بقدر ما تتسع أراضي السودان لقبول وأيواء وتأمين كل من هاجر إليها،
أرضا أكرمت علي مر التاريخ كل من هرب إليها خوفا من ظلم أو جور أو جوع، بقدر ما
تضيق صدور وعقول نخب وحكام السودان بهذا الواقع الذي كان هو أساس تشكيل السودان
دولة وشعبا ولازال. السودان هو أرض آمنت الكثيرون من الخوف واطعمت الكثيرين من
الجوع. لكن للأسف هذه الايام نسمع كثيرا مصطلحات تمييز وعنصرية وإقصاء لا تشبه
ابدا أرض السودان المضيافة المعطاء. التي ما اختارها أهل الهجرات إليها منذ قرون
الا لأنهم علموا انهم لن يكونوا فيها الا آمنين، مواطنين كرام وأحرار. ولهذا هاجر
الي السودان كل من هزم واصبح عزيز قوم ذل احتاج الي أن يشعر بعزة حريته الإنسانية
مرة أخرى. فهاجر مهزومي بني أمية والعباسيين وعبر المغرب العربي هاجر بقية مهزومي
دولة الأندلس عبر المغرب العربي وصحراء أفريقيا دخلوا الي السودان. وكذلك كان
السودان دوما أرض العبور إلى بيت الله الحرام، فكانت أرض السودان هي أرض الأمان من
الخوف والجوع كما هي أرض الحرمين لكل من عبر قاصدا بيت الله. فاقام فيها من طاب
لهم المقام في أرض الله الواسعة. وما لفظت أراضي السودان ولا شعوبها الأصيلة كل من
قدم إليها وما عاملت أحدا منهم علي انه وافد. بل امتصت هذه الشعوب كل هذه الهجرات
برحابة صدر بالغة، حتي انها كانت ربما ضارة لبعض الشعوب الأصيلة علي المستوي
الاجتماعي والسياسي، إذا تحدثنا بمنطق المصالح السياسية. لكن أهل السودان الاصيلين
لم يبخلوا علي من هاجر إليهم لا بأرض ولا طعام ولا حتي نسب ومصاهرة. حتي ارتقي من
هاجر الي سلالم السلطة واصبح هو السيد علي المواطنين الاصليين، وهذا لم يولد في
السودانيين الاصيلين اي غبن ولا أحقاد، بل تقبلوا كل ذلك بكرم الذى يعلم أن أرضه
تسعه وتسع غيره، وان الملك لله ليس لأحد من البشر مهما كان أصله أو فصله. ولذلك
كانت ولازالت أرض السودان أرض المهلة والسهلة وهكذا يجب أن تكون.
لكن في الايام الماضية تصاعدت كثير جدا من أصوات الخطاب العنصري
والتمييزي الذي يصف كثير من سكان السودان ومواطنيه بأنهم (وافدين). هذا الوصف شمل
اهلنا العمال الزراعيين في الكنابي، الذين يعانون من عمليات تهجير قسري واعتداءات
عنصرية وخطاب كراهية مبني على هذا التوصيف وهذا المصطلح المجحف والغير حقيقي
بوصفهم بأنهم (وافدين) اي انهم ليسوا مواطنين وما يترتب على ذلك من إنكار لحقوق
كثيرة يجب أن يتمتع بها كل مواطن. هذا المصطلح أيضا يصعد هذه الأيام مع الأحداث
المؤسفة في مناطق الحمرا في القضارف مؤخرا. حيث صعد خطاب كراهية أيضا يدعو إلى
تفريغ تلك المناطق مما وصفهم أصحاب ذلك الخطاب أيضا بأنهم (وافدين). وهنا يتبادر
السؤال الأهم الي الذهن، من الذي يحدد من هو الوافد ومن هو المواطن في السودان وفي
أي منطقة من هذه البلاد؟ اي ماهي تلك المعايير في المواطنة؟ والسؤال الأهم من الذي
يضع تلك المعايير؟ ومن المستفيد من وضعها ومن يقوم بحمايتها ولماذا؟ هل هي معاير
قانونية دستورية متعلقة بقوانين الجنسية مثلا؟ علي هي قوانين إقامة والتزام
بالقوانين المحلية في كل منطقة؟ ام هي معايير سياسية، ايديولوجية؟ هل تخدم نخب
ومجموعات حاكمة ام هي فعلا معايير تقوم بحماية الدولة السودانية وحدودها
ومواطنيها؟
ان الإجابة على هذه الأسئلة لا يفكك أو يرتب مسألة التعامل مع
مصطلح الكراهية (الوافدين) فقط، بل إنه يحدد منطلقات المواطنة في الدولة
السودانية. والي اي مدى هذه المواطنة هي جزء رئيس في تكوين الدولة نفسها، لأن
الدولة ليست سوى الكيان المنظم المفترض فيه تمثيل مصالح وحماية حقوق مجموع مواطني
تلك الدولة. لذلك فإن تحديد معايير المواطنة وتأكيد منطلقات ومصادر تلك المعايير
ومن المسيطر علي تحديدها هو قضية أساسية في تثبيت مفهوم الدولة السودانية نفسها.
وعليه فإن قراءة الواقع من خلال خطاب الكراهية السائد وصمت الدولة عن هذا الخطاب
وصمت النخب السياسية في كل الأطراف، او حديث بعض النخب في تأجيج هذا الخطاب نفسه
هو يتجه في تفسيرات لا تدعم ابدا فرضية أن المواطنة في السودان مبنية على معايير
القانون والدستور. بل يبدو أن الوضعية المواطنية للأفراد والمجموعات في السودان
تعتمد علي معايير ترتبط بالمجموعات الحاكمة والنخب المسيطرة ومصلحتها في الوجود في
السلطة علي حساب اي مواطنة متساوية أو عادلة لكل سكان السودان.
ان تأجيج الصراعات عبر خطاب الكراهية المعتمد على وصف بعض مواطني السودان بأنهم وافدين بل والدعوة إلى أن يخرجوا من بعض المناطق أو يخرجوا من السودان ككل، هذا خطاب مدمر ينذر بكارثة حقيقية. فما لا يدركه أصحاب خطاب الكراهية هذا والصامتين عليه أو مؤيديه عبر الإجماع السكوتي، ما لا يدركه كل هؤلاء أن السودان عبر العقود والقرون الخمسة الماضية لا يمكن تعريفه سوي بأنه أرض الهجرات والوافدين. وإذا اريد لتعريف الوافدين أن يكون عادلا، فإنه تعريف سوف يشمل بالضرورة معظم مواطنين السودان الذين يصفون الآخرين بأنهم وافدين. ولذلك نعود مرة أخرى لسوال المعايير في المواطنة ، من الذي يحددها ومن تخدم؟ أذا كانت تخدم الوطن فإن كل السودانيين المولودين لاب وأم سودانيين فهم مواطنين، اما اذا كانت تخدم مصالح مجموعات معينة متحكمة مهيمنة فإن هذا أمر آخر.
ان تأجيج الصراعات عبر خطاب الكراهية المعتمد على وصف بعض مواطني السودان بأنهم وافدين بل والدعوة إلى أن يخرجوا من بعض المناطق أو يخرجوا من السودان ككل، هذا خطاب مدمر ينذر بكارثة حقيقية. فما لا يدركه أصحاب خطاب الكراهية هذا والصامتين عليه أو مؤيديه عبر الإجماع السكوتي، ما لا يدركه كل هؤلاء أن السودان عبر العقود والقرون الخمسة الماضية لا يمكن تعريفه سوي بأنه أرض الهجرات والوافدين. وإذا اريد لتعريف الوافدين أن يكون عادلا، فإنه تعريف سوف يشمل بالضرورة معظم مواطنين السودان الذين يصفون الآخرين بأنهم وافدين. ولذلك نعود مرة أخرى لسوال المعايير في المواطنة ، من الذي يحددها ومن تخدم؟ أذا كانت تخدم الوطن فإن كل السودانيين المولودين لاب وأم سودانيين فهم مواطنين، اما اذا كانت تخدم مصالح مجموعات معينة متحكمة مهيمنة فإن هذا أمر آخر.
ولذلك فإن الخطر الداهم
يكمن في أن أصحاب خطاب الكراهية لا يدركون حقيقة رئيسية كما يبدو وهي أن هيمنتهم
ورؤيتهم ومعاييرهم لتصنيف السودانيين وافدين في مقابل اولاد بلد أو اغرب وغيرها من
هذه الأوصاف ما عادت صالحة للاستخدام في السودان الان. ليس لأن هيمنتهم قد قلت بل
لأن الآخرين أصبح لهم قدراتهم أيضا لمواجهة التسلط والهيمنة وان وسائل مقاومة اي
انتقاص من الحقوق واي انتزاع للمواطنة في هذا السودان لن تكون مواجهة سهلة.
فالتعليم والانتشار الواسع عبر العالم جعل إمكانيات الصراع حول مثل قضية المواطنة
هذه تحمل أبعاد مختلفة للغاية. لا يبدو أن أصحاب خطاب الكراهية قادرين على قرائتها،
أو ربما هم قادرون لكن يغلب عليهم خوفهم وسوء تقديرهم علي تحكيم العقل والمنطق.
ان محاولات انتزاع مواطنية بعض السودانيين بدعوى انهم وافدين أو التمييز ضد أي مواطن سوداني بسبب انتماء اثني أو قبلي أو جغرافي هو أمر يجب أن يتم انهاؤه فورا، حيث أن نتائج تحريك العدوان والعدوان المضاد سوف يجر السودان الي دائرة من العنف والتدمير لن تكون في مصلحة اي طرف بالتأكيد. ان المستفيد الأول والأخير من خطاب الكراهية المستعمل الان هو النخب الحاكمة هذا النظام الذي يطيل عمره عبر إحراق كل إمكانيات السودان في التوحد ضده يوما ما . ان المؤسف جدا في الوضع الراهن أن السودان يقف في موضع حيث أن الحاكمين ليسوا سوي تجار وسماسرة يقومون ببيع الأراضي السودانية بلا ثمن، وبالتالي فهم لا يقومون بأي دور في حماية المجموعات السكانية المختلفة من أي نزاع بل علي العكس. من أجل مكاسب مالية ضيقة والحقوق علي دعم قبلي معين تقوم الدولة بالانحياز المخزى لمجموعات ضد الأخرى وتغذي الصراعات بشكل كبير لأهداف خفية ومعلومة غايتها هي أن يبقي الحاكمين ولو علي جثث كل السودانين. ان الوضع المضطرب الذي يحدث الآن في مناطق مختلفة من البلاد يحتاج الي وقفة حقيقية من كل الحكماء من أهل السودان. حيث أن خطاب الكراهية سوف يشعل نيران لن يكون هناك سبيل لإخمادها. حيث لن يكون هناك منتصر اما الخاسر فهو كل السودانيين. ان الحفاظ علي أرض السودان أرضا للأمن والاستقرار والكرامة لكل من هاجر إليها، لهو لب هوية هذا البلد وتاريخه العتيق العظيم الذي هو إرث سكان السودان الاصيلين، الذين احتضنوا كل من قدم إليهم ولازالوا وسيظلوا، وبهذا يجب أن نفخر جميعا بارضنا المعطاء. ان اي تضييق علي من استطونوا السودان سوف يتبعه تضييق لأرض السودان نفسه وشرذمته، و كفانا ما حدث من انقسامات، فمتى سيتعلم أصحاب خطاب الكراهية من هذه النخب الأنانية الضيقة الصدر والافق. عليهم أن يعلموا أن السودان كان ولازال واسعا رحبا مرحابا ولن يضيق ابدا على أبنائه كما تضيق صدورهم وعليهم هم أن يرتقوا ويوسعوا من عقولهم وعيهم علهم يستوعبون سعة هذا السودان الواسع المتنوع الكريم.
nawayosman@gmail.com
ان محاولات انتزاع مواطنية بعض السودانيين بدعوى انهم وافدين أو التمييز ضد أي مواطن سوداني بسبب انتماء اثني أو قبلي أو جغرافي هو أمر يجب أن يتم انهاؤه فورا، حيث أن نتائج تحريك العدوان والعدوان المضاد سوف يجر السودان الي دائرة من العنف والتدمير لن تكون في مصلحة اي طرف بالتأكيد. ان المستفيد الأول والأخير من خطاب الكراهية المستعمل الان هو النخب الحاكمة هذا النظام الذي يطيل عمره عبر إحراق كل إمكانيات السودان في التوحد ضده يوما ما . ان المؤسف جدا في الوضع الراهن أن السودان يقف في موضع حيث أن الحاكمين ليسوا سوي تجار وسماسرة يقومون ببيع الأراضي السودانية بلا ثمن، وبالتالي فهم لا يقومون بأي دور في حماية المجموعات السكانية المختلفة من أي نزاع بل علي العكس. من أجل مكاسب مالية ضيقة والحقوق علي دعم قبلي معين تقوم الدولة بالانحياز المخزى لمجموعات ضد الأخرى وتغذي الصراعات بشكل كبير لأهداف خفية ومعلومة غايتها هي أن يبقي الحاكمين ولو علي جثث كل السودانين. ان الوضع المضطرب الذي يحدث الآن في مناطق مختلفة من البلاد يحتاج الي وقفة حقيقية من كل الحكماء من أهل السودان. حيث أن خطاب الكراهية سوف يشعل نيران لن يكون هناك سبيل لإخمادها. حيث لن يكون هناك منتصر اما الخاسر فهو كل السودانيين. ان الحفاظ علي أرض السودان أرضا للأمن والاستقرار والكرامة لكل من هاجر إليها، لهو لب هوية هذا البلد وتاريخه العتيق العظيم الذي هو إرث سكان السودان الاصيلين، الذين احتضنوا كل من قدم إليهم ولازالوا وسيظلوا، وبهذا يجب أن نفخر جميعا بارضنا المعطاء. ان اي تضييق علي من استطونوا السودان سوف يتبعه تضييق لأرض السودان نفسه وشرذمته، و كفانا ما حدث من انقسامات، فمتى سيتعلم أصحاب خطاب الكراهية من هذه النخب الأنانية الضيقة الصدر والافق. عليهم أن يعلموا أن السودان كان ولازال واسعا رحبا مرحابا ولن يضيق ابدا على أبنائه كما تضيق صدورهم وعليهم هم أن يرتقوا ويوسعوا من عقولهم وعيهم علهم يستوعبون سعة هذا السودان الواسع المتنوع الكريم.
nawayosman@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق