رداً على د. حيدر ابراهيم علي

  الطيب الزين
 كتب الدكتور، مقالاً بعنوان الحركة الشعبية: حرب الهامش ضد الهامش، وتهافت شعار السودان الجديد.
فسر فيه قرار مجلس تحرير جبال النوبة، الذي إقال مالك عقار وياسر عرمان ، وعين  عبدالعزيز الحلو رئيساً للحركة الشعبيّة، والبيانات والتصريحات والمقالات التي عكست آراء نخبة من أبناء جبال النوبة، التي اعقبت ذلك. دوافعها وحوافزها ليس خلافاً حول مشكلات تنظيمية ومنافسة حول القيادة. الصراع الدائر في صفوف الحركة الشعبية، حسب رأيه، منطلقاته عنصرية وجهوية. . في حين الصراع الدائر في السودان، هو صراع إقتصادي- إجتماعي. وأن عملية تهميش الجنوب والغرب، لم تتم لانهم فور، أو دينكا. وإنما بسبب ان الحكومة الوطنية الاولى بعد الاستقلال رفعت شعار: تحرير لا تعمير.. وكذلك فعلت كل الحكومات المنتخبة وطبقت سياسة اللا تنمية...! عشان كده حصل التهميش للجنوب والغرب...!
 كما ذكر في فقرة اخرى، من مقاله، ان التفسير الاثني والجهوي المتجه سريعاً نحو عنصرية مضادة صريحة لا يفسر الازمة الراهنة ولا يقدم بديلاً، بل يعفي الشموليين والفاسدين من المسؤولية والأخطاء بحكم انتمائهم لجهات وأثنيات معينة. لكنه للاسف لم يحدد لنا تلك الجهات والاثنيات المعنية ...! وهذه واحدة من العيوب التي زخر بها المقال..
لكنه فسر وحدد قائلاً : ان أكبر عملية فساد أضرت بالهامش، في ظل هذا النظام القائم، قام  بها شخص من قلب الهامش وليس جلايباً، أو من اولاد البحر..! ثم ذكر وزيراً آخر في عهد الحاكم الذي كان حاكما لإقليم دارفور قام بتحويل كوتة السكر الخاصة بدارفور لمصلحته الخاصة وهو من أبناء الفاشر، وشيد منها عمارة في الصافية بحري.
ورداً على ما ذكر الدكتور .. نسأل، هل إنكار الشيء سبب كاف لنفي وجوده ..؟ 
وإن كان هناك فساد فهو لا يتعدى هذين الشخصين اللذان اشار إليهما ...؟  وما الغاية أو الغرض من وراء من تفسيره لمسيرة الفشل السياسي، والاقتصادي والإجتماعي التي عرفها السودان خلال سنوات النصف قرن وأزيد بهذا المنطق الأعوج ...؟ هل الغرض هو الإمعان في هتك العقل، تمهيداً لاستباب الظلامية التي مارستها الطائفية فيما سبق، ممثلة في بيتي آلِ المهدي والمرغني. أم هو تكريسا للثقافة السائدة التي لا تعترف بالظلم والمظالم بل تصر على ان العهد القائم هو من أفضل العهود التي مرت على السودان وشعبه..!
إلى هذا الحد نحن ما زلنا نفكر بعقلية المناطق والجهويات. .؟ 
 هل التهميش الذي عاناها الجنوب في الماضي ، والتهميش الذي يعانيه أهل الغرب والشرق في الحاضر، عمره ثمانية سنوات، وهي عمر الحكومات الديمقراطية التي عرفها السودان ..؟ 
وهل فعلاً قروش طريق غرب السودان التي يقال أنها ذهبت الى جيب دكتور علي الحاج، مع العلم  انها تهمة لم تثبت عليه حتى الان...! أو قروش كوتة السكر في عهد دريج، التي اتهم فيها د حيدر ابراهيم، احد أبناء دارفور بسرقتها وتشييد عمارة منها في الصافية بحري، هي اكبر جرائم الفساد التي عرفها السودان...؟ 
كما قال: د حيدر، ان قضية الهامش والمركز، تحتاج لمناقشة وحوار، إذن دعنا نسأل، أو بالأحرى نتحاور، فما أحوج الانسان في بلادنا التي اطبق عليها حكم العسكر بالدبابة والقيد والقتل والفقر والظلم نصف قرن .. ! الى الحوار، عل الحوار يكون لنا طريقاً الى بر الأمان، لانه طريق الوعي والمعرفة، معرفة الذات أولاً، ثم معرفة الآخر. سواء كان من جبل مرة ، أو جبال النوبة أو الشرق، أو الشمال، أو الوسط...! 
يبدأ الحوار أولاً مع الذات، وينتهي بالاخر، وتلك هي طبيعة الكون والحياة القائمة على الجدل والحوار.
 لذا نسأل من سرق عرق الغلابة من أهل الهامش اكثر من نصف قرن...؟ من سرق عائدات الثروة الحيوانية...؟ وعائدات الصمغ العربي...؟ وعائدات الفول والسمسم..؟ والقطن والسكر والدخن والكركده...؟ و عائدات البترول...؟ والغاز..؟ علماً أن كل ما ذكرته من موارد هي آتية من مناطق الهامش ..! لكن للاسف أهل الهامش، هم بلا تعليم، بلا صحة، بلا أمن بلا أمان، بلا سلام، بلا رعاية، بلا إهتمام ..! من الجاني ..؟ الجاني، أو الجناة، أليس هم العسكر..؟ وهنا نسأل من قام بتلك الانقلابات العسكرية التي غطست حجر السودان . .؟ هل هم أبناء الهامش الذين استكثر عليهم الدكتور ان يقولوا؛ كفى للظلم والمظالم ، وكفى للقهر، وكفى لتزوير الإرادة، وكفى لولوي اعناق الحقائق. .! 
 طرحي لهذه الأسئلة الغرض منه هو وضع الأصبع على الجرح، وتحديد مصدر وجع التاريخ، وتاريخ المواجع. . ! من المسؤول عن الأزمات التي ظل يتخبط فيها السودان الوطن والمجتمع . .؟ 
 أليس هو تسلط العسكر، مصحوباً بإمتداد أيدي اللصوص، الى كل دائرة، وموقع ومنصب، تحت مظلة القرابة والمصاهرة، والزمالة والصداقة والمعرفة والشلة.. ان من ينظر بعين ثاقبة، مجردة من التعصب والتحيز، حتماً لن يتعذر عليه تحديد المجرمين وما أكثرهم، في بلادي. . حتماً هُم ليسوا اثنان فقط من أبناء دافور . . حتماً هم أكثر وأخطر لانهم يتوارون خلف الاقنعة . . ان من يتحلى بالصدق والموضوعية والتجرد، لا يتوارى خلف الاقنعة وفِي الوقت ذاته يقول بانه يريد تغيير النظام، تغيير الأوضاع وشروط الحياة وظروفها غير المقبولة، من يتحلى بالموضوعية، يكتشف الهشاشة ، هشاشة الفكر هشاشة السياسة، هشاشة الدولة منذ تأسيسها وحتى اليوم. . ! والهشاشة مصدرها هو أننا ما زلنا نفتقر لثقافة بناء الدولة. 
السودان منذ ان استقل وحتى ساعة كتابة هذا المقال لم يحكمه أبناءالهامش. . !  لكن مع ذلك لم يتقدم السودان خطوة واحدة نحو الامام بل تراجع الى الوراء عشرات الخطوات ان لم يكن مئات الخطوات..! 
لذا لابد أن نلفت إنتباه د حيدر وامثاله، من مناصري اليمين أو اليسار، ان الهامش اليوم،  ليس هامش الامس، لذا لابد ان يكون التعامل معه كند وليس كمتلقي تلقى عليه دورس السياسة. إنطلاقاً من الإحساس بالأنا هي الاحق والاولى بالحكم والمعرفة والعلم والثقافة، و الآخر فاقد للوعي والمعرفة، وعاجز عن الفعل والقول. سنوات حكم الفشل وسياسات الظلم والفساد جعلت الهامش يستيقظ ويفهم اللعبة، لذا ما أشد الحاجة الى الانفتاح والحوار. فالتقوقع على الذات لابد ان يؤدي الى فقر الدم ثقافياً وإنسانياً وفكرياً وعلمياً واخلاقياً.
الشعوب الحية تتأمل في تجاربها التاريخية، وتتحاور وتمارس النقد الذاتي الامر الذي يسهم في استدراج الوعي العام والإرادة الوطنية العامة صوب ادراك قيمة الفعل السياسي العقلاني الذي يعمل على ترسيخ ثقافة الدولة القائمة على اسس موضوعية، وإحترام الآخر، في أطار المصير المشترك، ولكل مجتهد نصيب.
 فالأخوة في جبال هم الآن يخوضون تجربة نضالية، ضد الظلم الواقع عليهم من المركز ورموزه، من حقهم ان يقليوا ياسر عرمان، أو مالك عقار، ومن حقهم ان يطالبوا بحق تقرير المصير، هؤلاء الناس قد عانوا الظلم على مر العهود والأزمان والحكومات لاسيما النظام القائم. . ! لذا هم احرار في ما اتخذوه من قرار وعلينا احترام ارادتهم، حتى لو افترضنا انهم قد أخطأوا في حق ياسر عرمان او غيره، فهذا ليس معناه ان نحمل كل أبناء الهامش المسؤولية ونضعهم في ثلة واحدة بدءاً من تجربة الخليفة عبدالله التعايشي الذي بنى الدولة السودانية، في القرن التاسع عشر، والشاهد على ذلك ام درمان التي تعتبر سودان مصغر. وحتى التجارب النضالية التي يقودها أبناء الغرب ممثلة في حركات دارفور وأبناء جبال النوبة الذين يقاتلون عصابة الاوغاد المجرمين الحاكمين في الخرطوم. وأختم مقالي هذا بتأكيد الاحترام والتقدير للدكتور حيدر ابراهيم الذي لا ننكر إسهاماته الفكرية والثقافية، لكن بكل صدق وموضوعية ان مقاله الأخير قد جانبه الصواب، لذا رأينا ان نوجه له النقد من اجل ثقافة جديدة ترى في الآخر شريكاً، واخاً وصديقاً وزميلاً ورفيقاً وحبيباً، ومن اجل سودان جديد. السودان الجديد هو القائم على الحرية والديمقراطية والقانون والعدالة واحترام حقوق الآخر وحقه في الحياة والاجتهاد. سودان جديد يسع الجميع. ولكل مجتهد نصيب. وأختم مقالي هذا بتحية خاصة لأرواح شهداء ثورة٢٨ / رمضان الذين هم أكرم منا جميعاً، فهم نبراسنا في النضال، وهم زادنا في الحياة من اجل فجر جديد، فيه الأمل وفيه السلام وفيه الحرية للجميع . 
Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق