نصرة الشريعة ام نصرة الإبادة وتقسيم السودان؟


بقلم عثمان نواى
ما قسم السودان الى دولتين ولا جعل حرب الجنوب تستمر بعد ثورة أبريل الأولى ألا "نصرة الشريعة". تلك النصرة فى نسختها قبل أربعين عاما كانت فى شكل ما تسمى بقوانين سبتمبر التى لم تقطع فقط أوصال السودانيين لكنها انتهت الى تقطيع أوصال الوطن بأكمله. ومن العجب العجاب ان هناك من يريدون تبريرا ومصالحة مع تيارات الإسلام السياسى التى على قيادتها الإخوان المسلمين وعلى رأسهم شيخهم الترابى دعاة الجهاد على جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق فى التسعينات. والذين بفتاوى منهم قتل الالاف فى تلك المناطق. ولكن ما يجب ان يتذكره أصحاب دعوة نصرة الشريعة ودعاة التطبيع مع الإسلاميين ان من كانوا يسمونهم شهداء فى تلك الأيام هم شباب سودانى غرر بهم وبيعت لهم الاوهام وأتى بائع الاوهام والكوارث الأكبر الترابى بعد سنوات ليصف ذات الشهداء بانهم ليسوا سوى فطائس. لعمرى ان اهل هؤلاء الشباب القتلى بجهالة منهم ومن ذويهم كان يجب ان يكونوا اول المطالبين بمقاضاة كل نظام الكيزان الذى فتل فلذات اكبادهم بلا سبب وعلى رأسهم شيخهم الترابى البائد . وكذلك المجاهدين المسمى بعضهم الان بالسائحين وغيرهم. فالى متى يكابر اسلاميين السودان حقيقة كونهم افشل من حكم وافشل من قاد أمة على وجه الأرض.؟
لكن الأزمة مع طرح قضية الشريعة فى السياسة السودانية وفى كل منعطف تكاد تخرج فيه البلاد الى رحاب الحرية لا تتوقف عند الكيزان او عند السلفيين او المتشددين الجهاديين الجدد. إنها أزمة ممتدة منذ بداية الدولة السودانية بعد الاستقلال. وعدم حسم موقف الدولة وعلاقتها بالدين يعود فى الحقيقة الى ان احزاب السودان الأولى كانت تعتمد السند الطائفي من القيادات الدينية. وعلى هذا الأساس أيضا بنيت كامل توازنات السلطة والثورة التى أصبحت مرتبطة بهذه القيادات الطائفية والقبيلة التى تستند هى ذاتها الى مكانة دينية كهنوتية وابوية. لذلك فإن الدعوات للحكم بالشريعة كانت دوما مرتبطة بتركيز السلطة فى يد النخب الطائفية القبلية المركزية وفى المقابل كانت تعنى عملية تهميش ممنهج واسع لكل السودانيين ما دون طبقات النخبة الطائفية والقيادات القبلية والتى انبثقت عنها بشكل عضوى أيضا النخبة العسكرية والافندية أبناء شيوخ القبائل والطوائف بالضرورة. عليه فان مسألة الشريعة فى توازنات السياسة السودانية ليست ابدا مرتبطة فقط بمجرد توجهات دينية او اختلافات فى الأفكار السياسية والاجتماعية. إنها آلية احتكار سلطة وثروة مبنية على هياكل مجتمع قبلى طائفى دينى مركزى لا تجمعه روابط المواطنة الحديثة. لذلك كانت مسألة الشريعة الإسلامية والعروبة هى آليات تجميع استخدمتها نخبة الافندية ما قبل الاستقلال لكى تجد الوسيلة لصناعة خطاب سياسى يوحد السودانيين فى الشمال والوسط. فى النهاية كانت نتيجة هذا الكسل الفكرى هو عملية عزل عضوية لكل مكونات السودان الأخرى جغرافيا ودينيا وثقافيا. بل وحتى من ناحية الخيارات الدينية داخل الدين الإسلامى نفسه. فقد فرضت الدولة المركزية النخبوية على يد الأفندية والعسكر عبر تاريخ السودان الحديث ، نسخة اسلام عربى متشدد بقدر كبير مقارنة بالاسلام ذو الطابع الأفريقي الأكثر مرونة والذى اندمج فيه كثير من المجموعات الافريقية للسكان فى السودان وبقية القارة والأكثر انتشار فعليا بين السودانيين فى كل مناطق البلاد.
لا يخفى على احد ان مسيرات عبد الحى والداعشى محمد الجزولى هى الأكثر دلالة على ان كرت الشريعة ليس سوى آلية سياسية لفرض سلطة كيانات معينة. فى هذه اللحظة هى آلية فى يد المجلس العسكرى الكيزانى ومن خلفه ، امتدادا حتى معسكر الخليج الذى لا يدعم الإسلام السياسى لكنه يكره الحكم الديمقراطي المدنى. وما يجرى الان هو تجلى كامل للحقيقة فى عملية استخدام الشريعة والدين الإسلامى فقط كاليات عمل سياسى وليس كاليات تعبير حقيقي عن ثقافة وهوية المجتمع السودانى المسلم وغير المسلم. لقد ظن الإسلاميين وبعض النخب المركزية ان فصل الجنوب سوف يجعل السودان دولة إسلامية، لكنهم لا يفقهون ان السودان دولة ذات شعب ذو أغلبية مسلمة حتى مع وجود الجنوب هذه حقيقة لا ينكرها الا مجنون. وبالتالى فان دين الأغلبية هذا له دوما وضعية خاصة فى الممارسات المتعلقة بكل هياكل المجتمع والدولة. الشريعة الإسلامية لا تطبقها الدولة ولكن يجب ان يطبقها المسلمون عبر سلوكهم. فهى لم تنزل لتقرير سلوك الدول بل لتقرير وتنظيم سلوك الأفراد.
يبدو ان اسلاميين السودان حتى الشباب منهم لازالوا داخل قوقعة الانكار لفشلهم كقوة سياسية وفكرية فهم أثبتوا فشلهم عبر تجربة ممتدة لنصف قرن فى الحكم او خارجه، و تيار الإسلام السياسى فى السودان قد أخذ كامل حقه في التجربة وعليها الان التنحى بل ويجب حظره تماما بنتائج ما قدم من أزمات وجرائم ليس اقلها تقسيم السودان . وان عملية اقصائهم من العمل السياسي لا تعنى اقصاء الإسلام، بل تعنى اقصائهم هم كسياسيين فاشلين اولا، ثانيا كمجرمين فى حق الشعب السوداني ككل. ولا يأتى احد ليقول ليس كلهم مجرمين، من لم يرتكب منهم جريمة بيده فهو لم ينكرها بلسانه، إضافة الى ان الأزمة هى فى ايديلوجيتهم وفكرهم ،انه فكر إجرامى اقصائى وعنصرى تماما مثل الفكر النازى ولا يجب ابدا التسامح معه، والا فإن هذا يعنى القبول بالابادة والقتل والعنصرية كجزء من الثقافة والمجتمع والممارسة السياسية السودانية بشكل دائم. فايدلوجيا الاسلام السياسي، هى ايدلوجيا إجرامية اقصائية إرتكبت فى السودان ابشع الجرائم ضد الانسانية، لهذا فإن حظر ايدلوجيا الإسلام السياسي فى السودان هى بداية لإعادة تصحيح أخطاء التاريخ السياسى السودانى ككل .
اما الشريعة والاسلام فهى أصبحت تشكل أخلاق وعادات وثقافة السودانيين المسلمين وتحترم غير المسلمين والمواطنة وحكم القانون الذى لا يحتاج الى الشريعة لكى يطبق العدل، فالعدل هو اسم الله موجود فى كل مكان وزمان قبل ان تنزل الشريعة الإسلامية، فالعدل هو شريعة الله واينما كان العدل كان الله حاضرا. فإن كان اسلاميين السودان يريدون نصرة الله وليس نصرة مصالحهم الدنية، فان ثورة ديسمبر المجيدة لم تنادى سوى بالقيم الإلهية وأسماء الله العلى من العدل والسلام، وطالبت على رأس كل ذلك بالحرية التى منحها الله العباد لكى يعبدونه طوعا لا كرها، فاى شريعة ينصرون؟
nawayosman@gmail.com
#اعتصام_القيادة_العامة

Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق