عثمان نواي
هناك من بين أبناء وبنات واطفال وشيوخ هذا الوطن من يموتون كل يوم
وتدفن اجسادهم تحت الارض او تدفن أحلامهم تحت الوسادة، فقط لأنهم فقراء، وللأسف ما
أكثرهم. وقد تبنت الأمم المتحدة تعريف الفقر على انه ليس فقط محدودية الدخل ولكنه
محدودية وانعدام الخيارات. ومن انعدام الخيارات تبدأ معظم قصص و مآسى الكثير من
شهداء الفقر.
المتسربين
من المدراس، الطفلات المتزوجات، السارقين، و العاهرات، راكبى السمبك نحو أوربا
،جنود الدعم السريع من الأطفال والقصر الذين يقتلون فى اليمن وغيرها ، المشردين،
المرضى بالآلاف بأمراض سوء التغذية والملاريا والحميات، ضحايا الحروب والنزاعات ،
وغيرهم كثير كلهم نتاج لحالة الفقر المدقع الذى تموت فيه الكرامة الإنسانية فى
سبيل الوصول لما يسد الرمق للفرد او الأسرة، بينما تتفكك لبنات البنية الاجتماعية
للمجتمع السودانى يوميا تحت مطرقة الفقر ومعارك الكرامة الإنسانية التى كثيرا ما
يخسرها الأكثر فقرا والاقل حيلة. كما انه يجب التذكير ان معظم الشهداء فى الثورة
الأخيرة هم أبناء الفقراء أيضا . ولاشك ان ما يجمع السودانيين الان اكثر من اى وقت
مضي، ليس الدين ولا اللغة ولا الوطن نفسه، لكن يجمعهم ويوحدهم ويفرقهم أيضا الفقر.
من
يستطيع ان يصنع الفارق فى حياة الفقراء فى هذا الوطن هو وحده الذى سينتصر، بغض
النظر عن معارك السياسة والدين والسلاح والدولة العميقة والسطحية! من ينكر ان
الجوع والخبز كان سبب خروج الطلاب في الدمازين وخروج اهل عطبرة ودنقلا فهو منكر
للتاريخ. لكن الرؤية للمخرج من الفقر والجوع هو الذى جعل الثورة الأخيرة فريدة،
حيث كان وعى الشعب مدركا ان فقره له أسباب تاريخية لا ترتبط فقط بالكيزان بل ان
هناك تغييرات جذرية فى اسلوب وهيكلة الحكم يجب ان تحدث. الواقع ان الإقليم الشرق
اوسطى كله ينهار نتيجة افقار الشعوب من قبل النخب الحاكمة بل والعالم كله من شيلى
الى لبنان.
لذلك
فإن الصراعات التى على مستوى صناع القرار والساسة هذه الأيام والتى يتاجر فيها
كثيرون بالشهداء وحقوقهم، يجب ان تتوقف، وان يتذكر صناع القرار من نخب سياسية
وحكام ان شهداء الفقر فى هذا الوطن هم أكثر بكثير وأنهم يموتون وتزيد اعدادهم كل
يوم تحت مسؤوليتهم، هذا إضافة لشهداء الثورة ، وأن ارواحهم واجسادهم النحيلة التى
فجرت الغضب مرة، قادرة على تفجيره مرات أخرى. فثورة ديسمبر يمكن ببساطه ان يطلق
عليها مسمى ثورة الفقراء . واذا لم يتم الانتقال بخطى واضحة وسريعة، بحال السودانين
من الفقر وإنهاء معارك الكرامة التى يخوضها معظم السودانيين كل يوم في المدن
والقرى والمعسكرات ،فإن تركيبة النخب السياسية والاقتصادية والعسكرية الحاكمة الان
لن تصمد طويلا . وربما يحدث بعدها فراغ كبير ومخاطر كبيرة، ولكن المسؤولية تقع على
عاتق من لم يتمكنوا من استغلال فرصة الثورة ووقف استشهاد السودانيين نتيجة لفقرهم
كل يوم .
nawayosman@gmail.com
nawayosman@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق