هل نهاية الإسلام السياسي ستنهي صراع المركز والهامش في السودان ؟


عثمان نواي
لقد أعلن تنظيم الإخوان المسلمين أو الحركة الإسلامية تأجيل انعقاد مؤتمره العام الذي كان مقررا له أن يتم في هذا الشهر. إلا أن المؤتمر تم تأجيله إلى العام القادم أو إلى ما قد يكون أجل غير مسمى في واقع الأمر. ان الأحداث الإقليمية تنبئ أن الإسلام السياسي في المنطقة يذهب إلى مذبلة التاريخ، وفي ألسودان تحديدا فإن تجربة الإنقاذ ووصول الإسلاميين إلى السلطة والحكم لربع قرن يجعل من تجربتهم أكثر عملية وقابلة للتقييم العملي. وفي ظل ما يجري من تحولات في المنطقة على رأسها ما يجري في السعودية، فإن النظام في الخرطوم يستخدم أقصى درجات البراغماتية الممكنة لكي يتمكن من الحفاظ على بقاؤه. حيث أن الإسلام السياسي لم يعد الهادي والوجهة للنظام ولن يكون بعد الآن.
إذن هل نهاية محاولات الإسلمة في الدولة السودانية ستسهم في إنهاء صراع المركز والهامش؟ ان هذا التساؤل له أبعاد عدة. ليس فقط لارتباطه بعمق تحليل الأزمة السودانية التي مثلت الأسلمة الأحادية للدولة جزءا هاما منها، بل أيضا لأنه تساؤل عملي حول ماهية التغيير الذي يحتاجه الوضع في السودان حتى تتم عملية تحول جذري وحقيقي تنهي الصراعات في السودان. احد اهم جوانب التحليل للأزمة السياسية السودانية هي الجانب الثقافي، والذي اتجه الكثير من المحللين والكتاب إلى ربطه بالاسلمة والتوجه الديني للدولة السودانية منذ إنشائها في عهد الفونج وحتى الآن. ولكن هذا التحليل للأزمة السودانية حتى من جانبها الثقافي يهمل جانبا ثقافيا آخر يلعب الدين دورا فيه و لكن دور جزئي وليس كلي وهو مسألة التمييز العنصري والأثني. فالدين هو أحد عوامل التمييز في السودان، الا ان ما جرى من حروب خاصة في دارفور وما يجري الآن في جبال النوبة يضع التمييز العرقي والأثني في مرتبة أهم من التمييز على أساس الدين، حيث أن الدين الإسلامي لم يشفع لأهل دارفور من أن يكونوا ضحايا إحدى أبشع الإبادات الجماعية في التاريخ الحديث. وكذلك الحال في جبال النوبة التي ينتشر فيها الدين الإسلامي بقدر ربما أكبر من المسيحية والأديان التقليدية. إذن فإن سؤال الهوية الوطنية السودانية إذا كان هو أساس للصراع في السودان فإنه لا يرتبط فقط بالدين الإسلامي بقدر ارتباطه بالعنصرية والتمييز الاثني. في الوقت الذي يشكل فيه الإسلام السياسي دعامة تستخدم لترسيخ العنصرية عبر إضافة عنصر التدين أو معرفة اللغة العربية كلغة الإسلام كادوات تزيد من شمولية التمييز والعنصرية الممارسة اساسا في المجتمع.
إذن فإن التوجه نحو انتهاء الإسلام السياسي رغم أنه سيكون أحد عوامل نهاية الأزمات السياسية السودانية، فإنه لن يكون له التأثير الذي سينهي تماما صراع المركز والهامش في السودان. ومن هنا فإن سؤال التغيير وإحداث التحول المطلوب لإنهاء الأزمات والصراعات في السودان، لا يمكن أبدا أن ينحصر في إنهاء هذا النظام الحاكم الان. فعمليا ،إذا كانت الأزمة السياسية مع النظام و اسلمته للدولة فإن هذه العملية تشرف على نهايتها العمليه، على كل مستويات الدولة. لكن إذا كان الصراع مع النظام هو صراع عملي على استفراده بالسلطة كقوة مهيمنة مكونه من الإسلاميين ورجال الأعمال ورجال الذين والصوفية وقادة القبائل من أصحاب المصالح، إضافة إلى مجموعات من المنتفعين الاشبه بالمرتزقة من الهامش فإن هذا صراع ذو أبعاد عميقة مرتبطة بتكوين الدولة السودانية منذ الاستقلال.
ان ثورة الإسلاميين في السودان هي نفسها لم تكن فقط ثورة بقيادة مجموعات من المتشددين الدينيين بل كان لها جانبها وإبعادها الاقتصادية والاجتماعية. فاعضاء الحركة الإسلامية كانوا ولازالوا مما يمكن أن يطلق عليه هامش المركز. أي من الطبقة الفقيرة إلى المتوسطة الدنيا من المجتمعات الشمالية النيلية وبقية أجزاء السودان بما في ذلك بعض مناطق الهامش. فلقد كان أبناء الفقراء في المركز نفسه في حاجة إلى حراك سياسي يتحدى البيوتات السياسية التقليدية وقادة القبائل والطرق الصوفية الذين جمعوا في أيديهم الثروات الزراعية عبر تعاونهم مع الاستعمار التركي والانجليزي وعبر تجارة الرقيق التي شكلت جزءا هاما من ثروات الطبقات العليا والمتوسطة في المركز في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وبالتالي كان على أبناء الفلاحين والتابعين والحوار الذين كانوا يعانون الاستغلال من أصحاب النفوذ التاريخي والموارد المسمين باولاد الناس وبعض اولاد المدن، و كان على المتضررين منهم أن ينظموا أنفسهم بطريقة ما خاصة بعد انتشار التعليم الذي قلل الفوارق الاقتصادية والاجتماعية في السبعينات والستينات. وبالتالي كان لدي هؤلاء المنتفضين على السلطات التقليدية نفس العقلية في استخدام القوة السحرية للسيطرة على الشعوب عبر الدين. حيث أن النهب المنظم وعمليات الفساد المستمرة التي مارسها الإسلاميون ومظاهر التبجح بالمال في أحياء الأغنياء الجدد الذين أغلبهم من الإسلاميين تؤكد على حداثة عهدهم بالتمتع بأوضاع مالية كبيرة.
وقد قام النظام الانقاذي بإنقاذ أفراده من الفقر والعوز وافقر بقيه الشعب، كما أنه قام بإزاحة شبه تامة لللبيوتات السياسية الكبيرة من السلطة، رغم ما نشهد مؤخرا من عودة بعض التحالفات مع تلك البيوتات لمحاولتها النجاة بما يحفظ لها بعض المكانة عبر استغلال توجه النظام للاستعانة بمكونات خارجه لمواجهة ازماته الداخلية وتخليه عن منهجيته الفكرية. فالنظام الحالي ومنذ 3 سنوات لا يستند إلى أي منهج أيدلوجي في الحكم سوى منهج النهب والمصالح المشتركة.

ان السنوات الثلاثين الماضية كانت سنوات حاسمة في تاريخ السودان فقد تغيرت الطبقة السياسية الحاكمة وتغيرت طبقات المجتمع العليا والوسطى. حيث أن المركز والهامش عل المستوى الاقتصادي قد اتسع بشكل كبير، حيث أفقرت إعداد ضخمة من الشعب السوداني في كل المناطق. ولكن الهامش الاثني قد أضيف إليه المزيد من التهميش الاقتصادي والسياسي إضافة إلى مآسي الحروب المستمرة التي تحولت إلى أبادة جماعية. وبالتالي فإن أشكال جديدة من التمييز قد ظهرت حيث أن التمييز العنصري والأثني أصبح أكثر وضوحا تحت ظل هذا النظام الاسلاموي أكثر من أي وقت مضى، والمفارقة انه ليس تمييزا بسبب الدين، فالدين لم يكن سوى أداة السلطة لإضفاء شرعية على سلطتها نفسها ومن ثم علي بقية ممارساتها العنصرية وعمليات التمييز الاثني والقبلي والجغرافي والثقافي . فمظاهر هذا التمييز تتجلي في الحروب المستمرة وحتى في الصراعات القبلية المستمرة. فالنظام الذي لم يكن الدين عاملا موحدا كافيا لعناصره المتباينة أصبح أكثر استنادا منذ المفاصلة على القوى القبلية والثقل الاثني. وبالتالي فإن انتهاء الإسلام السياسي لن يكون ابدا نهاية لصراع المركز والهامش بقدر ما أنه سيكون بداية لإنكشاف طبيعة الصراع العنصرية الحقيقية التي كانت تستخدم الدين نفسه كجدار تستتر خلفه لحماية نفسها وتقوية لشرعيتها. لذلك فإن القادم من مستقبل السودان سيظل يحمل الكثير من الأزمات والأسئلة التي تحتاج إلى عمق وصدق في المواجهة إذا اريد لهذا البلد أن يخرج يوما من أزمته.

Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق