الدعم السريع أزمة أم تجلي لأزمات




مبارك اردول
+ الدعم السريع عرض لأزمة الحكم ونتيجة مباشرة لسياسات التهميش في البلاد.

+
سياسات النظام وتجاوزات وخطاب بعض حركات الكفاح المسلح والنزاعات الأثنية ساهمت في صناعة الدعم السريع.

+
الدعوات بإخراج الدعم السريع من الخرطوم هو تفكير نخبوي وشعبوي بائس.

+
أزمة الدعم السريع جزء من قضايا التغيير وتظل موجودة مالم تتم مناقشة ومعالجة جذورها وبعيدا عن الاستقطاب والتهيج والاستفزازات.

+
لنقتل التهميش حتى نسلم جميعا من الدعم السريع.

+
لا يا إدوارد لتواك لن نعطي الحرب فرصة.

مدخل:

كان لابد من كتابة هذا المقال قبل وقت سابق من الان، وكان لابد من ان يكون فيه إفادات تتضمن إجابات لإستبيان من قبل منسوبي قوات الدعم السريع وإحصائيات تتعلق بنسب العطالة والفاقد التربوي وغيرها، وكنت وددت أن أضعها في شكل دراسة أكاديمية متكاملة وبشكل تفصيلي، تعمق البحث عن الجذور والأسباب غير الجلية عند الكثيرين والتي قادت الي ظهور هذه القوات المسماة بالدعم السريع المسكوت من التطرق لها بهذا الشكل حالياً، قوات الدعم السريع هي في الأصل إمتداد او تجميع لخليط من الميليشيات القبلية من غرب السودان والتي كان يطلق عليها بالجنجويد في اقليم دارفور والدفاع الشعبي في كردفان وغيرها، وكذلك تتكون من منشقين من حركات الكفاح المسلح التي وقعت اتفاقيات سلام مع الحكومة السابقة، الورقة تتضمن البحث عن الأسباب السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها المتعلقة بهذه القوات حتى يتسنى للمعنيين ولمتخذي القرار الاستفادة منها للمعالجة هذه الازمة بشكل سليم.

وبالرغم من اصرارنا لإتباع منهج صارم في وضع الورقة الا انها شابتها بعض النواقص والتي لابد من الإقرار بها وهي استنادها الي بعض الشهادات والمعلومات الشفاهية يصعب في بعض الأحيان التحقق منها وبرغم من إعتماد الكاتب على اكثر من مصدر وأسلوب للتمحيص ومطابقة بعض المعلومات الا انها كانت تزداد بعد التواصل الحقلي مع المستهدفين والوصول الي مناطقهم، اضطررت اثناء الكتابة التخلص من بعض المعلومات لبعض الأسباب، ولكن اعتقد ان الورقة في مجملها يمكن ان تصلح مدخلاً وفاتحة لنقاش حول هذه القضية الهامة.

شباب عاطلون في بيئة مخربة ومستقبل مظلم:

قوات الدعم السريع بغض النظر عن الكثير ما شابها واهدافها الراهنة واسباب تشكلها وظهورها في الماضي لتكون لاعب اساسي في المشهد السوداني الان، دعونا نقول انهم مواطنون سودانيون في الاساس يحق لهم كما لغيرهم كامل الحقوق السياسية وحقوق المواطنة والتمتع بالعيش الكريم والامن والاستقرار، والاستفادة من الخدمات التي تقدمها الدولة من صحة وتعليم وكهرباء ومياه نظيفة وطرق وفرص عمل وغيرها، كما لهم واجبات في إطار الدولة ويطالهم سلطة القانون والقضاء أي كانت مواقعهم.

فنسأل انفسنا بعض الأسئلة تمهيداً للإجابة عليها، مثل هل استطاعت الدولة المركزية طيلة فترة حكمها من ضمان المشاركة السياسية الحقيقية للذين ينحدرون من مجتمع هذه القوات؟ وهل وفرت الدولة خدمات التعليم والرعاية الصحية وفرص العمل وبعدالة لسكان وانسان هذه المناطق؟ هل كان هذا المجتمع ضمن قائمة اهتمامات الحكومة؟ وسؤال آخر هل هذا المجتمع مصنف في نظر حركات الكفاح المسلح بانه مجتمع مهمش؟

المؤكد إن الحكومة لم تستطع بل لم يكن لها نية للقيام بتلك المعالجات والاستجابة لحاجيات ذلك المجتمع الذي ظل يرزح تحت الفقر والجهل والبطالة، كغيره من المجتمعات في الهامش العريض بالبلاد، ظلت الحكومة سلطة صفوية مركزية تجمع نخبة تتبع سياسات تحرس وتأمن بها مصالحها وتعمل من اجل استدامها، ترشي قيادات تلك المناطق ببعض المواقع الغير فاعلة في السلطة او بالأموال عند أي حالة تطل للمطالبة بحقوقها، تفاضل السلطة بعض الاقاليم على اخرى بما يلبي حاجياتها، وفي كل الأحوال مثلت المناطق التي ينحدر منها منسوبو الدعم السريع اطرافاً للمناطق المهمشة في البلاد.

دعونا نستدل على سبيل المثال ببعض النماذج الحية من واقع كردفان احدى حواضن الدعم السريع، اتذكر في ولاية غرب كردفان ابان تذويبها في جنوب كردفان عام 2005م التقيت ببعض الرفاق الذين ينتمون الي قبيلة المسيرية، تناقشنا عن الاسباب والمشاكل التي دفعتهم للانضمام للحركة الشعبية وهم مصنفون كقبائل عربية قريبة للحكومة، حينها كان الإعتقاد الغالب عند بعضنا ان التهميش ممارس من الحكومة على اثنية النوبة او الاثنيات الافريقية عموماً، ولدوافع الانتماءات البسيطة، عرب حكام مقابل نوبة او افارقة محكومين، ولم يكن اغلبنا ينظر لبقية العوامل الطبقية وغيرها، لم يكن معروفاً لدى العامة أن النخبة الحاكمة تهمها مصالحها وحدها وتقدمها على كل شي حتى ولو اجبرها في أن تهمش من ينحدرون معها من نفس الاثنية ومن يشاركونها الجغرافيا والديانة، عند استمرار النقاش وشرح هؤلاء الشباب وضح المحاباة موجودة، وأن عملية التنقيب واستخراج ونقل ومعالجة النفط التي كانت تجري في الجانب الغربي من جنوب كردفان/ جبال النوبة أظهرت ذلك بوضوح، وهي إن السلطات الحكومية كانت تستجلب العمال والموظفين من غير سكان المنطقة وحتى عمال اليومية الغير مهرة، والعمال المستجلبين كانوا ينحدرون من اثنيات من ولايات الشمال ووسط البلاد تحديداً، ومن ينتمون أيضا للنظام ايدلوجيا.

لا تقوم الحكومة بتوظيف ابناء المنطقة إذا كانوا من المسيرية أو النوبة ، مع أن عمليات النفط كانت تجري في قراهم ومناطقهم واراضيهم التقليدية، وشباب المنطقة الذين ترفض السلطات تشغيلهم كانوا بعضهم في السابق يعملون كمقاتلين في الدفاع الشعبي لصالح الحكومة في حربها ضد الحركة الشعبية في جبال النوبة أو جنوب السودان، وأما البعض الاخر كانوا رعاة ولكن فقد أغلبهم مواشيهم جراء النهب أو ضاقت وفقدت مراعيهم بسبب التنقيب عن النفط في تلك المنطقة وكذلك نتيجة التغيرات البيئية التي حدثت بها.

هؤلاء الشباب أغلبهم غير متعلمين او حصل القليل منهم على تعليم محدود في أفضل الأحوال، وعدم توظيف هؤلاء الشباب في حقول تنقيب وإستخراج النفط ونقله كانت خلفها حجج مختلفة يسوقها المعنيين بالأمر، منها انهم غير متعلمين أو غير مؤهلين لأداء تلك المهام وهكذا، ولم يقابل ذلك القصور المهني والمعرفي بمجهود أو حتى نية من السلطات لبحث أو معالجة اسباب عدم تأهيل وتعليم هؤلاء الشباب ودون وضع خطة عاجلة منها إنشاء مراكز تدريب مهني أو غيره لإستيعابهم وأدماجهم في المجتمع بحكم انها منطقة خارجة لتوها من حروب طويلة.

تجاهل الدولة الممنهج لتشغيل هؤلاء الشباب في المشروع الوظيفي الوحيد في المنطقة قد زاد من نسبة البطالة المتفشية هناك واغلق فرصة كانت تلوح في الأفق يحسنون بها حياتهم ومعاشهم، شكل الشباب العطالة والمحرومين والمحبطين والغاضبين اجساما احتجاجية باسم عرفت ب (شمم) شباب شعب المسيرية وغيرها للتعبير عن إحتجاجهم لتلك الأوضاع المزرية في القطاع الغربي من الولاية، عرضوا مشاكلهم للسلطات ولكنها لم تبارح مكانها، قامت الحكومة بالمقابل للإستجابة لبعض مطالب الشباب المتعقلة بالتنموية، غير أنها كانت برامج وخدمات تنموية رثة (حسب سمير امير) والتي تتمثل في بناء مراكز رعاية صحية وتشييد المدارس ومحطات الكهرباء، ولكن دون تنفيذ مشروعات إنتاجية تدفع بعجلة الإنتاج في البلاد وتوفر فرص عمل، وفي الجانب الاخر لا تلقي بالاً لبناء القدرات والمهارات البشرية التي تعد المعالجة المكملة للتنمية بل الأساس في أي عملية تنموية.

كيف تستمر العملية التعليمية ورب الاسرة عاطل عن العمل ولا يستطيع سداد رسوم اطفاله، او ان الطفل يتيم فقد والده في الحرب؟ وماذا يساوي مبنى المدرسة والمعلم راتبه لا يكفيه، بل المنهج لا يتضمن المهارات التي تنفعه في سوق العمل؟ وماذا يساوى المركز الصحي والطبيب غير متوفر او الدواء والعلاج مكلف؟ وماذا عن فرص العمل واستيعاب هؤلاء الشباب وتحسين ظروفهم ومكاسب رزقهم لكي يشاركوا في السوق وفي العملية الإنتاجية؟

في غضبة وهيجان شباب القطاع الغربي في جنوب كردفان (شمم) ونتيجة لتنافس شريكي نيفاشا "الحركة الشعبية و المؤتمر الوطني" قام الجيش الشعبي بفتح معسكر في منطقة الدبب والميرم لاستيعاب هؤلاء الشباب العاطل والغاضب من النظام لتحييدهم او لتسخيرهم في حرب اخرى ضد المؤتمر الوطني ان تطلب الأمر، ونتيجة لذلك كانوا يتلقون رواتب وحوافز شهرية وتلقوا رتب عسكرية وتم تنظيمهم في فرق وكتائب متعددة، ولكن ظلت هذه المعالجة فوقية وسريعاً ما تلاشت بعد إجراء الإستفتاء في جنوب السودان، وكذلك بعد إندلاع الحرب في جنوب كردفان.

حالياً وحسب مصادر فأن اكثر من 40% على الاقل من هؤلاء الشباب وغيرهم من الأجيال الجديدة سارت في نفس المسار ووجدت نفس البيئة المتردية، انضموا للدعم السريع وهم حالياً يشكلون احدى المكونات الرئيسية للدعم السريع.

أيضاً هنالك مثال يمكننا عرضه لتبيان كيف تفعل السلطات المركزية بسياستها في الخرطوم على استخلاص الفائض وزيادة الفوارق بين الرعاة وتجار المواشي المنحدرون من مناطق القبائل العربية وبين المصدرون المتواجدون في أسواق وسط البلاد، ففي دراسة أصدرتها مجموعة التحالف الدولي من اجل العدالة ذكروا في جزئية تتعلق بالثروة الحيوانية ان تجار المواشي (عرب دارفور) يسيرون بمواشيهم المعروضة للبيع لأكثر من شهرين قاطعين مئات الكيلومترات لتباع في الأسواق والتي يحتكرها تجار ذو صلة وثيقة مع السلطات في الحاكمة، يتم شراء هذه المواشي من الرعاة بأسعار زهيدة لتباع في الأسواق الخارجية بستة اضعافها، استمرار هذه التجارة الغير متكافئة ستعمل على استنزاف ثروات هذا المجتمع، بحيث تزيد هذه التجارة بإغناء التجار المصدرين بشكل مطرد وفي المقابل افقار الرعاة المحليين بشكل مدقع.

وأيضا كان الفريق محمد حمدان دقلو قد صرح في وقت سابق بأنه يمكنه تجنيد المزيد من القوات لسببين أولهما تواجد الشباب وايضا نسبة لتفشي البطالة وعدم توفر فرص العمل.

الأسباب المذكورة أعلاه وغيرها تبين كيف ان السياسات الحكومية ساهمت بشكل رئيسي في تهيئة البيئة لانضمام هؤلاء الشباب لهذه القوات وجعلتهم يمتهنون القتال كمصدر للرزق.

عوامل اخرى من جانب المعارضة المسلحة:

وبسبب تقصير النظام الحاكم وسياساته المتجاهلة لقضايا الاخرين والتي تزيد من الفوارق التنموية وتعمل على تفشي الفقر والجهل واللذان يمثلان البيئة الحاضنة لظهور هذه القوات، الا إن هنالك عامل آخر يجب أن يتم التوقف عنده وهو ظهور حركات الكفاح المسلح في السودان ودارفور على وجه الخصوص منتفضة ضد هذه السياسات الحكومية الجائرة، ساعدت ظهور هذه الحركات بشكل غير مباشر أيضا في تكوين قوات الدعم السريع، وهذه حقيقة لا يمكن غض الطرف عنها، وتمثل ذلك في توجهات وأفعال بعض قادة هؤلاء الحركات ومنسوبيها تجاه الإثنيات المنحدرة من أصول عربية في دارفور وممارساتهم وانتهاكاتهم ضد هذه المجموعات السكانية في بداية اندلاع الثورة، كانت هذه احدى الأسباب الدافعة للتعبئة وتجنيد هؤلاء الشباب في شكل مليشيات، فالهجمات التي تعرضت لها قراهم ونهب مواشيهم وممتلكاتهم ساعدت الحكومة في استقطابهم ورصفهم في صفها مستخدمة التباينات الاثنية والنزعات العنصرية (عرب Vs زرقة) بدعوة ان تسلحوا ودافعوا عن انفسكم واهلكم ولكن كان عينهم الحقيقية ترنوا الي تجنيدهم لكي يخوضوا حرب الوكالة نيابة عنها ومحاربة معارضتها المسلحة، وهي التي كانت تقوم بعمليات نوعية ضربت الحكومة ضرباً مبرحاً في بعض المواقع الاستراتيجية.

بالإضافة إلى ممارسة القادة والقوات تجاه هذه الإثنيات كان أيضا الخطاب السياسي في بداية تأسيس هذه حركات الكفاح المسلح فاتراً والسعي بطيئاً لضم كل المهمشين إليها خاصة ابناء الاثنيات ذات الاصول العربية، وبعد الممارسات التي تعرض لها اهلهم أعتقدوا جازمين أن تأسيس هذه الحركات هي لإستعدائهم وزاد من ذلك الإعتقاد هو خطاب النظام المضلل والطاغي الذي كان يبث من أجهزة الدولة الرسمية.

لم تكن هناك نوايا لقادة هؤلاء المليشيات خوض الحرب نيابة عن الحكومة، بل كانوا يرون انفسهم اقرب إلى حركات الكفاح المسلح في مناهضتها للحكومة، ولكن عندما تم استهدافهم فإنهم استنهضوا فزعا (كعاداتهم) للدفاع عن انفسهم، وجدوا السلاح والمعينات والأموال واصبحت عملية ممارسة القتال بمرور الزمان مصدرا للرزق وأشبه بالوظيفة الجديدة لهم والتي تقبل الكل دون مؤهل أو تعقيدات لا تلزمهم بإجراءات التدريب أو المداومة وكانت فرصة عمل لهم امام هذا الواقع القاتم.

مع مرور الوقت دخلت عوامل كثيرة واكتسب قادة هذه الميشيات ثقة جديدة في بلاط النظام خاصة بعد عمليات "قوز دنقو" في جنوب دارفور، وغيرها مما ساعد على تمدد نفوذهم وسلطتهم حتى وصلوا إلى الخرطوم، وكذلك عملت الازمة الجغرافية السياسية في الخليج إلى مضاعفة نفوذ هذه القوات وتمددها إلى خارج حدود البلاد، فدخولوا كجزء من قوات التحالف المشاركة في عاصفة الحزم للقتال في اليمن وأيضا عمليات محاربة الهجرة وقفل الصحراء المحاددة للسودان ومصر وليبيا في عملية الخرطوم، وبعد رسملة المليشيات بإجازة قانون الدعم السريع في البرلمان عام ٢٠١٧م وتبعيتها لرئاسة الجمهورية، دفعت كل ذلك هذه القوات وخصوصاً قائدها الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) ليصبح لاعباً اساسياً في الساحة السياسية في البلاد وله امتدادات خارجية أيضا.

نجد ان مداخيل ومكتسبات هذه القوات قد ازدادت بشكل كبير جداً الأن، بعد مشاركتهم في عاصفة الحزم، واحتكارهم لتجارة الذهب في جبل عامر وغيرها، وبعد أن كان طموح بعضهم يقتصر على نهب ممتلكات مواطن في قرية نائية في دارفور او الاستيلاء على اموال مغترب قادم من ليبيا أو إستلام أجور عالية حتى من القوات المسلحة ايام حربهم ضد الحركات، او الصراع للتوظيف كعمال يومية يحملون (الكوريك) أداة البناء في حقول أبو جابرة او هجليج اويرعوا الابل والابقار التي ورثوها عن اجدادهم والسفر لشهور بين الفاشر او الضعين لبيعها في أسواق امدرمان، فإنهم اصبحوا يتلقون أجور مضاعفة وبأرقام فلكية بالنسبة لهؤلاء الشباب المنحدرون من مجتمعات فقيرة، وقد اصبح أمر التجنيد في الدعم السريع مشجعا مما دفع البنات بالغناء شعبياً لخلايلهن ب " اما يمني او لا تضيع لي زمني" وقيل لي من بعض المقربين ان التجنيد والسفر لليمن لا يتم الا بعد دفع الرشاوي لبعض النافذين تصل الي أربعين الف جنيه.

أزمة مركبة ورؤية مبتسرة:

هذه الأزمة المركبة من عوامل التهميش كأساس وبيئة ساهمت فيها سياسات الحكومات المركزية في البلاد، وكذلك ممارسات وخطاب بعض حركات الكفاح المسلح وطريقة تعامل النظام السابق مع الأزمة وتداخل العوامل الإقليمية والدولية حالياً واضافة الي كل ذلك سقوط النظام الحاكم في البلاد وتفكك وضعف مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد عموماً، كلها تدعونا الي النظر إلى هذه الازمة بشكل فاحص ومعالجة قضية الدعم السريع ضمن حزمة قضايا التغيير السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها بما يأمن مصالح السودانيين ويحفظ دماءهم جميعا.

إننا نرى بعض الحلول المبتئسة التي تطرح حالياً ونتيجة لما جرى من أحداث في فض الاعتصام وغيرها من الانتهاكات، وهناك من ينظرون إلى حلول الازمة في اتجاهات متعددة منها تصاعد اللغة التي تسخر منهم ومن قادتهم وطريقة حديثهم وكذلك بنسبهم الي دولة تشاد وغيرها، وكأن الإنتماء إلى تشاد أمر معيب، هذه الطريقة غير مجدية واشبه بتعامل التنظيمات الشعوبية في أوروبا وامريكا تجاه أزمة المهاجرين.
وكذلك هنالك دعوات تطالب باخراجهم من الخرطوم، لإبعاد شبح انتهاكاتهم، واخرين يجملونها بانهم يجب أن يخرجوا من كافة المدن، وفريق ثالث فسر انهم يقصدون عودة هذه القوات الي ثكناتها، هذه المقترحات جميعها لا تعمل ولا تمثل حلولاً يمكن ان تعالج المشكلة، فضلاً عن كونها رؤية سطحية بائسة للأسف، علاوة على إنها ستصب المزيد من الزيت على نار أزمة البلاد.


خلاصة ومقترحات للحلول:
ما اريد قوله إن علينا النظر بعين فاحصة إلى جذور قضية الدعم السريع ومناقشتها بكل عواملها وبعيداً عن اجواء التحشيد والإستقطاب والإنتهاكات بغية معالجتها من جذورها بدلا عن مجاراة التجليات والظواهر.

الدعوة إلى هذا المناقشة والمعالجة لا تعتبر إنكار او التغاضى عن هذه القوات التي قامت بتصرفات بربرية من قتل واغتصاب وحرق ونهب وغيرها، ولكن يجب ان ينصب تفكيرنا في المعالجات الراهنة للمشكلة في مداها القريب، إلى جانب البحث عن حلول دائمة لها ضمن كل مشاكل البلاد في المدى البعيد، لينعم اهلنا وكل شعبنا جميعا بما فيهم منسوبي هذه القوات بالأمن والاستقرار والسلام والخدمات وفرص العمل العادلة والمتساوية.
هنالك جانب متعلق بإحلال السلام وانهاء الحرب وإعادة هيكلة القطاع الأمني، فيجب أن تتم عبره معالجة القضية الأمنية المتعلقة بالدعم السريع، فالاوضاع في البلاد تتعدد فيها القوات والرايات والعقائد، ومهمة توحيد عقيدتها القتالية وقيادتها ستساعدنا كثيراً في المضي قدماً في معالجة الأسباب السياسية والاجتماعية الأخرى لهذه القضية.

اخيراً هذه العملية لن تكتمل إلا بعد أن تجري عملية مصالحة واسعة عبر عدالة انتقالية أو غيرها مما هو متفق عليه في مناطق الحرب هدفها بث التسامح والصلح وإعادة بناء النسيج الاجتماعي وتعافيه من إفرازات الحرب (دعنا نسميها) الماضية.

وغير ذلك فإننا نعطي فرصة لفرضية الكاتب إدوارد لتواك الذي يقول في مقالة نشرت قبل سنين بعنوان " أعطوا الحرب فرصة" وحجته تقوم على رفض الوساطة وتقول بان الوساطات تطيل من امد الحروب فاستمرار الحرب رغم بشاعتها فإنها تقصر امد الصراع السياسي، وذلك بتمكين احد الاطراف على الانتصار الحاسم على الاخر أو أن الطرفين سيعلمان قوة بعضهما البعض وسيتجهان إلى التسوية وهما على قناعة، والوساطة إذا أوقفت الحرب بتسوية قبل اندلاعها سيظن أي طرف ويدعي أنه كان قادراً على إنهاء الأزمة بنصر على الاخر، أتيت بهذه الفرضية حتى " لا نجعل لأصوات أمثال هؤلاء بيننا ولا نرحب بهم " ، لأنها ستكلفنا المزيد من الخسائر البشرية والمادية.

المراجع :
-
مقالة - سمير امين – الدول الناشئة والتنمية الرثة– الحوار المتمدن ٣١ يوليو ٢٠١٥م.
-
اتفاقية السلام الشامل ٢٠٠٥م برتوكول المنطقتين.
-
مصادر من شباب القطاع الغربي بجنوب كردفان.
-
مصادر من شبابية من درافور.
-
مصادر من حركات الكفاح المسلح في دارفور.
-
مقالة- ادوردلتواك– أعطوا الحرب فرصة (مجلة السياسة الخارجية الأول من يوليو ١٩٩٩م) .
-
الأرض والنفط الإهمال القذرة في السودان- التحالف الدولي من اجل العدالة ٢٠٠٦م.
-
صحيفة الطريق – السودان إجازة قانون الدعم السريع – ١٦ يناير ٢٠١٧م.


Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق