التسجيلات العنصرية :ضرورات مواجهة الخطر الداهم

نعتذر عن عدم نشر الفيديو لما فيه من بشاعة مؤزية
بقلم عثمان نواى
الحاقا واستمرارا للخطاب والممارسات العنصرية الممنهجة من قبل نظام الإبادة الجماعية، أستمر تدفق التسجيلات المسيئة وازداد الأمر سوءا وكارثية مع انتشار فيديو للتمثيل بجثة مقاتل من جبال النوبة. وتصوير عملية التمثيل والاستهزاء بالقتيل في قمة الانتهاك للحرمات الإنسانية والقيم الدينية والاجتماعية بكل اختلافها. ورغم أن وقع هذه المنشورات كان مؤلما للكثيرين لكن هناك لازال من يعيشون في حالة الانكار والعيش في داخل صناديق مغلقة لايريدون أن يروا منها الواقع في الخارج.
لقد تساءل البعض في تعليقات على المقال السابق عن جدوى نشر هذه التسجيلات، في حين مارس البعض الاتهامات التي اصبحت عبارة عن اسطوانات مشروخة عبر اتهام كل من يتحدث عن ضرورة مناهضة العنصرية عبر اتهامه بأنه عنصري. في عملية عكس الذات علي الموضوع وإسقاط نفسي لا يمكن أن يفسر بغير ذلك. لكن واقع الأمر أن نشر هذه التسجيلات والفيديو أيضا الذي يتم فيه تمثيل بجسد احد المقاتلين، إنما له عدة أغراض. اولا إثبات الحقيقة التي يجب أن يراها كل من لا زال يتشكك في وجود هذا القدر من العنصرية في السودان فى 2018. ثانيا، يجب أن نرى منبع الأزمة والحروب والإبادة الجماعية والقتل والاغتصاب والتعذيب على أساس اثني وغيره من الجرائم التي تعد جرائم ضد الإنسانية أوصلت البشير الي المحكمة الجنائية. حيث أن القتل والاغتصاب والحرق لا يبدأ في ساحات القتال في الجبال أو الوديان والغابات. انه يبدأ في داخل العقول والنفوس التي تمت عملية ممنهجة لبرمجتها عبر خطاب عنصري مستمر من المدراس إلى التلفزيون الي الجوامع الي خطب رئيس الجمهورية الذي قال في أحدها بملء فمه، كما أوردها الترابي (أن الغرباوية أن اغتصبها جعلي فهذا شرف لها..!) فليس من المستغرب أن يقوم الجندي الذي يتبع أوامر هذا الرئيس بوضع قدمه على جثة مقاتل من النوبة، أو أن يغتصب العشرات من نساء دارفور أو النيل الأزرق او غيرها. ان هذه التسجيلات توضح أن عملية غسيل الادمغة التي زرعت أفكار متوهمة حول النقاء العرقي، والتطرف الديني هي التي تصنع هؤلاء القتلة والمغتصبين والعنصرية والمتطرفين.
ان آليات نظام الإنقاذ في السيطرة العقلية وتغييب العقول صنعت هؤلاء الذين يقومون بهذه التسجيلات ولكنهم هم أنفسهم ضحايا هذه البرمجة الذهنية المستمرة لكي يصبحوا قتلة كارهين للآخر. ولكن للأسف كما ذكرنا في ألمقال السابق، أن 30 عاما وهي عمر الإنقاذ، ليست هي فقط المسؤولة عن النتيجة التي نراها اليوم. بل إنه هذا التوجه الأحادى للدولة السودانية التي تعتمد على الإقصاء والتمييز علي اساس ديني وأثنى في عملية الحكم والقهر لمجموعات واسعة من الشعب السوداني. وبالتالي فإن الإنقاذ أتت لتستخدم كل المتراكم تاريخيا وأخرجته في شكل قنابل وسموم في الهواء الطلق من الكبسولات العنصرية والتطرف الديني والعنف. حيث أن الكيزان وما يقومون به الآن عبر مرتزقة الدعم السريع وشحن عقولهم بهذه الأفكار وهذا الخطاب العنصرى، هو عملية متواصلة منذ التسعينات حين خرجت الفتاوي في الأبيض تكفر النوبة، ومما ادي الي قيام حملة الجهاد على جبال النوبة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف وشرد ما لايقل عن نصف مليون، حيث وضعوا في معسكرات مغلقة سميت بمعسكرات السلام، حيث تعرضت النساء للاغتصاب وتعرض أبناء النوبة للاغتيالات والقتل خاصة المثقفين. هذه العملية الجهادية لاتزال مستمرة إلى الآن ولكن أضيف إلى الخطاب الديني الخطاب العنصرى، حيث لم يجدي استخدامه التكفير في دارفور التي يعلم الكيزان جيدا انها تقابة القرآن. ولذلك لجأوا الي التصعيد من الخطاب العنصرى حتي استطاعوا تدجين الجنجويد واستغلالهم في حرب قذرة لازالت مستمرة، يعلم الجنجويد انهم تورطوا فيها وخسروا نسيج دارفور المجتمعي المتماسك الموجود قبل الكيزان وكذلك يريد النظام أن يفعل في جبال النوبة وبقية السودان. عبر نشر خطاب كراهية يحتقر مكونات السودان الغير عربية أو الغير مسلمة. حيث النتيجة هي استخدام عاطفة الانتماء الاثني الثقافي وصناعة عدو متوهم غير موجود حتى تدافع الإنقاذ عن نفسها في وجه القوي الثائرة المطالبة باسقاطها. حيث أن العدو الحقيقي هم الكيزان وكل متعلقات الدولة المركزية الأحادية الإقصائية التوجه في السودان. لكن الخوف من فقد سدنة الدين وتجار الحرب لسلطتهم يجعلهم يصنعون من المطالبين بحقوقهم أعداء، بينما هم طللاب حقوق وعدالة لأنفسهم وللاخرين، فالعدالة والحقوق هي لنا ولسوانا في وطن للجميع. وهذه هي الرسالة التي يجب أن تكون ردا على هذا الخطاب العنصرى البغيض تجاه الآخر وعملية التشويه وشيطنة مجموعات معينة في السودان. فالخسران من أي انقسام حاد علي أسس عرقية وصعود مثل هذا الخطاب التجييشي سوف يكون له آثار وخيمة على الجميع وفي كل السودان إذا لم يتم تدركها الان وليس غدا .
من المؤسف الصمت الذي يواجه به مثل هذا الخطاب العنصرى المنتشر من قبل القوي السياسية والنخب المثقفة، خاصة في المركز المهيمن، رغم وجود أصوات تعلو رافضة له.. لكن المعركة كانت تحتاج إلى الجميع في صد مثل هذا المد العنصرى المدمر لحلم التغيير الذي يدعو له القوي السياسية المركزية. مجابهة هذا الخطاب العنصرى عبر التأكيد على أن العدو الحقيقي لكل السودانيين هو الهيكلة الخاطئة للدولة السودانية وان المعركة هي ضد كل من حرم كل السودانيين علي تنوعهم من أن يعيشوا مواطنين متساوين ومتتمتعين بحقوق كاملة. الأعداء ليسوا قبيلة ولا اثنية ولا دين ولا سكان منطقة معينة، الاعداء هم محتكرى السلطة ومدعي القداسة وناهبي حقوق وعرق السودانيين منذ الاستقلال إلى الآن الذين لازال بعضهم يحلم بالحكم. الأعداء هم تجار الدين وتجار الحروب وأصوات الخطاب الأحادى العنصرى الذي لا يعترف بتنوع السودان. وهؤلاء ليسوا فقط الكيزان، بل كثير ممن يعادون الكيزان هم أيضا أعداء للشعب السوداني والحلم بالوطن الذي يسعنا بكل تنوعنا . ودون أن نعي جميعا من هو العدو الحقيقي ودون أن يتم مراجعة وكشف خطاب الكراهية هذا خاصة لضحاياه من المستغلين من قبل النظام لأغراض حماية نفسه حتي هؤلاء من الدعم السريع وغيرهم، دون قلب الطاولة على نظام الفاسدين هذا من داخل الحلبة لن ننتصر في معركة الحقوق والتغيير وبناء وطن نفخر به وليس وطن نبكي عليه . ولكي نعرف العدو ونكشفه يجب أن نضع كل الأزمات علي المكشوف، ونشر هذه التسجيلات هو خطوة أولى لنريهم ان مخططهم مكشوف ولكي نعرف جميعا حجم الخطر، لأننا في زمن الديمقراطية في تداول المعلومة والتعبير عن الرأي، فيجب أن نستغل هذه المنصات لفتح حوار صريح دون مواربة. وان لا نهرب من مواجهة التحديات التي تفرضها مثل هذه التعبئة العنصرية. وأول خطوات المواجهة كشف كل جوانب الأزمة ونشر هذه التسجيلات هو جزء من هذا الكشف، حتي يكون كل من يشارك في أي حوار حول هذه القضية علي بينة . ولكن هذا لا ينفي أن المرء يعتصره الألم لسماع ومشاهدة هذا القبح. لكن ليس كل الامراض تشفي ببعض حبات الأسبرين. هناك أمراض تحتاج إلى فتح جروح متقيحة كريهة الرائحة وتنظيفها وكشفها لأشعة الشمس حتي تبرأ وربما يتجنب المريض بعد هذه العملية المؤلمة والمقرفة احيانا خطر البتر لأحد أعضاؤه.. هذا هو السيناريو الذي نتعامل معه الان في مواجهة هذا الخطاب العنصرى بكشفه علنا للضوء ، فقط المثال لمزيد من التوضيح. ولكل الذين لا زالو يتهمون بالعنصرية المضادة كل من يتحدث عن العنصرية من قبيل وجوب العمل على انتهائها وكشف انها لازالت مستمرة، عليهم أن يعيدوا قراءة المشهد. لأنه كما قلنا سلفا الدعوة هي للمساواة لنا ولسوانا والمواطنة الكاملة لنا ولسوانا. والعدالة لكل من السودانيين في وجه من ظلموهم ودمروا حلم بناء وطن ديمقراطي حقيقي منذ الاستقلال من الشيوخ والكهنة والافندية الذين انضموا لهم من أصحاب العمامات والعباءات والشالات التي تخفي تحتها الشياطين والأعداء والمجرمين الحقيقيين في حق الشعب السوداني.
nawayosman@gmail.com
Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق