العسيلات vs الفادنية: معركة ينقصها الانتنوف



عثمان نواي
في الخرطوم العاصمة ضرب النحاس والاستنفار والحشد والتهديدات المتبادلة بأن كل قبيلة وكل مجموعة لديها من قوة السلاح ماهو قادر على تدمير اي محاولة للطرف الاخر للانتصار. معركة الفادنية والعسيلات شرق النيل هي عملية متعددة الأركان من نقل العنف إلى مرحلة أخرى حيث أصبحت الصراعات في داخل العاصمة الخرطوم هي أيضا صراعات مسلحة ربما لا ينقصها الا قصف الانتنوف. فمستوي العنف الذي يتم الحشد له ينبئ بأن الوضع إذا ما خرج عن السيطرة قد يؤدي إلى سيل من الدماء.
وهذا العنف أيضا مسؤولة عنه الحكومة سواء ذلك بغيابها عن منع هذا النزاع وحماية الأبرياء أو أيضا من خلال حضورها كجزء أصيل وسبب محرك لهذا الصراع. فسبب الأزمة الدائرة منذ الأمس حسب الروايات المتداولة هو اختلاف على عملية تهريب عملة او ذهب وفقد جزء من البضاعة. حيث يبدو ان شابين من العسيلات تورطا في العمل مع مجموعة من الفادنية الذين اشتهروا مؤخرا بسيطرتهم التامة على تجارة العملة في السوق السوداء. عليه فإن الفادنية يبدو أن لديهم قدر كبير من السلطة والثروة تمكنهم من تجاوز اي سلطة رسمية. وبالتالي عندما حدث الخلاف على كمية الذهب أو العملة المهربة أو اختفاء بعضها حسب الروايات المتاحة فإن الفادنية لم ينتظروا لتطبيق القانون بل قاموا بتنفيذ ذلك بأيديهم واختطفوا أو اعتقلوا الشابين وقاموا بتعذيبهم لدرجة اخترقت كل حدود الكرامة الإنسانية واحترام خصوصية القتيلين مما أدى إلى مقتلهما.
ان هذا الأسلوب المتبع من قبل الفادنية هو أسلوب لا يشابه سوى أساليب المافيا الروسية التي من المعروف انها لا ترحم ولا تقتل فقط مثل ما تفعل المافيا الإيطالية بل تعذب الضحايا بشكل وحشي. وفي المقابل حشد العسيلات رجالهم وحملوا نحاسهم وتوجهوا بالعشرات لمحاصرة قرية الفادنية. وعند النظر إلى هذا المشهد فيبدو أن الفوضى والصوملة التي يخشى منها البعض ويحذر منها النخب في المركز ويعتقدون أن الحركات المسلحة من الهامش هي التي ستقوم بها يبدو أنها تجري الآن في عمق الخرطوم. فهذه الدولة التي تسوّق نفسها في المركز على أنها تحمي الناس من العنف القادم من الهامش يبدو أنها نقلت هذا العنف إلى الخرطوم وأنها أصبحت لا تستطيع أن تسيطر على الفوضى التي صنعتها بنفسها.

ان التغيير الذي تتحدث عنه النخب باستمرار هو في الحقيقة ابعد ما يكون الان عن السلمية من أي وقت مضى مع تشابك المصالح بين قوى مؤثرة هي جميعها مسلحة في قلب المركز بل وقلب الخرطوم نفسها. سواء من هذه المافيات المسلحة ذات الثروات والقدرات الاقتصادية والتي لها قواعد دعم قبلية وبعض من الثقل الديني عبر البيوتات الصوفية او المليشيات المسلحة القبلية أو فرق النظام المسلحة التي تتبع للقيادات المختلفة للحزب الحاكم في داخل جهاز الأمن والطلاب وغيرهم. لذلك يجب على الأصوات التي تتحدث عن ان الحركات المسلحة لا تملك وسائل تغيير سوى عن طريق استخدام القوة والسلاح والعنف، فعليها ان تتحسس الأرض تحت أقدامها. فالسيناريو الذي نرى فصوله الأولى الان لن يشبه لا الصوملة ولا اي سيناريو آخر بل سيكون أكثر عنفا وتدمير بشكل يفوق التوقعات. ان العنف المفرط الذي كان يهدد أهل الهامش فقط اصبح الان يهدد كامل الوطن وكل الشعب السوداني بكل مكوناته وفي كل مكان في البلاد. وقد يتحول الشعب بأكمله في لحظات و بشكل كارثي ضحية لمثل هذه الصراعات العبثية التي سيدفع ثمنها كل السودانيين بكل خلفياتهم وانتمائاتهم القبلية والدينية والسياسية . ان السودان الان يقف على وقع فوضى قادمة مدمرة ولا مخرج من هذا النفق المظلم سوي بالاستيقاظ من هذا السبات العميق والعمل الان لتغيير جذري يقتلع هذا النظام فإن منعطف اللاعودة يلوح في الأفق القريب والقريب جدا .
nawayosman@gmail.com
Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق