سرى للغاية : فضح وهم السيطرة ولااخلاقية النظام في التسريبات حول مفاوضات المنطقتين

بقلم عثمان نواى
يجب التأكيد اولا على أنه يتجلي معظم الصراع السياسي في تاريخ السودان الحديث فى حقيقة أن الحقوق تنتزع ولا تعطى، ولذلك لا حق تقرير المصير ولا اى حق اخر اقل منه في الحكم الذاتي او حتى حقوق المواطنة هى منحة او عطية يمكن ان يعطيها النظام الحاكم في المركز متى وكيف شاء وبشروطه هو. فلاهل جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق حق فى هذا السودان كله مثل بقية اهل السودان، ولذلك فإنه لا ينبغى لهذه الشعوب المطالبة بما هو حق لها اصلا، عليها فقط انتزاعه ممن سلبه منها. فأنت تطلب ما ليس ملك لك ممن يملكه، لكن واقع الأمر ان المواطنة الكاملة فى السودان هى حق مملوك لكل السودانيين وأولهم اهل مناطق الصراعات. ولذلك فإن اطار التفكير في حقوق هذه الشعوب يجب ان لا ينطلق من المطالبة بل من وضع إستراتيجيات انتزاع تلك الحقوق واستردادها ومحاسبة من سلبوها. و من هنا يبدأ زعزعة الموقع النفسي والذهنى للنظام الحاكم الذى يعتقد انه يمتلك الحق في اعطاء او منع اهل مناطق الصراع من حقوقهم. فى حين ان الحقيقة انهم ليسوا سوى لصوص سلبوا ما ليس لهم وورثوا نظام حكم منذ الاستقلال ظل ينطلق من منصة خاطئة معتقدا انه يملك السودان وحده وبالتالى يمكنه منح المختلفين معه حق البقاء او الانفصال. ولكن هذا المنظور هو منظور واهم وهو فقط استراتيجية سيطرة ذهنية، الهدف منها إيهام أهل الهامش انهم تحت رحمة الحاكمين في المركز الذين سلبوا حقوقهم. ولذلك أية حقوق يعطيها هؤلاء لاهل الهامش ما هى الا فى اطار عطاء من لا يملك، رغم ان اهل الهامش مستحقين لهذه الحقوق لكنهم ان قبلوها كعطايا فإنهم يقبلون وهم السيطرة الكلية عليهم من هؤلاء الملاك الوهميين.
وفى التسريبات الأخيرة فضح نظام الكيزان لا اخلاقيته الفجة فى حواره الداخلى المسرب حول التفاوض وخيارات السلام فى المنطقتين. وأى كان الذى قام بالتسريب أو أى كان من ورائه، فإن السمة العامة في هذا التسريب هو لا أخلاقية النظام التى تحدث قادته بكل وضوح عن أساليب رخيصة في النظر إلى قضايا السودان المصيرية والتى استشهد وقتل واغتصب بسببها ملايين السودانيين. وان كان هناك ما توضحه هذه التسريبات، فهو أن الخطر الأكبر على مصير السودان ارضا وشعبا هو نظام الكيزان وعصابات المؤتمر الوطني. فقد أوردت التسريبات المنشورة على وسائط عديدة الحوار داخل النظام حول استراتيجية التفاوض لحل أزمة الصراع في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور. ومن ضمن المجتمعين الرئيس البشير والنائب المسؤول عن التفاوض فيصل إضافة إلى صلاح قوش وإبراهيم أحمد عمر وآخرين.
والحقيقة أن هذه التسريبات بغض النظر عن أسئلة لماذا وكيف سربت، هى ليست بعيدة ابدا عن خارطة تفكير واستراتيجية نظام الإبادة الجماعية. حيث أن الكذب والتدليس وفقه المصلحة والخديعة هى الآليات التى يعتمد عليها هذا النظام الكيزانى الإخوانى في حل أزمات السودان. اى استهتار هذا بأرواح البشر ومصير الوطن.؟ وان المرء قلبه يدمى لحقيقة أن هؤلاء يديرون الدولة السودانية وان العالم يعترف بهم كحكام في يدهم الحل والربط فى شأن هذا الوطن المكلوم. فكيف يمكن الوصول إلى اتفاق حقيقى أو حل سياسي جذرى للأزمة في السودان مع هؤلاء المخادعين الكذابين. وبكل بجاحة يتحدثون عن أن الحركة الشعبية هى مهدد للأمن القومي السوداني، بينما الحقيقة هى انهم هم المهدد الأكبر للأمن القومى للسودان وشعبه . فهم الذين يقومون بسياسة الإبادة والتمييز والعنصرية وهم الذين يسوقون البلاد إلى تقسيم بعد الاخر بدون حمل هم حقيقي لوجود السودان نفسه ناهيك عن وحدته. فالحركة الإسلامية الإخوانية لا يعنيها السودان كارض وسيادة الا كمنطقة نفوذ ومنصة انطلاق لقيام الدولة الإسلامية والخلافة ولهذا لا يهمهم اى قدر من التقسيم والتفتت قد يحدث في السودان.
ان سياسة الامر الواقع واللعب بالزمن وعقد الصفقات المشبوهة لأجل الاستمرار في الحكم هو الاستراتيجية الوحيدة التى ضمنت استمرار الكيزان. وقطع الطريق عليهم يبدأ من فهم وتعطيل وإفشال هذه الاستراتيجية فى كل القضايا وليس فقط التفاوض على السلام. وأنه من المؤسف أن يكون مصير الدولة السودانية معلق بأيدي هؤلاء السماسرة المجرمين تجار الدين. فهم يصنعون كافة الأرضيات والبيئة الطاردة لكى تجعل المسارات كلها فى اتجاه التخلص من مناطق الصراع الاثنى الثقافى في السودان ،وليس فى اتجاه استيعاب هذه المناطق في الدولة السودانية كجزء اصيل من الوطن . ولذلك فإن النظام الوحيد الذي فصل السودان وبكل برود هو هذا النظام وهو على استعداد تام ليقسم السودان كله ويبيعه بالكيمان، فقط إذا ضمن المقابل. صفقة انفصال الجنوب تضمنت البترول ووعود حماية البشير من الجنائية ورفع العقوبات، الان الصفقة لا تخلو من الذهب ووعود إنهاء إى ملاحقة وطى الجنائية الدولية ملف البشير مع ضمان الرفع من قوائم الإرهاب وتقديم الدعم والعون للاقتصاد المنهار. ليس لأجل الوطن ولكن لضمان بقاء دويلة الإخوان المسلمين فى السودان.
ولذلك تغيب عن نوايا وخطط عمل النظام اى مصداقية أو أى مبدئية أو حتى قيم العمل السياسي المتعارف عليها، خاصة في ظل الأزمات الهيكلية البنيوية العميقة التى يعانى منها السودان. ولايبقى اى مساحة حقيقية واقعية للعمل على إيجاد حلول تكافئ مقدار التحديات التى تواجه البلاد. ولذلك فإن هذه التسريبات إنما تؤكد على أن إسقاط وكنس هذا النظام هو بداية التغيير الجذري. حيث أن الوطن لا يمكن بناؤه على اتفاقات مع الخونة والمجرمين والمخادعين. والحقيقة التى لا شك فيها إن اى اتفاق مع هذا النظام سيكون مؤقت ومرحلى ولن يكون هو كاتفاق في حد ذاته هو بداية التغيير أو حتى الحل بل سيكون أشبه بهدنة بين الحربين، وليس اتفاق سلام مستدام وحقيقي يحل الأزمات ويحقق العدالة ويقرر شكل المستقبل. وهذا ما حدث في نيفاشا وما حدث للجنوب هو مثال ليس على فشل اتفاق سلام، بل على نجاح هدنة مؤقتة بين حربين، ونجاح اتفاق هدنة لتنفيذ الانفصال وليس لحل أزمة الجنوب ناهيك عن أزمات السودان كله، حيث أن اتفاق نبفاشا في الواقع هو اتفاق فى الاصل مصمم لوصول الجنوب للانفصال وليس لوصول السودان إلى السلام او حل أزمات السودان في الهامش او المركز . حيث انه فى ظل نظام الكيزان لا يمكن أبدا حل أزمات السودان. ولا يمكن لهم أن يكونوا شركاء في حلها، لأنهم هم يمثلون الدرجة القصوى من التطور التاريخي لنظم الحكم التى صنعت الأزمات نفسها وبالتالى من غير المعقول أن تكون هى جزء من الحل. ولذلك يجب أن لا يتم إعطاء النظام الشرعية والاحقية في وضع أجندة الحل لأنه ليس جزءا منه ولا يجب أن يكون . ان الوصول إلى هدنة بين الحربين ليس هو الهدف لاهل مناطق الصراع ، ولكنه ربما يكون حوجة المرحلة، لأن الصراع لن تحله حكومة الكيزان، لكنها لأنها هى أيضا تلعب لعبة الوقت فعلى الأطراف الأخرى لعب نفس اللعبة. وفى حالة الوصول لاتفاق فإن أهم بنوده يجب أن تسمح بالعمل على إعداد أدوات جديدة لخوض الصراع نفسه من ميادين أخرى وأسلحة أخرى قد لا يكون السلاح فيها البندقية فقط بل القلم والكيبورد والثقافة والفنون والآداب والأفكار هى التى تسهم في صراع المستقبل جنبا إلى جنب مع البندقية والتى ربما تقف قليلا، لكنها لاتزال وسيلة مقاومة مشروعة اعترف العالم كله بها كجزء من اعترافه بحق شعوب الهامش في النضال لانتزاع حقوقها. ومن هنا نعود لنقطة بداية المقال بالتأكيد على ان الحقوق يجب ان تنتزع، ولذلك فان التسريبات انما توضح بشكل فاضح وهم الطغمة الحاكمة، ولذلك فإن قوى الهامش على عاتقها الصمود وكشف أوهام هؤلاء والانتصار عليهم فى ملعب التفاوض يبدأ من مربع تكسير مواقع سيطرتهم الذهنية، كما ذكرنا بنزع وكشف وهمهم في أنهم هم لديهم القدرة على اعطاء اهل الهامش اى حقوق، وما يقدم على طاولة التفاوض لا يجل ان يسمى مطالب بل هى مستحقات واجبة السداد ومسروقات واجبة الاسترداد، لذلك يجب وضع هؤلاء اللصوص دوما في مكانهم الطبيعي ومعاملتهم بناء على ذلك . 
رابط التسريبات
Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق