بقلم: آدم جمال أحمد – سيدنى
تسارعت التطورات داخل الحركة الشعبية قطاع الشمال فى الآونة الأخيرة بصورة دراماتيكية سريعة ومتلاحقة ، نتيجة للقرارات الثورية الصادرة من مجلس تحرير اقليم جبال النوبة ، والتى بدأت بتنحى وإقالة ياسر عرمان من الأمانة العامة ورئاسة وفد التفاوض والعلاقات الخارجية وتجريده من كل الصلاحيات ، وتبعه قرار اخر باقالة مالك عقار من رئاسة الحركة وتعيين عبدالعزيز الحلو رئيساً مؤقتا للحركة وقائدا عاما للجيش لحين انعقاد الموتمر العام لانتخاب قيادة جديدة.
السيناريوهات المُحتملة:
تواجه الحركة الشعبية قطاع الشمال هذه الأيام واقعا جديدا خاصة فى ظل رياح قرارات مجلس التحرير ومستجدات الأزمة الاخيرة يقذف بها فى أتون خيارات بالغة الجرح والصعوبة من تاريخ نضال شعب المنطقتين (جبال النوبة والنيل الازرق) ، يدلف بها الى مرحلة جديدة .. هل تستطيع معها تلك القرارات تلبية استحقاقاتها فى ظل العاصفة الاخيرة التى هبت عليها من غير حسبان ، لان الأزمة الراهنة التى تواجهها الحركة الشعبية تبدو أشد صعوبة فى تاريخ الحركة للمرة الاولى منذ انفصال الجنوب يطبق فما الكماشة على رقبتها لتواجه أزمة داخلية وأزمة خارجية على السواء ، وتجد نفسها امام تطورات متلاحقة أشبه ما تكون بالعاصفة الهوجاء من العيار الثقيل ، وخاصة فى إطار الحملات والحرب غير المعلنة وغير المسبوقة التى تشن ضد مجلس تحرير جبال النوبة هذه الأيام وبصورة مكثفة نتيجة للقرارات الثورية والخطوات التصحيحية التى أطاحت بعرمان وعقار فى وصف المجلس وقرارته بنعوت غير كريمة بأنها (مؤامرة - انقلاب - عرقية وإثنية ... الخ) ، ولكن المتأمل لهذه الحملات المسعورة يكتشف ان هذه كذبة اخرى ومخطط من ابداعات منظومة اعلام جماعة عرمان ، كما فعلها بتحريك مخالبه من قبل مع وفد قيادات جبال النوبة بدول المهجر ، استخدم فيها نفس الشخوص من ابناء النوبة وروابطها الاجتماعية أدوات تنفيذ وغيرها من الجهات صارت اداة طية فى يد عرمان يحركها من البعد (روموت كنترول).
تطورات الواقع:
لم تتوقع قيادات صالت وجالت أمثال عرمان وعقار يوما ان يستبد بهما القلق ويفقدا صوابهما وبوصلة يهتديان بها ، فقد كان وجودهما على قمة زعامة هرم الحركة الشعبية (الأمانة + الرئاسة) عنصر أمان وركيزة استقرار استثمراه فى نشر أشرعتهما السياسية وبناء علاقتهما الإقليمية والدولية طيلة الفترة الماضية ولَم يتوقعا ان يتمكن منهما خصمهما الحلو وأبناء النوبة فى مجلس تحرير اقليم جبال النوبة لأزاحتهما بالسهولة هذه برياح الاصلاح والتغيير التى هبت عليهما واجتازت بالحركة الشعبية منعرجات ومنعطفات حادة أرهقت وعصفت بوجودها وتحالفاتها وإمكانياتها نتيجة لأخطاء سياسية جسيمة ارتكبها عرمان (فرعون الحركة) ، فكان لا بد من الإطاحة به مهما تباينت وجهات النظر حول قرارات مجلس تحرير جبال النوبة ، الا انها صائبة وفى اتجاه لتصحيح مسار الحركة الشعبية لتغيير الواقع المرير الذى كانت تعيشه ، بعد انحراف بعض قادتها عن مسارات القضايا الحقيقية لابناء المنطقة ، وفقدانها للمصداقية الامر الذى عجل بظهور مجلس التحرير ، والذى رفض وجود عرمان ان يكون متمسكا بملفات استراتيجية وقائما على امرها لأنهم ادركوا بأنه ساهم فى إستخدام النوبة وقوداً للحرب والزج بهم فى صراعات تحقيقاً لطموحاته ونزواته الشخصية ، وبل إكتشف مجلس التحرير موخرا بان النوبة داخل الحركة الشعبية مجرد خلفية باهتة داخل الحركة ، فلم يبقى للنوبة شيئاً بعد سيطرة ياسر عرمان السلطوية وتهميشه للكفاءات من أبناء النوبة وفصل قياداتهم وتعينه لكوادر الحزب الشيوعى ومن الذين لا علاقة لهم بالحركة فى جسم قطاع الشمال وهياكله المختلفة ، وقد عبر عن ذلك قيادات من أبناء النوبة تم تجاهلهم عن قصد وبدأ زفيرهم وزئيرهم يعلو ، بعد أن بانت الأيام وحدها كيف أصبحت الحركة وأبناء النوبة مطية سهلة الإنقياد لعرمان وبقايا اليسار !! .. فكان لا بد أن يكون مصيره مصير صاحب أغنية (ارحل) التى كتبها الشاعر التجانى سعيد وغناها الفنان الراحل وردى:
قلت ارحل أسوِّق خطواتى
من زول نسى الالفة
اهون ليل واساهر ليل
وأتوه من مرفأ لى مرفأ
رحلت وجئت فى بعدك لقيت
كل الارض منفى ...
فلذلك ان قادة أمثال عرمان وعقار أصبحا (عملة متهرئة) .. فالتعامل معهما سوف يلحق خسائر سياسية وعسكرية وإقتصادية فادحة بالحركة الشعبية والسودان.
لماذا الحملات المسعورة ضد مجلس التحرير:
حاولت بعض الاقلام الماجورة من قبل الأمين العام المخلوع ياسر عرمان تجيير الحقائق وتغبيش الوعى للنيل من مجلس تحرير جبال النوبة والتقليل من شأنه ودمغه بنعوت غير لائقة نتيجة للثورة التصحيحية التى قام بها ، وأدارها وحسمها باحترافية عالية افقدت كل الذين أرادوا ان يمتطوا ظهر جيش ابناء النوبة (حصان طروادة) للوصول الى القصر وكراسي السلطة ، تحطمت امالهم وتكسرت تطلعاتهم ، فبدا صراخهم وعويلهم يعلو من خلال البيانات التى تصدر هنا وهناك مزيلة باسم مالك عقار وتارة بأسماء لاعضاء مجلس التحرير القومى وقيادات ومكاتب للحركة ومحامين ، فما هى الا كلمة باطل اريد به حق تزين لعرمان وزمرته ، فالسؤال أين كان هؤلاء حينما اتخذ عرمان وعقار قرارات باعتقال تيلفون كوكو وفصل خميس جلاب وإحالة ستة ضباط كبار من الحركة للمعاش وفصل قيادات سياسية وقادة كبار من النوبة بالحركة وحل مكاتب منتخبة وتعطيل الدستور وغيرها من القرارات التعسفية ، اليست كانت باطلة وتخالف المنطق والعرف التنظيمى ، فاين كان هؤلاء حينما قامت الحركة الشعبية الام بفصل الجنوب؟؟ ، ولماذا لم نسمع بمحامى الحركة الدفاع عن المعتقلين والمفصولين تعسفيا من منسوبيها ؟ ! ، ومنذ متى كانت القضايا والأمور تخضع للنقاش فى عهد عرمان وعقار ، فنسأل (هؤلاء) من الذى يقاتل فى الميدان ويقدم ارتال من الشهداء ، أليس هم أبناء النوبة بالحركة ، فلذا المطلوب منكم فقط احترام مجلس التحرير وقراراته ، فلماذا لا نعطيه فرصة ليواصل خطواته التصحيحية وترتيب صفوفه وأولياته فى هذا التوقيت الحرج من تاريخ الشعب السودانى لقيادة سفينة الحركة الى بر الأمان لتحقيق السلام ووقف الحرب فى المنطقتين ، فالمجلس غير معنى بتغيير او إسقاط النظام كما يتوهم قوى التغيير ، فبدلا من توجيه النقد لمجلس تحرير جبال النوبة نناشد كل الحادبين للإصلاح ووقف نزيف الحرب والحريصون على عدم تفكك وشق صف الحركة الشعبية إعطاء الفرصة للقيادة الجديدة ومجلس التحرير ، او المساهمة بالاراء والافكار لهم بدل توجيه النقد غير الموضوعى وتثبيط هممهم ، كما نناشد الحكومة اذا كانت جادة وتريد ان تحقق السلام عليها التفاوض مع من يحمل السلاح ويشكل وجود على الارض والذى يتمثل فى مجلس تحرير جبال النوبة بدل مغازلة عقار وعرمان الذى افشل اكثر من خمس عشرة جولة من التفاوض ، ويسعى لاسقاط النظام وهيكلة الدولة والجيش الوطنى ووصفه بشبيحة بشار ويحرض لعدم رفع العقوبات الامريكية عن السودان ، فبدلا من ان ترتكب الحكومة غلطة الشاطر اذا اعتقدت بأنها سوف تنجح بدعمها لعرمان وعقار سوف يضعف ويساعد فى شق صف الحركة كما فعلت مع حركات دارفور فلم تفلح ولن يتحقق السلام.
تداعيات تفاقم الصراع:
الصراع أصله صراع حول الموقف السياسي للحركة المتجه نحو التسوية والمشاركة مع النظام فى السلطة ووضع المنطقتين الذى يكنفه الغموض ، نتجت عنه الأزمة ، بالاضافة الى عدم قيام مؤتمر الحركة فى الشمال بعد فصل الجنوب ، واكتفاء قطاع الشمال بإجراء تعديل لدستور ٢٠٠٨ فى العام ٢.١٣ وتكوين الهيئات القاعدية بالتعيين وتولى عقار والحلو وعرمان إدارة الحركة وتكوين المكاتب والتعيين فى المناصب ، واحتفظ (الثلاثة) !! بهيئة القيادة وغاب بذلك المنفستو ، الذى يحكم ويوجه الحركة والاهداف التى يرمى ويعمل لها.
التنازلات المطلوبة من مجلس التحرير لوحدة الحركة:
يحتاج مجلس تحرير جبال النوبة باعتباره راس الرمح للثورة التصحيحية ومؤسسة تشريعية ، والقائد عبدالعزيز الحلو باعتباره القائد التاريخى وخليفة يوسف كوة ، رغم راينا فيه وتحفظاتنا حوله ، الا انه بعد اعلان توبته والاعتراف بالاخطاء وما ارتكبه (الثلاثى) من تجاوزات خلال ما جاء فى فحوى استقالته .. لا بد من الوقوف معه فى هذا الظرف التاريخى .. لتقديم تنازلات حقيقية واستراتيجية حول أساليب لإدارة الحركة ولمعالجة تفاقم الأزمة داخل التنظيم ، وتفويت الفرصة للمتآمرين وعدم الالتفات الى ما يثار ويكتب من غير غبار ، لترتيب صفوف الحركة من خلال استراتيجية مدروسة وخطة واضحة لإفساح المجال لمؤسسات الحركة الشعبية للقيام بالتصحيح وحل المسائل التنظيمية بطريقة جماعية وديمقراطية ، من اجل مصلحة القضية المركزية لجبال النوبة والنيل الازرق ، لتحقق حلم جماهير واهالى المنطقتين من غير ان يتملكهم جنون العظمة والكبرياء ، ونشوة الانتصارات الموقتة والاستفادة من أخطاء الماضى ودروس التاريخ ، وعدم اعادة تكرار مغامرة حركات دارفور وعرمان وعقار والركض وراء شعارات وهمية فارغة المحتوى والمضمون ، فلذلك لا بد لهم من اتباع وتنفيذ التالى:
اولا: اجراء مصالحة حقيقية شاملة بين جميع قيادات الحركة الشعبية واسترجاع كل المبعدين والمفصولين (الأغلبية الصامتة - جناح السلام - اصحاب القضية الحقيقيين - الضباط الستة المحالين لللمعاش وغيرهم) الى حظيرة الحركة الشعبية لتجاوز كل الخلافات وتناسى مرارات الماضى مهما كانت وإعادة بناء الثقة بين الجميع للالتفاف حول القضية المركزية ومن اجل تماسك الحركة.
ثانيا: توحيد الصف والكلمة والخطاب السياسي للحركة الشعبية فى الوقت الراهن.
ثالثا: بناء واختيار كوادر سياسية لوضع روية قوية وفاعلة تسير الحركة فى الاتجاه الصحيح لتحقق احلام جماهير الحركة والشعب السودانى.
رابعا: بناء واختيار كوادر إعلامية متمكنة وقوية لتدافع عن الحركة ومشروعها وتبشر بأهدافها.
خامسا: خلق تحالفات واسعة وإفساح المجال للوصول لتفاهمات مع ابناء النوبة غير منضوين او منتسبين للحركة الشعبية فى الداخل ودوّل المهجر بالاضافة الى الاثنيات والقبائل الاخرى والقوى السياسية بالمنطقة لخلق تحالفات متينة والتنسيق لعمل مشترك لتحقيق أهداف القضية وكيفية ارساء السلام بجنوب كردفان والنيل الازرق.
سادسا: تكوين وفود برئاسة اعضاء مجلس التحرير والاستعانة بابناء النوبة والنيل الازرق ومنسوبى الحركة الشعبية الآخرين بدول المهجر للقيام بجولات خارجية للالتقاء بالاتحاد الافريقى وإثيوبيا ويوغندا وجامعة الدول العربية والامم المتحدة ودوّل الترويكا والإيقاد واصدقاء النوبة والجلوس مع كل عضوية الحركة الشعبية فى جميع الدول لتنويرهم بمجريات الأحداث وتمليكهم الحقائق وتوضيح أهداف وروية مجلس التحرير حتى يجد السند والدعم والتاييد.
سابعا: وضع استراتيجية وخطة واضحة للتفاوض ووضع مشروع سلام حقيقى وإشراك ومشاورة كل إثنيات المنطقة بجنوب كردفان والنيل الازرق وأحزابها والادارات الأهلية فى اى تسوية سياسية تحدد مستقبل وواقع المنطقة ، وطرح وعرض القضية بصورة موضوعية وعلمية لدول الجوار الاقليمى والعالمى والمجتمع الدولى بعيدا عن الخطاب العاطفى لانه وحده لا يفيد دون حجج جادة تجاه حل القضية ووقف الحرب وإحلال السلام وكيفية توصيل المساعدات الانسانية للمتضررين.
والى لقاء فى مقال اخر ......
ادم جمال احمد - سيدنى - استراليا
٢١ أبريل ٢٠١٧ م
0 comments:
إرسال تعليق