الى أين انتم هاربون!

عثمان نواى 
لن يتغير الوضع في السودان في ظل هذا الإنكار 
المزمن لدى النخب من المركز العروبي الإسلامي في السودان لحقائق الواقع، وليس التاريخ. فلا يبدو أن الحروب أو القتل أو الصمت على الحروب والقتل ضد الشعوب الغير العربية في السودان قد فتحت أعينهم على حقائق الواقع حول العنصرية والتمييز في هذا البلد. العودة إلى التاريخ المأساوي للسودان المتعلق بتجارة الرقيق أو القمع الممنهج ضد الأثنيات الغير عربية لن يجدي، ليس لأن التاريخ قد انتهى، بل لأنه لا يزال واقعا معاشا من خلال آثاره ونتائجه وممارسته المؤسسية . تلك الآثار والنتائج وحتى الممارسات التي يحارب الكثيرين في المركز للحفاظ عليها لأنها ببساطة تحافظ على انتصارات ومكتسبات جدودهم في إخضاع واستعباد واستبعاد الشعوب السودانية الأفريقية الأصل. الواقع لا ينفي التاريخ ليس فقط الاستعماري، بل والاستغلالي، بل يثبته. ان الشوارع بشحاديها ومشرديها تحكي التاريخ والواقع، فمن هم معظم الأطفال المشردين في شوارع الخرطوم من أين أتوا وماهي سحناتهم؟ أن حكايتهم هي حكاية هذا الوطن بحاضره وماضيه. مستشفياتنا أيضا تحكي ذات الحكاية، فمن هم معظم المرضى الملقين على أرضيات المستشفيات، هذا اذا تمكنوا من الوصول إلى أرضياتها من بعد مساكنهم في أطراف العاصمة والبلد. ان مدارسنا ونتائج الشهادة الثانوية كل عام أكبر دليل على مقدار الانحياز والتمييز التاريخي الذي يتحمل عبئه الطفل المولود اليوم. فما حدث في الماضي لم ينتهي، ليس لأن المهمشين عنصريين وأصحاب مرارات، كلا لأن المسيطرين على هذا البلد من أهل المركز خاصة النخب لا يريدون لهذا الماضي أن ينتهي، لأنهم يخشون أن في نهايته نهايتهم، يخشون من أن يطالبوا بأن يطردوا من البلاد التي استغلوها واستعمروها. ان الخوف لا من جانب المستعربين ولا من جانب المهمشين سيحل المشكلة. وبعاتي الاسلامو عروبية الذي يبتلع السودان، لن يوقفه الإنكار بل المواجهة، وتحمل نار الحقيقة على بشاعتها. ومحاولة التطهر منها بتغيير الواقع، لأن التاريخ لن يتغير. والمستقبل لن يأتي ابدا طالما أن الرعب من مواجهة بعاتي الحقيقة يخيف أهل المركز. الاسلاموعروبية أو أي مصطلح نجر لمحاولة التعبير عن الواقع السياسي لا أعتقد أنه كافي للتعبير عن الواقع الاجتماعي والماساة الإنسانية على مستوى الافراد والأسر التي يعيشها الملايين من مهمشي السودان، الذين أخرجوا من ديارهم ومزقت أسرهم وتحطمت كرامتهم بين رحى الفقر والاستغلال والتمييز على عتبات النزوح الإجباري . فلا تختبئوا يا نخبة المركز في مصطلحات نجرتموها مهما كانت درجة علميتها لكي تصموا اذانكم وتغلقوا أعينكم عن صراخ الضحايا من ما فعل أجدادكم ومما واصلتموه على غرار وهكذا وجدنا آبائنا الأولون. لا تنجروا المصطلحات لتختبؤا خلف زيف الكلمات عن حقائق الواقع ومرة أخرى فالنترك التاريخ في مرقده أو قل مزبلته، فلا شان لنا به ولا وقت لدينا لترف مراجعته أو حتى تصحيحه، فالموت يحيط بنا خاصة نحن المهمشين، والمعركة التي نخوضها هي الآن ومكانها ليس فقط الاسافير والصحف بل المزرعة والمدرسة والمستشفى والجامعة والشارع ومواقع القتال بكل اشكالها. وفي هذه المعركة المنتصر هو المنتصر للحق ولو على أخيه وأبيه وجده، والمنتصر هو الذي لا يخشى الحقيقة ولا يهاب الاعتراف بالخطأ، ولا يلتحف بالكلمات في وجه أمطار الظلم وظلمات البغي.
Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق