أزمة العنصرية في السودان

 عثمان نواي


أزمة العنصرية في السودان لا يمكن النظر إليها خارج إطار أزمة التركيب والتكوين للكيان السوداني اجتماعيا وسياسيا. فمراحل تشكل الوعي الجمعي بالانتماء لهذا الكيان لها ارتباط وثيق بالتراكم التاريخي والثقافي المرتبط بتنوع السودان وتجارب التاريخ القريب خاصة في الخمسة قرون الأخيرة. لذلك فإن أي خطوة للنقاش حول موضوع العنصرية لا تؤكد على حقائق تاريخية أساسية من أهمها العبودية وتجارة الرقيق لا يمكن على الإطلاق أن ترى العنصرية في السودان في قوالبها الواقعية. فالهرب من حقائق التاريخ للحديث المجرد والمعرفي حول العنصرية لن يقدم أي حلول لمشكلة التمييز في السودان. 
 الأعتراف بأن الرق وتجارته كانت احد عوامل تكوين وتركيب الثقافة والمجتمع السوداني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحتى اثنيا هو خطوة أولى. اعتراف البيض في أمريكا بازمة العبودية وتجارة الرق هي التي قادت الطريق إلى حل الأزمة جزئيا بعد الأعتراف بأن تلك النظرة الدونية المرتبطة بالرق وانتزاع الحقوق المتعلق بها هو الذي الذي يوقد جمر العنصرية في مؤسسات الدولة وفي عقليات الأفراد التي توارثت وعي جمعي عنصري. 
 التاريخ السوداني اشتمل على عملية طويلة من التصنيف الاثني والعرقى من خلال تقسيم البلاد إلى مناطق لأصطياد الرقيق ومناطق لبيعهم واستخدامهم من قبل اثنيات معينة. عكس مسار التاريخ يحتاج إلى الأعتراف به بشكل واعي وعلمي. وحتى تتجاوز المجتمعات السودانية بنية الوعي العنصري لابد من استهداف مباشر لتركيب الذهنية ألتي تخلق صورا نمطية عن الآخرين بناءا على تناقل واعي واخر لا واعي لتصنيف المجمتعات المتنوعة في السودان حسب تراتبية تاريخية مستندة أساسا على تاريخ العبودية في السودان. 
 إذن الحاضر مقيد للغاية بالماضي، ولكي يفكك الارتباط بين المستقبل وبين ذلك الماضي المسموم، فإن عملا جادا مطلوب في الحاضر من الفئات الواعية والمثقفة والحريصة على السودان. لكن انتهاج منهج إسكات الآخرين ورفض النظر إلى الواقع فهذا هو نوع آخر من ممارسة التمييز وفرض امتيازات متوهمة حول المعرفة أكثر من الآخرين بأحوالهم. أعجبني مقال الدكتورة ليندا الكوف لأنها تتحدث في موضوع تبني قضايا الآخرين، وكما يشير المقال فالأزمة ليست في مجرد الحديث في قضايا الآخرين لكن الازمة تبدأ عندما يعتقد البعض انهم مخولين للحديث بالإنابة عن لآخرين أو أنهم ادري منهم بحالهم. لدرجة إسكات الآخر أو فرض تعريف مشكلاتهم عليهم. في أسوأ أشكال الهيمنة الثقافية والتمييز على مستوى المعرفة. 
 لا يمكن حل الوضع في السودان دون أن يتنازل من يعتقدون أن لديهم امتيازات فكرية في فرض رؤيتهم لأزمة البلاد عن توهمهم الذي ليس سوى امتداد مستحدث للعنصرية ولكن على المستوى المفاهيمي والمعرفي .
 عثمان نواي
Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق