مفاوضات جوبا: الاقصاء والعزل والتجاهل لن يؤسس لسلام شامل بالبلاد، ولابد من بداية صحيحة.

مبارك أردول
(1) تابعت بقليل من الاهتمام بدء جولة مباحثات السلام السودانية التي انطلقت بالامس في جوبا بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية شمال (قيادة الحلو) ومكونات الجبهة الثورية الاخرى، ومما يحمد له ان جوبا لعمقها التاريخي وموقفها القديم المتجدد وبل التزامها بأمر السلام العادل في الخرطوم قد خطت خطوات عملية من اجل تحقيقها عبر استضافتها للمنبر، وهو شرف تستحقه جوبا دون منازع، واننا اذ ندعم هذه الوساطة والمفاوضات الجارية فقط لاننا تأثرنا كأفراد وأسر ومجتمعات وبشكل مباشر من استمرارية هذه الحروب وتتمثل مصلحتنا الاولى في وقفها دون عودة، واننا نعلم ايضا نوايا حكومة (الثورة) الانتقالية بأطرافها من عملية انهاء الحرب وتحقيق السلام والتي تعتبر على الاقل ليست كسابقاتها.
(2) ولكن مع ذلك ان الجولة تحوم حولها الكثير من النواقص وسوء التحضير والترتيب، اولها يبدوا ان الاطراف المشاركة قد اتفقت مبدئيا بتطبيق الفقرة (د - ٤) الواردة في وثيقة الجبهة الثورية والقاضية باقصاء او تمكين بعض الاطراف في التحكم في قضية السلام وانهاء الحرب ليكونوا بالمفهوم البسيط سماسرة (Brokers) ودون وجه حق، يتحكمون في باب الدخول والخروج في مفاوضات السلام في البلاد، او لا تتم الاتفاقية الا بعد موافقتهم او عبر فورماناتهم هم فقط، وكأن الحرب لم تقم تحت دواعي الاقصاء والتهميش.
اننا نرى ان تنفيذ هذا البند المجحف قد يهدد عملية السلام، او سيجبر الاطراف الاخرى (لا سمح الله) لاتخاذ مواقف متطرفة لاثبات وجودها وهو امر لا نشجع له وسيراكم علينا الاضرار فوق التي نعيشها الان بسبب الحرب.
ومما لا شك فيه ان من وضع هذا البند يعلم ضمنيا ان هنالك اطراف وحركات اخرى غيره ولكنه لايريد لها التواجد والتفاوض، لاسباب الراجح فيها تتعلق بمقاسمة السلطة والحصول على اكبر نصيب من الكعكة لا عملية السلام الحقيقية، ولكن السؤال هو لماذا سمحت الحكومة للجبهة الثورية بالتحكم في عملية السلام واتخاذ المفاوضات كعصاة لمحاربة خصومها؟ ولماذا تجاريهم او تصمت لهم حاليا وهم يهددون الوساطة (بفيتو) عن ان دخول اي حركة دون موافقتهم سيجلعهم يغادرون منبر التفاوض؟ ماذا تبحث الحكومة بالضبط في جوبا، هل تريد انهاء الحرب تحقيق السلام ام ارضاء للثورية؟.
اذا كان التفاوض من اجل انهاء الحرب وتحقيق السلام الشامل فيجب ان يشارك كل الأطراف فيه دون محاباة او تمكين لطرف ضد الاخرين، وهذا هو المنهج الصحيح الذي يجب ان يطبق بصرامة ودون مجاملة.
(3) ايضا يلاحظ في هذه المفاوضات غياب حقيقي او عزل للقوى السياسية التي ظلت تعارض النظام السابق بل كانت حليفة لقوى الكفاح المسلح من اجل اسقاط النظام وتحقيق سودان بعد الانقاذ، وهو امر يجعل من عملية السلام المبدئية خاضعة للتكتيكات والمكاسب الحزبية الضيقة، فعزلة وعدم اشراك القوى السياسية سيجعل عملية السلام فاقدة للسند الشعبي خاصة من جماهير ومؤيدي الأحزاب وكوادرها واللذين يشكلون جمهورا كبيرا من الشعب السوداني بل هذه الاحزاب قد شاركت مجملا ومنفردة في صناعة واقع اليوم، فمشاركتها الحقيقية لا حتى اصطحابها الشكلي في عملية السلام يمتنها ويجعلها مفاوضات متعددة مملوكة للجميع لصونها والدفاع عنها، وليست ثنائية مثل غيرها من الاتفاقيات التي وقعت في اديس ابابا 1972 ونيفاشا 2005 وابوجا 2007م وتم اجهاضها ونقضها ولم تحرك ذلك الحياة السياسية، فضلا عن ان تلكم الاتفاقيات لم تؤسس لسلام شامل في البلاد، فلا يجب تكرار المجرب والمضي في الطريق الذي لا يوصلنا.
(4) كذلك ان عدم مشاركة ممثلين من مجتمعي النازحين واللاجئين وسكان مناطق الحرب والمجتمع المدني في مفاوضات السلام سيجعل من المفاوضات مجرد عملية فوقية بين النخبة الحكومية والنخبة المعارضة لمنح المناصب والمكاسب المعروفة مجازا ب(المحاصصات) دون معالجة موضوعية للقضايا التي صدح باسم هؤلاء لتحقيقها، ومن غير تفويض او شرعية شعبية، فلو قلنا انه التفويض تم انتزاعه بشرعية العنف وكان صاحب البندقية الاطول هو من يتحدث باسم هذه الشعوب فلا مبرر من الاستناد على تلك الشرعية وحدها في مفاوضات السلام التي تجري حاليا.
(5) واخيرا تجاهل الاطراف الدولية المهمة والتي ظلت تاريخيا شريكة وستستمر شريكة في عملية السلام في البلاد مثل دول الترويكا والاتحاد الاوروبي وغيرها، نراها عملية غير مبشرة مطلقا ولن تؤشر الا بميلاد اتفاقية سلام ميتة لا تحظى بسند وطني او دعم خارجي وبذا سيكون الامر اجهاض حقيقي لمفاوضات السلام ووئدها في مهدها.
فهذا وغيره مايمكننا ان نقوله للشعب السوداني عن مفاوضات انهاء الحرب وتحقيق السلام التي انطلقت بالامس، ونعلم انه المالك الفعلي لها، وكذلك ننصح به حكومته والوساطة والأطراف الاخرى.
15 اكتوبر 2019م
Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق