النزاع فى بورتسودان : بين التحديات الداخلية والاطماع الإقليمية


بقلم عثمان نواى
يصعب على المرء رؤية ما يحدث فى بورتسودان من نزيف دم بين مكونات المدينة، ولكن فى نفس الوقت كان يشق على النفس التعامل مع الوضع هناك بشكل سطحى ومعالجات وقتية سريعة لا تتعمق فى جذور الإشكال وتسعى الى جوديات لا تغنى عن الاجتهاد المستحق فى مثل هذه النزاعات التى لها سوابق تاريخية معروفة ومهددات مستقبلية مكشوفة. كما ان تعقيدات الوضع الداخلى فى المنطقة والسودان وايادى التامرات والاطماع الإقليمية تهدد الشرق بأكمله. لذلك فإن التعامل مع الوضع هناك بتسطيح مخل مثل وصفه بأنه مجرد نزاع قبلى لهو سبب رئيسي فى الخرق المكرر للاتفاقات الهشة التى نتجت عن رؤية غير دقيقه لواقع معقد ومتشابك الخلفيات.
ان الجميع يعلم ان ما يحدث الان تكرار لما حدث فى ١٩٨٦، اى بعد انتفاضة أبريل ،وهو يتكرر الان بعد انتفاضة ديسمبر ٢٠١٨. هذا التسلسل للأحداث التاريخية له علاقة مباشرة بحالة الوضعية الانتقالية فى الفترات التاريخية ما بعد الثورات. وهو يكشف هشاشة الإدارة النخبوية لازمات السودان من قبل الافندية بعد حصولهم على الحكم من العسكر. ونتيجة مثل هذه الهشاشة وانعدام الرؤية، يعود دوما العسكر الى المشهد بعد تبرير انقلاباتهم بضرورة حسم الفوضي التى ينتجها صراع النخب فى الدولة المركزية على السلطة كما نرى هذه الأيام. ولكن الوضع هذه المرة اكثر خطورة مما حدث فى الماضي ، حيث انتشار السلاح وخاصة بعد تجنيد عدد مقدر من أبناء قبائل شرق السودان بكل مكوناتها فى قوات الدعم السريع ، كذلك بعد التدخلات والاطماع الإقليمية المتزايدة من دول الخليج والجوار فى القرن الأفريقي ،فإن الأزمة هذه المرة اكثر جدية، وهى أيضا اكثر عنفا وقد تتطور ككرة الثلج لتحرق الشرق كله والسودان بأكمله اذا استمر هذا التهاون والتعامل البطئ والسطحى مع الأزمة. وقد كتب الدكتور فيصل حسن مطولا وبشكل متكرر محذرا من الخروقات الإقليمية واطماع دول الجوار فى ساحل السودان المطل على احدى اخطر مناطق الصراعات الدولية وهى منطقة البحر الأحمر. وهذا رابط لمقال دكتور فيصل تم نشره هنا نقلا من سودان نايل لمزيد من التفاصيل عن هذا الاتجاه وهذا رابط لمقال دكتور فيصل تم نشره هنا نقلا من سودان نايل لمزيد من التفاصيل .
ان الوضع فى بورتسودان قد يتطور سريعا الى "يمن" أخرى، اذا لم يتم احتواؤه بسرعة بكل أيدى التلاعب الخليجى المنتشرة خاصة مع التواجد الحديث للدعم السريع قبل يومين. خاصة ان عملية الانتقال السياسي للسلطة من يد العسكر الى المدنيين لازالت متعثرة، وبالتالى فان المجلس العسكرى هو أيضا المستفيد الأول من اى صراع دموى مسلح، بعد ان صمت السلاح فى أطراف السودان الغربية والجنوبية. ولذلك كعادة الحكومات العسكرية فإنهم يبحثون لأنفسهم عن دور يجعل لوجودهم فى السلطة أهمية ومبررات تحت غطاء حماية الأمن والدفاع عن الوطن. لكن للأسف ضد اعداء هم مواطنين داخل الدولة. وهذا هو تكتيك العسكر فى السودان منذ الاستقلال. فهم أصحاب المصلحة الأولى فى استمرار النزاعات المسلحة فى السودان ،وهذا يثبته ان العسكر والجيش حكم السودان ٥٦ عاما سوف تصبح ٥٨ عاما بعد اكتمال الفترة الانتقالية الحالية التى سيراسها العسكر لعامين. ان السودان للأسف لازال داخل الدائرة الشريرة، بينما تتزايد الاطماع والمؤامرات الإقليمية التى يستغلها الانتهازيون طلاب السلطة من العسكر وشلليات المدنيين معا.
ولذلك ربما لا بد من مبادرة شعبية من كل السودان للضغط بشكل قوى على كل الأطراف لوقف النزاع فى بورتسودان وعلى إيجاد حلول جذرية من قبل خبراء فى تاريخ النزاع فى المنطقة وقادرين على مخاطبة جذور المشكلة. تلك الجذور المرتبطة مباشرة بأزمة المواطنة المتساوية ومشكلة البناء الوطن المتكافئ لكل اقاليم السودان، وانعدام التكافؤ فى حقوق المواطنة وعدم العدالة فى التوزيع للسلطة والثورة، الذى ادى الى حالة الاحتراب المستمر بين مكونات السودان منذ الاستقلال . ويجب ان يزداد الضغط عبر الاحتجاجات لمطالبة الحكومة بالتحرك السياسي المسؤول وليس التحرك الامنى فقط. ان لم يتم وضع النزاع فى بورتسودان عاجلا على قمة الأجندة الوطنية، كجزء من أجندة تحقيق السلام والتعايش فإن السودان كله فى انتظار شرارة أخرى من الأطراف، كما بدأت الثورة السلمية من الدمازين فان نار الحرب الأهلية قد تبدأ من بورتسودان، اذا لم يتم التعامل بكامل المسؤولية الان وفورا على ان ما يجرى هو مهدد للأمن القومى ككل، وهذه فرصة لتغيير ثقافة التشظى فى الوجدان الوطنى التى تفصل أوصال السودان عن بعضها بالتجاهل والإهمال لما يحدث خارج الخرطوم.



Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق