محمود جودات
الشكلة بين الافارقة الاصليين والسودانيين
المستعربين2-2.
لقد كتبنا في الجزء رقم ( 1) عن العنصرية
تعريفاتها وخصائصها استنادا إلى المشاهد التي امامنا وحسب البيئة التي نعيش فيها وتحدثنا
عن نواهي العنصرية في المنظور القانوني الاممي وما سبقها من تحكيم الدين الاسلامي في
حديث رسول الله (ص) المذكور عنه ثم الاية الكريمة
من كتاب الله وكذلك رأي الكتاب المقدس في ذلك اردنا ان نشير على أن العنصرية حدث قديم
متجدد ولقد تخلصت منها الشعوب المحتضرة بطرق
عدة منها سن قوانين تحد من ممارستها اوالتفاخر بها كما يحدث في السودان واشرنا على
أسباب علو صوت العنصرية قولا وعملا المرتكز على تبني نظام المؤتمر الوطني لهذا النهج
البغيض على مستوى عالي جدا اوصلت البلاد إلى درجة عالية من الاحتقان المجتمعي
.
نود في هذا الجزء نتحدث عن الرق (العبودية
) واسباب التصاقها بالعناصر الزنجية في السودان كمواطنين اصليين في جبال النوبة وادارفور
وجنوب النيل الازرق وما مغزى تمسك بعض الشماليين ذوي البشرة الفاتحة اللون ( المستعربين
) بهذا التوصيف تحديد ضد الاثنية الافريقية من النوبة والفور والجنوبيين في السودان
على الرغم من علمهم بانتهاء حقبة العبودية أي الاسترقاق منذ قرابة القرن من تاريخ السودان
الحديث إلا انهم ما يزالوا يلصقون لفظ العبودية على الانسان الاسود السوداني على الرغم
من انه حر اما وابا وجد جدا.
ماهو الرق في اللغة : هي العبودية والرقيق
هم العبيد الذين يخضعون ويذلون لمالكهم واسباب وجود الرق هي الحروب والهزيمة والأسر،
العبودية ترجع إلى ان يكون شخص مملوك لشخص أخر ويسيطر عليه كاملا ويسخره لخدمته بدون
مقابل وليس للعبد اي حقوق من اي نوع ويكون الإنسان عبدا أما بأحكام اجبارية منها القهر
والاستلاب أو الاستسلام الطوعي بحكم ظروف معينة مثل ما يوجد في بعض المجتماعات في القارة
الاسيوية واغلبها في الهند يرجع ذلك لثقاقات اجتماعية متوارثة بين شعوب معينة منذ زمن
بعيد والعبودية عرفت ايضا على انها تجارة رائجة في العالم وهي عصب الاستثمار في العهود
السابقة وفي القرن الخامس عشر تورط تجار رقيق من بريطانيا ومن بعض الدول الاروبية مستهدفين
الممالك الكبرى في افريقية غانا ومالي ولقد كانت معظم المجموعات النشطة في تجارة الرقيق
تقوم بتكوين مؤسسات للتجارة في الرقيق حيث
كانت تجارة الرقيق هي اساس الطفرة الاقتصادية للدول الصناعية الكبرى في تشغيل العبيد
في الزراعة بصفة رئيسية والتاسيس الأولي لرؤوس الاموال .
في مطلع القرن التاسع عشر كان السودان واحد
من اكبر اسواق تجارة الرقيق في العالم والتي كان العرب الجلابة السودانيين والمصريين
والشوام والاتراك هم التجار فيه وكانوا يصطادوا الرقيق من النوبة والنيل الازرق ودارفور
ولقد انعكست تلك التجارة الرائجة على وضعيتهم الإقتصادية واصبحوا فيما بعد اغنياء السودان
كل ذلك من تجارة الرقيق لأن لا مورد لهم في السودان قبل ذلك إلا في تجارة الرقيق واشتهر
منهم كثر واكثرهم شهرة وهو الزبير ود رحمة الذي تسيد تجارة الرقيق في الاقليم الجنوبي
بشكل واسع .
أن العرب لم يستحوا بل ذهبوا إلى تصنيف
الرقيق في تجارتهم ونشر ذلك في كتبهم ( راجع
كتاب لتاريخ وجغرافية السودان – نعوم شقير )
ما يثبت تورط العرب في جريمة الاعتداء
على العنصر البشري من الافارقة على ارض السودان واستغلاله لدرجة الاتجار به على الرغم
من وجود نواهي في الدين الذي يتبعه سنبين هنا مقتبس من كلام الشيخ / ابراهيم محمد حسن
الجمل كتاب الرق في الجاهلية (ولقد أغلق الإسلام كل أبواب الرق التي كان السابقون يتخذونها
ذريعة إلى الاستعباد والتحكم الأعمى في رقاب بني آدم الذين كرمهم الله وفضلهم على جميع
المخلوقات وأَحل لهم الطيبات وجعل فيها رزقهم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ
فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى
كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء الآية 70) )) انتهى كلامه )) ألا تكفي
هذه الاية بمنع المسلمين عن تجارة الرق بانواعه إذا كانوا مؤمنين ) ؟؟؟
نقتبس هذه الاسطر من كتاب الدكتور منصور
خالد ( تاريح تجارة الرق في السودان )
وما زال أهل الشمال حتى اليوم يحسبون الزبير
ود رحمة (أحد تجار الرقيق الشماليين) واحدا من ابطالهم، ويتوسلون المعاذير لولوغه في
النخاسة. من تلك المعاذير افلاحه في نشر الاسلام في الجنوب واقامته دولة فيه، وبسالته
في حروب الأتراك. وما اقام الزبير الا سلطنة بطرقية، هو بطريقها الاكبر، ومثل كل البنى
البطرقية كانت تحكمها تراتبية اجتماعية يهيمن فيها الاكبر على اصغر، والذكر على الانثى
والسيد على العبد، وادنى طوائفها العبيد. ولا شك في ان الاسراف في تمجيد الرجل ـ رغم
شجاعته وطموحه ـ يشي بفقدان للحساسية تجاه ضحاياه، خاصة وما زالت ممارسات الرق تلقى
ظلا كثيفا على العلاقات الشمالية الجنوبية، أي العلاقات بين الورثة المعنويين للزبير
والورثة المعنويين لخصومه.
فهم القضية: وحتى يمكن فهم مؤسسة الاسترقاق
فهما صحيحا يجب ان نضعها في سياقها الموضوعي ومسارها التاريخي الصيحيح. ويحسن بنا ايضا
ان نزيح عنها الاقاصيص التي ما فئتت تؤسطرها، وننفي عنها الانقباضات الانفعالية التي
ظلت تصاحبها. ان فشلنا في هذا، فلن ننصف التاريخ، ولن يتسم حكمنا بالموضوعية، كما لن
نسهل الامر على انفسنا في معرض بحثنا عن حل للمشاكل التي ورثناها عن تلك المرحلة المخزية
من تاريخ السودان ان لم نتوخ المقاربة الموضوعية للمشكل. لهذا نبدأ القول بأن الاسترقاق
في الشمال النيلي في عهوده الأولى لم ينحصر على النوبة والأحباش والشلك، وانما كان
الشماليون انفسهم يغزون بعضهم البعض من اجل السبي، ومثال ذلك حملات النوبة ضد المستضعفين
من حولهم.
وشهد السودان الشمالي ايضا غزو ملوك الفونج
لمملكة تقلي المسلمة على عهد بادي أبو دقن لسبي نسائها واستعباد رجالها، كما شهد حملات
المك (أي الملك) عدلان على الهمج واسترقاق بناتهم بمن فيهم بنات شيخهم أبو لكيلك. وينسب
شبيكة قبيلة الهمج الذين كان يستهجنهم ملوك الفونج الى الجعليين العوضية، على ان الهمج
عندما ملكوا زمام امرهم في عام 1762، ثاروا على سادتهم الفونج واقتلعوهم من عرشهم وولوا
محمد أبو لكيلك نفسه على الملك. ظاهرة تعدي المجتعمات القوية على المجتمعات الضعيفة
من حولها، كما قالت المؤرخة الاجتماعية ويندي جيمز، ليست فقد نتاجا لدوافع سياسية او
اقتصادية، وانما ايضا هي تأكيد لقوة المجتمعات المعتدية، وضمان لتلاحمها الاثني، وتماسكها
السياسي.
انتهي اقتباس
اردنا ان نقول ان مؤسسات الرق في السودان
كانت شاملة وعمت كل اركان السودان مست جميع المجتمعات السودانية على حسب ما ورد في
السطور المقتبسة أعلاه (تاريخ تجارة الرق في السودان ) وهي وصمة عار على جبين الشعب
السوداني كله ويتحملها اولا المشتغلين في الرق كتجار أمثال الزبير ود رحمة ومن ابتلى
من عشسرته والذي يمجده ابناء الشعب السوداني
في الوسط حتى اطلق اسمه على احد شوارع العاصمة الخرطوم على الرغم من شناعة فعله وغيره
من التجار المصريين والاتراك والشوام وبدرجة ثانية المتعاونين معهم من الوطنيين.
فالتصاق وصمة العبودية المشينة التي يطلقها
المستعربون ليست حقيقة آنية للنوبة والفور
والجنوبيين وسكان النيل ازرق فأن الذين يطلقونها لوصم الافارقة انما يقصدون بها أبعاد
الشبهة عنهم وللتظاهر بانهم ذو رفعة ومكانة ودماء نقية ,والأحرين عبيد وبالطبع هذا
إدعاء باطل غير حقيقي لأن الشعوب الاصيلة تعيش على ارضها حرة عزيزة ولم يكن منهم احد
مملوك للذين يتشدقون الآن بنعت الناس بالعبودية بما ان الرق لقد انتهي لأكثر من قرنين
حسب ما ورد في بحث الدكتورة ولس مورو هاريل بين 1877-1880 م ولكن رسمياً صدر مرسوم
من عصبة لامم في عام 1906م بمنع تجارة العبيد
إلا ان العرب مايزالوا يمارسون الرق في بعض الدول مثل مورتانية ومالي إلى يومنا
هذا .ونفترض ان ممارسة تجارة الرقيق استمرت في السودان بعد المنع حتى بديات القرن العشرين
ولكن على نطاق ضيق في شكل احتطاف اطفال رعاة او مزارعين في مناطق متفرقة من السودان .
وعن المستعربين السودانيين الذين ينعتون
النوبة وغيرهم من الافارقة بالعبودية نريد ان نؤكد أن النوبة المتواجدين في وطنهم إقليم
جبال النوبة الآن هم احرار اسياد بلد ولهم خصوصية تاريخية يتميزون بها عن غيرهم لهم
وطن خاص بهم والارض كلها ملكهم واي نوباوي يستطيع ان يحسب اجداده إلى العشرة ويزيد
وأن مثل هذه النعوت والتلميحات الموجهة لهم بهدف اشعارهم بالدونية لن تهز فيهم شعرة
ولن تشعرهم باي شي من الخزي والعار لأنهم احرار فعلا ، فعلى المتسألين أن يبحثوا عن
الذين اختفوا في السودان اين هم .
يعرف عن العرب أنهم ظلوا يمارسوا الرق منذ
الجاهلية قبل الاسلام وبعد الاسلام حتى فيما بينهم القوى كان يمتلك الضعيف ذلك لأن
المجتمع العربي وحسب تكوينه الفكري يقوم على القبلية والعشيرة ويكون فيهم ( 1 ) الاحرار
أبناء القبائل (2 ) الموالي وهم عتقاء القبيلة ( 3) الرقيق وهم العبيد والسباية ولقد
ظل هذا الفهم يستشري في العنصر العربي دون غيره إلى يومنا هذا ، وبهذا المفهوم في التمييز
الطبقي والعنصري لا يقبل المستعربين في السودان بان يتساوا مع الاخرين وأن التنوع الثقافي
والاثني والديني غير مقبول لديهم لذلك تراهم دائما ينفرون الاخرين عنهم بل يشعلون الحرب
ضدهم فلا نطمع في قيام دولة سودانية كما نحلم
بها مالم تتغيير المفاهيم التي تعمق الكراهية بين الناس وتنتهي عقلية هولاء المتخلفين
ولو تفحصنا مرجعيتهم التاريخية سنكتشف أنهم
لن ينجحوا في إدارة دولة وبحجم السودان بكل مكوناته نسبة لطبيعتهم الغريزية حيث لا
يصلح معهم غير السيادة الملكية في ان يكونوا ملوك وأمراء حتى لو مملكة بحجم الخرطوم .
هذه نهاية موضوعنا عن توضيح الخلط بين العنصرية
والرق او العبودية حيث ان الرق كان يدار كمشروع استثماري ومؤسسات اقتصادية لجمع المال
بينما العنصرية هي الكراهية المتبادلة بين الناس بسبب اعتقاد طرف من الطرفين بانه افضل
من الاخر بالاسباب والدوافع التي ذكرت في صدر الموضوع الأول نأمل ان نكون قد بينا وجهة
نظرنا في هذا الجانب ونهدف إلى وقف النعوت الواصمة بالعبودية من قبل بعض المستعربين
للعناصر الإفريقية الاصيلة في السودان وعلى انها اي تلك النعوت والشتائم يراد بها احتقار
تلك العناصر الإفريقية والتقليل من شأنهم لكي
تنكسر شوكة نضالهم القوية فيما يظل اولئك في الصعود والتباهي والتفنن في الاجرام
.
نحن لا نريد الحديث عن العبودية والعنصرية
ولا نريد ان نصف احد بما لا يليق به فكلنا من آدم وآدم من تراب ولكننا مجبورين للدفاع
عن انفسنا من حرب فرضت علينا ظلما وعدوانا ينعتوننا المغرضين فقط لأننا خلقنا سودا
وما كنا لنختار خلقا افضل مما خلقنا عليه رب الكون كله .
0 comments:
إرسال تعليق