المبادرة السودانية لمواجهة التطرف/ جولة جديدة لافتراءات التكفير

المجموعة السودانية للديمقراطية اولا
المبادرة السودانية لمواجهة التطرف
جولة جديدة لافتراءات التكفير
نوفمبر 2018
في 5 نوفمبر الجاري، وفي منتدى هيئة الأعمال الفكرية بالخرطوم قدم محاضرٌ في عدد من الجامعات هو الدكتور محمد وقيع الله، ورقة بعنوان (هل ثمة إلحاد في السودان؟) ومع إنكاره لتنامي ظاهرة الإلحاد في البلاد وزّع وَصْمَ الإلحادِ الصريح على المسرحي والناقد الأستاذ السر السيد والكاتب الصحفي الأستاذ بابكر فيصل، وقال إن كتابات المفكر الأستاذ المحبوب عبد السلام والدكتور محمد مجذوب تؤدي للإلحاد، في حين وجه سؤالاً تقريرياً بحق الكاتب الصحفي الأستاذ محمد وداعة يفيد بإلحاده، وفقما ورد في تقارير مختلفة. وفي تعقيب على رئيس الهيئة الأستاذ محمد الواثق أبو زيد الذي تبرأ من ذلكم الخطاب التكفيري البائس، ضمه المحاضر المذكور إلى من سماهم "قبيله من الملحدين والشيوعيين والحداثيين وأشباههم"، جاعلاً هذه التسميات مترادفة، وآثمة في آن، الأمر الذي يطيح بأي أساس لحرية الفكر والتنظيم، والتعددية الحزبية، والتعايش السلمي تحت ظلال المواطنة المتساوية في البلاد.
وفي سبتمبر 2018م تعالت صيحات التكفير والتخوين والتهديد بالقتل بحق شابات، على رأسهن الآنسة وئام شوقي، تصدين  لمنطق رئيس هيئة علماء السودان الغريب فيما يخص بالعنف ضد النساء في حلقة برنامج "شباب توك"، وطالت التهديدات معدي البرنامج والقائمين على فضائية سودانية 24.  ثم الحملة الجائرة ضد الفنانة منى مجدي في أكتوبر 2018م، وكلها معارك فكرية أعمل فيها ظلاميون سياط عقيدة عمياء لا تمت للإسلام بصلة بقدر ما تمت لمحاكم تفتيش الضمير في سياق ديني متزمت بعيد عن جوهر الدين، وقريب من استغلاله لخدمة المرامي السلطوية.
إن تنامي موجة التكفير والتنابذ على أسس عقدية وحزبية ينذر بولوج البلاد مرحلة جديدة وربما تكون أشد من سابقاتها، من العنف الذى يتلبس بالدين ويفترى على الخصوم بالتكفير.
لقد ذاقت بلادنا والمنطقة ويلات عظيمة على يد الظلاميين والداعشيين بل وذاق العالم بؤس هذا المنطق الظلامي الدموي. لقد شهدنا على مدى ثلاثة عقود شعار الدولة الدموية الذي يلهج به مسؤولون من على المنابر: فليدم للدين مجده أو ترق منهم دماء، أو ترق منا دماء، أو ترق كل الدماء! وتحت نيره شهدنا فتاوى متعاقبة من هيئة علماء السودان ومن الرابطة الشرعية لعلماء السودان، وهما مؤسستان نشطتا في تكفير الأشخاص والأفكار على السواء خدمة للسلطة، بما طال كثيراً من المفكرين والفنانين والمثقفين والساسة والأحزاب والكيانات، في هوجات تأخذ بخناق بعضها، فى تتال مرعب منذ مقتل 51 مصلياً في حادثة الثورة الحارة الأولى، 13 فبراير 1994م، ثم حادثة الجرافة بمقتل عشرين مصلياً للتراويح في رمضان يوم 9 ديسمبر 2000، ثم مقتل الأستاذ محمد طه محمد أحمد ليل الثلاثاء 5 سبتمبر 2006م، وغيرها من أحداث فتلتها ذراعان آثمتان: ذراع السعي السلطوي لإصمات وترهيب المعارضين، وذراع خادمة للأولى تنشط في إصدار فتاوى بالتكفير والزيغ العقدي يمنة ويسرة وتتعضد بواقع قانوني فيه المادة 126 من القانون الجنائي، التي تعاقب على الردة بالقتل.
إننا ندين وبشدة الخطاب التكفيري والتخويني ونشجب بأقوى صورة التحريض على أرباب الأفكار ونعتبره جريمة كبرى في حق المجتمع وفي حق الإنسانية، ونعلن كامل تضامننا مع الأساتذة المحبوب عبد السلام والسر السيد وبابكر فيصل ومحمد مجذوب ومحمد وداعة، كما نعلن وقوفنا الصلد مع أي اتجاه يتخذ برفع دعوى قانونية لردع التطاول والاستهانة بالقذف في العقيدة والتحريض على العنف.
ونؤكد على أن خطورة هذه الهوجة في مدها الجديد لا يكمن فقط في ما صحبها من تحريض للتيارات السلفية للتصدي، ما يعني إهراق دم المفكرين المذكورين. بل لأنها هوجة تتناغم مع استشراء التطرف العنيف كثقافة وسط قطاعات كبيرة من الشباب، حتى تمكن إقليمياً وأقام دويلات. والأخطر من ذلك في الإطار السوداني أنها تأتي في وقت أمسكت الأزمات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية بتلابيب النظام، وتكاثرت الانشقاقات داخل صفوفه فجعل يرد مستنقع التكفير في كل مرة أراد فيها حسم خلاف داخلي على السلطة، أو تهدئة أسئلة تياراته الشبابية الملحة، أو تخويف المعارضين وتخذيل حملات التعاضد مع الناشطين في مواجهة الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان. فلا يخفى على أحد ما قام به بعض الأساتذة المذكورين من تعرية للخطاب الظلامي على أسس دينية، وجعله يسير على غير قدم إسلامية مزعومة، بل أفلحوا في تفسيره كمحض سلطة وفساد واستبداد.
إن المبادرة السودانية لمواجهة التطرف، وهي بمثابة مولد جديد لمبادرات شبيهة سابقة مثل الحركة من أجل حرية الضمير، والحملة من أجل حرية التعبير، تقرع الأجراس بقوة للتصدي لهذه الهوجة العمياء. وسوف تعمل على  اتخاذ كافة الوسائل الإعلامية لتبصير المواطنين بحالة التطرف ووسائل مواجهته، والوسائل الحركية الأخرى التي تعلن رفض الدعم الرسمي لأبواق التطرف العنيف، وتضغط على المؤسسات الرسمية حاثة على تطوير مناهج وإدارات التعليم وسياسات الإعلام والشؤون الدينية، وإصلاح القوانين خاصة الجنائي بحذف مادة الردة، وإلغاء قانون النظام العام وكلها آليات قانونية استخدمت لأغراض سياسية مفضوحة لا دخل للعقيدة ولا للدين بها، أججت المشاعر الدينية ودفعت دفعاً نحو التطرف والعنف.
إن غايتنا المنشودة هي محاصرة ظلام التطرف العنيف وتجفيفه من على منابر المساجد، ووسائل الإعلام، ومؤسسات التعليم في مختلف مراحلها، وإحلاله بخطاب ديني مستنير يضيء للأجيال الصاعدة أسس المواطنة السليمة المتساوية، ويمنع التمييز على أساس الدين والنوع والعرق والمذهب والولاء السياسي والأصل الاجتماعي، ويتيح حرية الضمير والتعبير، ويجرّم الخطاب التكفيري ويعاقب عليه أشد العقوبات، لما يفتحه من باب فتن دموية تطيح باستقرار البلاد، وتفجرها نوافير تريق كما الشعار: كل الدماء.
إننا نتوجه بندائنا لجماهير شعبنا وللقوى المستنيرة كافة، وللحريصين على أمن وسلام المجتمع بل تماسكه وبقائه أن ينتبهوا لهوس الظلاميين وانفصامهم الذى لا يهدأ إلاعلى أنقاض الدمار الشامل لقيمنا الأصيلة فى قبول التعدد، واحترام الخلاف، والتسامح والعفو والصفح، التى تعبر عن جوهر قيم الدين ومبادئه، وأن يتصدوا بالعمل الجاد لمحاولات القمع والإرهاب الفكرى وتفتيش الضمير.
المبادرة السودانية لمواجهة التطرف
Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق