عالم يصنع المعجزات، وعالم آخر ينتظرها . . !


 الطيب الزين
عالم يهرب من الحاضر إلى المستقبل، وعالم آخر يهرب من الحاضر إلى الماضي، أليست مفارقة عجيبة . . ؟ !!
طرح السؤال بهذه الصيغة المكتنفة بالأسى والحيرة، مبعثه، قراءة نتاجات الآخَرين، ومن ثم التأمل في واقعنا السوداني والعربي والإسلامي، المأزوم بالحكام الديناصورات والشعوب الخاملة، والنخب المزيفة . . ! 
من تلك القراءات الكثيرة، نقف عند كتاب، برنارد سنبغلير، الذي جاء تحت عنوان " التكنولوجيا والزمن" يقع الكتاب في مجلّدين. وجزئه الثاني هو الذروة، فالجزء معنون بدقة مخيفة. . . عنوانه هو " اللاتوجه". 
إن قراءة هذا الكتاب تبعث على الرعب. فمؤلفه هو فيلسوف وأستاذ للهندسة الإلكترونية في وقت واحد، إنه يمسك بخيوط الأزمة من جذورها ومن بنائها المؤسس لها
هناك في الفكر الفلسفي الغربي المعاصر، إحساس بالزمن المنخطف، هنالك فكر فلسفي وظيفته الأولى هي سبق الزمن الحالي لوضع خطوط رائعة للمستقبل.
لذا غدت الفلسفة الغربية المعاصرة أمام باب مغلق ومفتوح في آن. مغلق لأن التصور قد غدا قاصراً على إدراك حدود الخيال في الوقت كان فيه سابقاً يتجاوز الخيال بمسافة شاسعة مفتوحة
مفتوح لأنه مطل على مجالات فكرية ممتدة بلا حدود، أي: على الفضاء الرحب اللامحدود، لتدشين مرحلة جديدة من الأفق الفلسفي الذي ينبغي أن يقبع داخل المستقبل، ويتجاوز ، ليس الماضي فحسب، بل الحاضر أيضاً ويعمل على إلغاء هذا الحاضر تماماً، لأنه حاضر لم يعد موجوداً،
إلا كلحظة زمنية باتت محض وهم مطلق
الزمن كمفردة ستبقى لانها الوجود برمته، فإنها في وجودها الشمولي العام هي التي ستشير إلى الماضي بإعتباره جزءاً من معطياتها ومولداتها، وهي التي ستشير إلى الحاضر بإعتباره أيضاً وليد لها ومن إنتاجها الأصيل الخاص، لذلك ستبقى هذه الكلمة كمفردة تضمر في داخلها كل الأزمان الأخرى، وتشير إليها وترمز لها ومن ضمن ذلك الماضي والحاضر، كشيئين غائبين ومتلاشيين داخل الحضور الطاغي للمستقبل لكنهما الموجودين ضمنا داخل مفردة الزمن
مفردتي الماضي والحاضر هي إنهما في حالة حذفهما من القاموس، فالمقصود هنا، قاموس اللغات التي تتسم بفكر فلسفي معاصر يعي نفسه مثل اللغة الانجليزية والفرنسية والالمانية والسويدية، وليس المقصود اللغة العربية، لأن ما يعبر عنه الفكر بهذا اللغة في اللحظة الراهنة، أو إن شئت الدقة منذ ثمانية قرون خلت، أي منذ أن غاب أبن رُشْد، أو غُيب، فالفكر السائد في عالمنا العربي هو فكر هروبي، يهرب من الحاضر إلى الماضي والإختباء في مغاراته، حتى غدا الماضي بالنسبة لهذه اللغة والمتحدثين بها هو الحقيقة المطلقة في وجودها بحيث لم يعد هناك وجود للحاضر، أو لزمن أكثر أهمية لم يفكر فيه وبه بعد، وهو المستقبل
فكم هي مفارقة عجيبة أن يظل الفكر الغربي مصوباً إهتمامه كله على المُستقبل، لذلك ي
يفاجئنا كل يوم وساعة وثانية بالمعجزات ، بينما عالمنا العربي والإسلامي، عيونه مصوبة نحو الماضي، وعقوله غائبة وإن وجدت فهي خامدة خاملة تنتظر المعجزات. . أليست مفارقة عجيبة . . ! 

Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق