شرق السودان: الى متى التجاهل والصمت؟


ما يحدث فى شرق السودان والمطالبات بتقرير المصير، والمظاهرات الحاشدة التى ظهرت صورها فى السوشيال ميديا، هى إحدى مؤشرات الأزمة السياسية السودانية العميقة جدا ،بدرجة اكبر من الدولة العميقة الكيزانية التى يحاول الجميع تعليق كل الأخطاء على عنقها، رغم أنها لها دور كبير فى تضخيم كثير من الأزمات ولكنها ليست هى المسبب لها الوحيد ولكنها تستغل أزمات تاريخية مزمنة لخدمة مصالحها فقط.
ان أزمات التركيب السياسي السودانى منذ الاستقلال وهيمنة الدولة المركزية والتمييز تجاه مكونات السودان فى الريف والاطراف على أسس اثنية، ثقافية او لغوية، تنفجر كل يوم مولدة تحديات جديدة، بينما يعامل المركز وحكوماته منذ الاستقلال كل مطالب الريف وأطراف السودان وكانها صرخات أطفال صغار لا يعرفون ما يريدون، ويمكن رمى بعض الحلوى او الألعاب لهم ليصمت " المشاغبين منهم او المتمردين بلغة السياسة" ويتخلوا عن ازعاج الكبااااار المكشوف عنهم الحجاب الذين يديرون مصير البلاد بحكمتهم الأبوية ووصايتهم الإلهية التى بها يعرفون ما لايعرف هؤلاء الرعية الصغار الذين لا يعرفون مصلحتهم!
هكذا تم التعامل مع قضية الجنوب قبل الاستقلال، وهكذا تم التعامل مع تحالف الريف بعد ثورة ١٩٦٤ الذى كان اكبر تحالف عريض لتلك القوى ضم شرق السودان وجبال النوبة ودارفور إضافة الجنوبيين فى تحالف واحد يعبر عن مطالب أطراف السودان وقتها والتى لا تختلف للأسف عن المطالب الان بعد اكثر من نصف قرن. مما يعنى انه لم يتغير الكثير على مستوى بنية الدولة وطريقة تعاملها مع الأزمات.
ان هذا الصمت والتجاهل الحكومى والاعلامى لما حدث فى كسلا قبل يومين يعد كارثة كبرى وتكرار لإخطاء الماضى. فقد ذهبت تحليلات كثيرة لان ما يحدث جزء من مؤامرة إقليمية تهدف الى السيطرة على البحر الأحمر، والبعض اعتقد انها مجرد ردود فعل غاضبة وجدت مساحة الحرية فى التعبير وخرجت لتعبر عن نفسها فى ظل فضاء الحرية الجديد . وكل من التحليلين أخطر من الثانى ويستوجب تحركات جادة وسريعة من الحكومة الانتقالية، ولكن ان كان الامر مؤامرة خارجية فإنها نجحت لأنها وجدت الأرضية القابلة لها، وان كان حراك محلى بحت فهو أيضا يستوجب التعامل معه بوقفة جادة. فعملية السلام التى وضعت كاولوية فى أجندة الحكومة، لا تتطلب فقط ان يتم وقف النزاعات القائمة، بل الخطوة الأهم هى العمل على إيجاد آليات وحلول للازمات الوطنية تمنع نشوب نزاعات جديدة. ان التجاهل والتعالى والوصاية على الآخرين لن تجدى بعد الآن، فكل السودان الان عبارة عن منجم من الكفاءات والقدرات والعقول فى كل المجالات القادرة على تحديد مشكلات كل المناطق وتحديد الحلول لها أيضا. لذلك آليات التعامل القديم مع أزمات الأطراف يجب ان تتوقف والا فإن الكارثة الكبرى لن تتوقف عند شرقنا الحبيب.

عثمان نواي

Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق