تقديم : آدم أجرى.
إعتصام القيادة العامة ، 19 مايو 2019م
( التحية ) ..
وإذ نمثل أمامكم اليوم ، نفخر بتهنئكم على صمودكم وقوة إرادتكم التى أنجحت ثورتكم الظافرة ، التى علا شأنها فباتت مضرباً للأمثال فى العالم بأسرة ، وأعادت للسودانيين مكانتهم التى إفتقدوها لأكثر من 30 سنة ، ظلوا خلالها خارج دائرة الفعل والتأثير والإحترام.
أحيى الجيش السودانى ووقفتها المشرفة التى تؤكد على عراقتها وإلتزامها ، وأصالة معدن رجالها.
أحيى الشرفاء من قادة الشرطة وسائر الأجهزة الأمنية ، الذين عملوا ومازالوا يعملون من أجل واجبهم ، ونأمل أن ينجلى الصدأ الذى أصاب البعض ، ونتفهم الظروف التى طوعتهم وإنحرفت بهم ، وواثقون فى قدرتهم على التجاوز.
نحييى قادة وحاملى راية الكفاح المسلح على إمساكهم عن التدخل السلبى تفادياً لإفساد مسيرة الثورة.
بفضل مثابرتكم وعملكم المتصل لأشهر عدة عدنا أناساً محترمين ، كنا قبلها دولة ومجتمعاً منبوذاً فى العالم ، فأعدتم صياغة المعادلة ، واليوم تحظون بالإحترام الذى يليق بكم.
الهامش هى القضية الجوهرية ، الحاضر والغائب فى كل حراكات السودان القديمة والحديثة والقوة المحركة لكافة الإضطرابات خلال المائة سنة الأخيرة ، ولها إمتدادات فى عمق التاريخ لا يتسع المجال للتطرق لها.
عندما نقول هامشاً ، لا نقصد به عرقاً أو فئة إجتماعية واحدة ، أو جماعة دينية أو عرقية بعينها ، بل كافة القطاعات الإجتماعية الخارجة عن دائرة الفعل ، المحيدة طاقاتها ، والمهملة قصداً.
فى كل الدول مهمشون تتباين ظروفهم ، وفى الغالب تلعب الطبيعة دورها فى وضعهم ، نسبهم فى الدول المتقدمة متراوحة ما بين 1% إلى10% ، ثم تأخذ فى الإرتفاع فى الدول ذات الإدارات السيئة ، لكن أن تتجاوز النسبة 90% من الشعب السودانى أو تتجاوزه ، وجراء ذلك يتضرر 100% فى وطنه ومهجره ، فلابد أن كارثة كبيرة قد حلت.
التهميش هنا ليس بفعل طبيعة قاهرة ، بل لعوامل تاريخية موروثة ، تأتى كل حين بعناصر تعمل بعقلية المواعين الصغيرة ، تدير قارة بمؤهلات إدارة محلية ، وولاية بعقلية إدارة منزل ، تطبق خطط رزق اليوم باليوم ، اما الدولة بمفهومها الحديث فلا وجود لها.
سجلنا وجوداً فعالاً فى الإنتخابات التكميلية لجنوب كردفان ، شهدنا خلالها على نسخاً من الجرائم التى ترتكبها دولة فى حق مواطنيها.
شهدنا ما يفعله وما يمكن أن يفعله المؤتمر الوطنى من أجل المحافظة على السلطة.
رأينا كيف أن الحقوق تهضم فى وضح النهار دون خشية ولا خفية.
تأكدنا أن البشير عاقد العزم على البقاء بأى ثمن فى كرسيه حتى الموت.
حضرنا المبعوث إسكوت قريشن فى طريق رحلة فاشلة أخرى له إلى ابيي.
تحدثنا إلى الذى أعقبه وهو برينستون ليمان.
قابلنا الرئيس جيمى كارتر ومركزه غير المحترم الذى راقب إنتخابات السودان ، ثم جنوب كردفان ، فإعترف بتزويرها ثم وصى بقبولها.
أجل الأجندة الدولية بحساباتها المختلة كانت حاضرة ، فيذكرنى ذلك بآية قرآنية : ( وإنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً ).
الأمريكان والغربيون لديهم أجنداتهم والتى لن تكون بالضرورة أفضل خياراتنا ،
لم يكترثوا بصوت الهامش ، إعتقدوا أن تطبيق تجربة فصل باكستان المسلمة عن الهند ستحل المشكلة ، وقد فشلوا هم وعملاءهم فى ذلك ، وها هو القائم بالأعمال الأمريكى يمثل أمامكم لتفتيش شخصى ، لأنه مضطر إلى المواكبة باللحاق بكم هنا.
الثورة التى قمتم بتفجيرها عظيمة ، وكشأن كل الثورات ، هى نتاج تراكم القضايا وتكدسها ودمكها بإمرار عجلات الزمن عليها.
الأزمات عادة تبدأ بمشكلة صغيرة يمكن حلها بسهولة ، إهمالها يجعلها تنمو فتصبح أكبر ، قبل أن تأخذ فى التكاثر بتفريخ جانبية صغيرة تنمو بدورها لتفرخ أخرى ، فتتشكل الأزمات التى تكون جملة من المشاكل الكبيرة والصغيرة ،
أما حلها ، فإما عن طريق آلة عمل مبتكرة غير تقليدية ، فعالة ، أو بثورة تطيح بالكل ، فتعيد العمل من الصفر ، أو فناء المشروع من الوجود.
مشكلتنا الحالية هى تركة مركبة من النضال ، بعضها تاريخية هامة لم تسوى ، والآخرى إنتكاسات فى مسيرة الدولة السودانية خلال مضيها فى درب التصحيح ، وبروز أخرى لم تكن فى الحسبان.
نقول بإطمئنان ، أن ثورة أبريل 85 التى أجهضت قبل تسوية قضاياها كانت حلقة واحدة ، بقيت بعدها ملفاتها كى يتجدد الترافع عنها فى أبريل 2019.
أجل قضايا قوانين سبتمبر 83 وفصل الدين عن الدولة ، واليوم تواجهون نسختها الثانية متمثلة فى قانون النظام العام الذى دمرت وأهانت المجتمع نساءه ورجاله ، فتأذى منه حتى أصحاب السلطة.
قضايا حرب الجنوب رفعت وقتذاك ، فوصل إلى هنا اليوم متشظية على شكل حروب فى جبهات ثلاث ، والعديد من الحركات المسلحة.
قضية الهوية كانت مرفوعة ، وإلى اليوم مطروحة.
بل وزيد عليها مشاكل جانبية كبيرة منها بيع الأراضى مؤسسات الدولة بعد إفشالها ، ، تبديد الموارد والسرقة من تروس الإنتاج ، وإفرازات حروب من تهجير وتجفيف الإستثمارات ، وتوريط السودان فى أحلاف غير مثمرة ، وتصدر الدول الراعية للإرهاب وقوائم العار العالمية ، والحظر الإقتصادى ، وتضاعف الديون.
كل هذه وغيرها ظلت تتكاثر وتتضافر وتبنى كرة ثلج متنامية ولدتها بقاء أزمات الحكم بلا حل.
العناصر المشتركة بين الأبريلين كثيرة بل متطابقة ، أهمها تفجرهما ضد ديكتاتوريات عسكريتين مخترقتين بعناصر دينية ، وقد دارت عجلة الزمان لتنفجر أبريل الحالية ، ضد أخرى قادتها هم نفس تجار الدين.
قضايا الهامش السودانى قديمة ، ووجهت بالأهمال ، فأخذت فى التراكم وتوليد الأزمات وغزو المزيد من الساحات ، أذهبت المصداقية عن مركز الحكم ، أتى إليها بجملة من المشاكل الإجتماعية والإقتصادية ، فيهملها وينغمس فى المزيد من التضليل ، ولأنها عصابة كما تعلمون ، فإنها تطور آليات البقاء التى لن تكون فى مصلحة السودان ، فكان ما رأيتم من سلوكيات الحكام خلال لياليهم الأخيرة كانت دليلاً واضحاً ،،
الثورة ثورة هامش ، وإن لم يتم الإعتراف بها والتعاطى مع مشاكلها بالجدية المطلوبة ، فإن المزيد من السنين العجاف قادمة.
دعنا نلقى نظرة على قائمة مطالبات الهامش خلال المائة عام الأخيرة :
تفجرت فيها العديد من الثورات المنادية بمغادرة المستعمر الإنجليزى المصرى ، لعلكم تحصونها ، منها مثلاً ثورة السلطان على دينار ، عجبنا ، واللواء الأبيض عام 24.
شارك جنود الهامش فى الحرب العالمية الثانية ضمن الحلفاء أملاً فى الحصول بنهايتها على إستقلال السودان.
كانت هناك منادة بالعدالة فى ملء شواغر ، فوقعت فيها مظالم.
كانت هناك مطالبات بتمثيل حقيقى عادل فى البرلمان.
كانت هناك مطالبات بالمواطنة المتساوية منها إلغاء الدقنية التى رفعت عن الشباب السودانى وبقى لشباب الهامش ، وقد تحقق بعد تلكؤ.
كانت هناك مطالبات بالتنمية المتوازنة للأقاليم بالكف عن الصرف على المركز على حساب الأقاليم أو تركيز التنمية فيه.
كان هناك مطالبات بنظام الحكم اللامركزى والفدرالية وإتباع سياسة خارجية متوازنة والألتزام بحلف دول عدم الإنحياز.
تكاثرت المشاكل فنشأت أحزاب ذات طبيعة أقليمية منها جبهة نهضة دارفور ومؤتمر البجا ، وإتحاد عام جبال النوبة ، فأوصلت ممثلين لها إلى البرلمان ، والمشكلة باقية.
مطالبات بالمشاركة فى الحكومة بنظام المحاصصات أو بصيغة تضمن التمثيل.
تحسين ظروف قطاع الزراعة والمراعى.
أن تتحمل الدولة مسئولياتها فى بسط الأمن.
لاحظتم أنها بدأت بسيطة ثم أخذت تتصاعد مع الوقت ، فأنظروا بم قوبلت :
الشريعة الإسلامية ، تسليح قبائل للعمل ضد أخرى ، فتاوى تكفير ، مصادرة حصص الأقاليم من المواد التموينية والمنح الدراسية إلى الاسواق ، نهب أراضى فى الغرب والشرق والجزيرة والشمالية ، بل إمتدت حتى إلى هوامش الخرطوم ، وحروب تشن على مواطنين دون إكتراث بأنشطتهم ، وإعادة تقسيم الأقاليم بالطريقة التى توفر المزيد من الوظائف وتوسع فرص السيطرة على الثروات.
الناس تنادى بالمواطنة أساساً أولاً للواجبات والحقوق ، وبالأهلية شرطاً لشغل المناصب فى الدولة ، فيطاح بهما ويعمل بشيئ مخالف خدمة لمصالح فئوية ، كيف ؟.
السودانوية التى تنادون بها وعاء واسع يأتى بكوادر رفيعة المستوى لتنافس ذوى المؤهلات المتدنية من ممثلى العصابة المطلوبة مساعدتهم بوضع غرابيل متتالية تتشكل حسب المقتضيات ، منها ، العروبة ، القبيلة ، الدين ، اللون السياسى ، ومتاهات أخرى تكثر ولا تنتهى قبل إجلاس أهل المحسوبية على كراسى لا يستحقونها.
إن أمسكنا بأى من مقاييس التصنيف السابقة ، فإنها لا تصلح أساساً لبناء عمل مثمر ،
العروبة ، وبإمكان الجميع حرق هذا الكرت بالإدعاء أنهم عرب طالما يتحدثون العربية والسودان دولة عربية ، وسوف لن تقبل الحجة لأن المطلوب من وراءها أمر آخر.
الدين ، وفيه تقسيمات عدة مسيحية وإسلام مثلاً ، وفى الإسلام شيعة وسنة ، صوفية وسلفية ، ثم تتوالى التقسيمات التى تعتبرها العصابة ميزة تضمن عدم الإتفاق والتلاحم
أما القبيلة واللون السياسى ، فإنهما لتوفير الحماية داخل المؤسسة وهى مداخل مباشرة إلى السرقة.
لم يستسلم أهل الهامش ، فبنوا مفاهيم جديدة متمثلة فى بناء حركة ثقافية أخذت فى الإنتشار ببطء هواء لا يعترف بخطوط إطلاق نار ومناطق سيطرة جيوش أو أراضى محررة ، وبقوة المنطق إنطلقت حرة إلى حيث شاءت ، فسهلت المهمة عندما خاطبت بلا تمييز ، وعملت على تبديد هواجس الفئات وضمان حقوق الكيانات فى الوجود ، وإظهار مساحات ممتدة لإنطلاقتها دون قيد ، وقد تم تتويجها بإسم السودان الجديد ، المفترض أنه لا يثير حفيظة أحد.
ما يحدث الآن أمامكم فى إعلانات هذه الساحة ، فإنها قضايا سبق تناولها فى أدبيات ثورات الهامش التى ظلت محاربة ، والهامش محارب ، فهاجر أهلها إلى معسكرات فى داخل السودان وخارجها ، وإلى أطراف المدن الكبرى ، وأظنكم تكثرون التسآؤل عن سبب ترككم أراضيكم الغنية بالموارد وإختياركم التنازع حول قطع سكنية صغيرة هنا.
السبب هو إهمال الأقاليم وعدم التعاطى مع إحتجاجاتها لمدة زادت عن 60 سنة .
من ترونهم أمامكم الآن هم الهامش ، وأصحاب المشاكل الرئيسية والجانبية التى ولدتها وتظل تولدها تلك الأزمة الكبرى ، خيامهم تحكى عن قضاياهم ، ولافتاتهم تعلن عن ظلمات وقعت عليهم.
الحروب غض النظر عن كلفتها ، واحدة من أدوات تثبيت الحكم ، تستغل فى تصفية حسابات المركز ، تبدد الموارد وتستنزف الإقتصاد ، حتى إن تداعى قيمة عملته وباتت غير قادرة على شراء ورقتها ، فضلاً عن ملايين الضحايا داخل السودان وخارجها ، ومع ذلك لم تحرك روح وطنية غير موجودة لدى الحكام.
مع تصاعد الحروب وتعطل النظم ، وتعاظم المخاطر وبروز إحتمالات إقتراب الآجال ، يزداد سوء التصرف فى الموارد ، كالنفط الذى غابت الشفافية عن كافة عملياتها ، والذهب الذى تخفى إحصاءاتها وتدار حساباتها بعيداً عن الموازنة العامة ، فيتم الإكثار من الجيوش وتنويعها ، مع التجنيب والسرقة بغية المحافظة على ولاءها وتغطية الصرف غير المحسوب عليها.
الآن والكل يترافع هنا ، سنفعل أيضاً لنقول إن أقاليم السودان فى سبيل البقاء فى حضن هذه الدولة ، لا تتطلع إلى سلاح ولا أدوات قتال بل الآتى :
1- بسط الحريات وفقاً لمعايير الأمم المتحدة والإعلان العالمى لحقوق الإنسان كاملة غير منقوصة.
2- تعويض ضحايا الحروب أفراداً وجماعات تعويضاً مجزياً ومرضياً.
3- تجريم العنصرية بكافة درجاتها وتشديد العقوبة على مرتكبيها أفراداً ومؤسسات.
4- تقليص الجيوش ونزع كافة الأسلحة من الأيدى وإعادتها وإتلافها وتحويلها إلى إدوات مفيدة.
5- حرية الأقاليم فى تحديد شكل العلاقة بينها وبين الدولة وبناء نظمها السياسية والإدارية وفقاً لإرادتها وظروفها دون تدخل مركز أو جوار.
6- تفكيك منظومة لصوص المركز وإجبارها على رفع يدها عنها ، وتسخير ثرواتها لأجل النهوض بها ، بدلاً عن تهريبها إلى بقاع أخرى.
7- إدارة الأقاليم بواسطة أبناءها المقيمين فيها الملتزمين بتنميتها والمرتبطة مصائرهم بها.
8- تمديد كافة وسائل النقل إلى بقاعها من مدن وبوادى وقرى.
9- إيفاء الدولة كافة التزامات المواطنة تجاه المقيمين فيها ، منها مجانية التعليم والصحة والضمان الإجتماعى.
10- توفير مدخلات التنمية وطاقة الكافية من وقود تشغيل ، وكهرباء مستقرة بقوة 5000 ميقاوات / اليوم.
فضلا عن أنها سهلة ومتعاونة ، فإنها أبجديات تسارع بها أية دولة قبل أن ترفع اليها ، نحن واثقون أنها ستفعل ذلك ، وعندئذ يمكنها شحذ سيف وإلقاء الملامة على أهلها إن أخفقوا فى النهوض بأنفسهم وإستمرت هجراتهم إلى المركز.
أعزائى وعزيزاتى ، إنها إخفاقات السودان التى إجتمعت هنا ، الكل يترافع على طريقته ، لكنها لعنة الهامش الذى لا يسمع صوته ، ونرجو أن نكون قد تعلمنا الدرس فنتدارك تدحرج السودان نحو حتفها وعودتها إلى ما كانت عليه من تشرذم خلال حقب القرون الوسطى.
إعتصام القيادة العامة ، 19 مايو 2019م
( التحية ) ..
وإذ نمثل أمامكم اليوم ، نفخر بتهنئكم على صمودكم وقوة إرادتكم التى أنجحت ثورتكم الظافرة ، التى علا شأنها فباتت مضرباً للأمثال فى العالم بأسرة ، وأعادت للسودانيين مكانتهم التى إفتقدوها لأكثر من 30 سنة ، ظلوا خلالها خارج دائرة الفعل والتأثير والإحترام.
أحيى الجيش السودانى ووقفتها المشرفة التى تؤكد على عراقتها وإلتزامها ، وأصالة معدن رجالها.
أحيى الشرفاء من قادة الشرطة وسائر الأجهزة الأمنية ، الذين عملوا ومازالوا يعملون من أجل واجبهم ، ونأمل أن ينجلى الصدأ الذى أصاب البعض ، ونتفهم الظروف التى طوعتهم وإنحرفت بهم ، وواثقون فى قدرتهم على التجاوز.
نحييى قادة وحاملى راية الكفاح المسلح على إمساكهم عن التدخل السلبى تفادياً لإفساد مسيرة الثورة.
بفضل مثابرتكم وعملكم المتصل لأشهر عدة عدنا أناساً محترمين ، كنا قبلها دولة ومجتمعاً منبوذاً فى العالم ، فأعدتم صياغة المعادلة ، واليوم تحظون بالإحترام الذى يليق بكم.
الهامش هى القضية الجوهرية ، الحاضر والغائب فى كل حراكات السودان القديمة والحديثة والقوة المحركة لكافة الإضطرابات خلال المائة سنة الأخيرة ، ولها إمتدادات فى عمق التاريخ لا يتسع المجال للتطرق لها.
عندما نقول هامشاً ، لا نقصد به عرقاً أو فئة إجتماعية واحدة ، أو جماعة دينية أو عرقية بعينها ، بل كافة القطاعات الإجتماعية الخارجة عن دائرة الفعل ، المحيدة طاقاتها ، والمهملة قصداً.
فى كل الدول مهمشون تتباين ظروفهم ، وفى الغالب تلعب الطبيعة دورها فى وضعهم ، نسبهم فى الدول المتقدمة متراوحة ما بين 1% إلى10% ، ثم تأخذ فى الإرتفاع فى الدول ذات الإدارات السيئة ، لكن أن تتجاوز النسبة 90% من الشعب السودانى أو تتجاوزه ، وجراء ذلك يتضرر 100% فى وطنه ومهجره ، فلابد أن كارثة كبيرة قد حلت.
التهميش هنا ليس بفعل طبيعة قاهرة ، بل لعوامل تاريخية موروثة ، تأتى كل حين بعناصر تعمل بعقلية المواعين الصغيرة ، تدير قارة بمؤهلات إدارة محلية ، وولاية بعقلية إدارة منزل ، تطبق خطط رزق اليوم باليوم ، اما الدولة بمفهومها الحديث فلا وجود لها.
سجلنا وجوداً فعالاً فى الإنتخابات التكميلية لجنوب كردفان ، شهدنا خلالها على نسخاً من الجرائم التى ترتكبها دولة فى حق مواطنيها.
شهدنا ما يفعله وما يمكن أن يفعله المؤتمر الوطنى من أجل المحافظة على السلطة.
رأينا كيف أن الحقوق تهضم فى وضح النهار دون خشية ولا خفية.
تأكدنا أن البشير عاقد العزم على البقاء بأى ثمن فى كرسيه حتى الموت.
حضرنا المبعوث إسكوت قريشن فى طريق رحلة فاشلة أخرى له إلى ابيي.
تحدثنا إلى الذى أعقبه وهو برينستون ليمان.
قابلنا الرئيس جيمى كارتر ومركزه غير المحترم الذى راقب إنتخابات السودان ، ثم جنوب كردفان ، فإعترف بتزويرها ثم وصى بقبولها.
أجل الأجندة الدولية بحساباتها المختلة كانت حاضرة ، فيذكرنى ذلك بآية قرآنية : ( وإنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً ).
الأمريكان والغربيون لديهم أجنداتهم والتى لن تكون بالضرورة أفضل خياراتنا ،
لم يكترثوا بصوت الهامش ، إعتقدوا أن تطبيق تجربة فصل باكستان المسلمة عن الهند ستحل المشكلة ، وقد فشلوا هم وعملاءهم فى ذلك ، وها هو القائم بالأعمال الأمريكى يمثل أمامكم لتفتيش شخصى ، لأنه مضطر إلى المواكبة باللحاق بكم هنا.
الثورة التى قمتم بتفجيرها عظيمة ، وكشأن كل الثورات ، هى نتاج تراكم القضايا وتكدسها ودمكها بإمرار عجلات الزمن عليها.
الأزمات عادة تبدأ بمشكلة صغيرة يمكن حلها بسهولة ، إهمالها يجعلها تنمو فتصبح أكبر ، قبل أن تأخذ فى التكاثر بتفريخ جانبية صغيرة تنمو بدورها لتفرخ أخرى ، فتتشكل الأزمات التى تكون جملة من المشاكل الكبيرة والصغيرة ،
أما حلها ، فإما عن طريق آلة عمل مبتكرة غير تقليدية ، فعالة ، أو بثورة تطيح بالكل ، فتعيد العمل من الصفر ، أو فناء المشروع من الوجود.
مشكلتنا الحالية هى تركة مركبة من النضال ، بعضها تاريخية هامة لم تسوى ، والآخرى إنتكاسات فى مسيرة الدولة السودانية خلال مضيها فى درب التصحيح ، وبروز أخرى لم تكن فى الحسبان.
نقول بإطمئنان ، أن ثورة أبريل 85 التى أجهضت قبل تسوية قضاياها كانت حلقة واحدة ، بقيت بعدها ملفاتها كى يتجدد الترافع عنها فى أبريل 2019.
أجل قضايا قوانين سبتمبر 83 وفصل الدين عن الدولة ، واليوم تواجهون نسختها الثانية متمثلة فى قانون النظام العام الذى دمرت وأهانت المجتمع نساءه ورجاله ، فتأذى منه حتى أصحاب السلطة.
قضايا حرب الجنوب رفعت وقتذاك ، فوصل إلى هنا اليوم متشظية على شكل حروب فى جبهات ثلاث ، والعديد من الحركات المسلحة.
قضية الهوية كانت مرفوعة ، وإلى اليوم مطروحة.
بل وزيد عليها مشاكل جانبية كبيرة منها بيع الأراضى مؤسسات الدولة بعد إفشالها ، ، تبديد الموارد والسرقة من تروس الإنتاج ، وإفرازات حروب من تهجير وتجفيف الإستثمارات ، وتوريط السودان فى أحلاف غير مثمرة ، وتصدر الدول الراعية للإرهاب وقوائم العار العالمية ، والحظر الإقتصادى ، وتضاعف الديون.
كل هذه وغيرها ظلت تتكاثر وتتضافر وتبنى كرة ثلج متنامية ولدتها بقاء أزمات الحكم بلا حل.
العناصر المشتركة بين الأبريلين كثيرة بل متطابقة ، أهمها تفجرهما ضد ديكتاتوريات عسكريتين مخترقتين بعناصر دينية ، وقد دارت عجلة الزمان لتنفجر أبريل الحالية ، ضد أخرى قادتها هم نفس تجار الدين.
قضايا الهامش السودانى قديمة ، ووجهت بالأهمال ، فأخذت فى التراكم وتوليد الأزمات وغزو المزيد من الساحات ، أذهبت المصداقية عن مركز الحكم ، أتى إليها بجملة من المشاكل الإجتماعية والإقتصادية ، فيهملها وينغمس فى المزيد من التضليل ، ولأنها عصابة كما تعلمون ، فإنها تطور آليات البقاء التى لن تكون فى مصلحة السودان ، فكان ما رأيتم من سلوكيات الحكام خلال لياليهم الأخيرة كانت دليلاً واضحاً ،،
الثورة ثورة هامش ، وإن لم يتم الإعتراف بها والتعاطى مع مشاكلها بالجدية المطلوبة ، فإن المزيد من السنين العجاف قادمة.
دعنا نلقى نظرة على قائمة مطالبات الهامش خلال المائة عام الأخيرة :
تفجرت فيها العديد من الثورات المنادية بمغادرة المستعمر الإنجليزى المصرى ، لعلكم تحصونها ، منها مثلاً ثورة السلطان على دينار ، عجبنا ، واللواء الأبيض عام 24.
شارك جنود الهامش فى الحرب العالمية الثانية ضمن الحلفاء أملاً فى الحصول بنهايتها على إستقلال السودان.
كانت هناك منادة بالعدالة فى ملء شواغر ، فوقعت فيها مظالم.
كانت هناك مطالبات بتمثيل حقيقى عادل فى البرلمان.
كانت هناك مطالبات بالمواطنة المتساوية منها إلغاء الدقنية التى رفعت عن الشباب السودانى وبقى لشباب الهامش ، وقد تحقق بعد تلكؤ.
كانت هناك مطالبات بالتنمية المتوازنة للأقاليم بالكف عن الصرف على المركز على حساب الأقاليم أو تركيز التنمية فيه.
كان هناك مطالبات بنظام الحكم اللامركزى والفدرالية وإتباع سياسة خارجية متوازنة والألتزام بحلف دول عدم الإنحياز.
تكاثرت المشاكل فنشأت أحزاب ذات طبيعة أقليمية منها جبهة نهضة دارفور ومؤتمر البجا ، وإتحاد عام جبال النوبة ، فأوصلت ممثلين لها إلى البرلمان ، والمشكلة باقية.
مطالبات بالمشاركة فى الحكومة بنظام المحاصصات أو بصيغة تضمن التمثيل.
تحسين ظروف قطاع الزراعة والمراعى.
أن تتحمل الدولة مسئولياتها فى بسط الأمن.
لاحظتم أنها بدأت بسيطة ثم أخذت تتصاعد مع الوقت ، فأنظروا بم قوبلت :
الشريعة الإسلامية ، تسليح قبائل للعمل ضد أخرى ، فتاوى تكفير ، مصادرة حصص الأقاليم من المواد التموينية والمنح الدراسية إلى الاسواق ، نهب أراضى فى الغرب والشرق والجزيرة والشمالية ، بل إمتدت حتى إلى هوامش الخرطوم ، وحروب تشن على مواطنين دون إكتراث بأنشطتهم ، وإعادة تقسيم الأقاليم بالطريقة التى توفر المزيد من الوظائف وتوسع فرص السيطرة على الثروات.
الناس تنادى بالمواطنة أساساً أولاً للواجبات والحقوق ، وبالأهلية شرطاً لشغل المناصب فى الدولة ، فيطاح بهما ويعمل بشيئ مخالف خدمة لمصالح فئوية ، كيف ؟.
السودانوية التى تنادون بها وعاء واسع يأتى بكوادر رفيعة المستوى لتنافس ذوى المؤهلات المتدنية من ممثلى العصابة المطلوبة مساعدتهم بوضع غرابيل متتالية تتشكل حسب المقتضيات ، منها ، العروبة ، القبيلة ، الدين ، اللون السياسى ، ومتاهات أخرى تكثر ولا تنتهى قبل إجلاس أهل المحسوبية على كراسى لا يستحقونها.
إن أمسكنا بأى من مقاييس التصنيف السابقة ، فإنها لا تصلح أساساً لبناء عمل مثمر ،
العروبة ، وبإمكان الجميع حرق هذا الكرت بالإدعاء أنهم عرب طالما يتحدثون العربية والسودان دولة عربية ، وسوف لن تقبل الحجة لأن المطلوب من وراءها أمر آخر.
الدين ، وفيه تقسيمات عدة مسيحية وإسلام مثلاً ، وفى الإسلام شيعة وسنة ، صوفية وسلفية ، ثم تتوالى التقسيمات التى تعتبرها العصابة ميزة تضمن عدم الإتفاق والتلاحم
أما القبيلة واللون السياسى ، فإنهما لتوفير الحماية داخل المؤسسة وهى مداخل مباشرة إلى السرقة.
لم يستسلم أهل الهامش ، فبنوا مفاهيم جديدة متمثلة فى بناء حركة ثقافية أخذت فى الإنتشار ببطء هواء لا يعترف بخطوط إطلاق نار ومناطق سيطرة جيوش أو أراضى محررة ، وبقوة المنطق إنطلقت حرة إلى حيث شاءت ، فسهلت المهمة عندما خاطبت بلا تمييز ، وعملت على تبديد هواجس الفئات وضمان حقوق الكيانات فى الوجود ، وإظهار مساحات ممتدة لإنطلاقتها دون قيد ، وقد تم تتويجها بإسم السودان الجديد ، المفترض أنه لا يثير حفيظة أحد.
ما يحدث الآن أمامكم فى إعلانات هذه الساحة ، فإنها قضايا سبق تناولها فى أدبيات ثورات الهامش التى ظلت محاربة ، والهامش محارب ، فهاجر أهلها إلى معسكرات فى داخل السودان وخارجها ، وإلى أطراف المدن الكبرى ، وأظنكم تكثرون التسآؤل عن سبب ترككم أراضيكم الغنية بالموارد وإختياركم التنازع حول قطع سكنية صغيرة هنا.
السبب هو إهمال الأقاليم وعدم التعاطى مع إحتجاجاتها لمدة زادت عن 60 سنة .
من ترونهم أمامكم الآن هم الهامش ، وأصحاب المشاكل الرئيسية والجانبية التى ولدتها وتظل تولدها تلك الأزمة الكبرى ، خيامهم تحكى عن قضاياهم ، ولافتاتهم تعلن عن ظلمات وقعت عليهم.
الحروب غض النظر عن كلفتها ، واحدة من أدوات تثبيت الحكم ، تستغل فى تصفية حسابات المركز ، تبدد الموارد وتستنزف الإقتصاد ، حتى إن تداعى قيمة عملته وباتت غير قادرة على شراء ورقتها ، فضلاً عن ملايين الضحايا داخل السودان وخارجها ، ومع ذلك لم تحرك روح وطنية غير موجودة لدى الحكام.
مع تصاعد الحروب وتعطل النظم ، وتعاظم المخاطر وبروز إحتمالات إقتراب الآجال ، يزداد سوء التصرف فى الموارد ، كالنفط الذى غابت الشفافية عن كافة عملياتها ، والذهب الذى تخفى إحصاءاتها وتدار حساباتها بعيداً عن الموازنة العامة ، فيتم الإكثار من الجيوش وتنويعها ، مع التجنيب والسرقة بغية المحافظة على ولاءها وتغطية الصرف غير المحسوب عليها.
الآن والكل يترافع هنا ، سنفعل أيضاً لنقول إن أقاليم السودان فى سبيل البقاء فى حضن هذه الدولة ، لا تتطلع إلى سلاح ولا أدوات قتال بل الآتى :
1- بسط الحريات وفقاً لمعايير الأمم المتحدة والإعلان العالمى لحقوق الإنسان كاملة غير منقوصة.
2- تعويض ضحايا الحروب أفراداً وجماعات تعويضاً مجزياً ومرضياً.
3- تجريم العنصرية بكافة درجاتها وتشديد العقوبة على مرتكبيها أفراداً ومؤسسات.
4- تقليص الجيوش ونزع كافة الأسلحة من الأيدى وإعادتها وإتلافها وتحويلها إلى إدوات مفيدة.
5- حرية الأقاليم فى تحديد شكل العلاقة بينها وبين الدولة وبناء نظمها السياسية والإدارية وفقاً لإرادتها وظروفها دون تدخل مركز أو جوار.
6- تفكيك منظومة لصوص المركز وإجبارها على رفع يدها عنها ، وتسخير ثرواتها لأجل النهوض بها ، بدلاً عن تهريبها إلى بقاع أخرى.
7- إدارة الأقاليم بواسطة أبناءها المقيمين فيها الملتزمين بتنميتها والمرتبطة مصائرهم بها.
8- تمديد كافة وسائل النقل إلى بقاعها من مدن وبوادى وقرى.
9- إيفاء الدولة كافة التزامات المواطنة تجاه المقيمين فيها ، منها مجانية التعليم والصحة والضمان الإجتماعى.
10- توفير مدخلات التنمية وطاقة الكافية من وقود تشغيل ، وكهرباء مستقرة بقوة 5000 ميقاوات / اليوم.
فضلا عن أنها سهلة ومتعاونة ، فإنها أبجديات تسارع بها أية دولة قبل أن ترفع اليها ، نحن واثقون أنها ستفعل ذلك ، وعندئذ يمكنها شحذ سيف وإلقاء الملامة على أهلها إن أخفقوا فى النهوض بأنفسهم وإستمرت هجراتهم إلى المركز.
أعزائى وعزيزاتى ، إنها إخفاقات السودان التى إجتمعت هنا ، الكل يترافع على طريقته ، لكنها لعنة الهامش الذى لا يسمع صوته ، ونرجو أن نكون قد تعلمنا الدرس فنتدارك تدحرج السودان نحو حتفها وعودتها إلى ما كانت عليه من تشرذم خلال حقب القرون الوسطى.
دامت عافيتكم ،، وشكراً لكم
.
آدم أجرى.
0 comments:
إرسال تعليق