#مع-رحال-تية-ضد-العنصرية
بقلم عثمان نواي
الصمت هو الإبادة في رواندا.
الصمت هو اعاصير كاترينا..
انه ما نسمعه حينما لا يعود هناك ما يكفي من أكياس ليوضع فيها الجثث..
انه الصوت بعد أن ينعقد حبل المشنقة..
انه تفحُم..
انه اغلال..
انه امتيازات..
انه ألم..
ليس هناك وقت لكي تختار معركتك حينما تكون معركتك قد اختارتك مسبقا..
الصمت هو اعاصير كاترينا..
انه ما نسمعه حينما لا يعود هناك ما يكفي من أكياس ليوضع فيها الجثث..
انه الصوت بعد أن ينعقد حبل المشنقة..
انه تفحُم..
انه اغلال..
انه امتيازات..
انه ألم..
ليس هناك وقت لكي تختار معركتك حينما تكون معركتك قد اختارتك مسبقا..
الشاعر الأفريقي الأمريكي الشاب كلينت سميث
رجال بهامات شامخة كجبال خرجت من حمم البراكين التي هي
اوتاد ثبتت أرض هذا السودان منذ الأزل. رجال بسمو وسواد الابنوس لا يشكون من لهيب
الشمس الحارقة التي كلما زادتهم سوادا زادوا إشراقا. ولا عجب أن يتنادي أبناء جبال
النوبة شيوخا وشبابا في وقفة علي قلب رجل واحد في مشهد مهيب وتضامن سلمي يطالب
بالحقوق، هو ربما شرارة ثورة الحقوق المدنية في السودان. حيث يصبح الصمت علي
العنصرية والتمييز أمر غير ممكن وغير مقبول وغير محتمل بعد الآن. وحيث أن احترام
العدالة و القانون والقوة التي يدفعها الوعي الكامل بالحقوق هو الذي يدفع هذا
الحراك الشعبي، الذي نظمه قوي أهلية لا علاقة لها بتنظيمات سياسية ولم تنتظر
نداءات من أحد بل تحركت عفويا لأجل تسجيل موقف تاريخي سوف يكون له ما بعده بلا شك.
هذه الوقفة وهذا التضامن الذي وصفناه أعلاه والذي سجله
التوثيق المصور ادناه. كان عبارة عن تداعى أهل جبال النوبة للتضامن مع المواطن من
اثنية النوبة المقيم وأهله منذ عقود طويلة في منطقة سنار وهو الحاج رحال تيه.
وخلفية الأمر هي أن الأخ رحال الذي يعمل في محطة وقود قام في الأيام الماضية
وأثناء زحمة الاصطفاف للوقود، قام بمنع رجل يدعي عثمان الزين من تخطي بقية
السيارات والتقدم لبداية الصف وكسر النظام. وهذ المدعو عثمان الزين تبين أنه نائب
امين الحركة الإسلامية في سنار و مدير الشركة الإسلامية التعاونية. وعندما قام
الحاج رحال بإيقاف الرجل من التقدم قام الأخير بالصعود علي العربة ومخاطبة الناس
وقال انه يكره أشد ما يكره النوبة وقال متي أتى النوبة من الكراكير ليحكمونا وثم
قال اخيرا انه بإمكانه أن يدهس الحاج رحال تيه بسيارته في لحظة لأن رحال لا يساوى
شيئا وليس له قيمة وان شركته يمكنها دفع القيمة أن وجدت . ثم نزل وضرب رحال في
ظهره. هذا هو المشهد الذي شهد عليه العشرات من المواطنين وضح النهار. إلا ان الحاج
رحال تية بوعي كبير بحقوقه رفض أن يرد مباشرة للرجل العنصري وفضل الذهاب الي
المحكمة ورفع قضية ضد الرجل الذي توعده علنا بالقتل واهانه وقبيلته واثنيته علنا
امام الناس. وقد بدأت المحاكمة في يوم 18يوليو 2018، وقد استمرت الجلسة 3 ساعات تم
فيها الاستماع الي الشهود الذين أثبتوا الواقعة بينما أصر المتهم المعتدي علي رحال
بانكار الواقعة التي شهدها العشرات. وقد كان التجمع السلمي للنوبة في الصور ادناه
هو عملية تضامن واسعة من مناطق السودان المختلفة لتثبيت التعاضد بين جميع المكونات
من جبال النوبة صفا واحدا ضد هذه الإهانة والتمييز العلني الذي يتخطى شخص الحاج
رحال تية الي كل شعب جبال النوبة في كل السودان.
ان التضامن الذي جرى أمام محكمة رحال قبل أيام لم يكن فقط
نتيجة لغضب لحظي أو حتي تضامن لمساندة فرد معين. بل إن طبيعة هذا النوع من التمييز
والإهانة العنصرية العلنية هي رمزية للمحمول التاريخي الطويل للنضال المستمر لشعب
جبال النوبة. هذا الشعب الذي اختار طوعا منذ قرون المقاومة المستمرة دفاعا عن
اختلافه الثقافي والاثني ضد كل محاولات القمع من كل المستعمرين من التركية وحتي
الإنجليز وما قبلهما وما بينهما. فقد كان ولا زال النوبة رجال يقفون دفعا عن الارض
والعرض والوطن ليس بحثا عن شرف ولكن نتيجة للإيمان راسخ بأن هذه الأرض هي وطن أصيل
لهم في كل أرض السودان وليس جبال النوبة فقط. لذلك فإن فدائية وشجاعة النوبة في كل
تكوينات الجيوش المنظمة التي مرت علي الدولة السودانية الحديثة وحمت حمي هذا
السودان هي أغلبها من جبال النوبة وبل اعتمدت كثيرا علي النوبة في أهم المعارك
والخطوط الأمامية لأي خطر هدد هذا السودان. ولكن ثورات وشجاعة ووطنية النوبة لا
تحتاج الي اغاني توصف تلك الشجاعة ولا الي قصائد شعر ولا حتي توثيق.. لأن التوثيق
دائما ما يكون للفلتة التاريخية التي يمكن أن لا تتكرر. أما الشجاعة والنضال
والمقاومة والقتال هو أمر طبيعي ومعتاد وجزء من الحياة الواقعية لكل شعب جبال
النوبة، لذلك ما يفعلونه باستمرار وبشكل طبيعي وقدرتهم علي الفداء والإقدام
والشجاعة لا تحتاج إلى وصف في معلقات ولا أن يضرب لها النحاس، لأنها ممارسة معتادة
لا تنفصل عن كينونة الفرد أو الجماعة. وهذا التفرد في القدرة على تقديم اعلي
التضحيات والمدافعة المستميتة عن الارض والعرض والشرف كانت دوما واقيا حمي السودان
ولا حاجة للعودة إلى التاريخ لإثبات ذلك، لأن التاريخ للأسف لا يسجل مثل هذه
الحقائق. ليس لأنه تاريخ يكتبه المنتصر كما يقولون، بل لأنه تاريخ يكتبه المنهزمون
أخلاقيا وان انتصروا سياسيا أو عسكريا. ولذلك فإن وقفات الرجال من ذوي الضمير الحي
لا يتم إعطائها مكانها في تاريخ كتبه منهزمون أخلاقيا مثلما حدث في عملية كتابة
تاريخ السودان. ولكن بالنسبة لشعب جبال النوبة فإنهم لا يابهون كثيرا للذي لم يكتب
عن ماضيهم لأنهم يسجلون كل يوم ثورات ونضال جديد من أجل الحقوق، وهذه معركة مستمرة
لذلك لم يحن الوقت بعد لكي تصبح تاريخا يسجل بالنسبة لهم.
بالعودة إلى حادثة سنار، فإن الذي تعرض له رحال تيه في
العلن يمثل مرحلة جديدة من ممارسة التمييز والعنصرية علي مستوي علني يصل الي درجة
تهديد بالقتل علي مدي وسمع وبصر الناس. وهذا الحادث يؤكد في حد ذاته علي حقيقة أن
العنصرية والتمييز في السودان علي مستوى اثنى هو حقيقة ماثلة لا يمكن أبدا
إنكارها. ودفن الرؤوس في الرمال والتغاضي عنها والحديث عن أن هذه حادثة فردية أو
أن مسؤول عنها شخص معين وأنه اسامي أو موز فإن هذا حديث ليس له معنى. لأن السياق
الذي تمت فيه الحادثة والذي نعيشه الان هو سياق يؤكد علي منهجية التمييز والعنصرية
في السودان. فعندما تكون هناك دولة كاملة تحارب شعب لأكثر من 30 عاما وتقصفه بشكل
يومي بالطائرات فإن هذا السياق لا يمكن أن تكون فيه مثل تهديدات الرجل في محطة
الوقود لرحال تيه مجرد عمل فردي، انها ثقافة دولة بأكملها. أما علي المستوي
الثقافي والشعبي فإن السياق الذي تحدث فيه هذه الحادثة هو أيضا ينبع من ذات
المجتمع وذات السياق الذي تكون فيها صحيفة الصيحة لصاحبها العنصري المعلن عن نفسه
بلا خجل ولا تردد الطيب مصطفي وأيضا صحيفة الانتباهة التي تسير في ذات الخط
العنصري، وعندما تكون هاتين الصحيفتين هما الأكثر مبيعا في السودان ومنذ سنوات
طويلة، فإن السؤال الذي يتبادر الي الذهن هو كيف يفسر هذا الدعم السكوتي ممن
يشترون هذه الصحف العنصرية البغيضة التي تنشر خطاب الكراهية كل صباح في كل أرجاء
السودان وتروج لاحادية الثقافة والدين والانتماء في السودان وتقرر لكل الشعوب السودانية
انها عربية إسلامية وتنفي اي وجود لثقافات وشعوب أخرى في أرض السودان. حتي ان
الطيب مصطفي ورهطه الذين احتفلوا بانفصال الجنوب أكثر من الجنوبيين أنفسهم هم
الذين يجب أن يطلق عليهم توصيف الانفصاليين، لأنهم لكي يحافظوا علي نقائهم الاثني
العروبي الاسلاموي المدعي مستعدين لفصل اي جزء من السودان يرفض ما يسمونه هوية
السودان التي تمثلهم هم فقط وليس سواهم ممن يتشاركون معهم هذا الوطن. ولذلك يستغرب
المرء حين يتم نصب المشانق للمطالبين بحقوقهم من أهل المناطق الافريقية الاثنية في
السودان لأنهم يطالبون بتقرير مصيرهم حتي من قبل المثقفين الذين يدعون دعم قضايا
الحقوق، بينما لا تنصب مشانق ولا تقام مقاومة علنية مساوية للسموم العنصرية
والميول الانفصالية التي يمثلها الطيب مصطفي وغيره ممن معه. ولا يتم القيام باي
مجهودات للتوعية ضد قضايا العنصرية ونبذ التمييز بين المواطنين كقضية أساسية
ومحورية للأحزاب السياسة والقوى المدنية والثقافية الواعية والمستنيرة، التي تريد
صناعة تغيير ووحدة وطنية. لأن محاربة التوجه العنصري داخل المجتمع في المركز والذي
يدعم سكوتيا صحف مثل الانتباهة عبر شرائها بهذا الكم الكبير، هذا المجتمع يحتاج
الي عمل كبير من أبنائه ليقوموا بتغيير داخل هذا المجتمع نفسه حتي يتم صناعة تغيير
يسع كل السودانيين وليس فقط تغيير مفصل علي احتياجات معينة لمجموعة معينة يتجاهل
حقيقة هذا الواقع العنصري التمييزي الانفصالي الخطير الذي تعيشه الدولة
السودانية.
انه من المؤسف أن الأحداث في السودان علي صغرها أو كبرها لا يتم إعطائها التحليل العميق التأني والملازم لسبر اغوارها. خاصة من قبل الباحثين والصحفيين والكتاب والمستنيرين، لأن الواقع السوداني المتشعب هو أشبه بغابة المانجروف، فبينما قد تبدوا الأمور في السطح خضراء وثابتة ومستقرة وواضحة المعالم والتقسيم لكنها في العمق وفي أسفل عبارة عن شبكة مترابطة من الجذور العائمة في الماء حيث لا أرضية حقيقية تحت غابات المانجروف بل مياه ضحلة . لذلك السير في هذه الغابات لا يعني السير بل يعني الخوض في المياه المثقلة بجذور مترابطة وقوية وعميقة لكيان حيوي قديم للغاية ومترابط. بالمثل فإن عزل حادثة الحاج رحال عن سياقها التاريخي الاجتماعي والسياسي والثقافي هو عملية عقيمة للتحليل. فالأمر لا يتعلق فقط بالكيزان والإسلاميين ولا يتعلق فقط بتغيير النظام ولا بالحرب فقط أو حتي تاريخ الدولة السودانية الحديثة. ان الامر يستصحب في داخله أجراس إنذار خطيرة تحتاج الي وقفات جادة متعلقة بتشابك الأزمة السودانية لمن أراد أن يعي الأمور علي حقيقتها. ومن أهم هذه الجوانب الخطيرة للأزمة ليس فقط التعبير العنصري المعتدي لكن أيضا الوعي الكامل بالحقوق والإصرار علي اتخاذ الإجراءات الحقوقية اللازمة ومقدار التضامن الشعبي مع هذه الخطوة من أهالي جبال النوبة. حيث أن المشهد في المحكمة نفسه شكل هذه الجانب المشرق للتضامن بين مكونات النوبة وولاية جنوب كردفان، ولكنه مشهد أوضح أيضا مدى الانفصال عن قضايا الآخرين من قبل المجموعات السودانية الآخري حيث يستوجب التضامن انخراط كل السودانيين في مناهضة مثل هذه الممارسات العنصرية المعلنة. حيث أن المرء يتمني أن يكون مشهد الصور ملونا أكثر من كل مكونات السودان وليس جنوب كردفان فقط. هذا من جانب، اما الجانب الآخر فإن السؤال يبقي في مدي عدالة القضاء ومدي قدرة الشرطة على تمالك نفسها امام الحضور الكثيف لإجراءات المحاكمة، وما إذا كانت سترتكب اي حماقات. هذه الجوانب لها علاقة مباشرة بواقع أن النضال من أجل الحقوق بالنسبة لشعب جبال النوبة لا يتخذ شكل البندقية فقط وأنه ياخذ جانب مدني حقوقي وسلمى، وفقط للتذكير أن هكذا بدأ نضال النوبة السياسي أيضا في الستينات عندما طالب النوبة عبر المحاكم أيضا بإسقاط ضريبة الدقنية وأعمال السخرية التي كانت تفرضها علي شعب النوبة فقط في شكل تمييز اثني كامل ما تسمي (بالحكومات الوطنية). وقد حقق النوبة انتصارات قانونية وقتها ولكن ظلت ممارسات عنصرية أخرى تطغي علي قدرة النضال القانوني علي مقاومتها في ظل نظم دولة مبنية على العنصرية بشكل منهجي. ولذلك فإن بداية هذا النضال في قضية الأخ رحال يجب أن تكون أيضا نداء لسن قوانين تحرم التمييز العنصري واستخدام الألفاظ العنصرية، وهذا اقل قدر من العمل للتغيير علي مستوى القوانين يمكن أن يتبناه القانونيين والحقوقيين. حيث أنه من أهم نتائج ثورة التغيير في تونس من وجهة نظرى كان ما تم من إقرار لقانون مناهضة العنصرية في تونس قبل أيام لكي يتم حماية السود في تونس من الإهانات والتمييز العنصري الذي كان من المسكوت عنه تماما قبل الثورة التونسية. وفي السودان حيث العنصرية أدت إلي ابادات جماعية فإن المطالبة بمثل هذا القانون يجب أن يكون هو نفسه محور التغيير علي الاقل علي المستوى القانوني. حيث أن النظام العنصري للدولة السودانية متجذر بعمق ولا يمكن أبدا اقتلاعه فقط لاقتلاع الإنقاذ، فهي مجرد ظاهرة عنصرية تؤكد على استمرارية منظومة متكاملة. لذلك المعركة للتغيير في السودان يمكن أن تكون شرارة صناعة الثورة هي عملية التضامن والمطالبة بتغيير القوانين في مثل هذه القضية التي تمثل رمزا هاما لفداحة الواقع الذي نشهده.
انه من المؤسف أن الأحداث في السودان علي صغرها أو كبرها لا يتم إعطائها التحليل العميق التأني والملازم لسبر اغوارها. خاصة من قبل الباحثين والصحفيين والكتاب والمستنيرين، لأن الواقع السوداني المتشعب هو أشبه بغابة المانجروف، فبينما قد تبدوا الأمور في السطح خضراء وثابتة ومستقرة وواضحة المعالم والتقسيم لكنها في العمق وفي أسفل عبارة عن شبكة مترابطة من الجذور العائمة في الماء حيث لا أرضية حقيقية تحت غابات المانجروف بل مياه ضحلة . لذلك السير في هذه الغابات لا يعني السير بل يعني الخوض في المياه المثقلة بجذور مترابطة وقوية وعميقة لكيان حيوي قديم للغاية ومترابط. بالمثل فإن عزل حادثة الحاج رحال عن سياقها التاريخي الاجتماعي والسياسي والثقافي هو عملية عقيمة للتحليل. فالأمر لا يتعلق فقط بالكيزان والإسلاميين ولا يتعلق فقط بتغيير النظام ولا بالحرب فقط أو حتي تاريخ الدولة السودانية الحديثة. ان الامر يستصحب في داخله أجراس إنذار خطيرة تحتاج الي وقفات جادة متعلقة بتشابك الأزمة السودانية لمن أراد أن يعي الأمور علي حقيقتها. ومن أهم هذه الجوانب الخطيرة للأزمة ليس فقط التعبير العنصري المعتدي لكن أيضا الوعي الكامل بالحقوق والإصرار علي اتخاذ الإجراءات الحقوقية اللازمة ومقدار التضامن الشعبي مع هذه الخطوة من أهالي جبال النوبة. حيث أن المشهد في المحكمة نفسه شكل هذه الجانب المشرق للتضامن بين مكونات النوبة وولاية جنوب كردفان، ولكنه مشهد أوضح أيضا مدى الانفصال عن قضايا الآخرين من قبل المجموعات السودانية الآخري حيث يستوجب التضامن انخراط كل السودانيين في مناهضة مثل هذه الممارسات العنصرية المعلنة. حيث أن المرء يتمني أن يكون مشهد الصور ملونا أكثر من كل مكونات السودان وليس جنوب كردفان فقط. هذا من جانب، اما الجانب الآخر فإن السؤال يبقي في مدي عدالة القضاء ومدي قدرة الشرطة على تمالك نفسها امام الحضور الكثيف لإجراءات المحاكمة، وما إذا كانت سترتكب اي حماقات. هذه الجوانب لها علاقة مباشرة بواقع أن النضال من أجل الحقوق بالنسبة لشعب جبال النوبة لا يتخذ شكل البندقية فقط وأنه ياخذ جانب مدني حقوقي وسلمى، وفقط للتذكير أن هكذا بدأ نضال النوبة السياسي أيضا في الستينات عندما طالب النوبة عبر المحاكم أيضا بإسقاط ضريبة الدقنية وأعمال السخرية التي كانت تفرضها علي شعب النوبة فقط في شكل تمييز اثني كامل ما تسمي (بالحكومات الوطنية). وقد حقق النوبة انتصارات قانونية وقتها ولكن ظلت ممارسات عنصرية أخرى تطغي علي قدرة النضال القانوني علي مقاومتها في ظل نظم دولة مبنية على العنصرية بشكل منهجي. ولذلك فإن بداية هذا النضال في قضية الأخ رحال يجب أن تكون أيضا نداء لسن قوانين تحرم التمييز العنصري واستخدام الألفاظ العنصرية، وهذا اقل قدر من العمل للتغيير علي مستوى القوانين يمكن أن يتبناه القانونيين والحقوقيين. حيث أنه من أهم نتائج ثورة التغيير في تونس من وجهة نظرى كان ما تم من إقرار لقانون مناهضة العنصرية في تونس قبل أيام لكي يتم حماية السود في تونس من الإهانات والتمييز العنصري الذي كان من المسكوت عنه تماما قبل الثورة التونسية. وفي السودان حيث العنصرية أدت إلي ابادات جماعية فإن المطالبة بمثل هذا القانون يجب أن يكون هو نفسه محور التغيير علي الاقل علي المستوى القانوني. حيث أن النظام العنصري للدولة السودانية متجذر بعمق ولا يمكن أبدا اقتلاعه فقط لاقتلاع الإنقاذ، فهي مجرد ظاهرة عنصرية تؤكد على استمرارية منظومة متكاملة. لذلك المعركة للتغيير في السودان يمكن أن تكون شرارة صناعة الثورة هي عملية التضامن والمطالبة بتغيير القوانين في مثل هذه القضية التي تمثل رمزا هاما لفداحة الواقع الذي نشهده.
هناك مستوى أخر في جذور الازمة أيضا مرتبط بمساحة الغفلة
عن الواقع المعقد المتفجر الذي يعيشه السودان الان وبشكل معقد للغاية. حيث ان
النوبة الذين تداعوا إلى حضور هذه المحكمة لم يأتي أحدهم من جنوب كردفان بل جميعهم
من ولايات الشمال والوسط حيث يقيمون بإعداد كبيرة ومن المقدر أن الحضور بلغ الف
شخص ، لذلك فإن أمثال هذه الممارسات العنصرية وعدم التصدي لها من قبل المحاكم
والقانون وأيضا علي المستوي الاجتماعي والسياسي من خلال العمل بشكل جاد ومستمر علي
تغيير العقلية التي تستسهل ممارسة العنصرية لأنها تعلم أنه لا يوجد عقاب مجتمعي
قيمي عليها ولا قانوني، هذه العقلية وهذه الوضعية يجب أن تتغير عاجلا وليس اجلا.
والا فإن براميل البارود المتفجرة التي يجلس عليها كل السودانيين خاصة في المركز
سوف تجد الشرارة التي تشعلها بدون أن يستطيع أحد إيقاف النيران والانفجارات
العفوية التي لن يتحكم فيها أحد. حيث أن الوعي بالحقوق والقدرة على ممارسة الضغوط
والتعبير السلمي عن الأزمات هي الحل الأمثل لكنه ليس دوما الحل الأوحد. خاصة أنه
كما ذكرنا أن السياق السوداني له محمولات تاريخية وحاضرة معقدة لذلك فإن بلغ السيل
الزبي من فرط استمرار مثل هذه العنصرية العلنية التي حدثت لرحال تيه، وإذا لم تأخذ
العدالة مجراها المنصف وإذا لم يتم بعد ذلك وقبله التضامن وايقاظ العقول الواعية
لصناعة مجهودات حقيقية تعبر عن حجم أزمة العنصرية في السودان علي مستوي المجتمع
والدولة معا ومحاربة الانفصاليين من أمثال الطيب مصطفي وتحميلهم وزر جرائم
الكراهية والتمييز وصلبهم أخلاقيا وقيميا بشكل واضح وفي حملات جادة ودقيقة ومؤثرة،
إذا لم يحدث كل هذا، وبشكل متناغم ومتوازى فإن السودان سيصل إلى طريق لن يكون من
بعده سوي خيارات كارثية بلا شك.
والحقيقة أن المرء يستعجب من وضع السودان الذي يظل يكرر النخب فيه خاصة في المركز ذات الأخطاء ولا يتم ابدا التحرك خطوات جادة في قطيعة مع الماضي، فكيف استطاعت رواندا تجاوز أكبر إبادة جماعية في العصر الحديث بعد الحرب العالمية الثانية، وكيف تنهض إثيوبيا الان وتنهي الحرب وتصنع أواصر الصداقة مع إريتريا عدوتها اللدود اثنيا وسياسيا، بينما لا يزال السودان يردح تحت هذا النقاش العقيم الذي لا يزال البعض يجادل فيه بأن الأزمة فقط الانقاذ وان إسقاطها سيكون الحل بينما الإنقاذ ليست سوى رأس جبل جليد الأزمة. نحتاج إلى مواجهة جادة وحقيقية لواقع السودان دون هروب حيث أن الصمت علي العنصرية في السودان قد أدى فعليا الي إبادة جماعية، وما تهديد رحال تيه بالقتل العلني سوي ممارسة استندت واستمدت شرعيتها من هذا الواقع السياسي الثقافي الاجتماعي العنصري البغيض. ولكي يتم تغيير هذا الواقع فإن جهودا كبيرة يجب أن تبذل وبدايتها قد تكون بالتضامن و الحضور في محكمة رحال تية ف جلستها الثانية في يوم 26 يوليو 2018 في محكمة سنار. حتي يُظهر السودانيون وليس النوبة فقط وليس مكونات جنوب كردفان فقط التي هي في صف واحد مع النوبة جيران الأرض والمعشر وشركاء الثقافة والتاريخ ، لا يجب أن يكونوا واقفين وحدهم ضد العنصرية والتمييز بل إن هذه فرصة يجب اغتنامها لتسجيل موقف تاريخي لنبذ العنصرية وإقامة حملة تضامن واسعة ضد العنصرية والتمييز في السودان ضد كل السودانيين ومن قبل كل السودانيين وخي فرصة لكي يتلقى هذا النداء كل من لهم التزام حقيقي بقضية التغيير والوحدة الوطنية في السودان. حيث أن الصمت لم يعد خيارا. وكما قال مارتن لوثر كينج " في النهاية لن نتذكر كلمات أعدائنا ولكننا سنتذكر صمت أصدقائنا".
والحقيقة أن المرء يستعجب من وضع السودان الذي يظل يكرر النخب فيه خاصة في المركز ذات الأخطاء ولا يتم ابدا التحرك خطوات جادة في قطيعة مع الماضي، فكيف استطاعت رواندا تجاوز أكبر إبادة جماعية في العصر الحديث بعد الحرب العالمية الثانية، وكيف تنهض إثيوبيا الان وتنهي الحرب وتصنع أواصر الصداقة مع إريتريا عدوتها اللدود اثنيا وسياسيا، بينما لا يزال السودان يردح تحت هذا النقاش العقيم الذي لا يزال البعض يجادل فيه بأن الأزمة فقط الانقاذ وان إسقاطها سيكون الحل بينما الإنقاذ ليست سوى رأس جبل جليد الأزمة. نحتاج إلى مواجهة جادة وحقيقية لواقع السودان دون هروب حيث أن الصمت علي العنصرية في السودان قد أدى فعليا الي إبادة جماعية، وما تهديد رحال تيه بالقتل العلني سوي ممارسة استندت واستمدت شرعيتها من هذا الواقع السياسي الثقافي الاجتماعي العنصري البغيض. ولكي يتم تغيير هذا الواقع فإن جهودا كبيرة يجب أن تبذل وبدايتها قد تكون بالتضامن و الحضور في محكمة رحال تية ف جلستها الثانية في يوم 26 يوليو 2018 في محكمة سنار. حتي يُظهر السودانيون وليس النوبة فقط وليس مكونات جنوب كردفان فقط التي هي في صف واحد مع النوبة جيران الأرض والمعشر وشركاء الثقافة والتاريخ ، لا يجب أن يكونوا واقفين وحدهم ضد العنصرية والتمييز بل إن هذه فرصة يجب اغتنامها لتسجيل موقف تاريخي لنبذ العنصرية وإقامة حملة تضامن واسعة ضد العنصرية والتمييز في السودان ضد كل السودانيين ومن قبل كل السودانيين وخي فرصة لكي يتلقى هذا النداء كل من لهم التزام حقيقي بقضية التغيير والوحدة الوطنية في السودان. حيث أن الصمت لم يعد خيارا. وكما قال مارتن لوثر كينج " في النهاية لن نتذكر كلمات أعدائنا ولكننا سنتذكر صمت أصدقائنا".
0 comments:
إرسال تعليق