ما زلتُ عند رأيي في حال انهيار قطر لا شيء يمنع انتقال الحصار إلى السودان..
ليس سيئاً دائماً.. أن يبقي الوضع على ما هو عليه!
ما زلتُ عند رأيي من أنه حال انهيار قطر كدولة لا شيء يمنع انتقال ذلك الحصار إلى السودان.. فالعنوان الرئيس لصحيفة اتهام قطر أنها تأوي الإرهاب وتدعمه.. وقد أفصح من أفصح.. وأبان من أبان.. من قادة الحصار.. ماذا يعنون بالإرهاب.. ومن يعنون بالإرهابيين.. والأمر يشرح نفسه من بعد.. ولعل بعض التأمل في شأن ذلك الحصار يشي، بغير ما جهد، أن كل المطالب المقدمة من دول الحصار كانت ذراً للرماد في العيون.. إلا مطلباً واحداً.. ولسنا في معرض الشرح.. ولكن فقط هي محاولة للقول.. بأنه ليس من العسير على أي جهة أن تقول أي شيء.. لذا نعيد وتؤكد أن فرصة السودان الحقيقية في دفع قطار التسوية إلى.. محطته النهائية..!
فأياً كان الرأي في المطالب.. وأياً كان حجم الخلاف حول موضوعيتها ومنطقيتها من عدمه.. فقد كان لافتاً أن المهلة التي ربطت بها دول الحصار خطوتها التالية.. قد شدت الجميع إلى تلك اللحظة.. أعطيت المهلة الأولى لقطر لترد على المطالب.. عشرة أيام.. ثم أعطيت المهلة الثانية للكويت لاستجلاء الموقف القطري النهائي.. وقد حدث ذلك.. ثم كان تعقيب دول الحصار على الرد القطري.. أو بالأحرى تقييمها.. أنه سلبي.. وهو تقييم صحيح عبّر عن واقع الحال.. فقطر لم تستجب لأي من المطالب التي تقدمت بها دول الحصار.. بل إنها وعوضاً عن ذلك.. قد أنشأت شرطاً مقابل كل شرط طرحه محاصروها.. حتى بدا الأمر تحدياً.. ولكن في المقابل.. يجب الاعتراف بأن دولة قطر قد قدمت تنازلاً ضخماً جديراً بالاعتبار والتقدير.. وهو مجرد قبولها لمبدأ تلقي مطالب من محاصريها.. ثم إخضاعها للدراسة.. وتكبد مشاق الرد عليها.. أياً كان الرد.. إن الأمر أقرب إلى التنازل عن السيادة.. من دولة ذات سيادة.. ولو أن قطر رفضت النظر في تلك المطالب.. أو حتى مجرد استلامها.. لما تغير شيء من رد فعل المطالبين.. إذن هذه نقطة تحسب لقطر.. لا عليها في واقع الأمر.. ثم هي ذات دلالة مهمة حين الحديث عن دور الوسطاء..!
وننتقل إلى القاهرة حيث كان العالم العربي والإسلامي.. بل والعالم قاطبة.. ينتظر رد فعل المحاصرين.. وانتقالهم للمربع التالي.. وفق البدائل التي كانوا قد وضعوها لإدارة الأزمة.. أو هكذا يفترض المراقب.. ولكن الذي حدث كان مفاجئاً.. ولأن الاجتماع كان قد انعقد في القاهرة.. ولأن مصر هي عراب كل شيء.. وفق ما يتردد هنا وهناك.. فقد كان طبيعياً أن تكون نتيجة اجتماع وزراء خارجية دول الحصار مصرية أيضاً.. فانتهى اجتماع القاهرة بأن.. يبقى الوضع على ما هو عليه.. و سواء كان قد أسقط في يد السادة وزراء الخارجية.. فلم يكن لديهم ما يقولونه.. ولم يكن هناك مربع ثانٍ أصلاً.. أو أن اتصالاً مفاجئاً من لدن واشنطن قد أربك الحسابات ودفع الوزراء لتعليق الموقف.. معلنين عن لقاء قادم في المنامة.. دون أن يضربوا موعداً.. فبالنتيجة فإن ما حدث قد ترك الباب .. لا موارباً فحسب.. بل مفتوحاً على (مصراعيه) لأية جهود سياسية ودبلومسية يمكن أن تحدد المربع التالي وتدفع الجميع نحو مربع التسوية ونزع فتيل الأزمة وتحقيق الحل السلمي.. فإذا قلنا إن قطر قد أحسنت صنعاً بقبولها التعاطي مع المطالب غض النظر عن رأيها فيها.. فوزراء خارجية دول الحصار قد أحسنوا الصنع أيضاً.. غض النظر عما كانوا ينوونه بالفعل.. حين تركوا الباب مفتوحاً لجهود الحل السلم، فما الذي يمكن أن يقدمه السودان..؟ غداً نجيب.
ليس سيئاً دائماً.. أن يبقي الوضع على ما هو عليه! “2”
خلصنا بالأمس إلى أمرين.. الأول أن قطر ومحاصريها على حد سواء.. قد قالا دونما إفصاح.. إن الباب مفتوح للوسطاء ليلعبوا دورا في نزع فتيل الأزمة.. ويظل الأبرز دور دول الحصار.. التي اختارت.. أو طلب منها.. ربما.. ترك الباب مفتوحا لهكذا دور.. ذلك حين اجتمعت عقب انتهاء المهلة التي منحتها لدولة الكويت وتنفض دون أن تعلن عن خطوة أخرى.. وانتهاء المهلة الممنوحة للكويت.. حسب طلبها لانتزاع شيء ما من قطر.. يضع عمليا نهاية المبادرة الكويتية.. لسببين.. فهي ابتداء لم تكن مبادرة بالمعنى المعروف والمتعارف عليه.. أي أن جماعة من الخبراء قد عكفوا على الأزمة شرحاً وتمحيصاً.. ثم انتهوا إلى معطيات بنوا عليها مقترحات تحمل الحل.. بل هي مجرد جودية.. على الطريقة العربية.. تقوم على تطييب الخواطر.. وجبر الكسور.. وبالنتيجة.. وفي غياب الحيثيات.. فإن انتهاء المهلة يعني عمليا إنتهاء المبادرة.. فماذا بعد..؟
الأمر الثاني الذي خلصنا إليه بالأمس كان عن الدور الذي يمكن أن يلعبه السودان.. وقد يختلف الناس ويتفقون حول هذا الدور.. غير أن ثمة حقائق لا يمكن تجاهلها.. على رأسها أن السودان قد لعب بالفعل دوراً محورياً.. في عدم تفجر الصراع بين قطر ومحاصريها حتى اليوم.. تشهد على ذلك سلسلة مطولة وكثيفة من الاتصالات أجراها الرئيس البشير شخصياً مع القادة في الطرفين.. يضاف لذلك زيارة البشير للمملكة العربية السعودية مع بداية الأزمة.. وأهمية تلك الزيارة لم تكن في إقناع البشير للقيادة السعودية بضرورة التهدئة وعدم التصعيد.. كلا بل الأهم من ذلك.. كان ما لمسته القيادة السعودية من إصرار الرئيس البشير على الفصل بين عاصفة الحزم وحصار قطر.. وإصراره على ألا ينحاز لطرف دون الآخر.. فحتى بداية الأزمة كانت الشواهد بالنسبة للرياض تؤكد أن موقف السودان محسوم.. فالذي حدث بعد ذلك كان مفاجئاً.. لذا لم يكن غريبا أن تحاول المملكة أن تمارس ضغطا مكشوفاً.. على غير عادتها.
.. وبالعودة إلى السؤال.. فالموقف الحالي للسودان ليس أفضل منه.. بشهادة كثيرين.. بل وعلى غير العادة كذلك.. يكاد يمثل رأي غالب أهل السودان.. وأمام السودان الآن فرصة لتطوير هذا الموقف إلى مبادرة أكثر نضجاً وأكثر واقعية.. والشواهد تؤكد أيضا القبول الذي يحظى به البشير لدي طرفي الصراع.. وعلى السودان بالضرورة أن يأخذ في اعتباره أن الأزمة لن تحل إلا عبر.. حوار خليجي خليجي مباشر.. كما أن عليه أن ينتبه أن أكبر عقبة يمكن أن تعترض سبيل ذلك الحوار الخليجي الخليجي.. هو وجود عنصر غريب.. وإن أعدت البصر كرتين.. فلن تجد غير مصر.. ولئن نظرت في المطالب المقدمة لقطر فستجد على رأسها إبعاد الإخوان المسلمين من قطر.. وهذا في الواقع هو ذات عنوان الصراع السوداني المصري المسكوت عنه.. والتي سيكون حرصها على أمرين إيقاف الدعم القطري للإخوان وخروجهم من قطر.. ثم.. وإسكات قناة الجزيرة.. وهذه عقبة كؤود في وجه أي جهد سوداني.. ولكن ثمة مخرج في الطريق أيضاً.. فالمنطقة تنتظر زيارة لوزير الخارجية الأمريكي.. وليس في مقدور وزير خارجية الدولة الراعية للحريات أن يطالب بإسكات الجزيرة.. وغني عن القول إن أي إخلال في الموقف المصري.. وأي تراجع لدول الحصار.. لمرور الوقت دون نتائج ستكون عوامل في صالح المبادرة السودانية.. نقول ذلك وفي البال طبعا جولة الرئيس البشير المرتقبة إلى دول المنطقة.
اليوم التالي
0 comments:
إرسال تعليق