عثمان نواي
لم ينتهي الحوار ولم تخرج
مخرجاته بما يغير حال البلاد والعباد في أي جانب من جوانب الأزمة السودانية. فلا
الحرب توقفت ولا الموت توقف سواء بالجوع أو القصف أن المرض. كما أن الأسعار
والدولار يزدادان اشتعالا كل صباح. واصبحت الدعاية المكثفة للحوار وبالا على
صانعيها. فمحاولة آلة النظام الدعائية للترويج لعملية سياسية معقدة وتحويلها لجزء
من اهتمامات عامة الناس تحولت إلى مهزلة ومضحكة وسيل من النكات يفيض بها الإنترنت
وتطبيقات التواصل الاجتماعي.
وعلى النقيض مما أراد مروجي
الحوار، استخدم السودانيون دعاية المؤتمر الوطني ضده، واجبروا النظام علي إصدار
قرار يمنع الاستهزاء بالحوار ومخرجاته. وإذا كان النظام لا يحتمل ديمقراطية مخففة
تأتي عبر نكات الواتس اب والفيس بوك، كيف له أن يحتمل ديمقراطية سياسية وجادة
تتحول إلى قرارات واصلاح للدولة وحال الناس. ان الضعف الذي يتعدى الوصف جعل النظام
يحول كافة قدراته الدعائية وتسخير ساعات من الغناء المتواصل وتأليف قلوب الكثير من
المغنين المشهورين والمقربين للشباب من أجل لفت الانتباه للحوار ومخرجاته. لكن هذه
المحاولات تحولت إلى سخرية واستهزاء، وبل أدت إلى انتقادات وتقلص في شعبية النجوم
الذين حاو ل النظام توظيفهم لصالحه.
ان الشعب السوداني شعب متمرس على
السياسة، ويعلم جيدا كيف يفرق بين صليحه وبين عدوه. وبالتالي فلا تنطلي عليه هذه
البربوغاندا، وخاصة في وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي سمحت بحرية للتعبير
وتلقى المعلومات بسرعة وكميات غير مسبوقة، ولا يمكن التحكم بها. فالحوار كان يمكن
أن يحدث وينتهي دون أن ينتبه له عامة السودانيين، الا ان النظام أراد أن يظهر نفسه
بشكل المسيطر والقادر على توجيه وشغل الناس بما يريد. ولكنه فشل تماما في مسعاه.
فكل ما قدمته الدعاية للحوار هو المزيد من السخط على النظام الذي يبذر أموال
الشعب، والسخط أيضا على القوى التي شاركت النظام تبذيره.
والناس لا يفهمون كيف يكون هناك
حوار لا يتحدث عن الفساد ولا يطالب بسجن المفسدين قبل أن تنتهي مخرجاته، وكيف لا
يكون هناك حوار لا يوقف الحرب ونزيف الدماء، وكيف يكون هناك حوار لا يعطي الأطباء
حقوقهم ويعينهم على تأهيل المستشفيات حتى ينقذوا حياة المواطنين. كيف يكون هناك
حوار لا يحاسب من يسرقون قوت المواطن ويتلاعبون بالأسعار، كيف يكون هناك حوار لا
يعطي الصحافة حريتها في التعبير ونقل الحقيقة ولو حتى عن الحوار نفسه.
ان الشعب السوداني شعب عصى على
الخم ومهما تم قمعه وأرهاقه بالحروب والجوع والمرض، الا انه لا يغيب عقله ولا
وعيه. فإن هذا الشعب المريض الجائع الفار من الحرب والمنهك القوى جسديا ونفسيا
وماليا، يجابد ولا يسلم بما يسمع. فالشعب السوداني الذي اعتاد أن يقرأ هو أيضا شعب
يفكر جيدا. والسخرية التي يفيض بها الإنترنت الان من الحوار ومخرجاته، هي مؤشر علي
أن تحت الرماد جمر لازال مشتعلا، وان مهما طال سبات المارد الا انه يوما ما
سينتفض. وعلى المؤتمر الوطني واساطين دعايته الذين كسبوا المليارات خلال لعبة
الحوار، عليهم أن يعلموا مع من يعلبون. فقد قالها شاعر الشعب محجوب شريف:
ماكَ هوين سهل قيادك
سّيد نفسك..
مين أسيادك
0 comments:
إرسال تعليق