بقلم عثمان نواي
في لقاء عبر قناة السي أن ان سألت المقدمة للبرنامج الدكتور كاتينا
وقالت له: بعيدا عن كل شي الم تفكر في حياتك؟ لماذا تعرض حياتك لهذه الدرجة من
الخطر، ولماذا تركت حياة في مدينة نيويورك لتعيش في مكان خطر يهدد حياتك خطر الموت
كل يوم في منطقة حرب مثل جبال النوبة. وكان الدرس الإنساني العظيم حينما رد عليها
دكتور كاتينا قائلا بكل بساطة ( أن حياتي ليست أهم من حياة اي انسان هنا لذلك لم
أغادر ابدا.) لمن لا يعرفه انه دكتور كاتينا ملاك الرحمة المقيم في جبال النوبة في
قلب المناطق المحررة التي تتعرض لهجوم من القوات الحكومية بشكل شبه يومي عبر
طائرات الانتنوف. منذ سنوات غادر جبال النوبة كل المنظمات الدولية والإغاثية بسبب
اشتداد العنف وبسبب عدم وجود تصريح من الحكومة في الخرطوم للعمل في تلك المناطق.
ولا يوجد سبيل لمساعدة أهل جبال النوبة المحاصرين في المناطق المحررة سوى من خلال جنوب
السودان منذ بدأت الحرب قبل 7 سنوات.
لكن دكتور كاتينا لم يغادر لأنه يؤمن بقيمة إنسانية عالية تخجلنا
جميعا وهي ان الحياة البشرية لها نفس القيمة سواء كانت للمزارعين في جبال النوبة
أو لطبيب من إحدى أعظم دول العالم في التطور الاقتصادي بل ومن قلب تلك الدولة
النابض تفاحة العالم مدينة نيويورك. ان الدكتور كاتينا وأمثاله من الناس يحيون في
البشرية قيمها العليا ويؤكدون على أن الإنسانية لازالت تنبض في عالم مضطرب ومشحون
بالكثير من التمييز والكراهية والأنانية والحروب والدماء.
ان قيمة حياة الإنسان هي القيمة العليا المهدرة في السودان. فحروب
أكثر من نصف قرن أدت إلى موت الملايين الذين لا يعرف أحد أسمائهم حتى. و كانت قناة
السي أن ان قد اهتمت بقصة دكتور كاتينا بعد أن نشر فيلم في العام الماضي بعنوان
قلب النوبة. الذي ألقى الضوء على مأساة شعب جبال النوبة والقتل المستمر في المنطقة
منذ سنوات دون توقف وانعدام إمكانيات إسعاف الالاف من المواطنين الذين يحتاجون إلى
رعاية صحية. حيث أن دكتور كاتينا هو الطبيب الوحيد الذي مازال يعمل في جبال النوبة
في المستشفى الوحيد العامل هناك تحت الخوف المستمر من القصف الذي قد يؤدي إلى مقتل
العشرات داخل المستشفى.
ان هذه المأساة الإنسانية التي يحاول بعض الصحفيين على مستوى دولي
إلقاء الضوء عليها، يعرف عنها العالم الخارجي كما يبدو اكثر مما يعرف عنها بقية
السودانيون في الداخل. وفي المقابل فإن أزمة انعدام استشعار قيمة الإنسان السوداني
في مناطق الحروب وأنحصار الوجدان الوطني للتضامن الشعبي في مناطق معينة واثنيات
معينة دون الاخري يصنع تحديا في مسألة الفارق الكبير في قيمة الإنسان التي تجعل
حياة انسان جبال النوبة أو دارفور ليست بذات أهمية انسان مناطق أخرى في السودان.
وحيث يتم استسهال القتل، تنخفض أهمية الحياة البشرية والروح الإنسانية. للأسف أن
السودان يحمل الان تاريخ ثقيل حديث للغاية وهو الجروح المفتوحة للابادة الجماعية
في دارفور والقتل والتشريد المستمر في المنطقتين. والخطوة الأولى في اتجاه شفاء
هذه الجروح هو أن تتساوى قيمة حياة كل السودانيون اي كان منطقتهم أو اثنيتهم أو
لونهم.
ان ما يقدمه دكتور
كاتينا لشعب جبال النوبة هو عطاء الأنسان للإنسان أكراما لهذه الروح البشرية
المقدسة. والي حين أن تكون أرواح جميع السودانيين متساوية في القداسة والقيمة فإن
السودان يهدده الانهيار التام والتفكك على أشتات الوجدان الوطني المتشظي. وحتى
ننتقل إلى مستقبل أفضل فإن رجل مثل دكتور كاتينا يجب أن يكون منارة لأجيالنا
الصغيرة الناشئة تعلمهم أن قيمة الحياة لكل البشر متساوية، وان اختيار الحياة بشكل
كريم يجب ان يشملنا نحن وسوانا. لأن لا حياة بشرية أكثر قيمة من أخرى مهما كان
إمكانيات أو انتماء صاحبها. وحتى نصل تلك المرحلة فإن هناك الكثير من العمل الذي
ينتظر السودانيين خاصة في المناطق الأكثر استقرارا والتي لم تشهد حروبا وفي المركز
الحاكم الذي لديه الإمكانيات للتحرك تجاه الآخرين، وكذلك كل القوى السياسية
والمدنية والثقافية وخاصة الشباب الذي ينعقد عليه كثير الأمل في صناعة مستقبل أكثر
تقييما لحياة الانسان السوداني في كل بقاع البلاد ومن كل اثنياتها وثقافاتها.
قلب النوبة nawayosman@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق