استرقاق الافارقة السود في ليبيا : الماضي الذي يتجدد

عثمان نواي

رغم أن المغرب العربي يعد أكثر تقدمية وإنفتاحا من المشرق العربي، الا ان ليبيا ظلت دولة تعيش في ظلامات الجهل والقمع لاربعين عاما من حكم القذافي. هذه الحقيقة لا تبرر ابدا ما تجلي مؤخرا من ممارسة الاسترقاق الحديث والقديم والذي وقع ضحاياه المهاجرين الافارقة. تقرير السي ان ان الذي وثق عملية بيع للبشر بأسعار بخسة تصل إلى أقل من 800 دولار أثارت ضجة كبيرة في العالم أجمع. ولكن من المؤسف أن بعض النخب العربية ممن تمت استضافته على شاشات بعض القنوات ومنها قناة فرنسا 24 العربية، قد  قاموا بمحاولة قذرة لتدليس الحقائق، بل أن أحد المستضافين في إحدى البرامج على هذه القناة أصر على أن ما جرى في ليبيا هو مؤامرة إسرائيلية، مما اصاب المذيعة بغضب وصدمة لهذا الانكار، كعادة العرب في تعليق كل نواقصهم وجرائمهم في نظرية المؤامرة.

ولكن ما جري في ليبيا ليس سوى قطرة في بحر العنصرية والتمييز والاستغلال الذي مارسه العرب تاريخيا في أفريقيا وما تتم ممارسته أيضا الان. فكل الدول العربية الواقعة في أفريقيا تكاد لا تعترف هي نفسها بافريقيتها الا عند المشاركة في بطولات كرة القدم. فهي في المحافل السياسية والاقتصادية والثقافية تفضل أن تكون من دول ما يسمى بالإنجليزية اختصارا بدول  منطقة MENA اي دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. مع الإصرار على أنهم شرق أوسط بقدر أكبر من كونهم يقعون جغرافيا في شمال أفريقيا. وفي كل هذه الدول يعاني السود الذين يمثلون نسبا مقدرة من السكان من التمييز العنصري بما في ذلك أكثر تلك الدول تقدما مثل تونس.

ان أزمة أفريقيا السوداء مع جيرانها العرب هي أزمة تاريخية طويلة حيث أن بعض المؤرخين يعتقدون أن العنصرية تجاه اللون الاسود نفسه هي وليدة الثقافة العربية التي احتك بها الغرب في فترة حكم المسلمين الأندلس. حيث كان العرب يمتلكون رقيقا ابيض وأصفر ومن كل الالوان، لكن كان العرب يعاملون الرقيق الأسود بقسوة وخشونة زائدة فقط لسواد لونهم. لذلك فإن العقلية العربية تتعامل دوما مع الانسان الأسود كرقيق على المستوى الذهني والشعوري. ولذلك حتى الآن يعاني السودانيون السود والسمر البشرة من العنصرية مهما كانت مكانتهم وهم يعملون في ارقي المناصب في بلاد الخليج مثلا. لذلك لا يجب أن يثير ما جرى في ليبيا الصدمة كما لا يجب أن يثيرها ردود الأفعال العربية الباهتة التي لم تحوي اي إدانة واضحة بل محاولة تبرير لهذه الحقائق بربطها بواقع ليبيا المضطرب سياسيا وأمنيا . ولكن هذا الذي يجري في ليبيا هو ممارسة قديمة ومستمرة ولها جذورها في الثقافة العربية في هذه المنطقة. كما أن هذه التجارة بالبشر والاسترقاق  تعلم عنها العديد من المنظمات الدولية وأصدرت حولها تقارير حقوقية عدة منذ عام 2012  ولكن العالم تجاهل ما يجري هناك. والعالم لا يزال لا يفعل الكثير الان لحماية المهاجرين الافارقة من هذا الاستغلال، بل يحاول ان يستغل كما يبدو هذا الواقع لترهيب الذين يفكرون في العبور من ليبيا إلى أوروبا. لكن ما جرى ويجري في ليبيا ليس بعيدا عن ما يجري من تجارة بالبشر يعتبر السودان من أهم بؤرها ومعابرها في أفريقيا والعالم.

Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق