بقلم عثمان نواى
ان فقه الثورة لدى الإسلاميين مرتبط بشكل وثيق بعقيدة ان الله ينصر
المؤمنين، وأنهم كمؤمنين هم حزب الله المنصور، فى احتكارية مغلقة لصفة الإيمان
الحق فيما بينهم. حيث يظن الإسلاميين من جماعة الإخوان تحديدا انهم المسلمين
المعتدلين على عكس السلفيين والجهاديين مثلا. وهكذا يحاولون تقديم أنفسهم للعالم
خاصة فى الغرب. ولكنهم فى الحقيقة ليسوا سوى بنو صهيون المسلمين، الذين يمتطون فقه
الضرورة لتبرير كل أشكال الكذب والخداع وانعدام القيم، وهم فى حالة نفاق مستمر مع
العالم ومع الآخرين، اى انهم يظهرون ما لا يبطنون. فهم فى الحقيقة اكثر تطرفا من
كل السلفيين، وأكثر عنف من كل الجهاديين والتكفيريين، بل ان التاريخ الحديث لهم من
أفغانستان وطالبان والى داعش يؤكد ان الإخوان كانوا المحضن الرئيسي لكل هذه
التنظيمات وقاموا باستغلالها جميعا للوصول لما يريدون وهو السلطة لهم وحدهم دون
سواهم. فحتى السعودية ودول الخليج التى تحارب الإخوان الان عبر المنطقة العربية،
انما تحاربهم بعد ان اكتشفت خطرهم متأخرة وبعد ان نهبوا منها الاموال سنين عددا
تحت كل الرايات والخدع الملتحفة بالدين.
الإنقاذ فى السودان كتجربة الحكم الأطول للاسلاميين فى العالم
العربى والاسلامى، أثبتت الفشل الذريع لما يسمى بالاسلام السياسي وجماعة الإخوان.
وهذا الفشل تجلى فى التراجع فى الاعتقاد بان الإسلام فقط هو الحل، خاصة بعد هزيمة
ثورات الإسلاميين فى مصر وتونس واليمن وسوريا وليبيا. حيث ان شباب الإسلاميين الذى
كان يقف فى رابعة دعما لمحمد مرسي كان يعتقد ان جنود من السماء سوف تحميهم، الا ان
الخدعة التى اكتشفها هؤلاء كانت ان الله لم ينصرهم، وبالتالى تحطمت المسلمات لدى
الكثيرين منهم فى انهم هم فقط على حق . أما شباب الإسلاميين فى السودان، فقد
زادتهم تجربة آبائهم فى الحكم غرورا، إضافة إلى امتيازات التعليم فى الخارج
والموارد المالية والبزنس والإحتكاك بالعالم. وفى ظل هذا الاحتكاك اكتشف أبناء
الإسلاميين السودانيين شيئين. الأول ان نموذج آبائهم فاشل تماما، ليس فقط على
المستوى الإدارى للدولة بل أيضا على مستوى الفكرة. أيضا في المقابل اصطداموا
بحقائق الرفض المتنامي لهذه الجماعة الحاكمة داخل السودان ،واكتشفوا انهم كاصحاب
امتيازات يريدون الحفاظ عليها، فهم فى حاجة الى قدر ما من المصالحة مع المجتمع
تسمح لهم بالحفاظ على ما اكتسب آبائهم لهم من امتيازات، وضمان عدم دفع فاتورة
الأخطاء التى ارتكبها آبائهم. هذه الفئة من الإسلاميين هى التى نراها اليوم في مثل
قناة سودانية ٢٤، وأمثالها من آليات التمكين الجديدة للاسلاميين فى الإعلام
والبزنس ومجالات عديدة يخترقونها بسبب امتيازاتهم السلطوية والمالية .
هذا إضافة الى شباب نشأ فى حواضن الإسلاميين ولكنه أعلن تمردا
كاملا على كل من الفكرة والمنظومة. رغم انه لا زال يستمتع بالامتيازات لكنه فى
منطقة من اليقين كافية تجعله يختار بصراحة عدم الوثوق مجددا بالاباء وفكرهم ونظامهم
. وهؤلاء ليسوا بفئة قليلة. حيث انهم وجدوا فى ممارسات الآباء من داخل الأسر ما
تشمئز منه الضمائر الواعية. هؤلاء هم فى الحقيقة احد اهم مكاسب الثورة الحالية، بل
هم من أهم محركاتها. لكن الفئة الأولى التى لازالت فى مربع التمسك بالفكرة فى سبيل
الحفاظ على الامتيازات هى الاكثر خطورة وأهمية في النظر إليها، لانها على استعداد
بشكل اكبر من الاباء على تقديم تنازلات حتى عن الفكرة نفسها، مثلما نرى الان من
تخلى عن اهم مرتكزات المشروع الإسلامى الحضارى وهو قانون النظام العام، ولكن ذلك
فى سبيل كسب مساحات للتمكين لها بشكل جديد، وربما جذب عدد من الشباب الغير مسيس فى
صف هذه الفئة من شباب الإسلاميين التى تعد نفسها للتوريث فى حكم البلاد خلفا
للاباء والاعمام والخيلان وكل الأقرباء فى دولة شبكة العلاقات الأسرية الكيزانية
الحاكمة منذ عقدين الان، اى منذ المفاصلة.
ان هذه الفئة من شباب الإسلاميين أصبحت فى حيرة حقيقية من صحة
الفكرة لذلك هم مستعدين لتقديم تنازلات عنها، بل حتى الثورة عليها ان تطلب الأمر،
وذلك فى سبيل الحفاظ على الامتيازات المكتسبة فى السلطة والثروة. لذلك نجد الان
محاولات تغيير الخطاب من قبل النظام فى اتجاه الشباب وهذا من ضمن التكتيك الذى
يحاول به هؤلاء الوصول إلى منطقة وسط تسمح لهم كشباب بالبقاء وان كان الثمن التخلص
من آبائهم بشكل جزئى او كلى. وهنا مساحة مناورة مفتوحة قد تكون فى صالح الثورة او
قد تكون ضدها، الامر يعتمد على إدراك الثوار للمشهد وقدرتهم على قيادته فى اتجاه
تحقيق مطالب الثورة. اذن مما لاشك فيه ان النظر بجدية لمواقف شباب الإسلاميين اى
كان موقعهم الحزبى او الفكرى يجب ان يشمل الحذر بقدر كبير ولكن أيضا من المهم
التركيز في خلق القدرة على إدارة تلك المواقف، حتى تتجه الى صالح صناعة اللحظة
التاريخية التى تعبر بالبلاد من هذه الازمة التى وضع فيها الإسلاميين السودان منذ
عقود.
nawayosman@gmail.com
nawayosman@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق