عثمان نواي
خاضت القوى المتبنية للتغيير في السودان خاصة عن طريق الانتفاضة
الشعبية السلمية معركة وجدل محتدم مع النظام حول "سؤال من البديل" كما
وضعه اعضاء الحزب الحاكم. والأمر المؤسف اولا هو ان هذا السؤال فى حد ذاته فخ
كبير، فالنظام من جهة أصبح هو الذى يدير التوجه فى النقاش حول جدوى التغيير نفسه
عبر طرح هذا التساؤل ومن ثم جر القوى المعارضة لمحاولة الإجابة عليه واستسلام تلك
القوى لهذا التوجه هو الكارثة التى توضح مدى هشاشتها . ومن المؤسف اكثر هو قلة
معرفة هذه القوى السياسية والنخب القائدة لها بهذا الشعب وباحتياجاته ومطالبه
الحقيقية. وبالتالى انجرت المعارضة للإجابة على سؤال لم يطرحه الشعب بل كان مجرد
لعبة جدل كلامية من قبل النظام، هذا لا ينفى ان بعض من الناس وقعوا في حبائل لعبة
النظام وأصبحوا يطرحون هذا السؤال نيابة عنه، ولكن ما أقلهم.
ولكن يبدو ان المعارضة في مغبة التيه التى تعيشها وفشلها فى قيادة
الجماهير إلى الشارع مستعدة لتبرير مواقفها وإيجاد إجابات لهذا الفشل ولو عبر
اسئلة وهمية مصنعة من النظام نفسه لافشالها. فى نفس الوقت فإن عدم معرفة النخب
السياسية بنبض الشعب السوداني جعلته يستخف بذكاء هذا الشعب، الذى له تاريخ فى الانتفاضات
السلمية وتجربة مع فشل النخب السياسية ذاتها التي تطرح نفسها لقيادة مرحلة ما بعد
الكيزان. ولذلك ،فإن سؤال الشعب السوداني لم يكن ابدا حول من البديل للكيزان، ولكن
السؤال هو ماهى الحلول لازمات البلاد المزمنة. تلك الأزمات التى صنع الكيزان
بعضها، ولكن بالتأكيد ليس كلها. فاهم مشاكل السودان وهى الحروب الأهلية مثلا ،
بدأت ما قبل الاستقلال. واما الأزمات الاقتصادية، فإن السودان لم يمر ابدا بمرحلة
تنمية وازدهار حقيقى بعد خروج المستعمر. وحتى ظاهرة الصفوف الحالية يعلم الجميع ان
الكيزان أنفسهم قاموا بالانقلاب بحجة إنهاء أزمات الرغيف والوقود والدولار. اذن
الشعب السوداني المسيس والمثقف بامتياز، يعلم جيدا ان سؤاله ليس حول البديل. لان
الأمر لا يتعلق بتبديل أشخاص مكان آخرين ولكنهم لن يحلوا شيئا، فهذه تجربة مر بها
السودان من قبل مرتين وانتهت بفوز الكيزان بالحكم .
وللأسف الشديد ان المعارضة السودانية تطرح نفسها على أساس أنها البديل الذى يمسك مكان النظام، وتتنافس وتختلف على ذلك، لكنها لم تستطيع ابدا والى الآن، طرح نفسها على انها الحلول لازمات المواطن.
وللأسف الشديد ان المعارضة السودانية تطرح نفسها على أساس أنها البديل الذى يمسك مكان النظام، وتتنافس وتختلف على ذلك، لكنها لم تستطيع ابدا والى الآن، طرح نفسها على انها الحلول لازمات المواطن.
ان الحلول لا تبدأ بعد اسقاط النظام، بل تبدأ قبله. كل الدول
المتقدمة في الممارسة الديمقراطية، يكون لدى احزابها برامج حلول واضحة للأزمات
بشكل مفصل، يتم قبولها او رفضها كاحزاب من قبل الجماهير بناء على تلك الحلول.
بالأمس القريب ألمانيا انتخبت رئيسة جديدة للحزب الحاكم لان حلول رئيسة الدولة
ميركل لازمة الهجرة لم تكن متفق عليها من قبل الشعب ولا حتى أعضاء الحزب. الآن في
السودان القوى المعارضة لا تعلم ولا تستطيع حتى اعطاء الشعب السوداني بيان مفصل عن
مسببات الأزمة التى يعيشها. مثلا لم يخرج اى بيان من هذه القوى يقوم بشكل واضح
وعلنى بتقديم أرقام توضح كذب النظام فى دعم الدقيق والوقود وتمليك المواطن معلومات
اساسية عن سبب أزمته.
فاذا أرادت هذه الكيانات كشف وتعرية النظام كما تروج منذ سنين ،
فليس عبر بيانات " الى جماهير الشعب الصامدة"، كلا بل عبر بيانات data توضح للمواطن
اين هى أمواله، ومن يجمد حساباته، ماهى حقوقه، هل هناك إجراءات قانونية مثلا تساعد
اصحاب الأرصدة على المطالبه بأموالهم عبر مقاضاة البنوك او الدولة ، هل لدى هذه
الأحزاب استعداد للتصدي والمطالبة القانونية بهذه الحقوق بشكل مجاني عبر الكوادر
القانونية لهذه الأحزاب والكوادر الاقتصادية؟ . ماهى نسبة الأرقام الحقيقية او
المقدرة للسيولة المتوفرة في البلاد واين ذهبت؟ ومن اين يأتى الكاش الذة يباع
بالفائدة خارج البنوك ؟ وماهى مقدار احتياجات البلاد من الدقيق وهل فعلا هناك عجز
وماهو سببه.؟؟ هذه فقط بعض المعلومات التى من المفترض فى اى كيان سياسي جاد فى
ترشيح نفسه لحل أزمات البلاد وقيادة "الدولة" وتقديم خدمات للمواطنين ان
يعرفها عبر أجهزته السياسية والمعلوماتية ان وجدت، فبدلا من التجسس بين القوى
السياسية على بعضها، الاجدر بها الاستقصاء عن حال الوطن وأزماته وكشفها وتمليك
المعلومات للإعلام. فيجب ان تكون هذه القوى في حالة حرب مع النظام الذى ينتهك
مصلحة وحقوق الشعب السوداني الذى يفترض بهذه النخب السياسية التى أخذت على عاتقها
تمثيل مصالح الشعب الدفاع عن تلك المصالح وتلك الحقوق. فالسياسة الان يتم خوضها
عبر حرب الإعلام والمعلومات وهذا للأسف ما يعلمه النظام جيداً، ولذلك مازال موجود .
ان المواطن السوداني لم يعد ذلك الذى يتم خمه بكلمتين ودعوات
الشيوخ والفقراء. فمعظم الشعب السودانى متعلم الان، نسبة التعليم الأساسي بين
الرجال من عمر١٥ الى ٦٠ سنة فى الأقاليم الشمالية تصل الى اكثر من ٧٠ فى المائة
حسب اخر تعداد . اذن يجب ان تتوقف النخب السياسية عن استخدام عقلية الفكى والتى
تجعلها لا تزال تعتقد انها تتعامل مع شعب جاهل من الحواريين والتبع . وعدم خروج
هذا الشعب والانقياد الى دعوات هذه النخب للتظاهر هو أكبر دليل على مدى ثقافته
وذكائه السياسي. ولا يجب ان تنسى هذه النخب ان الحروب الأهلية لم تصنع فقط نازحين
ومشردين بل خلقت ايضا وعيا عاليا جدا بالحقوق، هذا الوعى يبدأ من إصرار اهل مناطق
النزاعات على الصمود في وجه كل هذا العنف تمسكا بالكرامة وبحثا عن حلول جذرية
لازماتهم الإقليمية التى حلها بالضرورة جزء من حل أزمات السودان .
ان النظام الان هو عبارة عن جنازة بحر منتفخة من العفونة تنتظر من
يتجرأ على دفنها. ولكن الشعب مشغول بمعيشته التى لا يدبرها له النظام ولا الدولة
لانه لم تعد هناك دولة على كل حال. لذلك هذا الشعب ليس لديه لا مصلحة ولا وقت لدفن
النظام او إسقاطه لأنه سقط اصلا، لكن الشعب ينظر الى الأزمات المستفحلة التى
يعيشها والتى لايرى حلولا لها فى الأفق، لأنه لا يوجد من يتصدى بشجاعة وحكمة وجراة
لمخاطبة هذه الأزمات والكوارث وإيجاد حلول مقنعة لها. إذا ما استطاعت المعارضة
الوقوف وإقناع السودانيين الان انها تفهم جيدا مكامن الأخطاء التاريخية فى هيكل
الدولة وبالتالى الاقتصاد جزء منه، وانها لديها الخطوات العملية التى سوف تغيىر
الحال فى الفترة الزمنية المحددة بحد أقصى معقول مع تحسن ملموس بشكل تدريجي عبر
خطة واضحة ، فإن الشعب حينها سيمد يده لكى يحفر قبر النظام ويدفنه مع القوى
السياسية المعارضة . لكن للأسف ان النخب السياسية عبر، سؤال البديل تجيب على
احتياجاتهم هم وليس حاجات الشعب السوداني. حاجتهم للصعود الى الحكم وان يكونوا
فعلا البديل، لكنهم كبديل لن يكونوا الحل لازمات البلاد فقط بديل لصناعة مزيد من
الأزمات. ولذلك فقط عندما تمتلك المعارضة الحلول وليس البديل، وقتها سيكون لهذا
الشعب امل فيها كقيادة مسؤولة عن مصيره وليس فقط قيادة حاكمة بديلة.
nawayosman@gmail.com
nawayosman@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق