بقلم عثمان نواى
حتى يتم تجاوز الكثير من تعقيدات انعدام الارادة السياسية
وانتكاسات مغريات السلطة و لعبة الكراسى والتكتيكات المرحلية التى كانت احد
المصدات الرئيسية لصناعة خطوات جادة نحو المساومة التاريخية وصناعة الكتلة
التاريخية التى تحمل على عاتقها تنفيذ انتقال ديمقراطى حقيقي , فان هناك حاجة الى
ان تكون العملية المؤدية للتغيير الشامل الجذرى هى عبارة عن ( حركة اجتماعية
واسعة) . حيث ان الاطار السياسى يفرض سقوفا واليات عمل محدودة تتقاصر عن مواكبة
احيتاجات المرحلة الراهنة ذات الابعاد الاجتماعية, الثقافية , الاقتصادية والسياسية
بالطبع. حيث ان شروط التغيير الجذرى فى السودان تتطلب عملا على المستوى الاجتماعى
يكسر كثيرا من المتعود عليه عبر عقود بل قرون . وتحدى هذا المعتاد وكسر هذه
التابوهات تحتاج الى نوع من العمل الذى يصنع علاقات شبكية لا مركزية القيادة لا
تحتاج الى قيادات افراد , بقدر حاجتها الى قيادة قيمية عليا. وقد قدمت الثورة منذ
ديسمبر شبكات اجتماعية مماثلة على مستوى شعبى وقاعدى يجب إعادة توجييها وزيادة
مقدراتها. حيث ان الحركة الاجتماعية يمكن ان يكون لديها تصور مجرد للمستقبل اكثر
عملية وتفاؤلا، وهذا ما نلاحظه فعليا على مستوى الشباب الثورى الفاعل على الأرض ,
وهذا التصور بامكانه ان يصنع المشروع الوطنى المرجو عبر الوصول الى قيم عليا متفق
عليها تتجاوز الاديان والاعراق والثقافات , وهى قيم انسانية يكون الانتماء لها هو
اساس للانتماء الوطنى نفسه, وعلى اساسها يكون الانسان هو محور بناء الدولة والذى
هو المواطن فى الدولة وايضا الحاكم المحتمل كجزء من شعب متساوى فى الحقوق
والواجبات على اسس الانسانية المتساوية .
فى دول صنعت القفزة على تحديات التعددية والتنوع الاثنى والثقافى ,
ومن ضمنها حتى امريكا نفسها, اصبحت مبادئ الهوية الوطنية مبنية على الارض والقيم
العليا .فى امريكا مثلا , كانت مطالب مارتن لوثر بالحقوق المدنية مبنية على
المطالبة بتطبيق القيم الامريكية فى الحق عن البحث عن السعادة والمساواة لكل الناس
, حيث قال مارتن لوثر ان الدستور الامريكى قدم للسود شيكا لكن من غير رصيد يغطى
هذا الصك . وبالتالى فانه احرج البيض بذات القيم التى وضعوها بانفسهم. فى فرنسا
التى صنعت مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان الحديثة , فان الحرية والمساواة هى
قيم عليا اساسية لا يمكن اختراقها. ولذلك فان الرؤية لاى حراك نحو التغيير من كل
الاطراف يجب ان تبنى وتروج لقيم عليا يتمتع بها كل سودانى بغض النظر عن خلفياته
وهويته الفردية. ففى عصر شبكات التواصل الاجتماعى كل شخص وكل فرد او حتي جماعة
لديهم القدرة على التعبير المفتوح عن ثقافتهم كافراد وجماعات , ولذلك فان اى
احتكار او محاولة اضطهاد لثقافات الاخرين وهويتهم لم تعد مجدية, فكل فرد قادر على
التعبير عن هويته من خلال صفحته الشخصية على الفيسبوك, ولا يحتاج حتى الا تلفزيون
قومى او بطاقة هوية من احد لتعطيه هذا الحق او تلك الحرية. لذلك فان سؤال الهوية
نفسه الان اصبح سوال يجيب عليه السودانيين عبر ممارسة حياتهم اليومية عبر الملبس
والموسيقى والكلام وصفحات الفيس, كما ان الكثيرين يحسمون جدلهم الشخصى عبر فحوص
الجينات. لذلك يصبح من الخطل التفكير فى تعليب خيارات الناس لتعريف انفسهم لان هذا
اصبح خيارا شخصيا بامتياز.
ومن ثم فان الدولة التى يمكن ان تقوم يجب ان تركز بشكل اساسي على بناء مؤسسات تسمح للناس بالتعبير عن انفسهم. فاذا سئل اى مهمش يقاتل فى الاحراش او اى مواطن فى المركز يكافح من اجل لقمة العيش اذا سئل كلاهما فهما لا يريدان الا دولة توفر لهم الحياة الكريمة. وما حلم الهجرة والماسى التى نتجت عنها الا اصدق تعبير عن ما يحلم به كل سودانى بشكل متساوى , لذلك فان هذه المساواة فى الحلم بالمستقبل المؤسس على الحياة الكريمة يستحق ان يكون الارضية الجامعة لحلم المشروع الوطنى القادر على جمع كل السودانيين فى شكل كتلة تاريخية طوعية تصنع وطنا نختار جميعا الانتماء له لانه يحقق لكل فرد حلمه فى تحقيق ذاته مع احتفاظه بكل محددات هويته.
ومن ثم فان الدولة التى يمكن ان تقوم يجب ان تركز بشكل اساسي على بناء مؤسسات تسمح للناس بالتعبير عن انفسهم. فاذا سئل اى مهمش يقاتل فى الاحراش او اى مواطن فى المركز يكافح من اجل لقمة العيش اذا سئل كلاهما فهما لا يريدان الا دولة توفر لهم الحياة الكريمة. وما حلم الهجرة والماسى التى نتجت عنها الا اصدق تعبير عن ما يحلم به كل سودانى بشكل متساوى , لذلك فان هذه المساواة فى الحلم بالمستقبل المؤسس على الحياة الكريمة يستحق ان يكون الارضية الجامعة لحلم المشروع الوطنى القادر على جمع كل السودانيين فى شكل كتلة تاريخية طوعية تصنع وطنا نختار جميعا الانتماء له لانه يحقق لكل فرد حلمه فى تحقيق ذاته مع احتفاظه بكل محددات هويته.
لذلك فان التواضع على حقيقة ان الدولة التى بنيت منذ الاستقلال على
اسس اثنية وهوية احادية هى دولة فاشلة , وان هناك دولة اخرى يمكن انشاءها بتوافق
مبدئى على ان الحرية والمساواة والكرامة الانسانية هى قيم عليا لهذه الدولة , هذا
التوافق هو اول متر مربع فى ارضية المشروع الوطنى الذى قد ينجح فعليا عبر خطوات
عملية فى احداث قطيعة مع تاريخ مرير, لازال هناك امل فى تجاوزه حتى هذه اللحظة ,
لكن امكانيات هذه القدرة على التجاوز بشكلها الايجابى تتضاءل مع كل لحظة تمر دون
عمل جاد نحو تحقيق المساومة التاريخية المؤدية لصناعة وطن للجميع.
لذلك فإن الفرصة المتاحة بسبب الروح الثورية الجمعية فى المجتمع
وحالة التضامن الاجتماعى الواسع يحب ان يتم توسيع مواعينها وإعادة ترتيب أولوياتها
حتى تدافع عن بناء منظومة قيم عليا للمواطنة ومشروع الدولة السودانية. يتعدى فقط
مسائل الصراع السياسى وتقديم رؤية وحلم يلتف حوله كل السودانيين باعتباره أرضية
وطن مشترك للجميع. ويمكن بناء هذه الحركة الاجتماعية الان عبر تضافر كل القوى
الحية الحالية الشبابية والنسائية والمجتمع الاهلى والقوى السياسية أيضا. حيث ان
الهدف سيكون ليس فقط حماية مكتسبات الثورة واقتلاع الكيزان ولكن بناء روح وطنية
حقيقية تصنع الجدار الواقى من صناعة كيزان جدد عبر إيجاد الأرضية الجامعة لكل
السودانيين وهى الحق فى الكرامة الإنسانية والمساواة والعدالة والحرية.
اذن فإن الانتقال الديمقراطي فى السودان يجب ان لا يعبر فقط من
بوابة الساسة، بل ان تفعيل قوى المجتمع هى البوابة الرئيسية. ان البرلمان الشعبى
الذى شهدته البلاد ايام اعتصام القيادة هو الالية المبدعة الجامعة التى وحدت
المشهد السودانى للحظات لم تطل لوفت كافى للأسف. ولكن الآن يمكن صناعة برلمان شعبى
وحراك اجتماعى مماثل يصنع توافق وطنى على قيم حاكمة للدولة السودانية ومؤسسة
للعلاقات بين الدولة والشعب. لذلك فإن الحركة الاجتماعية التى تقود هذه العملية
تبدأ من كل حى وجامعة ومدرسة ويمكن ان تنتهى الى تنظيم مؤتمر شعبى جامع ومفتوح لا
ينحصر فقط فى النخب ،بل مؤتمر ذو تمثيل شعبى حقيقي مثلما كان في اعتصام القيادة
تخرج عنه مقررات تمثل كل فئات السودانيين وتشكل اللبنة الرئيسية لنا يمكن تسميته
"بالعهد السودانى"، حيث يتوافق السودانيون على قيم عليا تحكم تطلعهم
للدولة التى تحفظ حقوق الجميع وتحكم أيضا العلاقات بين كل فئات المجتمع السودانيين
وتؤسس لسلام اجتماعى بين كل المجموعات المختلفة وتعرف اسباب الصراعات وتصنع عهد
جماعى على منعها ،وهذا العهد الذى على أساسه يمكن تشكيل الدستور الحاكم فى فترة
لاحقة، حبث لن المؤتمر الدستورى الذى يتحدث عنه الساسة يحب ان لا يشابه كل
المحاولات السابقة التى تحصر التمثيل فى النخب السياسية،بل دستور السودان المقبل
يجب ان يخرج من قلب وعقل كل سودانى واعى وقادر على ابداء الرأى. هذه فكرة مقترحة
ربما يكون هناك أفضل منها لكن يجدر فتح النقاش لكى نصل الى رؤية تصنع حركة
اجتماعية واسعة تؤسس لدولة سودانية معافاة وتسع الجميع.
nawayosman@gmail.com
nawayosman@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق