أصدرت محكمة سنار عصر أمس
حكما في مواجهة المتهم بالاساءة العنصرية والتهديد بالقتل والسباب للحاج رحال تية
والذي اعتدي عليه المدعو عثمان الزين. حيث كان الحكم متحيزا مخففا وغير رادع
بالمرة. فقد اصدر القاضي حكما بالسجن لمدة 6 أشهر مع وقف التنفيذ والغرامة 50 الف
جنيه بعد إدانة المتهم بالمادة 64 التي تعاقب علي إثارة الكراهية ضد الطوائف أو
بينها. وتنص المادة 64ـ في القانون الجنائي لعام 1991 علي الاتي "من يعمل على
إثارة الكراهية أو الاحتقار أو العداوة ضد أي طائفة أو بين الطوائف بسبب اختلاف
العرق أو اللون أو اللسان وبكيفية تعرض السلام العام للخطر ، يعاقب بالسجن مدة لا
تجاوز سنتين أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً." ومن الواضح من نص المادة أن
القاضي قد حكم على المتهم بحكم مخفف للغاية وهو 6 أشهر سجن مع وقف التنفيذ. حيث لا
يوجد أي سبب منطقي يمنع تنفيذ الحكم بالسجن، هذا رغم انه سجن مخفف للغاية بالنسبة
لما تنص عليه المادة وبطبيعة الجريمة المرتكبة التي تمت فيها الإساءة لاثنية كاملة
وليس لفرد معين وعلي عين الأشهاد في الشارع العام من قبل شخص له صفة اعتبارية لا
يجوز أن يستخدمها في إثارة الفتن. هذا اضافة الي حقيقة أن هذا القاضي يبدو أنه لم
يضع اي اعتبار للجماهير التي كانت تقف تبحث عن الحق والإنصاف والعدالة في حكم يضع
القانون فوق أي اعتبار ويضع نصب عينه أيضا أهمية كبيرة لتثبيت المصداقية للقضاء
وتقليل الشكوك في عدالته تجاه المجموعات المهمشة والمضطهدة اثنيا وتاريخيا في
السودان. فالرجل لم يضع اي اعتبارات لمدى الغضب الشعبي لأهل جبال النوبة وأهمية
انصافهم كجزء من واجب وطني في درء العنصرية والتمييز وأنصاف الناس عبر القضاء أن
لم تنصفهم الدولة. لكن يبدو أن القاضي لم يضع اعتبار لاي من ذلك بل كان كل اعتباره
في كيفية تخفيف الحكم على المجرم. وبذلك يكون قد خسر شخصيا فرصة تاريخية تضعه في
مكانة من قام بوضع سابقة قضائية لأحكام رادعة ضد ممارسة العنصرية في السودان.
ان القاضي لم يتوقف فقط
عند هذه الدرجة من التحيز بل إنه أيضا أسقط التهم المتعلقة بالاساءة والإرهاب حسب
المواد 144 و160 من القانون الجنائي واللتان تنصان علي السجن 6 أشهر أو الجلد
والغرامة. وعليه فإن القاضي بقراره لم يخفف الحكم فقط بل إنه قام بمحو كامل
لحيثيات القضية التي لا تنحصر فقط في الإساءة بل تشمل تهديد المجرم المدان عثمان
الزين بقتل الحاج رحال والإساءة العلنية له. وبدلا من أصدار أحكام في هذه التهم
الخطيرة، قام القاضي باسقاطها. وعليه فإن التمييز والتحيز لجهة المتهم من قبل
القضاء أصبحت أمرا لا شك فيه البتة. وقد تفوق القضاء بهذا الحكم على أسوأ الظنون
فيه. وأصبح هو الآخر آلية تمييز بدلا عن أن يكون آلية انصاف وعدالة علي الاقل في
هذا المستوى من التقاضي في الدرجة الأولى. ولذلك فقد قرر محامو الحاج رحال تيه رفع
القضية الي درجة الاستئناف في الحكم الصادر من هذه المحكمة الابتدائية. هذه
الخطوات القانونية يجب أن تستمر ليس إيمانا في عدالة قضاء السودان بشكل قاطع ولكن
إيمانا بالقانون. وإيمانا بأن النضال علي كل المنابر والمستويات يجب أن يكون
متزامنا من أجل انتزاع الحقوق وتثبيتها.
ان هذا الحكم الصادر لا يمثل فقط تحيز وتمييز القاضي كفرد ولكنه يمثل منظومة الدولة بكل اذرعها القضائية والتشريعية والتنفيذية. وعليه فإن المعركة نحو تحقيق العدالة ونزع الحقوق كما يعلم كل شعب جبال النوبة وكل السودانيين خاصة الذين يتم التمييز العنصري ضدهم، هذه المعركة لن ولم تكن سهلة ابدا ولكنها يجب أن تستمر. ولذلك فإن الدعوة إلى العمل من أجل قانون رادع ضد التمييز العنصري في السودان بكل أشكاله اهو أمر هام. ولكن يبقي القانون وحده غير كافي أن لم يتبعه تغيير في العقليات وفي المفاهيم. حيث أن تطبيق القانون هو أهم من القانون نفسه. لأنه في ظل وجود قضاة متحيزين وعنصريين فإن القوانين ستكون مجرد حبر على ورق لا تساوى شيئا.
ان هذا الحكم الصادر لا يمثل فقط تحيز وتمييز القاضي كفرد ولكنه يمثل منظومة الدولة بكل اذرعها القضائية والتشريعية والتنفيذية. وعليه فإن المعركة نحو تحقيق العدالة ونزع الحقوق كما يعلم كل شعب جبال النوبة وكل السودانيين خاصة الذين يتم التمييز العنصري ضدهم، هذه المعركة لن ولم تكن سهلة ابدا ولكنها يجب أن تستمر. ولذلك فإن الدعوة إلى العمل من أجل قانون رادع ضد التمييز العنصري في السودان بكل أشكاله اهو أمر هام. ولكن يبقي القانون وحده غير كافي أن لم يتبعه تغيير في العقليات وفي المفاهيم. حيث أن تطبيق القانون هو أهم من القانون نفسه. لأنه في ظل وجود قضاة متحيزين وعنصريين فإن القوانين ستكون مجرد حبر على ورق لا تساوى شيئا.
ان
عملا شاقا لا زال في انتظار القيام به من قبل النخب والمثقفين والقادة السياسيين
في السودان وخاصة في المركز من أجل تغيير العقول والمفاهيم والعمل من أجل انهاء
الذهنية للعنصرية للمجتمع والدولة. حيث أن التطبيق العادل للقانون يتطلب أن تكون
أجهزة الدولة وأفراد المجتمع بما فيهم القضاة وغيرهم من قوي تنفيذية وتشريعية أن
يكونوا قادرين علي الوقوف على قدم المساواة من كل المواطنين السودانيين دون تحيز
أو تمييز. ولذلك فإن دلالات الحكم الصادر في هذه القضية إنما يثبت كثير من
الفرضيات حول أزمة الدولة السودانية وتجذر التمييز فيها علي كل المستويات. ولذلك
فإن عملية التغيير المطلوبة في الدولة السودانية كما ذكرنا كثيرا، لا تتعلق فقط
بنظام حاكم بل تتعلق بمنظومة وعقلية حاكمة لا تتغير بتغير الأشخاص والكيانات. بل
هي هياكل عميقة تجعل كل نظام حكم يأتي يخدم هذه الهيكلة العنصرية التمييزية
بالكامل للدولة السودانية. ولذلك فإن اي عمل جاد لأجل التغيير لا يضع هذه الحقيقة
نصب عينه فانه سيكون عاجز عن تحقيق تغيير حقيقي في السودان. ولكن تظل قضية الحاج
رحال تية نقطة بداية يجب أن يستمر العمل لتصعيدها لتحقيق العدالة الناجزة والوصول
إلى آخر درجات التقاضي حتي تصبح هذه القضية سابقة في السودان لملاحقة العنصريين
وإثبات إدانتهم.
nawayosman@gmail.com
nawayosman@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق