الدنيا في تراث الفولاني




المصدر: الحكاية التلقينية "كايدرا" كما نقلها المؤرخ أمادو همباتي با
ترجمة: حمزة مي صلاتي
في رحلة البحث عن المعرفة، أبصر أبطالها الثلاثة "حمادي" و" وهما تودو" و"دامبورو" طائر حباري فسروا أيما سرور وحدثوا انفسهم: يا لها من فرصة ويا له من لحم لذيذ. ومضوا يطلبون الطريدة بكل الخفة التي يسعي بها الذي يتضور جوعاً خلف ما يسد رمقه. ظن أبطالنا انه من السهل جداً الإمساك بالطائر، إذ أنه خلاف طيور الحباري الأخرى له رجل واحدة ويتحرك ضارباً بجناحه، متلكئاً في مشيته ، لذا ظن الرفاق الثلاثة أنه من السهولة محاصرته ومن ثم القبض عليه، فتحركوا وأحاطوا به بحيث وجد الطائر نفسه بينهم وقريباً من متناول أيديهم ثم أسرعوا للإمساك به غير أن الطائر تسلل بخفة من بين أرجلهم واصطدم الثلاثة ببعضهم بقوة حتى وقعوا على ظهورهم ووقف الطائر العجيب الماكر على بعد خطوات قليلة منهم. حاول الرفاق الثلاثة الإمساك بالطائر ثلاث مرات على التوالي وكان المشهد الكوميدي يتكرر في كل مرة ، فاقتنعوا بانه لا يمكن الإمساك بالطائر وعزموا علي مواصلة طريقهم عندها سمعوا صوتاً يُخاطبهم: هذا هو المتعدد الزوجات في بلاد "النان"، أطال الخالق عنقه لكي يرى بعيداً، هو يعلم أن الأرض مسكننا وأنه لا يطير في الجو إلا بصعوبة؛ لا يمكننا أن نفاجئه بسهولة، ويمشي معتدلاً في السهول المجردة.
-
أنا العلامة السادسة لبلاد "النان" ؛ سري مِلكُ الخالق، البعيد والقريب على حدٍ سواء... واصل طريقك يا ابن آدم.
في نهاية القصة يتوجه "حمادي"، الناجي الوحيد في مغامرة البحث عن المعرفة، بالسؤال إلي الحكيم عن معني سر العلامة السادسة، فنهض الحكيم من البساط (البرش) الذي كان يجلس عليه واتجه نحو الممر واسترق النظر إلي ساحة المنزل (الحوش) وكأنه يريد التأكد من عدم وجود شخص يسترق السمع ثم رجع إلى مجلسه وجلس محتبياً وقال: طائر الحبارى وما أدراك الحبارى! لحم طري لذيذ! الطائر العظيم الذي يستوطن السهول من عاداته أن يتحرك على ساقين قويتين يبدو لنا في العلامة السادسة على قدمٍ واحدة وجناح يكاد يخلو من الريش. هذا يرمز إلى الدنيا التي تبدو لمن يشتهونها ويطمعون فيها طريدة سهلة؛ للأسف حينما يقفزون عليها تصطدم رؤوسهم ويقعون على ظهورهم بدلاً من الإمساك بها، وهكذا فإن من يطلبون المجد والمكاسب الدنيوية ينتهي بهم الأمر أولاً إلى الاختلاف ثم إلي الصراع ثم إلي الاقتتال ليصيبهم بعد ذلك العار و الموت.
كتلة الريش الدقيق التي تزين فكي الذكور من طيور الحباري ما هي إلا زينة عابرة لا تدوم ، شأنها في ذلك شأن الإحمرار الذهبي الذي تبديه لنا الشمس قبل غروبها.
حقاً يا حمادي! هذه الدنيا ليست إلا كطائرٍ بقدم واحدة وجناح، كل من يراه يظن أنه قادر على الإمساك به غير أن الطائر الغريب يتسلل في كل مرة من بين قدميه ثم يقف غير بعيد مرة أخري مستهزئا بطالبه ولسان حاله يقول: تعال...هذه المرة ستمسك بي دون شك.

وكما أن الموت لا يفني الروح، ليس بوسع الرئيس الواحد أن يبقى حاكماً إلى الأبد، مهما طالت أو قصرت أيام حكمه فمصيرها أن تنتهي ويذهب ولا تأسف الأرض عليه، فهي كما تدور على نفسها تدور على من تريد.
Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق