الطيب الزين
المثقف في اللسان العربي هو صفة الرمح، التي تدل على صلابته وقوته وخلوه من أي تشوه أو إنحراف أو إعوجاج.
هذه الصفة قد اتسع مدلولها في معجمنا الحديث، لتؤدي مصطلح المثقف اليوم.
ما نتوخاه من هذه المقدمة، هوالإشارة إلى أهمية الثقافة ودورها في إنتاج شخصية الفرد والجماعة.
تطور المجتمعات كان دوماً مرتبطاً بتطور الثقافة وإتساع مفاهيمها، بحيث إن الضمور الثقافي كان ولا يزال دليلاً قاطعاً على ضمور الحياة، وخوائها وتقهرها. من خلال إكتشافنا لأنماط العيش، وفهمنا لأشكال السلوك الفردي منه او الجمعي، ندرك أن الحياة في حاجة إلى الثقافة للحفاظ على الخصوصيات من التلاشي والزوال في حمى الصراع البشري لإخضاع الآخر، والقبض عليه ومنعه من إستغلال قدراته وطاقاته.
وها نحن نرى كيف يستقوي القوي على الضعيف..؟ وكيف تكتفي شعوب العالم الثالث بإطلاق صيحات الإستغاثة، التي تعبر عن ألم الضحية وفزعها من منظر السفّاح الرأسمالي..!
وكم تستقوي حكومات العالم على بعضها البعض..؟ وكيف تتجاسر الحكومات الدكتاتورية على شعوبها المغلوبة على امرها...؟ لاسيما المثقفين، من أجل قهرهم ومنعهم من إشاعة نور الوعي والثقافة والعلم وتمليك الناس الحقائق وكشف بؤر الفَسَاد وتعرية السلطة والمرتبطين بها، عبر تسليط الاضواء على نقاط الضعف والخلل، وملاحقة ظواهر الفساد.
المثقفون يمارسون هذا الدُور بحافز تقويم الحَيَاة، حتى تتقلص مساحات الظلام وتتراجع معدلات جرائم الفساد وسرقة المال العام وفرص الناس في الحياة والسطو على حقوقهم.
أن تكون كرامة الانسان مصانة ومحترمة، هذه غاية كل مثقف حر نزيه. لأن المثقف على الدوام على مر العصور والأزمنة يحتفي بالانسان كإنسان بغض النظر عن دينه او عرقه أو لونه أو مستواه، لذلك يمارس الكتابة والرسم والنحت والفن والشعر، وكل أشكال الإبداع والعطاء الإنساني، من أجل جَعَل فرص الحياة متاحة للجميع، ودورب النجاح مفتوحة أمام كل إنسان طموح وذو هدف. فجاء عصر التنوير والنهضة والثورة الصناعية والتكنولوجية والمعلوماتية والبشرية على أبواب على دخول عصر النانو التكنولوجي . في وقت بلادنا تغوصاً غصبا عنها في وحل التخلف ...! لذلك المثقف العضوي لا يمكنه إلا أن يكون منتجاً، لا يقبل بالانزوء والاستسلام والفرجة والانفصامية، سلوكاً أو نزوعاً.
المثقف النزيه لا يمشي على ثلاثة أرجل، ولا يقف على رجلين، رجل في الوحل، والأخرى في اليابسة، إنسجاماً مع تركيبته النفسية والفكرية والاجتماعية. إنه المثقف القادر على التعبير والتغيير في آن معا، إنطلاقاً مما لديه من رؤية ثقافية استشرافية تخترق حجب الواقع والظلام، وتفتح مصاريع المستقبل.
يأبى المثقف الحر أن يتحوّل إلى شاهد زور في مجتمع مصاب بداء الدكتاتورية والشمولية التي وظفت الدين من أجل البقاء في الحكم وفرض سطوتها على الناس بلا وجه حق لا من السماء ولا من الأرض، كما حاصل في تجربة الإنقاذ، التي كرست العنصرية والجهويه والقبلية، والغش والتزوير والكذب والنفاق، والقتل وقطع الأزارق وإشاعة الفتن.
أما المثقف المتلائم مع الدكتاتورية والقابل بمظالمها وتجاوزاتها بحق الشعب والوطن فهو مجرد عتال ثقافة لا مكان له بين المناضلين في سبيل تحرير الإنسان من أزماته، ورفد المجتمع بعوامل الوعي واليقظة والنماء والازدهار.
المثقف الحر، هو الانسان الفاعل والمتفاعل مع شعبه على امتداد الوطن وجغرافيته وديماغرافيته في حلفا وكسلا وكاودا وأبيي وجبل مرة، والعاصمة الخرطوم.
هو من يحمل القلم، بلا خوف، أو طمعاً في مال أو جاه، أو إغراء أو إطراء. فالتحية لكل الشرفاء والشريفات، القابعون في سجون الطغيان والظلم، والصابرين والصابرات، دون يأس أو قنوط ، بعد ان قطعت أرزاقهم ومنعوا من الكتابة...!
يا لها من مأساة ان يمنع أحد الغرباء الذي تنكر لأصله، أحد أبناء وبنات البلد الشريفات من الكتابة فقط لانها ذكرته بأصله ..! مستغلاً موقعه بجوار الطاغية، الذي عاث خراباً ودماراً في السودان. نختم ونقول إن المثقف الأصيل سواء كان رجلا او إمراة، فهو كالرمح، كالشمس، كالماء كالملح، لن تستقيم مسيرة الحياة بغيره. ونذكر هذا النكرة الناكر لأصله، وغيره من الانتهازيين من وزراء وصحافيين وأدباء وكتاب وعتالين ثقافة سواء كانوا من أبناء البلد، أو الغرباء...! أن عجلة الزمن والمثقف الحر، هما دوماً خارج قبضة الطغاة.
0 comments:
إرسال تعليق