بقلم : تاج السر عثمان
تابعنا في الحلقتين الماضيتين صراع الحزب من أجل استقلاله الفكري والسياسي والتنظيمي ، ونتابع في هذه الحلقة تجربة الصراع الفكري من أجل وجود الحزب المستقل وعدم حله وتصفيته أو تذويبه في الأحزاب الاتحادية أو أي كيان آخر.
* في تاريخ الصراع الفكري، راكم الحزب الشيوعي تجربة غنية منذ أول صراع فكري دار في الحزب عام 1947 حول استقلال الحزب ورفضه أن يكون جناحا يساريا داخل الأحزاب الاتحادية " بالفعل انضم بعض المؤسسين للأحزاب الاتحادية مثل : عبد الماجد ابو حسبو، أحمد زين العابدين ، محمد أمين حسين، عبد الوهاب زين العابدين.الخ ، وضد الاتجاه الذي قاده عوض عبد الرازاق الذي قيّد نشاط الحزب المستقل، و دراسة النظرية أولا.
خلص المؤتمر الأول للحزب في أكتوبر 1950 إلي ضرورة ربط العمل الفكري بالعمل الجماهيري واستقلال الحزب في نشاطه بين الجماهير وإعلان موقفه المستقل في كل المسائل من منابره المختلفة،
ورفض المؤتمر اتجاه عوض عبد الرازق الذي كان يقول بدراسة النظرية أولا ، ثم العمل الجماهيري ، علي أن يتواصل نشاط الحزب الشيوعي من داخل الأحزاب الاتحادية.
( أنظر : عباس علي ، الشيوعي 152 ).
بعد المؤتمر الأول وقع الصراع وتم فتح أول مناقشة عامة في تاريخ الحزب، وتم نزول الوثائق لأعضاء الحزب، وبعد انتهاء المناقشة تم المؤتمر الثاني في أكتوبر 1951م، ورفض المؤتمراتجاه عوض عبد الرازاق 1951م الذي كان يري أن حزب الأشقاء هو الحليف الرئيسي وحول النظرية، وعدم الاستعجال في تكوين حزب شيوعي لضعف الطبقة العاملة ، ودراسة الماركسية وترجمتها قبل العمل وسط المزارعين. الخ.
وانعقد المؤتمر الثاني في اكتوبر 1951م، وقفت الأغلبية مع الوجود المستقل للحزب، وأكد أن النظرية ترشد الممارسة والممارسة تغني وتطور النظرية، وأقر المؤتمر أول دستور لتنظيم حياة الحزب الداخلية وتحديد هويته كحزب ماركسي.
وبعد المؤتمر لم تقبل مجموعة عوض عبد الرازق برأي الأغلبية وقللت من أهمية المؤتمر وخرجت في أول انقسام في تاريخ الحزب وكونت تنظيم ( الجمعية الوطنية)، وقررت اللجنة المركزية فصل المنشقين، الا ان التنظيم فشل في تحقيق الشعارات والديمقراطية التي دعي لها ، ولم يستمر وتعرض لانقسامات داخله.
يقول عبد القادر إسماعيل " وجدت أفكار عوض عبد الرازق حدة عالية في النقد الذي قدم لها " ، عبد القادر من التأسيس إلي التجديد مرجع سابق، ص 74. وهذا ليس صحيحا ، فقد تم نشر كل الوثائق للأعضاء في مناقشة عامة، ولم تكن هناك مشكلة في رأي عوض عبد الرازق، لكن بعد قرار المؤتمر لم تواصل مجموعة عوض طرح رأيها داخل الحزب ، بل خرقت القواعد التنظيمية ولجأت إلي التكتل والانقسام.
*بعد انقلاب عبود دار صراع حول التكتيكات حيث رفض الحزب الاتجاهات اليسارية المغامرة التي طرحت الكفاح المسلح، باعتبار ذلك نقل اعمي للتجربة الصينية. كما رفض الحزب الشيوعي السوداني اتجاه الحزب الشيوعي الصيني لفرض نموذجه في السودان، أي رفض النقل الأعمى لتجربة الصين باعتماد الكفاح المسلح الذي كانت تنادي به العناصر اليسارية التي انشقت من الحزب، وكونت الحزب الشيوعي – القيادة الثورية - (مجموعة أحمد شامى ويوسف عبد المجيد...). ونتيجة لدراسة الواقع توصل الحزب الشيوعي السوداني إلي شعار الاضراب السياسي العام في أغسطس 1961م، وثابر الحزب في شرح وتوضيح هذا الشعار بتنشيط العمل الجماهيري ، حتى تمت الإطاحة بديكتاتورية عبود في ثورة اكتوبر 1964م عن طريق الاضراب السياسي والعصيان المدني. ( راجع كتاب ثورة شعب الذي اصدره الحزب الشيوعي عام 1965م الذي حوي سردا رائعا للتراكم النضالي الذي خاضه الحزب مع جماهير شعبنا وقواه السياسية والنقابية حتي تمت الإطاحة بالنظام).
• بعد العنف والهجوم علي الحزب الشيوعي وحله عام 1965 ، برز اتجاه لحل الحزب الشيوعي ورفض الحزب "الانحراف اليميني " عام 1966م، بحل الحزب الشيوعي ودمجه مع قوى اشتراكية سودانية اخرى وتغيير اسم الحزب إلي الحزب الاشتراكي، أي رفض النقل الأعمي لتجربة الحزب الشيوعي المصري، والذي حل نفسه عام 1966م، وذاب في تنظيم السلطة "الاتحاد الاشتراكي".
*المثال الثاني فتح المناقشة العامة بقرار من اللجنة المركزية في أغسطس 1969م بعد الخلاف الذي برز في قيادة الحزب حول طبيعة النظام الجديد، وصدرت وثيقتان للأعضاء : وثيقة عبد الخالق محجوب، ووثيقة معاوية ابراهيم، وبعد المداولات في المكاتب والمناطق الفروع، انعقد المؤتمر التداولي لكادر الحزب في اغسطس 1970م، ووقفت أغلبية المؤتمر مع الوجود المستقل للحزب ورفض ذوبانه في السلطة وحزبها الواحد الذي كان من المزمع قيامه وضد تحويل كادر الحزب إلي موظفين في الدولة. وبعد المؤتمر قللت مجموعة معاوية ابراهيم من أهمية المؤتمر ونتائجه، ولم تقبل برأي الأغلبية وتدافع عن رأيها من داخل الحزب، بل نظمت أكبر انقسام في تاريخ الحزب شمل 12 من أعضاء اللجنة المركزية وعدد من الكادر في المكاتب المركزية ولجنة منطقة كاملة (الجزيرة – عدا زميلين)، وفشلت المجموعة المنقسمة في تكوين حزب أكثر ديمقراطية وتعرضت أيضا لانقسامات داخلها.
* في أغسطس 1991م وبعد فشل التجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا، فتحت اللجنة المركزية مناقشة عامة، وتم تحديد محاورها في دورة ديسمبر 1997م في: أسباب ودروس فشل التجربة الاشتراكية- الماركسية ومستقبل الفكر الاشتراكي – الحزب من حيث: تجديد برنامجه ودستوره واسمه والتقويم الناقد لتجربته.
استمرت المناقشة لفترة 14 عاما حنبا الي جنب مع نضال الحزب ضد نظام الجبهة الإسلامية ، ورغم الانقسام الذي نظمته مجموعة الخاتم عدلان وتكوينها لحركة(حق)، علي أساس أن الماركسية والشيوعية فشلت ،أشار الخاتم إلي ضرورة الاسراع بقيام حزب جديد، باسم جديد يتم الاتفاق عليه، وخلص إلي ضرورة عقد المؤتمر الخامس بعد عام من اصدار وثيقته، وفي حالة تبني المؤتمر الخامس لتصوره: ( يحل الحزب الشيوعي السوداني، وتتكون لجنة تمهيدية، تضم بالإضافة إلي الشيوعيين السابقين عناصر ديمقراطية مؤثرة، وشخصيات وطنية مثقفة، ومناضلة، ويراعي تمثيل الأقليات القومية والعرقية لصياغة برنامج الحزب الجديد ولوائحه، اسمه، ونشر وثائقه التأسيسية)( الشيوعي 157).
ولم ينتظر الخاتم المؤتمر الخامس، وبالفعل، كون الخاتم حزبه الجديد والذي تعرض أيضا للانقسامات ،كغيره من الانقسامات التي تعرض لها الحزب والتي أشرنا لها سابقا (انقسام مجموعة عوض عبد الرازق 1952، ، وانقسام مجموعة معاوية ابراهيم 1970).
وتم انجاز بقية وثائق المؤتمر (التقرير السياسي والبرنامج والدستور وتقرير الكادر والتقرير التنظيمي والمالي) وتم عقد ونجاح المؤتمر. وأكد المؤتمر طبيعة الحزب الطبقية المنحازة للطبقة العاملة والكادحين، ومنهجه الماركسي و أبقي علي اسم الحزب الشيوعي.
الصراع الفكري ضرورة حيوية لتطور الحزب، وتكون نتائجه مثمرة اذا ما تم وفقا للضوابط التي حددها دستور الحزب التي. ويمكن تلخيص تجربة الصراع الفكري في النقاط التالية:
- كل صراع داخل الحزب ما هو الا انعكاس للصراع الطبقي والاجتماعي الدائر في المجتمع.
- عادة ما يخرق المنقسمون قرارات المؤتمر ولا يلتزمون برأي الأغلبية، ولا يواصلون الصراع من داخل الحزب حسب دستوره ، ويتباكون علي الديمقراطية الضائعة في الحزب كمدخل لنشر الفوضي التنظيمية وتقويض مبادئ المركزية الديمقراطية في الحزب التي كرّسها الدستور ، ويقررون تكوين حزب جديد يزعمون أنه سيكون أكثر ديمقراطية وانفتاحا من الحزب الشيوعي، ولكن كما أكدت التجربة لا تستمر هذه الأحزاب وتتعرض لانقسامات "اميبية" ، وفي النهاية تذوب في زوايا النسيان، فلا هم حافظوا علي وحدة حزبهم وعملوا علي اصلاحه بصبر من الداخل ولابنوا شيئا جديدا يفيد جماهير شعبنا.
- نلاحظ أن الانقسامات كانت تتم في لحظات الانعطاف الحرجة في مسار الحزب والتحولات في الأوضاع الداخلية والعالمية مثل: هجوم الإدارة الاستعمارية الشرس علي الحزب الشيوعي بعد نهوض الحركة الجماهيرية والنقابية واشتداد عود النضال ضد الاستعمار ، وفرض قانون النشاط الهدام لمحاربة الشيوعية والتحول نحو الاستقلال عام 1952م، " انقسام 1952". والصراع السوفيتي – الصيني في الحركة الشيوعية العالمية، في ظروف هجوم الديكتاتورية العسكرية علي الحزب الشيوعي " انقسام أغسطس1964م". ومحاولة حل الحزب الشيوعي عام 1966 وتذويبه في قوي اشتراكية باسم الحزب الاشتراكي بعد الهجوم العنيف علي الحزب بعد حله عام 1965 " الانحراف اليميني 1966" ، وانقلاب 25 مايو 1969م وهجوم ديكتاتورية النميري علي الحزب الشيوعي " انقسام 1970". وانهيار التجربة الاشتراكية في بداية تسعينيات القرن الماضي، وهجوم ديكتاتورية الجبهة الإسلامية علي الحزب الشيوعي بهدف اقتلاعه من جذوره " انقسام 1994م".
- تحديد قضايا الصراع من قبل اللجنة المركزية أو الهيئة الحزبية المعينة وكشفها لعضوية الحزب حسب الدستور وفتح مناقشة عامة حولها بموضوعية وبصبر ودون الاستجابة للاستفزازات، واتاحة الفرصة لكل وجهات النظر للتعبير عن رأيها بحرية كاملة، وفي نهاية فترة المناقشة يتم عقد المؤتمر أو الآلية المقترحة لحسم الصراع ، ويكون رأي الأغلبية هو السائد مع التزام الأقلية برأي الأغلبية، والاحتفاظ برأيها والتعبير عنه في قنوات الحزب الداخلية.
- قيادة الصراع الداخلي بحكمة، وعدم اللجوء إلي الإجراءات التنظيمية الا بعد الكشف والشرح والتوضيح ، والا تحل الإجراءات التنظيمية محل الصراع الداخلي، وبعد حسم الصراع لا تتردد القيادة في تطبيق الدستور ضد المنقسمين والمخربين.
- أثناء المناقشة العامة لا يتوقف نشاط الحزب الجماهيري، لأنه في بوتقة النشاط الجماهيري يتم فضح الأفكار الخاطئة لا وسط الحزب وحسب ، بل وسط الجماهير ايضا.
لخص دستور الحزب تجربة المناقشة العامة والصراع الفكري والذي يقوم علي المبادىء التالية : تقوم علي المبادىء لا الأشخاص، ويبتعد عن الحدة والمرارة، ويقوم علي التوضيح المنطقي للحقائق والأفكار، وفي حالة النزاع يتم فتح مناقشة عامة تحدد اللجنة المركزية قضاياها وفترتها الزمنية، وتحدد الهيئة المناسبة لحسمها(مؤتمر..الخ) ويصبح رأي الأغلبية هو السائد مع احتفاظ الأقلية برأيها، وأن يكون الصراع مكشوفا للأعضاء وبعيدا عن التكتلات.
تلك هي المبادىء التي نظمت الصراع الفكري باعتباره ضرورة حيوية لتطور الحزب، وباعتبار أن الصراع داخل الحزب لا ينفصل عن الصراع الطبقي والاجتماعي الدائر في المجتمع
تابعنا في الحلقتين الماضيتين صراع الحزب من أجل استقلاله الفكري والسياسي والتنظيمي ، ونتابع في هذه الحلقة تجربة الصراع الفكري من أجل وجود الحزب المستقل وعدم حله وتصفيته أو تذويبه في الأحزاب الاتحادية أو أي كيان آخر.
* في تاريخ الصراع الفكري، راكم الحزب الشيوعي تجربة غنية منذ أول صراع فكري دار في الحزب عام 1947 حول استقلال الحزب ورفضه أن يكون جناحا يساريا داخل الأحزاب الاتحادية " بالفعل انضم بعض المؤسسين للأحزاب الاتحادية مثل : عبد الماجد ابو حسبو، أحمد زين العابدين ، محمد أمين حسين، عبد الوهاب زين العابدين.الخ ، وضد الاتجاه الذي قاده عوض عبد الرازاق الذي قيّد نشاط الحزب المستقل، و دراسة النظرية أولا.
خلص المؤتمر الأول للحزب في أكتوبر 1950 إلي ضرورة ربط العمل الفكري بالعمل الجماهيري واستقلال الحزب في نشاطه بين الجماهير وإعلان موقفه المستقل في كل المسائل من منابره المختلفة،
ورفض المؤتمر اتجاه عوض عبد الرازق الذي كان يقول بدراسة النظرية أولا ، ثم العمل الجماهيري ، علي أن يتواصل نشاط الحزب الشيوعي من داخل الأحزاب الاتحادية.
( أنظر : عباس علي ، الشيوعي 152 ).
بعد المؤتمر الأول وقع الصراع وتم فتح أول مناقشة عامة في تاريخ الحزب، وتم نزول الوثائق لأعضاء الحزب، وبعد انتهاء المناقشة تم المؤتمر الثاني في أكتوبر 1951م، ورفض المؤتمراتجاه عوض عبد الرازاق 1951م الذي كان يري أن حزب الأشقاء هو الحليف الرئيسي وحول النظرية، وعدم الاستعجال في تكوين حزب شيوعي لضعف الطبقة العاملة ، ودراسة الماركسية وترجمتها قبل العمل وسط المزارعين. الخ.
وانعقد المؤتمر الثاني في اكتوبر 1951م، وقفت الأغلبية مع الوجود المستقل للحزب، وأكد أن النظرية ترشد الممارسة والممارسة تغني وتطور النظرية، وأقر المؤتمر أول دستور لتنظيم حياة الحزب الداخلية وتحديد هويته كحزب ماركسي.
وبعد المؤتمر لم تقبل مجموعة عوض عبد الرازق برأي الأغلبية وقللت من أهمية المؤتمر وخرجت في أول انقسام في تاريخ الحزب وكونت تنظيم ( الجمعية الوطنية)، وقررت اللجنة المركزية فصل المنشقين، الا ان التنظيم فشل في تحقيق الشعارات والديمقراطية التي دعي لها ، ولم يستمر وتعرض لانقسامات داخله.
يقول عبد القادر إسماعيل " وجدت أفكار عوض عبد الرازق حدة عالية في النقد الذي قدم لها " ، عبد القادر من التأسيس إلي التجديد مرجع سابق، ص 74. وهذا ليس صحيحا ، فقد تم نشر كل الوثائق للأعضاء في مناقشة عامة، ولم تكن هناك مشكلة في رأي عوض عبد الرازق، لكن بعد قرار المؤتمر لم تواصل مجموعة عوض طرح رأيها داخل الحزب ، بل خرقت القواعد التنظيمية ولجأت إلي التكتل والانقسام.
*بعد انقلاب عبود دار صراع حول التكتيكات حيث رفض الحزب الاتجاهات اليسارية المغامرة التي طرحت الكفاح المسلح، باعتبار ذلك نقل اعمي للتجربة الصينية. كما رفض الحزب الشيوعي السوداني اتجاه الحزب الشيوعي الصيني لفرض نموذجه في السودان، أي رفض النقل الأعمى لتجربة الصين باعتماد الكفاح المسلح الذي كانت تنادي به العناصر اليسارية التي انشقت من الحزب، وكونت الحزب الشيوعي – القيادة الثورية - (مجموعة أحمد شامى ويوسف عبد المجيد...). ونتيجة لدراسة الواقع توصل الحزب الشيوعي السوداني إلي شعار الاضراب السياسي العام في أغسطس 1961م، وثابر الحزب في شرح وتوضيح هذا الشعار بتنشيط العمل الجماهيري ، حتى تمت الإطاحة بديكتاتورية عبود في ثورة اكتوبر 1964م عن طريق الاضراب السياسي والعصيان المدني. ( راجع كتاب ثورة شعب الذي اصدره الحزب الشيوعي عام 1965م الذي حوي سردا رائعا للتراكم النضالي الذي خاضه الحزب مع جماهير شعبنا وقواه السياسية والنقابية حتي تمت الإطاحة بالنظام).
• بعد العنف والهجوم علي الحزب الشيوعي وحله عام 1965 ، برز اتجاه لحل الحزب الشيوعي ورفض الحزب "الانحراف اليميني " عام 1966م، بحل الحزب الشيوعي ودمجه مع قوى اشتراكية سودانية اخرى وتغيير اسم الحزب إلي الحزب الاشتراكي، أي رفض النقل الأعمي لتجربة الحزب الشيوعي المصري، والذي حل نفسه عام 1966م، وذاب في تنظيم السلطة "الاتحاد الاشتراكي".
*المثال الثاني فتح المناقشة العامة بقرار من اللجنة المركزية في أغسطس 1969م بعد الخلاف الذي برز في قيادة الحزب حول طبيعة النظام الجديد، وصدرت وثيقتان للأعضاء : وثيقة عبد الخالق محجوب، ووثيقة معاوية ابراهيم، وبعد المداولات في المكاتب والمناطق الفروع، انعقد المؤتمر التداولي لكادر الحزب في اغسطس 1970م، ووقفت أغلبية المؤتمر مع الوجود المستقل للحزب ورفض ذوبانه في السلطة وحزبها الواحد الذي كان من المزمع قيامه وضد تحويل كادر الحزب إلي موظفين في الدولة. وبعد المؤتمر قللت مجموعة معاوية ابراهيم من أهمية المؤتمر ونتائجه، ولم تقبل برأي الأغلبية وتدافع عن رأيها من داخل الحزب، بل نظمت أكبر انقسام في تاريخ الحزب شمل 12 من أعضاء اللجنة المركزية وعدد من الكادر في المكاتب المركزية ولجنة منطقة كاملة (الجزيرة – عدا زميلين)، وفشلت المجموعة المنقسمة في تكوين حزب أكثر ديمقراطية وتعرضت أيضا لانقسامات داخلها.
* في أغسطس 1991م وبعد فشل التجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا، فتحت اللجنة المركزية مناقشة عامة، وتم تحديد محاورها في دورة ديسمبر 1997م في: أسباب ودروس فشل التجربة الاشتراكية- الماركسية ومستقبل الفكر الاشتراكي – الحزب من حيث: تجديد برنامجه ودستوره واسمه والتقويم الناقد لتجربته.
استمرت المناقشة لفترة 14 عاما حنبا الي جنب مع نضال الحزب ضد نظام الجبهة الإسلامية ، ورغم الانقسام الذي نظمته مجموعة الخاتم عدلان وتكوينها لحركة(حق)، علي أساس أن الماركسية والشيوعية فشلت ،أشار الخاتم إلي ضرورة الاسراع بقيام حزب جديد، باسم جديد يتم الاتفاق عليه، وخلص إلي ضرورة عقد المؤتمر الخامس بعد عام من اصدار وثيقته، وفي حالة تبني المؤتمر الخامس لتصوره: ( يحل الحزب الشيوعي السوداني، وتتكون لجنة تمهيدية، تضم بالإضافة إلي الشيوعيين السابقين عناصر ديمقراطية مؤثرة، وشخصيات وطنية مثقفة، ومناضلة، ويراعي تمثيل الأقليات القومية والعرقية لصياغة برنامج الحزب الجديد ولوائحه، اسمه، ونشر وثائقه التأسيسية)( الشيوعي 157).
ولم ينتظر الخاتم المؤتمر الخامس، وبالفعل، كون الخاتم حزبه الجديد والذي تعرض أيضا للانقسامات ،كغيره من الانقسامات التي تعرض لها الحزب والتي أشرنا لها سابقا (انقسام مجموعة عوض عبد الرازق 1952، ، وانقسام مجموعة معاوية ابراهيم 1970).
وتم انجاز بقية وثائق المؤتمر (التقرير السياسي والبرنامج والدستور وتقرير الكادر والتقرير التنظيمي والمالي) وتم عقد ونجاح المؤتمر. وأكد المؤتمر طبيعة الحزب الطبقية المنحازة للطبقة العاملة والكادحين، ومنهجه الماركسي و أبقي علي اسم الحزب الشيوعي.
الصراع الفكري ضرورة حيوية لتطور الحزب، وتكون نتائجه مثمرة اذا ما تم وفقا للضوابط التي حددها دستور الحزب التي. ويمكن تلخيص تجربة الصراع الفكري في النقاط التالية:
- كل صراع داخل الحزب ما هو الا انعكاس للصراع الطبقي والاجتماعي الدائر في المجتمع.
- عادة ما يخرق المنقسمون قرارات المؤتمر ولا يلتزمون برأي الأغلبية، ولا يواصلون الصراع من داخل الحزب حسب دستوره ، ويتباكون علي الديمقراطية الضائعة في الحزب كمدخل لنشر الفوضي التنظيمية وتقويض مبادئ المركزية الديمقراطية في الحزب التي كرّسها الدستور ، ويقررون تكوين حزب جديد يزعمون أنه سيكون أكثر ديمقراطية وانفتاحا من الحزب الشيوعي، ولكن كما أكدت التجربة لا تستمر هذه الأحزاب وتتعرض لانقسامات "اميبية" ، وفي النهاية تذوب في زوايا النسيان، فلا هم حافظوا علي وحدة حزبهم وعملوا علي اصلاحه بصبر من الداخل ولابنوا شيئا جديدا يفيد جماهير شعبنا.
- نلاحظ أن الانقسامات كانت تتم في لحظات الانعطاف الحرجة في مسار الحزب والتحولات في الأوضاع الداخلية والعالمية مثل: هجوم الإدارة الاستعمارية الشرس علي الحزب الشيوعي بعد نهوض الحركة الجماهيرية والنقابية واشتداد عود النضال ضد الاستعمار ، وفرض قانون النشاط الهدام لمحاربة الشيوعية والتحول نحو الاستقلال عام 1952م، " انقسام 1952". والصراع السوفيتي – الصيني في الحركة الشيوعية العالمية، في ظروف هجوم الديكتاتورية العسكرية علي الحزب الشيوعي " انقسام أغسطس1964م". ومحاولة حل الحزب الشيوعي عام 1966 وتذويبه في قوي اشتراكية باسم الحزب الاشتراكي بعد الهجوم العنيف علي الحزب بعد حله عام 1965 " الانحراف اليميني 1966" ، وانقلاب 25 مايو 1969م وهجوم ديكتاتورية النميري علي الحزب الشيوعي " انقسام 1970". وانهيار التجربة الاشتراكية في بداية تسعينيات القرن الماضي، وهجوم ديكتاتورية الجبهة الإسلامية علي الحزب الشيوعي بهدف اقتلاعه من جذوره " انقسام 1994م".
- تحديد قضايا الصراع من قبل اللجنة المركزية أو الهيئة الحزبية المعينة وكشفها لعضوية الحزب حسب الدستور وفتح مناقشة عامة حولها بموضوعية وبصبر ودون الاستجابة للاستفزازات، واتاحة الفرصة لكل وجهات النظر للتعبير عن رأيها بحرية كاملة، وفي نهاية فترة المناقشة يتم عقد المؤتمر أو الآلية المقترحة لحسم الصراع ، ويكون رأي الأغلبية هو السائد مع التزام الأقلية برأي الأغلبية، والاحتفاظ برأيها والتعبير عنه في قنوات الحزب الداخلية.
- قيادة الصراع الداخلي بحكمة، وعدم اللجوء إلي الإجراءات التنظيمية الا بعد الكشف والشرح والتوضيح ، والا تحل الإجراءات التنظيمية محل الصراع الداخلي، وبعد حسم الصراع لا تتردد القيادة في تطبيق الدستور ضد المنقسمين والمخربين.
- أثناء المناقشة العامة لا يتوقف نشاط الحزب الجماهيري، لأنه في بوتقة النشاط الجماهيري يتم فضح الأفكار الخاطئة لا وسط الحزب وحسب ، بل وسط الجماهير ايضا.
لخص دستور الحزب تجربة المناقشة العامة والصراع الفكري والذي يقوم علي المبادىء التالية : تقوم علي المبادىء لا الأشخاص، ويبتعد عن الحدة والمرارة، ويقوم علي التوضيح المنطقي للحقائق والأفكار، وفي حالة النزاع يتم فتح مناقشة عامة تحدد اللجنة المركزية قضاياها وفترتها الزمنية، وتحدد الهيئة المناسبة لحسمها(مؤتمر..الخ) ويصبح رأي الأغلبية هو السائد مع احتفاظ الأقلية برأيها، وأن يكون الصراع مكشوفا للأعضاء وبعيدا عن التكتلات.
تلك هي المبادىء التي نظمت الصراع الفكري باعتباره ضرورة حيوية لتطور الحزب، وباعتبار أن الصراع داخل الحزب لا ينفصل عن الصراع الطبقي والاجتماعي الدائر في المجتمع
0 comments:
إرسال تعليق