بقلم / آدم جمال أحمد - سيدني – استراليا
ظلت قضية السلام ووقف نزيف الحرب تشكل إحدى الأجندة الحاضرة دوماً
في ملف السياسة السودانية ، فالسلام خيار استراتيجي يتوق اليه كل جموع الشعب
السوداني ، والتي تحتاج الي كسر الجمود وتعزيز الثقة بين الأطراف وتقديم التنازلات
للتوصل إلى سلام شامل ، لان تحقيق السلام مسئولية تاريخية والتزام أخلاقي ، ولا
سيما ان الحكومة الانتقالية امام اختبار وتجربة ليست بالسهل ، لأن الوثيقة
الدستورية قد نصت علي تخصيص الأشهر الستة الاولي من الفترة الانتقالية لتحقيق
السلام في البلاد ، وفيما ينظر كثيرون بتفاؤل كبير لإمكان التوصل إلى اتفاق سلام
عبر هذه المفاوضات ، والتي تشهد ها مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان بحضور دولي
وإقليمي بين وفد المجلس السيادي الانتقالي السوداني بقيادة الفريق أول محمد حمدان
دقلو (حميدتي) ، وقادة حركات الكفاح المسلح (الحركات المسلحة) المنضوية في (الجبهة
الثورية) ، و(الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال) بقيادة عبد العزيز آدم الحلو
، إلا أن ذلك لا يلغي وجود عقبات قد تفشل هذه الجهود ، لعل أبرزها اختلاف وجهات
النظر بين الحركات المسلحة حول المطالب والترتيبات الأمنية اللاحقة حول استيعاب
المسلحين ، بالإضافة إلى المخاوف من وجود أطراف إقليمية لا ترغب في تحقيق السلام
في السودان.
لذلك أيها السادة القراء والمتابعين للشأن السوداني ان ما يهمنا في
هذا المقال هو تسليط الضوء علي الحركة الشعبية – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو
وقضية جبال النوبة (جنوب كردفان) وما هي اجندة التفاوض لهذه المنطقة ، فلذلك دعونا
نتسأل بماذا يتفاوض عبد العزيز: هل بأجندة اهل المنطقتين ام اجندة الحزب الشيوعي؟؟
لذا نحاول من خلال هذا السرد استدعاء عقول أبناء النوبا أياً كان موقعها ومكانها
وسكان جنوب كردفان للتنبيه الى مخاطر ما يحاك خلف الكواليس تهدد سنوات نضالهم والمطالب
التي من أجلها حملوا السلاح ؟ ومن ثم توعيتهم وتعبئتهم لمواجهة تلك المخاطر ؟ ،
وتبديد أحلام المتآمرين الذين يحلمون بأن تكون قضية جبال النوبا مطية سهلة
الانقياد للوصول بها الي غاياتهم واهدافهم في ظل غياب رؤية واستراتيجية واضحة
للتعامل معها أشبه بما يمكن أن نطلق عليه (عبثية التفاوض والحرب) ، فمشكلة جبال
النوبا ليست حديثة عهد ولا هي وليدة اللحظة ، حتي يحاول البعض ربطها بحكومة البشير
يتم حلها بإسقاط وزوال نظام المؤتمر الوطني ، هذا يدل علي عدم فهم وقصر نظر ، بقدر
ما هي قضية تاريخية وذات خصوصية تختلف عن قضية أي إقليم اخر ، يشوبها تقاطع عناصر
التاريخ والجغرافيا في منطقة هي الأشد حساسية في تركيبتها الأثنية وتداعياتها
الجيوبولتيكية.
ولكن اذا نظرنا الي المشهد السياسي والتفاوضي نجد ان عبد العزيز
الحلو بالرغم انه غير منظم او مسجل في الحزب الشيوعي ، الا ان له ميول يسارية ،
فاستطاع الحزب الشيوعي من خلال قياداته احكام السيطرة علي (الحلو) وعلي مفاصل
(الحركة الشعبية) ، كما سيطر المفصولين والمبعدين من الحزب الشيوعي علي مفاصل
حكومة عبدالله حمدوك الانتقالية ، من خلال مخطط مرسوم بدقة استهدف القيادات
التاريخية والمؤسسين للحركة الشعبية بالتهميش والإقصاء والفصل ، وتفريغ القضية
النوبية عن محتواها والأجندة التى من أجلها حملوا السلاح ، وإتخاذ قضيتهم حصان
طروادة للوصول بها عبر الحل الشامل لقضايا السودان ، ويظهر ذلك جليا من خلال ما
يطرحه الحلو بالدولة العلمانية وهيكلة الدولة والجيش وفصل الدين والحكم الذاتي
وتارة حق تقرير المصير ، رغم إختلاف القضية كماً ونوعاً عن مشكلة أى إقليم آخر ،
وأن النوبة من الشعوب الأصيلة فى السودان ، لذلك لا نريد إعادة إنتاج الأزمة مرة
أخرى ، بالعودة الى منظومة تخل بحقوق النوبة وسكان جنوب كردفان كما حدث في نيفاشا ،
إيماناً منا بأن الحوار السلمى والتفاوض هي الوسيلة المثلى لحل كافة قضايا ومشكلات
الوطن ، وإدراكاً منا لخصوصية وتمايز مشكلة جبال النوبة عن مشكلة أى إقليم اخر ،
يتطلب من عبد العزيز الحلو المطالبة بمسار تفاوضي مختلف عن الجبهة الثورية ، لطرح
اجندة المنطقتين وخاصة اجندة قضية جبال النوبا ، والاعتراف بها كقضية من قضايا
الوطن التاريخية ، والتي يتعين حلها عبر الحوار الموضوعي من اجل تكريس واقع تعايش
سلمي وإنجاز مستقبل مزدهر للمنطقة ، فلذا النوبا يريدون الحفاظ على ما تبقى من
السودان ، والوحدة الطوعية المبنية على العدالة والاعتراف بالتعدد والتباين
الثقافى والعرقى والدينى ، وبحقهم فى المشاركة فى السلطة والثروة ، من خلال حكم
فضفاض ذو صلاحيات واسعة فى إطار دولة السودان الواحد لتحقيق مطالبهم العادلة وإزله
المظالم التاريخية التى لحقت بهم وبإقليمهم ، فلذلك أنها تحتاج من القائمين على
أمر البلاد الى إنصاف النوبة وإعطائهم ما يريدونه من خلال التمييز الإيجابى ،
نتيجة ما لحق بهم طوال هذه السنوات العجاف ، ومحاولة إعادة قراءة القضية وفقاً
للملامح الأساسية لمسبباتها ، لأن هناك تعتيم متعمد ضرب علي قضية جبال النوبا منذ
البداية ، فكان له الأثر الكبير في عدم اتاحة الفرصة لقراءتها بطريقة منطقية ،
والذي ادي الي تعذر الرؤية الواضحة للأسباب.
ولكن سيظل الجميع في انتظار ما تخرج به مفاوضات ومشاورات جوبا !!
هل ستحقق السلام وتمنح النوبا الفرصة لحكم اقليمهم والمشاركة في مراكز القرار
بالمركز من خلال طرح اجندتهم فى الوصول لتسوية للنزاع فى جبال النوبة (جنوب
كردفان) بأسلوب عادل ومستدام عن طريق إزالة الأسباب الجذرية للقضية ، وعن طريق وضع
إطار للحكم يتم من خلاله حكم يضمن لهم حقوقهم ومطالبهم المشروعة فى إقتسام السلطة
والثروة بصورة عادلة ، بإعتبار أن منطقة جبال النوبة قد شهدت ظلماً تاريخياً ،
فلذلك هم يريدون حل قضيتهم فى إطار وحدة السودان والتأكيد على خصوصية قضية جبال
النوبة (جنوب كردفان) ، ومشروع إتفاق متكامل يجسد تطلعات أهل المنطقة المتمثلة فى
قسمة السلطة والثروة وقضايا الأرض والتنمية ، وتعالج إفرازات الصراع الدائر الآن
فى جنوب كردفان ، ويضمن حقوق ومستقبل جميع أبناء الإقليم بإثنياتهم المختلفة ،
بالإضافة إلى ترتيبات أمنية لإحتواء الإفراز الأمنى ، ووقف إطلاق النار ، وتوفر
الضمانات بألا يحمل أبناء الإقليم مرة أخرى السلاح ، والا سيصل الحلو الي طريق
مسدود وبموجبها تفشل المفاوضات مع الحكومة الانتقالية اذا تبني عبد العزيز
استراتيجية واجندة الحزب الشيوعي.
وأخيراً .. نقول للقائد عبد العزيز الحلو يجب عليك وضع بداية
لتفكير عقلانى مختلف وخطاب سياسى مختلف يستصحب جموع سكان جنوب كردفان وأبناء
النوبا غير المنتمين للحركة ، وأن تمد أياديك بيضاء لكل حادب على جبال النوبا
والحركة دون عزل أو إقصاء ، وخلق تحالفات مع الاثنيات الأخرى .. وتبني خطاب يغوص
فى أعماق واقع جبال النوبا بشجاعة بحثاً عن أسباب المشكلة وجذورها ووضع الحلول
الناجعة لها من خلال هذا التفاوض بطرح اجندة المنطقة في منبر جوبا للتفاوض ،
لتغيير واقع الحركة الشعبية – شمال من خلال الآتي:
١-
استرجاع كل المفصولين والمبعدين الى حظيرة الحركة
الشعبية ، لحشد قواهم وتجاوز صراعاتهم وحزازاتهم وتكريس جهدهم وطاقاتهم بالمصارحة
والمكاشفة والإعتراف بالاخطاء ثم المصالحة دون إقصاء لتوجه أو رأى أو عرق أو دين.
٢-
عقد جلسة تصالح ما بين عبد العزيز الحلو وتيلفون كوكو
لتجاوز الإختلافات والإتفاق على الوسائل التى تحقق أمانى وأحلام الحركة الشعبية
وسكان جبال النوبا وجنوب كردفان دون تقاطع أو تعارض مصالح.
٣-
توحيد الخطاب الإعلامى والسياسى للنوبا وتحميل المركز
مسئولية إيجاد معالجة جادة للتفاوت التاريخى والاقتصادى التى عانت منه المنطقة.
٤-
الحركة الشعبية ما زالت تعانى من الملف السياسى
والإعلامي ، فيتوجب على الحلو الإستعانة بالسياسيين من أبناء النوبا والمتعاطفين
مع الحركة .. كمستشاريين فى وفدها التفاوضى وخاصة الاثنيات العربية بالمنطقة لخلق
تحالف عريض في المستقبل ، وإختيار قيادات سياسية واعية من جنوب كردفان المتواجدون
فى الداخل او الخارج ، أما بالنسبة للملف العسكرى والإنسانى الحركة قادرة على
حملهما ولا تعانى من ذلك.
٥-
وقف التراشق والعدائيات والنقد غير البناء لإيجاد أرضية
للتعايش بصورة إيجابية وحميمية تعمل على رتق نسيج التعايش الاجتماعى وترسيخ قواعده
ضمن إطار واضح يقوم على ضوابط محددة يتوافق الجميع عليها.
٦-
عقد مؤتمر للمصالحة بين جميع مكونات الإقليم والإتفاق
على القواسم المشتركة والإلتفاف حولها مع الإبقاء على الخصائص المميزة لكل عرق دون
غمط لحق أحد فى الاقليم.
وإلى لقاء فى مقال آخر
آدم جمال أحمد - سيدني - استراليا
١٥ اكتوبر ٢٠١٩ م
0 comments:
إرسال تعليق