البحث العلمي في السودان ... نظرة مستقبلية (2) ..
بقلم: د. بشير سليمان
سياسة البحث العلمي
أعني بسياسة البحث العلمي هنا تخطيط وادارة البحوث وبالتحديد وضع السياسات التي تحدد مسار البحث العلمي في البلاد، بالإضافة إلى تنسيق الانشطة، ومتابعة تنفيذ البرامج البحثية الجارية. ويقوم بهذا الدور، في العادة، مجلس يسمى بمجلس البحوث نجده في كثير من دول العالم وترصد له الميزانيات الضخمة بملايين الدولارات في السنة الواحدة. فعلى سبيل المثال فان مجلس البحوث الاسترالي ينفق نحو 800 مليون دولار سنويا لتمويل البحث العلمي، ولا يختلف الأمر عنه كثيرا في كندا، الولايات المتحدة الامريكية، النرويج، السويد، سلطنة عمان أو إيطاليا، حيث يتم استخدام البحث العلمي كأداة فعالة في تحسين عملية اتخاذ القرارات الحكومية، السياسات العامة للدولة، ولزيادة فهم المواطنين لها. وقد لعب المجلس القومي للبحوث المنحل في السودان، دورا مماثلا قبل ان تتغول على حكومة الانقاذ وتفرغه من محتواه في عام.1991
اما إذا رجعنا بالتاريخ إلى الوراء فان بداية البحث العلمي في السودان تعود للعام 1902 عندما تكونت الكرنتينة البيطرية، والتي كانت تتبع لمصلحة البيطرة للمستعمر الاجنبي، وكانت تقوم بعمل الدراسات لأمراض وأوبئة الحيوانات خاصة الطاعون. وفي نفس العام 1902 تم إنشاء أول وحدة للابحاث الزراعية بمزرعتين الاولى في شندي، والاخرى في الكاملين كجزء من مصلحة التعليم من أجل إجراء البحوث المدارية، وتم ذلك بالتوافق مع قيام معمل ويلكم بأنشاء المعامل في مجالي الكيمياء والحشرات في 1904. ويعود الفضل في بداية البحث العلمي في مجال الطب في السودان للسير هنري. س. ويلكم مؤسس منظمة ويلكم الخيرية ذائعة الصيت، والتي لا تزال تعمل حتى الآن بأسم ويلكم ترست في بريطانيا، عندما اهدى حكومة السودان متحف، والمعدات الكافية لتاسيس معمل للتحاليل والبحوث الطبية في السودان في وقت، لم تكن توجد في البلاد حتى إدارة طبية لائقة. وفي عام 1903 بدأت أجراءت البحوث في الامراض العادية في معمل البحوث الأستوائية، والتي قام بها السير اندرو بلفور، والذي شغل منصب أول ضابط صحة في السودان الحديث. وقد قضى السير بلفور العشر سنين التالية من حياته في السودان حتى العام 1913، في بحث مقدر لمرض الملاريا وحشرة البعوض المسببة لها.
و لا شك ان إنشاء مدرسة كتشتر الطبية، التي تحولت إلى جامعة الخرطوم فيما بعد,قد مثل نقلة نوعية كبيرة في البحث العلمي في السودان، خاصة بعد تكوين مدرستي الزراعة والطب البيطري، شعبتي الجلوجيا والدراسات السودانية, وكلية الدراسات العليا، مما جعل الجامعة، وما تزال، أحد اهم معاقل البحوث العلمية الرئيسية في البلاد حتى بداية الستينيات عندما تم تكوين هيئة البحوث الزراعية في عام 1967 ولاحقا المجلس القومي للبحوث في عام 1970. وينبغي لنا ان ننوه الى الدور الكبير الذي لعبه البروفسير النذير دفع في البحث العلمي في جامعة الخرطوم بمقدراته الادارية, و تفوقه الاكاديمي بحصوله على براءة اختراع مصل داء ذات الرئة المحيطية في الابقار في علم البكتريا في عام 1957. و قد فتح هذا الاختراع ابواب البحث العلمي في هذا المجال على مستوى العالم, و اصبح الاساس لانتاج العديد من العقارات اللقاحية الاخرى.
و كما قلنا من قبل، فان البحوث الزراعية بدأت في عام 1902، ثم اتت مرحلة أخرى تكونت فيها محطة البحوث الجزيرة في عام 1918 بغرض تقديم النصح والارشاد في مجال إنتاج القطن وبعض المحاصيل ذات الصلة بالدورة الزراعية في مشروع الجزيرة. توالى بعد ذلك تكوين محطات البحوث الزراعية في مناطق السودان المختلفة في كادوقلي (1935)، يامبيو (1948)، أبو نعامة (1963)، خشم القربة (1960)، الحديبة (1962) وسنار ومعتوق (1963). وقاد هذا التوسع الكبير في مجال البحوث الزراعية إلى تكوين هيئة البحوث الزراعية كمؤسسة عامة شبه مستقلة باشراف وزارة الزراعة في عام 1967. وقد ضمت الهيئة تحت ادارتها كل وحدات البحوث والمراكز المتخصصة في مجالات تصتيع الاغذية، الغابات والمراعي. و يحمد للمركز خلقه لعلاقات دولية متينة مع منظمة الاغذية والزراعة العالمية الفاو، ووكالات التنمية الدولية في ألمانيا واليابان وبنك التنمية الاسلامي بجدة والذين قدموا دعما مقدرا للبحث العلمي في السودان. وككل المرافق الحكومية التي تأثرت بقدوم الانقاذ، فقد تعرضت الهيئة لعدد من التدخلات الحكومية الجائرة التى اثرت في مسيرتها. ففي عام 2001 عملت الحكومة على إعادة هيكلة القطاع العام، وكان نصيب الهيئة التحويل إلى وزارة العلوم والتكنولوجيا لكي تضم الوحدات البحثية في الوزارات الاخرى، ثم اعادتها الحكومة مرة أخرى لوزارة الزراعة في عام 2010.
و يعتبر مجال الاثار من المجالات الراسخة في خريطة البحث العلمي في السودان برز فيه دورعالم الاثار البريطاني المستر أ. ج آركل في توجيه مسارات البحث فيه. فقد كان آركل أول مدير للآثار والمتاحف بحكومة السودان ورئيس الجمعية الفلسفية السودانية في الفترة من 1938الى 1948, وتقدم بهذه الصفة بعدد من الاقتراحات لتطوير البحث العلمي في مجال الاثار في السودان منها: دراسة ارض النوبة والنوبيين بشكل علمي، التدقيق في تاريخ اصول دولة الفونج الاسلامية، إجراء المسوحات والحفريات للاثار في شمال السودان خاصة قوائم الأسماء الافريقية والسامية لكي تساعد في معرفة تاريخ السودان القديم بصورة أفضل. وكما دعا أيضا لضرورة الاهتمام بالفولكلور لحماية المنشآت والتقاليد السودانية من التغول الاجنبي، و لذلك يرجع اليه الفضل جزئيا في افتتاح المتحف القومي في عام 1971..
و تكللت جهود البروفسير السماني عبد الله يعقوب وآخرين بتكوين أول كيان علمي يعني بتطوير البحث العلمي كأداة لتنمية البلاد بأسم المجلس القومي للبحوث بموجب مرسوم رئاسي اصدره الرئيس الراحل نميري في مايو 1970. كان الهدف من المجلس صياغة سياسة البحث العلمي ومتابعة تنفيذها، بجانب تقديم المشورة للحكومة في مجالات تدريب القوى العاملة السودانية، ونقل، تكييف، واستخدام النكتولوجيا لتنمية البلاد. و ضمت الحكومة المجلس لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أكتوبر 1971. تم حل هذه الوزارة فيما بعد.لكن دار لغط كبير حول دور المجلس واهميته بين الباحثين واستقر الرأي على تكوين خمس لجان فرعية للمجالات الاتية: الزراعة، الثروة الحيوانية، الاقتصاد والاجتماع، الصناعة والبحوث الطبية. وفي عام 1973 تم تعديل القانون بصدور قانون المجلس القومي ولوائحه، بعد حل الوزارة، وظل المجلس يعمل بصورة مستقلة يجلس على قمته رئيس بدرجة وزير يتبع لرئاسة للجمهورية. قام المجلس بعمل المسوح والبحوث الاجتماعية والاقتصادية عن قناة جونقلي، الهجرة الداخلية والخارجية، الجمعيات التعاونية، الزراعة الالية في جبال النوبة، الجفاف والتصحر وهي مسائل من صميم الواقع السوداني المتأزم. للاسف لم تأخذ الحكومات اللاحقة بتوصيات تلك الدراسات، ولو اخذ بها لكان الحال غير الحال كما افاد بذلك احد الباحثين في المركز د. صدقي كبلو. وقد ارسى المجلس العديد من التقاليد الراسخة في البحث العلمي في السودان بان يقوم باحثي المجلس بالتدريس واجراء البحوث المشتركة بين المجلس والجامعة لربط التدريس بالبحوث الحديثة في الشأن السوداني وان يلم الباحثين باحدث التطورات والنظريات في المجال الاكاديمي. وهذا فهم متقدم جدا لمفهوم البحث العلمي لم يتم المحافظة عليه مع الاسف. و قد ظل وضع البحث العلمي مستقرا بعض الشئ, وحافظ المجلس على استقلاليته ودوره المقدر في البحث العلمي في فترة حكم نميري بفضل الادارات والكفاءات القديرة التي كفلت له الحرية الاكاديمية, ومنعت التغول السياسي في أداء المجلس مثل بروفسير إبراهيم حسن عبد الجليل، بروفسير عبد الرحمن العاقب، بروفسيرعبد الغفار محمد أحمد، و المهندس وديع حبشي وزيرالزراعة في حكومة مايو وخبير الأغذية العالمية باديس ابابا.
ويبدو ان المجلس استمر في أداء رسالته بنفس الوتيرة في العهد الديمقراطي الثالث، ويذكر الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق في كتابه "الديموقراطية عائدة وراجحة " الذي وثق فيها لافكاره في تلك الفترة، بأن مجلس الوزراء كون لجنة قومية ذات تأهيل عال برئاسة الدكتور محجوب جعفر في سبتمبر 1986 اوصت فيها اللجنة بضرورة التنسيق بين التعليم والبحث العلمي. وبالتشاور مع البنك الدولي تم إنشاء مجلس تنسيقي للتعليم العالي والبحث العلمي. وكان ان طلب من المجلس القومي للبحوث تقديم خطة قومية للبحث تلبي الحاجة في جميع المرافق الدولة تكون ملزمة لجميع وحدات البحث العلمي في السودان في المصالح الحكومية والجامعات. كانت الخطة المذكورة انفا تحت الدراسة في مؤتمر تداولي ,و عدلت في بعض بنودها في سبيل ان تحول الى مشروع قومي, على ان يناقش في مؤتمر عام برعاية كل الأسرة العلمية في السودان.
لكن مع تغير النظام السياسي في السودان وقدوم حكومة الانقاذ ذات الصبغة الاسلامية في 1989 شهد البحث العلمي اضطرابا شديدا في سياسته، فقد حاولت الحكومة عدة مرات إعادة هيكلة الجسم المنوط به إدارة البحث العلمي فقامت بحل المجلس القومي للبحوث في 1991 واستبدلته بمركز البحوث القومي وكيفت الحكومة المركز ليتماشى مع التوجهات الجديدة لحكومة الانقاذ الاسلامية. فقد بدأ المركز بالتركيز على المجالات التي قيل انها لم تنل حظها من البحث العلمي الكافي مثل النباتات الطبية والعطرية، الاستشعار عن بعد، والتقانة الحيوية والهندسة الوراثية، بالإضافة إلى أبحاث المباني قليلة التكلفة والبيئة وغيرها من أفرع العلوم. ضم المركز تحت لوائه المعاهد التالية: معهد أبحاث البيئة والموارد الطبيعية، معهد الأبحاث الهندسية وتقانة المواد، معهد طب المناطق الحارة، معهد الأبحاث الهندسية وتقانة المواد، معهد النباتات الطبية والعطرية والطب الشعبي، هيئة التقانة الحيوية والهندسة الوراثية، مركز التوثيق والمعلومات والاعلام العلمي. كان المركز يتبع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي حينها حتى قيام وزارة العلوم والتقانة في عام 2001 م حيث تحولت تبعيته إليها. وفي عام 2001 حلت الحكومة تشكيل مجلس المركز عندما تأسست وزارة العلوم والتكنولوجيا التي تبع لها المركز آنذاك. في عام 2015 انتقلت تبعية المركز القومي للبحوث من وزارة العلوم والاتصالات سابقا إلى وزارة التعليم العالي مرة أخرى.
و على الرغم من وضع حكومات الانقاذ المختلفة خطط للبحث العلمي كالخطة الخمسية للاعوام 2007-2011، والخطة الربع قرنية ل 2002- 2027 الا ان ذلك لا يعني ان الحكومة كانت لديها الايمان والقناعة بمفهوم البحث العلمي كمنهج للحياة وكسبيل لحل مشكلات المجتمع، بل على العكس من ذلك فقد حصرت البحوث العلمية في نطاق محدود، واستعملته كأداة سياسية لتحقيق مكاسب حزبية ضيقة. فقد استخدمت اليات البحث العلمي في ترسيخ مفاهيم لم يجن منها المجتمع أي منافع تذكر. فمواضيع مثل تأكيد هوية الامة أو التأصيل، والتي انفقت فيها مبالغ طائلة، وتم تناولها بكثير من السطحية، وبدا البحث العلمي كنوع من الترف والاهدار غير المجدي بدلا من ان يكون استراتيجية عصرية علمية تعبر عن مشاكل السودان. ويمكنك ان تتخيل ان تكون البحوث في المركز القومي تحمل العناوين التالية: اثبات صحة رسالة عمر بن الخطاب في القضاء إلى ابي موسى الاشعري، الاعلام الأمني رؤية تأصيلية، أو تأصيل مناهج ووسائل البحث الجغرافي.
أعني بسياسة البحث العلمي هنا تخطيط وادارة البحوث وبالتحديد وضع السياسات التي تحدد مسار البحث العلمي في البلاد، بالإضافة إلى تنسيق الانشطة، ومتابعة تنفيذ البرامج البحثية الجارية. ويقوم بهذا الدور، في العادة، مجلس يسمى بمجلس البحوث نجده في كثير من دول العالم وترصد له الميزانيات الضخمة بملايين الدولارات في السنة الواحدة. فعلى سبيل المثال فان مجلس البحوث الاسترالي ينفق نحو 800 مليون دولار سنويا لتمويل البحث العلمي، ولا يختلف الأمر عنه كثيرا في كندا، الولايات المتحدة الامريكية، النرويج، السويد، سلطنة عمان أو إيطاليا، حيث يتم استخدام البحث العلمي كأداة فعالة في تحسين عملية اتخاذ القرارات الحكومية، السياسات العامة للدولة، ولزيادة فهم المواطنين لها. وقد لعب المجلس القومي للبحوث المنحل في السودان، دورا مماثلا قبل ان تتغول على حكومة الانقاذ وتفرغه من محتواه في عام.1991
اما إذا رجعنا بالتاريخ إلى الوراء فان بداية البحث العلمي في السودان تعود للعام 1902 عندما تكونت الكرنتينة البيطرية، والتي كانت تتبع لمصلحة البيطرة للمستعمر الاجنبي، وكانت تقوم بعمل الدراسات لأمراض وأوبئة الحيوانات خاصة الطاعون. وفي نفس العام 1902 تم إنشاء أول وحدة للابحاث الزراعية بمزرعتين الاولى في شندي، والاخرى في الكاملين كجزء من مصلحة التعليم من أجل إجراء البحوث المدارية، وتم ذلك بالتوافق مع قيام معمل ويلكم بأنشاء المعامل في مجالي الكيمياء والحشرات في 1904. ويعود الفضل في بداية البحث العلمي في مجال الطب في السودان للسير هنري. س. ويلكم مؤسس منظمة ويلكم الخيرية ذائعة الصيت، والتي لا تزال تعمل حتى الآن بأسم ويلكم ترست في بريطانيا، عندما اهدى حكومة السودان متحف، والمعدات الكافية لتاسيس معمل للتحاليل والبحوث الطبية في السودان في وقت، لم تكن توجد في البلاد حتى إدارة طبية لائقة. وفي عام 1903 بدأت أجراءت البحوث في الامراض العادية في معمل البحوث الأستوائية، والتي قام بها السير اندرو بلفور، والذي شغل منصب أول ضابط صحة في السودان الحديث. وقد قضى السير بلفور العشر سنين التالية من حياته في السودان حتى العام 1913، في بحث مقدر لمرض الملاريا وحشرة البعوض المسببة لها.
و لا شك ان إنشاء مدرسة كتشتر الطبية، التي تحولت إلى جامعة الخرطوم فيما بعد,قد مثل نقلة نوعية كبيرة في البحث العلمي في السودان، خاصة بعد تكوين مدرستي الزراعة والطب البيطري، شعبتي الجلوجيا والدراسات السودانية, وكلية الدراسات العليا، مما جعل الجامعة، وما تزال، أحد اهم معاقل البحوث العلمية الرئيسية في البلاد حتى بداية الستينيات عندما تم تكوين هيئة البحوث الزراعية في عام 1967 ولاحقا المجلس القومي للبحوث في عام 1970. وينبغي لنا ان ننوه الى الدور الكبير الذي لعبه البروفسير النذير دفع في البحث العلمي في جامعة الخرطوم بمقدراته الادارية, و تفوقه الاكاديمي بحصوله على براءة اختراع مصل داء ذات الرئة المحيطية في الابقار في علم البكتريا في عام 1957. و قد فتح هذا الاختراع ابواب البحث العلمي في هذا المجال على مستوى العالم, و اصبح الاساس لانتاج العديد من العقارات اللقاحية الاخرى.
و كما قلنا من قبل، فان البحوث الزراعية بدأت في عام 1902، ثم اتت مرحلة أخرى تكونت فيها محطة البحوث الجزيرة في عام 1918 بغرض تقديم النصح والارشاد في مجال إنتاج القطن وبعض المحاصيل ذات الصلة بالدورة الزراعية في مشروع الجزيرة. توالى بعد ذلك تكوين محطات البحوث الزراعية في مناطق السودان المختلفة في كادوقلي (1935)، يامبيو (1948)، أبو نعامة (1963)، خشم القربة (1960)، الحديبة (1962) وسنار ومعتوق (1963). وقاد هذا التوسع الكبير في مجال البحوث الزراعية إلى تكوين هيئة البحوث الزراعية كمؤسسة عامة شبه مستقلة باشراف وزارة الزراعة في عام 1967. وقد ضمت الهيئة تحت ادارتها كل وحدات البحوث والمراكز المتخصصة في مجالات تصتيع الاغذية، الغابات والمراعي. و يحمد للمركز خلقه لعلاقات دولية متينة مع منظمة الاغذية والزراعة العالمية الفاو، ووكالات التنمية الدولية في ألمانيا واليابان وبنك التنمية الاسلامي بجدة والذين قدموا دعما مقدرا للبحث العلمي في السودان. وككل المرافق الحكومية التي تأثرت بقدوم الانقاذ، فقد تعرضت الهيئة لعدد من التدخلات الحكومية الجائرة التى اثرت في مسيرتها. ففي عام 2001 عملت الحكومة على إعادة هيكلة القطاع العام، وكان نصيب الهيئة التحويل إلى وزارة العلوم والتكنولوجيا لكي تضم الوحدات البحثية في الوزارات الاخرى، ثم اعادتها الحكومة مرة أخرى لوزارة الزراعة في عام 2010.
و يعتبر مجال الاثار من المجالات الراسخة في خريطة البحث العلمي في السودان برز فيه دورعالم الاثار البريطاني المستر أ. ج آركل في توجيه مسارات البحث فيه. فقد كان آركل أول مدير للآثار والمتاحف بحكومة السودان ورئيس الجمعية الفلسفية السودانية في الفترة من 1938الى 1948, وتقدم بهذه الصفة بعدد من الاقتراحات لتطوير البحث العلمي في مجال الاثار في السودان منها: دراسة ارض النوبة والنوبيين بشكل علمي، التدقيق في تاريخ اصول دولة الفونج الاسلامية، إجراء المسوحات والحفريات للاثار في شمال السودان خاصة قوائم الأسماء الافريقية والسامية لكي تساعد في معرفة تاريخ السودان القديم بصورة أفضل. وكما دعا أيضا لضرورة الاهتمام بالفولكلور لحماية المنشآت والتقاليد السودانية من التغول الاجنبي، و لذلك يرجع اليه الفضل جزئيا في افتتاح المتحف القومي في عام 1971..
و تكللت جهود البروفسير السماني عبد الله يعقوب وآخرين بتكوين أول كيان علمي يعني بتطوير البحث العلمي كأداة لتنمية البلاد بأسم المجلس القومي للبحوث بموجب مرسوم رئاسي اصدره الرئيس الراحل نميري في مايو 1970. كان الهدف من المجلس صياغة سياسة البحث العلمي ومتابعة تنفيذها، بجانب تقديم المشورة للحكومة في مجالات تدريب القوى العاملة السودانية، ونقل، تكييف، واستخدام النكتولوجيا لتنمية البلاد. و ضمت الحكومة المجلس لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أكتوبر 1971. تم حل هذه الوزارة فيما بعد.لكن دار لغط كبير حول دور المجلس واهميته بين الباحثين واستقر الرأي على تكوين خمس لجان فرعية للمجالات الاتية: الزراعة، الثروة الحيوانية، الاقتصاد والاجتماع، الصناعة والبحوث الطبية. وفي عام 1973 تم تعديل القانون بصدور قانون المجلس القومي ولوائحه، بعد حل الوزارة، وظل المجلس يعمل بصورة مستقلة يجلس على قمته رئيس بدرجة وزير يتبع لرئاسة للجمهورية. قام المجلس بعمل المسوح والبحوث الاجتماعية والاقتصادية عن قناة جونقلي، الهجرة الداخلية والخارجية، الجمعيات التعاونية، الزراعة الالية في جبال النوبة، الجفاف والتصحر وهي مسائل من صميم الواقع السوداني المتأزم. للاسف لم تأخذ الحكومات اللاحقة بتوصيات تلك الدراسات، ولو اخذ بها لكان الحال غير الحال كما افاد بذلك احد الباحثين في المركز د. صدقي كبلو. وقد ارسى المجلس العديد من التقاليد الراسخة في البحث العلمي في السودان بان يقوم باحثي المجلس بالتدريس واجراء البحوث المشتركة بين المجلس والجامعة لربط التدريس بالبحوث الحديثة في الشأن السوداني وان يلم الباحثين باحدث التطورات والنظريات في المجال الاكاديمي. وهذا فهم متقدم جدا لمفهوم البحث العلمي لم يتم المحافظة عليه مع الاسف. و قد ظل وضع البحث العلمي مستقرا بعض الشئ, وحافظ المجلس على استقلاليته ودوره المقدر في البحث العلمي في فترة حكم نميري بفضل الادارات والكفاءات القديرة التي كفلت له الحرية الاكاديمية, ومنعت التغول السياسي في أداء المجلس مثل بروفسير إبراهيم حسن عبد الجليل، بروفسير عبد الرحمن العاقب، بروفسيرعبد الغفار محمد أحمد، و المهندس وديع حبشي وزيرالزراعة في حكومة مايو وخبير الأغذية العالمية باديس ابابا.
ويبدو ان المجلس استمر في أداء رسالته بنفس الوتيرة في العهد الديمقراطي الثالث، ويذكر الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق في كتابه "الديموقراطية عائدة وراجحة " الذي وثق فيها لافكاره في تلك الفترة، بأن مجلس الوزراء كون لجنة قومية ذات تأهيل عال برئاسة الدكتور محجوب جعفر في سبتمبر 1986 اوصت فيها اللجنة بضرورة التنسيق بين التعليم والبحث العلمي. وبالتشاور مع البنك الدولي تم إنشاء مجلس تنسيقي للتعليم العالي والبحث العلمي. وكان ان طلب من المجلس القومي للبحوث تقديم خطة قومية للبحث تلبي الحاجة في جميع المرافق الدولة تكون ملزمة لجميع وحدات البحث العلمي في السودان في المصالح الحكومية والجامعات. كانت الخطة المذكورة انفا تحت الدراسة في مؤتمر تداولي ,و عدلت في بعض بنودها في سبيل ان تحول الى مشروع قومي, على ان يناقش في مؤتمر عام برعاية كل الأسرة العلمية في السودان.
لكن مع تغير النظام السياسي في السودان وقدوم حكومة الانقاذ ذات الصبغة الاسلامية في 1989 شهد البحث العلمي اضطرابا شديدا في سياسته، فقد حاولت الحكومة عدة مرات إعادة هيكلة الجسم المنوط به إدارة البحث العلمي فقامت بحل المجلس القومي للبحوث في 1991 واستبدلته بمركز البحوث القومي وكيفت الحكومة المركز ليتماشى مع التوجهات الجديدة لحكومة الانقاذ الاسلامية. فقد بدأ المركز بالتركيز على المجالات التي قيل انها لم تنل حظها من البحث العلمي الكافي مثل النباتات الطبية والعطرية، الاستشعار عن بعد، والتقانة الحيوية والهندسة الوراثية، بالإضافة إلى أبحاث المباني قليلة التكلفة والبيئة وغيرها من أفرع العلوم. ضم المركز تحت لوائه المعاهد التالية: معهد أبحاث البيئة والموارد الطبيعية، معهد الأبحاث الهندسية وتقانة المواد، معهد طب المناطق الحارة، معهد الأبحاث الهندسية وتقانة المواد، معهد النباتات الطبية والعطرية والطب الشعبي، هيئة التقانة الحيوية والهندسة الوراثية، مركز التوثيق والمعلومات والاعلام العلمي. كان المركز يتبع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي حينها حتى قيام وزارة العلوم والتقانة في عام 2001 م حيث تحولت تبعيته إليها. وفي عام 2001 حلت الحكومة تشكيل مجلس المركز عندما تأسست وزارة العلوم والتكنولوجيا التي تبع لها المركز آنذاك. في عام 2015 انتقلت تبعية المركز القومي للبحوث من وزارة العلوم والاتصالات سابقا إلى وزارة التعليم العالي مرة أخرى.
و على الرغم من وضع حكومات الانقاذ المختلفة خطط للبحث العلمي كالخطة الخمسية للاعوام 2007-2011، والخطة الربع قرنية ل 2002- 2027 الا ان ذلك لا يعني ان الحكومة كانت لديها الايمان والقناعة بمفهوم البحث العلمي كمنهج للحياة وكسبيل لحل مشكلات المجتمع، بل على العكس من ذلك فقد حصرت البحوث العلمية في نطاق محدود، واستعملته كأداة سياسية لتحقيق مكاسب حزبية ضيقة. فقد استخدمت اليات البحث العلمي في ترسيخ مفاهيم لم يجن منها المجتمع أي منافع تذكر. فمواضيع مثل تأكيد هوية الامة أو التأصيل، والتي انفقت فيها مبالغ طائلة، وتم تناولها بكثير من السطحية، وبدا البحث العلمي كنوع من الترف والاهدار غير المجدي بدلا من ان يكون استراتيجية عصرية علمية تعبر عن مشاكل السودان. ويمكنك ان تتخيل ان تكون البحوث في المركز القومي تحمل العناوين التالية: اثبات صحة رسالة عمر بن الخطاب في القضاء إلى ابي موسى الاشعري، الاعلام الأمني رؤية تأصيلية، أو تأصيل مناهج ووسائل البحث الجغرافي.
اما إذا تمعنا في حال جامعاتنا فاننا نلحظ بوضوح ان ثورة التعليم
العالي ادت إلى إلى تقليل الاهتمام بالبحوث العلمية وزيادة الاهتمام بالتدريس
الجامعي. وقد انشأت الحكومة جامعات، وكليات جامعية كثيرة، واطلقت يد القطاع الخاص
في إنشاء جامعات خاصة. بدأت بعض من هذه الجامعات بامكانيات متواضعة في مجالات
العلوم الاجتماعية والانسانية وعلوم الحاسوب والتي لا تتطلب استثمارا ضخما، ودون
وسائل تعليم حديثه بالقدر الكافي. وقد كانت الاعداد الكبيرة للطلاب مصدرا للربح
حتى للجامعات الحكومية العريقة، بعد ان استحدثت الحكومة ما يعرف بالقبول الخاص
لزيادة مواردها الخاصة.و ادى هذا لتدهور في نواحي عديدة من الحياة الجامعية و من
بيتها البحوث, فقد كانت كثير من مواضيع البحث في الجامعات، خاصة في مجال الدراسات
الانسانية لا تمس جوهر مشاكل المجتمع السوداني,
وادى عدم عدم وجود سياسة واضحة للبحث العلمي، و عدم وجود التمويل الحكومي الكافي لمؤسسات التعليم العالي في السودان ان تكيف الجامعات السودانية نفسها مع التمويل الحكومي للجامعات الذي يذهب معظمه للتعليم. و ادى ذلك لتقييد الجامعات في وضع الاستراتيجيات البحثية وعوق لديها عملية تحديد الاولويات. وقد حدث ما يمكن ان نسميه بالفوضى البحثية، التي تأخذ مناحي عدة منها إجراء البحث العلمي من أجل الترقي فقط، دون الانتباه لاهميته واثره على المجتمع، مما ادى لانفصال البحوث عن الواقع المعاش وعدم مواكبته لحاجات المجتمع.
اتسمت سياسة البحث العلمي في فترة الانقاذ ببعدها عن صناعة القرار الحكومي. وكانت عملية اصدار القرارات الحكومية تتم في بعض الاحيان بتعجل، ودون تروي بصورة احادية من رأ س السلطة السلطة السياسية، والمقربين منه. وينم ذلك دون الاستعانة بالدراسات والاستشارات العلمية ذات الحيدة والموضوعية، والتي تقوم بها في العادة مراكز الدراسات الاستراتيجية التي يندر وجودها في السودان. وقد رشح في الاخبار ان الرئيس المخلوع استعان بمركز دراسات استراتيجية خاص به، منح فيه باحثيه امتيازات عديدة لم تفد البلاد في شيئ، ولا حتى الرئيس إذا كانت النتيجة هي ازاحته. اما الوضع السياسي والاقتصادي فلا حرج.
و لا يختلف الأمر عن هذا إذا القينا النظر إلى دول الجوار العربي، والتي تملك مجتمعة نحو 12 معهدا استراتيجيا. وعلى العكس من ذلك، فأن الدولة العبرية تتمتع ب 15 مركزا استراتيجيا تساعد في اصدار القرارات بصورة علمية، إذ كثيرا ما تلجأ الحكومة إلى مراكز الأبحاث العلمية والفكرية، واصحاب الاختصاص في إسرائيل للخذ الرأي والمشورة في قرارات الدولة المهمة. وعلى حسب طبيعة عمل هذه المراكز يمكن ان نحصرها في إلى المجالات الاتية: الأمن، الأمن والسلام، التخطيط الاستراتيجي والسياسات العامة، القضايا الاجتماعية، الفكر، الاقتصاد، التعليم، التاريخ، تعزيز التعايش. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل اننا نجد مؤسسة بحثية في كل وزارة، أو وحدة حكومية في إسرائيل يديرها باحثون متميزون هدفهم تقديم التوصيات الخاصة بالمؤسسة المعنية، بالإضافة إلى تفسير أو إعادة تفسير الاحداث التاريخية، خاصة تلك التي ترتبط بأهداف في المستقيل البعيد.و هذا جانب نفتقده كثيرا في ابحاثنا العلمية في مجالات التاريخ، الاجتماع، والعلوم السياسية. فتاريخنا، وعلاقاتنا الاجتماعية تحتاج إلى دراسات جادة، وسياستنا إلى دراسات ناقدة. فنحن نعيش في مظلة دولة اوروبية مستوردة بمفاهيم مجموعات قبلية واثتية متفرقة، تتحكم فيها نخب قليلة ورثت السلطة، واحتكرتها، وغيبت فيه العقد الاجتماعي بينها وبين محكوميها. واقرب مثال نبدأ فيه هو تقييم تجربة حكم الحركة الاسلامية التي حكمت في السودان لثلاثين عاما علنا نأخذ من بعض العبر. اما أفضل منهج لصناعة القرار في اطار الديموقراطية في الوقت الحالي نجده في الولايات المتحدة الامريكية، فهو عملية شائكة ذو وجوه عدة. الواجهة التنفيذية كلبيت الأبيض، البنتاغون، الأمن القومي والخارجية التي تبني قراراتها بناءا على توصيات مراكز الدراسلت الاستراتيجية، ثم الواجهة التشريعية كالكونغرس بمجلسيه. ليس هذا فقط بل ان القرار التشريعي لا يخضع لهوى أعضاء المجلس، بل يتداخل فيه جلسات الاستماع مع آراء جماعات الضغط، اتجاهات الصحافة، والتلفزيون ونتائج استطلاعات الرأي.
و اخيرا فان واقع البحث العلمي في السودان لا يدعو للتفاؤل فهناك بعض النقاط التي يجب التوقف فيها. أول تلك النقاط هي انشأء الحكومة لعدد من المراكز البحثية المتخصصة من أجل توجيه البحث العلمي ليخدم اغراض حزبية ضيقة. وقد استفادت كوادر الحزب الحاكم من ذلك لبلورة أفكار تناسب الهندسة الاجتماعية التي ارادت ان تطبقها على المجتمع السوداني. وفي نفس الوقت ضيقت الخناق على المراكز التي لم تتكيف مع تلك السياسات مما ادى لاغلاق بعضا منها مثل مركز الدراسات السودانية للدكتور حيدر إبراهيم. النقطة الثانية هي تقلص دور مركز البحوث القومي لعدم اكتمال هياكله، إذ يضم الآن مجموعة متنافرة من وحدات البحوث المختلفة تحت إدارة موحدة دون تنسيق بحثي بينهم، اواو تمويل كاف للبحوث. ولذلك فبيئة العمل البحثي هناك غير مشجعة في ظل افتقار المركز لمقر دائم، ضعف التأهيل والتدريب والتلاقح الخارجي. النقطة الثالثة هي تركز مراكز البحوث في العاصمة، فاذا استثنينا هيئة البحوث الزراعية التي تنتشر فروعها في اقاليم السودان المختلفة، فأننا نكاد لا نرى مراكز بحثية في الاقاليم لمجالات مهمة كالثروة الحيوانية، البيئة، التراث، الحياة البرية أو التعدين. النقطة الرابعة ان البحوث تقوم على المبادرات الشخصية، أو مدفوعة من هيئات حكومية، وقد لا يخدم هذا الاتجاه المصلحة العامة للبلاد.
نخلص مما قلناه ان هناك حاجة ماسة للقيام بعمل اصلاحات في سياسة البحث العلمي على مستوى السودان، بعمل تقييم وتحليل شامل لمفهوم البحث العلمي بوضعه الراهن ليعكس التنوع الثقافي، الاثتي، والبيئي لبلادنا وغزارة المواضيع التي تحتاج للبحث، وعليه أقدم هنا بعض المقترحات للنقاش لكل المهتمين:
1). اقترح تكوين هيئة قومية مستقلة ومنفصلة عن وزارة التعليم العالي، ويتم اصدار تشريع قانوني خاص يماثل تشريع الدواوين المستقلة كديوان النائب العام وديوان المراجعة العام لكي لا يخضع للاهواء السياسية المتقلبة كمجلس له خصوصيته الاستشارية في مساعدة الحكومة وتثمين دور البحث العلمي في تنمية البلاد.و لا بأس من عودة المجلس القومي للبحوث المستقل بمجالسه ولجانه ومعاهده المتخصصة. ولكن ان يتم أعادة هيكلته ليوائم مستجدات العصر كالعولمة والتطور التقتي الذي نراه ماثلا امامنا بالذات في مجال الاتصالات على مستوى العالم، فالعالم تغير من حولنا ونحن لم نواكب التطور الهائل في البحث العلمي الذي حدث في الثلاثين سنة الاخيرة وبرزت تكنولوجيا الناشئة في مجالات الاتصالات وكيفية التعامل مع المعلومات، تقنيات النانو، العلوم الحيوية، النكتولوجية والجينات. اما في السودان فهناك العديد من القضايا التي تحتاج للبحث العلمي من اهمها قضايا التنمية، السلام، الديمقراطية، الهجرة وقضايا المغتربين، النازحين واللاجئين، البيئة، الهوية، الثقافة ومناقشة تاريخ السودان المعاصر بتجرد وشفافية, مع وضع الية يتفق عليها لتحديد الاولويات.
2).تخصيص وتمويل ثابت في الميزانية العامة للدولة كنسبة من الدخل القومي في حدود 1.5% - 2% يحسب على أساس ميزانية العام المالي المنصرم. وقد ضمن المصريون في الدستور المصري الذي تم اجازته بعد ثورة يناير تفويضا للدولة بتخصيص 1% من الناتج المحلي لاغراض البحث والتطوير في عام 2014، وكما البند أيضا على حرية البحث العلمي.
3). انشاء فروع للمجلس القومي للبحوث المقترح في اقاليم السودان الخمسة الشمالي, الاوسط, كردفان, دارفور و الشرق.
4). تكوين مجلس للتنسيق بين المجلس القومي للبحوث المقترح ومراكز واقسام البحوث في الوزارات والوحدات الحكومية، الجامعات، ومصلحة الإحصاء. وهنا لا بدَّ من التنويه لدور الإحصاء المحوري في خطط واستراتيجيات للمستقبل، مما يسهل توظيف البحوث للاهداف المراد تحقيقها.
5). إعادة هيكلة الجامعات، فجزء كبير من نهضة الصين الصناعية الحديثة، قامت على مشروع سمتة مشروع 211 لتطوير مائة جامعة، واعدادها لتحديات القرن الواحد والعشرين.
6). توصية الجامعات بتكوين اقسام للبحوث و المنح العلمية, و تدريب الباحثين و الاداريين على كتابة مقترحات البحوث العلمية , الادارة و الادارة المالية, التدقيق المالي, البحث عن مصادر التمويل المحلية و العالمية للمشاريع البحثية.
7). ايجاد معادلة بين البحوث الاساسية و البحوث التطبيقية.
8). ايجاد الية لمتابعة مخرجات البحوث العلمية, و ذلك بالعمل على ربط العلاقة بين ناتج البحث العلمي و تسويق نتائجه .
9). الترويج للبحث العلمي في وسائل الاعلام , و بث ثقافة البحث العلمي عند الشباب في سن مبكرة في المرحلة الثانوية , و ربط تخريج الطالب الجامعي بمشروع البحث في البكالريوس في كل الجامعات و المعاهد العليا.
و في الختام لابدَّ من تغيير النمط الذي درج عليه تمويل البحث العلمي في السودان بضرورة اشراك القطاع الخاص في في تمويل البحث العلمي , ولمواكبة التوجهات العالمية في هذا الخصوص يمكن تبني مفهوم الحلزون الثلاثي الذي يستخدم لتنظيم العلاقة بين العناصر الثلاثة التي تؤثر في التمويل و التي تتكون من الحكومة، مراكز البحوث والجامعات, والقطاع الصناعي الذي يحول النتائج الى منتجات او خدمات يستفيد منها المستهلك في
وادى عدم عدم وجود سياسة واضحة للبحث العلمي، و عدم وجود التمويل الحكومي الكافي لمؤسسات التعليم العالي في السودان ان تكيف الجامعات السودانية نفسها مع التمويل الحكومي للجامعات الذي يذهب معظمه للتعليم. و ادى ذلك لتقييد الجامعات في وضع الاستراتيجيات البحثية وعوق لديها عملية تحديد الاولويات. وقد حدث ما يمكن ان نسميه بالفوضى البحثية، التي تأخذ مناحي عدة منها إجراء البحث العلمي من أجل الترقي فقط، دون الانتباه لاهميته واثره على المجتمع، مما ادى لانفصال البحوث عن الواقع المعاش وعدم مواكبته لحاجات المجتمع.
اتسمت سياسة البحث العلمي في فترة الانقاذ ببعدها عن صناعة القرار الحكومي. وكانت عملية اصدار القرارات الحكومية تتم في بعض الاحيان بتعجل، ودون تروي بصورة احادية من رأ س السلطة السلطة السياسية، والمقربين منه. وينم ذلك دون الاستعانة بالدراسات والاستشارات العلمية ذات الحيدة والموضوعية، والتي تقوم بها في العادة مراكز الدراسات الاستراتيجية التي يندر وجودها في السودان. وقد رشح في الاخبار ان الرئيس المخلوع استعان بمركز دراسات استراتيجية خاص به، منح فيه باحثيه امتيازات عديدة لم تفد البلاد في شيئ، ولا حتى الرئيس إذا كانت النتيجة هي ازاحته. اما الوضع السياسي والاقتصادي فلا حرج.
و لا يختلف الأمر عن هذا إذا القينا النظر إلى دول الجوار العربي، والتي تملك مجتمعة نحو 12 معهدا استراتيجيا. وعلى العكس من ذلك، فأن الدولة العبرية تتمتع ب 15 مركزا استراتيجيا تساعد في اصدار القرارات بصورة علمية، إذ كثيرا ما تلجأ الحكومة إلى مراكز الأبحاث العلمية والفكرية، واصحاب الاختصاص في إسرائيل للخذ الرأي والمشورة في قرارات الدولة المهمة. وعلى حسب طبيعة عمل هذه المراكز يمكن ان نحصرها في إلى المجالات الاتية: الأمن، الأمن والسلام، التخطيط الاستراتيجي والسياسات العامة، القضايا الاجتماعية، الفكر، الاقتصاد، التعليم، التاريخ، تعزيز التعايش. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل اننا نجد مؤسسة بحثية في كل وزارة، أو وحدة حكومية في إسرائيل يديرها باحثون متميزون هدفهم تقديم التوصيات الخاصة بالمؤسسة المعنية، بالإضافة إلى تفسير أو إعادة تفسير الاحداث التاريخية، خاصة تلك التي ترتبط بأهداف في المستقيل البعيد.و هذا جانب نفتقده كثيرا في ابحاثنا العلمية في مجالات التاريخ، الاجتماع، والعلوم السياسية. فتاريخنا، وعلاقاتنا الاجتماعية تحتاج إلى دراسات جادة، وسياستنا إلى دراسات ناقدة. فنحن نعيش في مظلة دولة اوروبية مستوردة بمفاهيم مجموعات قبلية واثتية متفرقة، تتحكم فيها نخب قليلة ورثت السلطة، واحتكرتها، وغيبت فيه العقد الاجتماعي بينها وبين محكوميها. واقرب مثال نبدأ فيه هو تقييم تجربة حكم الحركة الاسلامية التي حكمت في السودان لثلاثين عاما علنا نأخذ من بعض العبر. اما أفضل منهج لصناعة القرار في اطار الديموقراطية في الوقت الحالي نجده في الولايات المتحدة الامريكية، فهو عملية شائكة ذو وجوه عدة. الواجهة التنفيذية كلبيت الأبيض، البنتاغون، الأمن القومي والخارجية التي تبني قراراتها بناءا على توصيات مراكز الدراسلت الاستراتيجية، ثم الواجهة التشريعية كالكونغرس بمجلسيه. ليس هذا فقط بل ان القرار التشريعي لا يخضع لهوى أعضاء المجلس، بل يتداخل فيه جلسات الاستماع مع آراء جماعات الضغط، اتجاهات الصحافة، والتلفزيون ونتائج استطلاعات الرأي.
و اخيرا فان واقع البحث العلمي في السودان لا يدعو للتفاؤل فهناك بعض النقاط التي يجب التوقف فيها. أول تلك النقاط هي انشأء الحكومة لعدد من المراكز البحثية المتخصصة من أجل توجيه البحث العلمي ليخدم اغراض حزبية ضيقة. وقد استفادت كوادر الحزب الحاكم من ذلك لبلورة أفكار تناسب الهندسة الاجتماعية التي ارادت ان تطبقها على المجتمع السوداني. وفي نفس الوقت ضيقت الخناق على المراكز التي لم تتكيف مع تلك السياسات مما ادى لاغلاق بعضا منها مثل مركز الدراسات السودانية للدكتور حيدر إبراهيم. النقطة الثانية هي تقلص دور مركز البحوث القومي لعدم اكتمال هياكله، إذ يضم الآن مجموعة متنافرة من وحدات البحوث المختلفة تحت إدارة موحدة دون تنسيق بحثي بينهم، اواو تمويل كاف للبحوث. ولذلك فبيئة العمل البحثي هناك غير مشجعة في ظل افتقار المركز لمقر دائم، ضعف التأهيل والتدريب والتلاقح الخارجي. النقطة الثالثة هي تركز مراكز البحوث في العاصمة، فاذا استثنينا هيئة البحوث الزراعية التي تنتشر فروعها في اقاليم السودان المختلفة، فأننا نكاد لا نرى مراكز بحثية في الاقاليم لمجالات مهمة كالثروة الحيوانية، البيئة، التراث، الحياة البرية أو التعدين. النقطة الرابعة ان البحوث تقوم على المبادرات الشخصية، أو مدفوعة من هيئات حكومية، وقد لا يخدم هذا الاتجاه المصلحة العامة للبلاد.
نخلص مما قلناه ان هناك حاجة ماسة للقيام بعمل اصلاحات في سياسة البحث العلمي على مستوى السودان، بعمل تقييم وتحليل شامل لمفهوم البحث العلمي بوضعه الراهن ليعكس التنوع الثقافي، الاثتي، والبيئي لبلادنا وغزارة المواضيع التي تحتاج للبحث، وعليه أقدم هنا بعض المقترحات للنقاش لكل المهتمين:
1). اقترح تكوين هيئة قومية مستقلة ومنفصلة عن وزارة التعليم العالي، ويتم اصدار تشريع قانوني خاص يماثل تشريع الدواوين المستقلة كديوان النائب العام وديوان المراجعة العام لكي لا يخضع للاهواء السياسية المتقلبة كمجلس له خصوصيته الاستشارية في مساعدة الحكومة وتثمين دور البحث العلمي في تنمية البلاد.و لا بأس من عودة المجلس القومي للبحوث المستقل بمجالسه ولجانه ومعاهده المتخصصة. ولكن ان يتم أعادة هيكلته ليوائم مستجدات العصر كالعولمة والتطور التقتي الذي نراه ماثلا امامنا بالذات في مجال الاتصالات على مستوى العالم، فالعالم تغير من حولنا ونحن لم نواكب التطور الهائل في البحث العلمي الذي حدث في الثلاثين سنة الاخيرة وبرزت تكنولوجيا الناشئة في مجالات الاتصالات وكيفية التعامل مع المعلومات، تقنيات النانو، العلوم الحيوية، النكتولوجية والجينات. اما في السودان فهناك العديد من القضايا التي تحتاج للبحث العلمي من اهمها قضايا التنمية، السلام، الديمقراطية، الهجرة وقضايا المغتربين، النازحين واللاجئين، البيئة، الهوية، الثقافة ومناقشة تاريخ السودان المعاصر بتجرد وشفافية, مع وضع الية يتفق عليها لتحديد الاولويات.
2).تخصيص وتمويل ثابت في الميزانية العامة للدولة كنسبة من الدخل القومي في حدود 1.5% - 2% يحسب على أساس ميزانية العام المالي المنصرم. وقد ضمن المصريون في الدستور المصري الذي تم اجازته بعد ثورة يناير تفويضا للدولة بتخصيص 1% من الناتج المحلي لاغراض البحث والتطوير في عام 2014، وكما البند أيضا على حرية البحث العلمي.
3). انشاء فروع للمجلس القومي للبحوث المقترح في اقاليم السودان الخمسة الشمالي, الاوسط, كردفان, دارفور و الشرق.
4). تكوين مجلس للتنسيق بين المجلس القومي للبحوث المقترح ومراكز واقسام البحوث في الوزارات والوحدات الحكومية، الجامعات، ومصلحة الإحصاء. وهنا لا بدَّ من التنويه لدور الإحصاء المحوري في خطط واستراتيجيات للمستقبل، مما يسهل توظيف البحوث للاهداف المراد تحقيقها.
5). إعادة هيكلة الجامعات، فجزء كبير من نهضة الصين الصناعية الحديثة، قامت على مشروع سمتة مشروع 211 لتطوير مائة جامعة، واعدادها لتحديات القرن الواحد والعشرين.
6). توصية الجامعات بتكوين اقسام للبحوث و المنح العلمية, و تدريب الباحثين و الاداريين على كتابة مقترحات البحوث العلمية , الادارة و الادارة المالية, التدقيق المالي, البحث عن مصادر التمويل المحلية و العالمية للمشاريع البحثية.
7). ايجاد معادلة بين البحوث الاساسية و البحوث التطبيقية.
8). ايجاد الية لمتابعة مخرجات البحوث العلمية, و ذلك بالعمل على ربط العلاقة بين ناتج البحث العلمي و تسويق نتائجه .
9). الترويج للبحث العلمي في وسائل الاعلام , و بث ثقافة البحث العلمي عند الشباب في سن مبكرة في المرحلة الثانوية , و ربط تخريج الطالب الجامعي بمشروع البحث في البكالريوس في كل الجامعات و المعاهد العليا.
و في الختام لابدَّ من تغيير النمط الذي درج عليه تمويل البحث العلمي في السودان بضرورة اشراك القطاع الخاص في في تمويل البحث العلمي , ولمواكبة التوجهات العالمية في هذا الخصوص يمكن تبني مفهوم الحلزون الثلاثي الذي يستخدم لتنظيم العلاقة بين العناصر الثلاثة التي تؤثر في التمويل و التي تتكون من الحكومة، مراكز البحوث والجامعات, والقطاع الصناعي الذي يحول النتائج الى منتجات او خدمات يستفيد منها المستهلك في
bugaaduddudu@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق