ماذا يريد الصادق المهدي من الحركة الشعبية وحركات دارفور؟

عبدالغني بريش فيوف
عندما فشلت الجولة الأخيرة من المفاوضات التي جرت بين النظام السوداني ومكونات ما تسمى بقوى "نداء السودان" في اديس ابابا ، تنفس جماهير الحركة الشعبية الصعداء وبشروا خيراً بأن الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي أحد مكونات هذه القوى سيحزم حقائبه ويعود إلى السودان سيما وكان قد أوضح في مناسبات عديدة أن عودته أصبحت من مطالب أنصاره ، أو أنه سيعود إلى القاهرة التي يقيم فيها بصمت دون اصرار أو الضغط على الحركات المسلحة الممانعة قبول ما رفضته في الجولة الأخيرة ..لكن الرجل ما زال يباري ناس الحركات المسلحة ومصر أن يشحنهم معه إلى السودان بأي ثمن كان.
في تصريحات صحفية له في مكان اقامته بالقاهرة ، قطع الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، الطريق أمام التكهنات بعودته إلى البلاد قريبا، ورهن عودته بعودة ممثلي قطاع الشمال وحركتي العدل والمساواة وتحرير السودان معه.
وقال المهدي إنه يريد أن تترتب على العودة مشاركة لكل العناصر المتعاونة معه في نداء السودان بعد اتفاق وقف العدائيات وتوصيل الإغاثات، حتى يعودوا دعاة سلام، وينخرطوا في مفهوم العمل السياسي، وتكون هناك رؤية واضحة يتم التخلي بموجبها عن أي عمل مسلح لإسقاط النظام.
وأشار الصادق إلى إمكانية تقريب وجهات النظر بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال، مؤكدا أن الطرفين لديهما الرغبة في الوصول إلى اتفاق، مستنكرا الحديث حول أنه خرج لشق المعارضة بالخارج واصطحاب قادتها للداخل، مؤكدا أنه خرج لتوحيد المعارضة، وأردف: "ومن يقولون غير ذلك يستخدمون وسائل تذويب العقل، ولا يوجد عاقل وغير حاسد يمكن أن يقول غير أنني وحدت المعارضة حول وسائل لمصلحة الوطن"، واستطرد: "نقلت زملائي من مفاهيم فجر جديد والعمل على إسقاط النظام بالقوة، وتقرير المصير للمناطق المعنية، بنعم لنظام جديد بوسائل خالية من العنف".
ما صرح به الصادق المهدي ، يشكل فصلا مضافا من فصول المهزلة السياسية التي باتت تسيطر على حزب الأمة منذ تشكيل ما سميت بقوى نداء السودان. الكلام الإستفزازي اعلاه ، يمثل أعلى درجات الاستهبال السياسي الذي بات نمطا للمهدي ، ونهجا لا يقيم وزنا ولا اعتبارا للحركات المسلحة السودانية التي استقبلته في اديس ابابا وباريس استقبال الأبطال واحترمته احتراما لدرجة المدح والتبجيل. لكن هذا هو جزاء قادة الحركات المسلحة ..استخفاف واستهبال بل واستغفال لا سابق لها، وكأن كل الطريق تقود الى أن لا فعل ولا رد فعل على ما يحدث، مهما كانت درجات سخافة المهدي السياسية.
وتستمر "المهزلة" عندما يتحدث الصادق المهدي بلا أي رجفة ذهن عن "إنه يريد أن تترتب على العودة مشاركة لكل العناصر المتعاونة معه في نداء السودان بعد اتفاق وقف العدائيات وتوصيل الإغاثات، حتى يعودوا دعاة سلام، وينخرطوا في مفهوم العمل السياسي، وتكون هناك رؤية واضحة يتم التخلي بموجبها عن أي عمل مسلح لإسقاط النظام. والصادق المهدي هنا يتعامل مع ما يسميهم بالعناصر المتعاونة معه بعقلية القطعان والخدم والعبيد ... فهو متأكد جداً وعارف أن قادة الحركات المسلحة لا يعرفون مفهوم العمل السياسي ويريد المهدي تدريسهم هذا الفهم حتى ينخرطوا فيه بغية التخلي عن أي عمل مسلح لإسقاط النظام ..يا رب سترك !! ما هذا الإستخفاف؟.
ونصل الى قمة المأساة السياسية في تصريح المهدي عندما أشار " أنه خرج لتوحيد المعارضة، وأردف: "ومن يقولون غير ذلك يستخدمون وسائل تذويب العقل، ولا يوجد عاقل وغير حاسد يمكن أن يقول غير أنني وحدت المعارضة حول وسائل لمصلحة الوطن"، واستطرد: "نقلت زملائي من مفاهيم فجر جديد والعمل على إسقاط النظام بالقوة، وتقرير المصير للمناطق المعنية، بنعم لنظام جديد بوسائل خالية من العنف".
ماذا !! وما هي المفاهيم الجديدة التي نقلها المهدي لزملاءه في نداء السودان المغفلين ، ولماذا لم تنجح هذه المفاهيم في اسقاط النظام حتى الآن ..ولماذا هرب من السودان وانضم وهو صاغر للحركات المسلحة إذا كانت المفاهيم التي يطالب حملة السلاح تطبيقها فعالة ومؤثرة .. وما هي المعارضة التي وحدها وهناك قوى الإجماع الوطني وقوى المستقبل وما بينهما وكلها خارج تحالف المهدي؟.
يعلم الصادق المهدي علم اليقين أن نظام البشير لا تسقطه المظاهرات والإحتجاجات والبيانات التي تصدرها الأحزاب والحناجر الرنانة ، لكن المهدي يصر على ترديد شعار الحل السلمي دون استخدام السلاح ، وهذا الاصرار وحده يكفي لأن يخرج كل السودانيين ، حيثما وجدو فوق هذه الأرض، حاملين الدلوكة والفلنق ليرقصوا ويغنوا على "استهبال هذا الصنم"، ويقولوا كفى استغباءا واستهبالا واستخفافا بنا.
السودانيون يعرفون جيداً أن النظام السوداني لا يمكن أن يقبل بأي حل سياسي على النحو الذي يطرحه الصادق المهدي، لأن أي حل سياسي يتناقض مع بنيته، وما يجري في اديس ابابا من مفاوضات يضعها النظام في إطار الإستراتيجيته العسكرية والأمنية للعمل على القضاء على الطرف الآخر، أو إخضاعه لما يريده. فهو لا يرى في المفاوضات إلآ كسبا للوقت لفرض الحلول الأمنية والتي تعني القضاء الكامل على كل من يقول ” لا ” له، وبالتالي القضاء على الحركات المسلحة، وبقضائه عليها ، لا يعود للمعارضة قوة ولا أوراق ضغط عليه، ويصبح قادر على التحكم في المسار السياسي، أو ما يسميه هو الحل السياسي من الداخل ، وبعدها يأتي لضم إلى حكومته بعض الشخصيات التي يرضى هو عنها، ويسميها معارضة وطنية ، لتكون في مناصب وزارية هامشية، ويكون الموضوع قد انتهى بالنسبة له بهذا الشكل.
المهدي الذي يخمنا بالكلام عن الحل السياسي وما أدراك ما الحل السلمي ...هل يعرف أن الحل السياسي يعني المشاركة في السلطة، بالحد الأدنى ، يعني هل تأكد أن لدى أهل الإنقاذ القدرة على تحقيق شراكة حقيقية في السلطة، أي إعطاء جزء من السلطة للآخرين؟.
المهدي الذي يعمل اربع وعشرين سبع منذ خروجه من السودان قبل عامين لخم قادة الحركات المسلحة وشحنهم إلى السودان ، لم يتحدث يوما ما عن جرائم النظام السوداني في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور، ولم يتطرق مطلقا الى جريمة قتل الطلاب في هبة سبتمبر 2013 ، تجاهل مدفوع الثمن، لأن أي حديث عن جرائم النظام في المنطقتين وعن الجنجويد من قبله يغضب عمر البشير غضبا شديدا ويرفع من شهوته الإنتقامية.
ليس هناك أي شيء يجمع بين حزب الأمة والحركة الشعبية أصلاً ، ولا أدري لماذا تتودد إليه قادة الحركة الشعبية وتتحالف معه في أي جسم. لكن على أي حال ، الجانب العسكري من الحركة الشعبية مستمر في نضاله ضد السودان القديم الذي ينتمي إليه حزب الأمة ولا تمر عليه الآعيب المهدي... ومن العبث عدم المضي نحو اسقاط النظام وهيكلة الدولة السودانية ، ولم يقبل بالتواطىء والتضليل على المواطن والإستهانه بنباهته وشراء الوقت فهذه الأساليب لم تعد تنطلي عليه.
المهدي الذي ينعق ويصرخ ليل نهار وان ارتدى لبوس المعارضة وحمل مطالبها فهو ليس سوى "صدى" لارادة النظام السوداني وحزب المؤتمر الوطني الحاكم ، ومهما حاول ان يقنع الآخرين فسيبقى جزء من "السودان القديم" وعميل قديم ومبعوث عمر البشير الخاص لتفكيك المعارضة السودانية.
اذا كانت الحركة الشعبية جادة في هيكلة الدولة السودانية وتطبيق فكر السودان الجديد ، عليها بل من واجبها ان تبدأ على الفور بازالة آثار "السودان القديم" من خلال فك ارتباطها بالصادق المهدي وبقوى نداء السودان التي لا تملك شيئا تقدمه سوى الإستقواء بالحركة الشعبية.
الجيش الشعبي لتحرير السودان بجبال النوبة والنيل الأزرق له ذاكرة حية وقوية ولن ينسى المواقف العنصرية والإستعلائية للمهدي من كافة الحركات المسلحة السودانية ، وقد قال عنها انها (تحارب نيابة عن حكومة الجنوب في الشمال ، وتنفذ الأجندة الإسرائيلية في المنطقة ، وضد عروبة السودان واسلامه ، وووالخ). إذن ما الذي تغير حتى يباري المهدي الدجال ذات الحركة المسلحة التي كانت تنفذ الأجندة الإسرائيلية وتعمل ضد عروبة السودان واسلامه؟.
هل اكتشف المهدي مؤخرا أن حياته السياسية قد انتهت فعلاً وأن الطريقة الوحيدة لختام حياته هذه هي خم وشحن قادة الحركات إلى الخرطوم ولو على حساب مطالب جماهيرها؟.

ليعلم الصادق المهدي أن الحركة الشعبية تناضل من أجل قضايا ليست كلها سياسية ، بل اقتصادية اجتماعية ثقافية تأريخية ايضا ، وقد اختارت الحركة منذ البداية الكفاح والنضال المسلح ولن تحيد عن هذا المنهج حتى تحقيق الهدف المرسوم  
Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق