب السلام على الحرب، وإن طريق المصالحة سيبقى سالكاً متى ما سمح
للعقل والحكمة أن يتغلبا على منطق السعي المحموم من بعض أطراف المعارضة للمشاركة
في السلطة باي ثمن، الذي يتحكم بقرارات وحسابات بعض القوى السياسية.
وهذه
النظرة القاصرة التي تفتقر إلى الأفق السياسي الرحب والشجاع، هي التي تفسر غياب
هذه القوى على مستوى الفعل السياسي الحقيقي واقتصار حضورها على صعيد ردود الفعل
فقط، فهي عاجزة عن تقديم أية مبادرة سياسية تحدّد فيها رؤيتها للحل، لكنها تقيم
الدنيا ولا تقعدها لمجرد أن لوح لها النظام ومن خلفه الالية الافريقية بامكانية
التوصل معها الى تسوية سياسية تضمن مشاركتها في السلطة والثروة لكن في كل الأحوال
يبقى النظام هو صاحب اليد العليا.
مع كل
هذه الوقائع التي باتت واضحة للقاصي والداني، لا يجب علينا الاستسلام، وكأن ما هو
قائم اليوم قدر محتوم لا سبيل للفكاك منه، بل على العكس، يجب أن يكون حافزاً لنا
ودافعاً لمضاعفة الجهود والتحرك في اتجاه كل الأطراف للبحث عما يجمع أو يكون
عاملاً مساعداً يمكن الانطلاق منه لتحريك المياه الراكدة وإنعاش الضمائر النائمة،
لأن الركون إلى السلبية والتفرج على ما يحصل، معناه ترك الوطن في انقساماته
العميقة، بانتظار الفتنة. ومعناه ترك الساحة لحطابي المحرقة يزيدونها اشتعالاً،
لنصحو يوماً نبحث عن وطن أو بعض وطن فلا نجده.
لذلك
سنبقى دائماً، على رغم قتامة المشهد، نعوّل على المواقف الوطنية العاقلة
والموزونة، وسوف نستمر في موقفنا الرافض للحوار مع هذا النظام، بليفنا هذا الواقع
الى الشروع في اتخاذ الخطوات الصحيحة والجريئة وفتح أبواب الحلول السياسية الشاملة
التي لن تتحقق الا بسقوط النظام.
أما
القوى والأطراف التي تجد نفسها أسيرةً لمواقفها السلبية، وأسيرة للضغط الدولي
عليها أن تعي أن سياساتها هذه لن تقود الى حلول وطنية شاملة تحقق تطلعات الشعب
وتحافظ على وحدة الوطن التي فرطت فيها يوماً ما.
لذلك؛
فإن أقصر الطرق وأسهلها لوقف حالة الحرب والصراع المسلح على السلطة والاستنزاف
الذي تعاني منه البلاد هو التجاوب مع المنطق الذي يقول ان الحل الذي سوف يحافظ على
وحدة البلاد وسيادتها هو الاتفاق على برنامج وحدة المعارضة السودانية وان يكون
الهدف المركزي هو إعداد العدة فكريا وسياسيا وتنيظيماً ونضالياً لتخطي عقبة النظام
ومن ثم صياغة نظام وطني يستجيب لتطلعات جميع ابناء الوطن دون وصاية من احد . وليس
من سبيل إلى هذا الطريق سوى صعود القطار المتجه إلى المستقبل، والدخول إلى عالم
المواطنة والديمقراطية التي تحترم كل الأطياف والمكونات وتعترف بحقوقها، وهذا
يتطلب إعادة التوازن المفقود إلى المعادلة السياسية والاجتماعية القائمة، وتهيئة
سبل الخلاص من هذا النظام عبر وحدة قوى المعارضة. اما اي محاولة اخرى فهي لا تعدو
ان تكون بحث عن مصالح خاصة حتى ولو جاءت تحت رايات النضال والكفاح من اجل الفقراء
والكادحين. والتحية لكل من كتب او علق محذراً من اللاعيب النظام ومخططات القوى
الدولية والإقليمية المستفيدة من وجود النظام في السطلة بلا تفويض من الشعب.
0 comments:
إرسال تعليق