هل أصبح الكيزان الاثنية الجديدة في السودان؟!


عثمان نواى

من المعروف عن السودانيين القدرة على التمييز ما بين بعضهم البعض من الناحية الاثنية والقبلية، فمعظم السودانيين يستطيعون بسهولة التعرف على قبيلة أو اثنية سوداني آخر من مجرد النظر إليه، ناهيك عن ما إذا أجرى معه اي حوار بسيط ليدرك لهجته أو لغته. وهذه المقدرة لها جانبها السلبي الذي يؤكد على درجة عمق التركيبة الذهنية المتعصبة لمسألة الانتماءات القبلية والأثنية في السودان، ولكن لها جانبها الإيجابي أيضا، فهي تسهل التعارف بين من ينتمون إلى نفس الاتجاه ولكنها كمقدرة قد تعمل كأداة تحذير أيضا. ففي السودان اليوم حتى الأطفال يستطيعون التعرف على "الكوز" أو عضو المؤتمر الوطني. فهو في الغالبية العظمى اغني من غيره له وظيفة ومخصصات وله وضعية مميزة في حيه السكني ليس فقط لوضعه المادي بل لأنه بالتأكيد له دور سياسي سلطوي، فهو بالتأكيد عضو اللجنة الشعبية على الأقل واحد قادة لجنة المسجد ناهيك عن أدوار أخرى تكبر وتصغر حسب مكانة الشخص ككوز داخل تنظيم الكيزان أو المؤتمر الوطني. وعبر الزمن تغير شكل الكوز، فقد كان الكوز هو الشخص الذي يحمل شنطة "تمكنا" ويرتدي بدلة "نميري" وملتحي ،ويكثر من عبارات "أن شاءالله" و"بارك الله فيكم "و" جزاك الله خيرا ". لكن الكوز اليوم وبعد التمركز في السلطة لثلاثين عاما أصبح، يرتدي ملابس أشبه بتلك التي تعرض في المسلسلات التركية، أصبح الكوز شابا أنيقا أو رجلا متقدم في السن لكنه بلحية خفيفة أو غير ملتحي اصلا مثل وزير خارجيتهم غندور" الفك الحظر الأمريكي ". وأصبح الكيزان لا يديرون الجوامع واللجان الشعبية بل أصبحوا يديرون المطاعم الفاخرة ومراكز التجميل وشركات الاتصالات والإعلان، بل أصبحوا مغنين ومنتجي افلام. لم تعود الكوزة محجبة ومحتجبة ، بل أصبحت مذيعة وشاعرة وامرأة أعمال وغير محجبة في أغلب الأوقات. فهل أصبح الكوز أكثر اعتدالا ام أكثر سودانية؟ ربما نجح السودانيين بثقاقتهم المنفتحة في تكسير تعصب الكيزان الديني وعقليتهم الانعزالية والفجة، ولكن ما نجح فيه الكيزان هو أنهم حولوا أنفسهم إلى طبقة والي اثنية جديدة. فرغم انهم صاروا عاديين أكثر من بعض الجوانب لكنهم في المقابل أصبحوا منفصلين أكثر عن باقي السودانيين في كثير من الجوانب الأخري. فالغني المادي والسلطة والفرص المتاحة والامتيازات جعلتهم مميزين ومعروفين لدى كل سوداني مهما تخلوا عن بعض مظاهرهم القديمة ومهما تخفوا وراء المسميات والبزنس والملابس والتكنولوجيا والإعلام الجديد. ان الاثنية الكيزانية كفئة اجتماعية جديدة في السودان اصبحت أوسع مما يعتقد الكثيرون، رغم صغر حجمها بالمقارنة بعامة الشعب المسحوق، لكنها أصبحت اثنية المسيطرين والتي ينتمي لها فعليا كل من أراد الصعود لأعلى، وينتمي لها أيضا كل من أراد أن يبقى في مكانته العليا اجتماعيا واقتصاديا، حتى وإن لم يكن في الأصل والنسب الفكري أو الحزبي "كوزا"، ولكن انتمائه لتلك الفئة العليا يجعله" متكوزن " على وزن" متورك" والماخوذة من المثل السوداني الحكيم،( التركي ولا المتورك ). وأحيانا يكون " المتكوزنون" أكثر حرصا على مصالح اثنيتهم من الكيزان، في رغبة في الحفاظ علي مكانتهم وخوف من فقدها. في النهاية قد نجح الكيزان فعليا في وضع أنفسهم ككيان وفئة اجتماعية مسيطرة وليست فقط مجرد كيان سياسي يسقط بإسقاط النظام، والمؤتمر الوطني يكتسب قوته وقدرته على البقاء الي الان من هذه الاثنية الجديدة التي تدعمه في البقاء على رأس السلطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية في تحالف مصالح عريض تمكن فعليا من تجاوز كافة الانقسامات القبلية والطائفية والأثنية والسياسية في سبيل بقاء الاثنية الكيزانية الجديدة. والحرب ضد مصالح هذه الاثنية لن تكون سهلة لأنها لا تمتلك الحكومة فقط انها فعليا تمتلك "السلطة"، فاي ثورة قادمة يجب أن تعي أن اقتلاع هذه السلطة يحتاج لتحالف مصالح موازي مساوي في القوة ومعارض في الاتجاه.
Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق