عثمان نواي
مازال البعض مصدومون إلى الان باللغة والخطاب
العنصري الفج الذي أثار الغضب وفتح جروح الماضي والحاضر قبل أيام من أحد أبواق العنصرية
البغيضة. ولكن الصدمة ليست هي رد الفعل المناسب
بل هي رد فعل استنكاري لمن تصوروا أن هذا النوع من التفكير قد انتهى خاصة لدى أفراد
يعيشون في مجتمعات متقدمة وينتمون إلى تنظيمات تقدمية. ان التساؤل الهام هو السبب والدافع القوي خلف هذه
الموجة العنيفة من الكره والعنصرية البذيئة،
ترى ما هو التهديد الكبير الذي شكله ألقادمون من القطاطي على أمثال هذا العنصري
ومن يدافع عنهم، لماذا يخشى أن يصلوا إلى السياسة
ولماذا لا يريد لاكلي العصيدة وسكان القطاطي
التقدم والخروج من مناطقهم؟ أن ما قام به صاحب التسجيل ومن صمتوا عن ما قام
به من إساءة وابتزال هم في حالة من الرعب الحقيقي من التغيير،
ليس تغيير النظام الحاكم، بل تغيير
نظام الامتيازات الذي يتمتعون به منذ عقود.
فلقد تغير العالم والسودان أيضا، فقد
خرج سكان القطاطي من مناطقهم ليس فقط إلى مراكز الحكم في الخرطوم بل خرجوا إلى إلى
الجامعات ومراكز البحوث ومصانع صنع القرار ولوبيهات الضغط على المستوى العالمي ، لم يعد سكان القطاطي يشكلون تلك المجموعات المغلوبة
على أمرها التي تحتاج لمن يتحدث باسمها ادعاءا للمعرفة ولصقا بتهمة الجهل بهم، كلا بهم الان يعلمون جيدا كيف يسير ويدار السودان
وكيف يسير العالم من حولهم. لم نعد الان في
مؤتمر جوبا 1947 حيث يتم خم الناس خما نحو وحدة بوعود مزيفة، لم نعد في 1964 حيث يتم الوعد بالثورة ولكن تجهض
الثورة لصالح الدستور الإسلامي الاقصائي ولم نعد في 1989 حيث نقترب من السلام مع البعض
فيدبر البقية انقلاب النظام والتضحية بالديمقراطية، انه السودان ما بعد الإنقاذ وما بعد نيفاشا وما
بعد استقلال الجنوب وما بعد الابادة في دارفور،
لقد حدث التغيير في العقول والمصالح والمطالب، لم تعد اللغة والخطاب الان للمناورة أو الحصول على
المناصب والحلول الجزئية، أن المطلب الان واضح
وهو إعادة بناء السودان على أسس المواطنة المتساوية، هذا التساوي يعني أن هناك تنازلات عن الكثير من
الامتيازات التاريخية لا بد وأن تقدم وان هناك اعتبارات لا بد وترد وحقوق لا بد ستسترد. والتغيير هذه المرة
لابد وأن يحدث على قواعد مختلفة فبدون تغيير جذري للعقليات والتفكير العنصري، فلن يصل السودان ابدا إلى نقطة التحول الديمقراطي
التي يرجوها الجميع، لأن الكثير من من القضايا
ستظل مفتوحة، فسقوط النظام كهدف مشترك الان
لكل السودانيين وكل القوى السياسية ليس سوى الخطوة الأولى في طريق التغيير في السودان.
والملفات المصيرية التي يتحدد من خلالها مسار مستقبل السودان ككل لن تكون إدارتها هذه
المرة حكرا على ذات النخب القديمة، فهناك أصوات وممثلين لكل أهل القطاطي وغيرهم من
السودانيين لديهم القدرة والخبرة على انتزاع حقوقهم وتغيير وجه السودان بحيث لن يعود
أبداً على ما كان عليه، هذه هي النتيجة المحتومة والقريبة جدا التي يخشاها العنصريون
لذلك فقدوا السيطرة على إعصابهم وسقطت أقنعة التقدمية والوطنية والعبارات البراقة وظهرت
المخاوف الحقيقية، ولكن الخوف من القادم الحتمي كما أن إعادة نبش الماضي والأرتكان لاساليب الاستعلاء
التي عفا عليها الزمن لن تفيد، فلقد تغير المشهد
ولن يكون هناك حل ولا مهرب غير المواجهة لواقع أزمات السودان بوضوح وعلى كل من كانوا
يشعرون بتميزهم العرقي و الاثني أو الطبقي أن يتحسسوا أماكنهم فالتغيير لن يترك شيئا
في مكانه. ولكن المواجهة الصادقة للماضي والحاضر
ستقدم خيارات متعددة لحوار بناء قد يؤدي لإعادة رسم الأدوار وربما إقامة السودان الذي
يسعنا جميعا كما نريد جميعاو ليس كما يريد
البعض.
0 comments:
إرسال تعليق