العلمانية والدين في السودان :نحو نظرة مغايرة

 عثمان نواي
ان الجدل حول الإسلام اليوم لا يمكن أن يتجاوز حقيقة انه كفكر ديني ومنهج ممارسة يعيش أزمة حقيقية. وهي ليست أزمة اسلام سياسي أو ارتباط الدين بالدولة بل انها أزمة الفكر الإسلامي ككل، اذ أن الإسلام الان بعمر 14 قرن يمر بفترة عصوره المظلمة المشابهة لنفس الفترة للدين المسيحي في القرون الوسطى، حيث كان التعصب الديني واستحواز الكنيسة علي الدولة سيد المشهد في أوروبا . وربما يكون الجدل الدائر آلان حول ضرورة إعادة النظر في الفكر الإسلامي هو بداية عصر تنوير جديد للإسلام كدين وكفكر.
 اما في إطار الجدل حول علمانية الدولة في السودان، فأعتقد أن النقاش هنا يهمل نقطة محورية، وهي حقيقة أن الصراع الدائر في السودان هو صراع سياسي على السلطة، ولكنه صراع ذو بعد أثنى بالكامل. والدين في إطار هذا الصراع الاثني على السلطة لم يتم استخدامه فقط كأداة للحشد والتأييد والتماهي مع تخلف المجتمع اقتصاديا واجتماعيا، ولكن الدين استخدم بشكل واعي كإحدى وسائل رسم حدود الانتماء الي الاثنية المهيمنة. تلك الاثنية التى صنعت الدولة السودانية في قالب مطابق لتعريفها لذاتها التي تعتقد أنها عربية مسلمة، ومع سيطرة هذه الاثنية على الدولة منذ الاستقلال أصبحت المواطنة في الدولة التي تسيطر عليها الاثنية( العربية المسلمة )هي أيضا مشروطة بهذا القالب.
 لا يمكن أن تكون العلمانية أو حتى الديمقراطية هي الحل السحري للأزمة السياسية السودانية في الصراع على السلطة دون إعادة تعريف الأزمة نفسها وتفكيك دولة السيطرة الاثنية والمبنية على عنصرية موسسية، يمثل الدين مرتكزها الذي أضفى قدسية تبرر السيطرة الاثنية للعرب الذين تصادف انهم( مسلمين ). لأنه في إطار المصلحة الاثنية في أحكام الهيمنة على الدولة للحفاظ على امتيازاتها، تكون حدود الاثنية الثقافية هي حدود الانتماء إلى الدولة. لذا يجب تفكيك السيطرة الاثنية حتى تصبح الدولة السودانية علمانية اوتوماتيكيا لأن الدين لن يصبح وقتها محددا للانتماء الوطني.
 من هذه النقطة تتفكك تعقيدات حول اسئلة التغيير ودور الأحزاب السياسية في المركز أو( لا دورها ). فهذا الإطار الاثني بمعناه السياسي هو أيضا يرسم حدود المصالح المشتركة بين النظام وبين من يريدون إسقاطه. أو في الحقيقة يرسم مدي عمق الفاصل بين النظام ومعارضيه. بحيث ان الواقع يثبت أن أثنيات معينة هي التي تحمل السلاح لأنها تقتل بهذا السلاح منذ عقود، وتحاول كياناتها السياسية المعبرة عنها للضغط لأجل تغيير جذري في السودان. في حين أن القوى السياسية الأخرى التي تدعي القومية من موقعها في المركز المستقر أمنيا على الاقل لا تحمل أسلحة - ولو فيما سمي( نضالا مدنيا )- ذات قوة وفعالية حقيقية في التأثير على الشارع في الداخل أو المجتمع الدولي في الخارج. لذلك يجب إعادة رسم خريطة التغيير بناءا على التضحيات والأدوار الحقيقية وليس بناءا على البيانات والمواقف السياسية الشفاهية. وبالتالي يظل مصير السودان معلقا بين يدي الكثير من العمل الواجب في إعادة النظر لواقعنا ككل من منظور مغاير.
تحياتي
Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق