من هم الذين يعادون العلمانية ...؟ ولماذا . . ؟



الطيب الزين
لثلاثة أسباب جديدة أعيد نشر هذا المقال، وقد شرحتها في لبه .
أن الذين يعادون العلمانية في الواقع هم الجهلاء والإنتهازيين الذين يتاجرون بأسم الدين، وقد فعل ذلك رجال الدين في أوروبا في القرون الوسطى، حينما توهموا أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، عملا بمنطق الحق الآلهي للحاكم الذي كان يعبر عن تحالف مصلحي بين رجال الكنيسة والإقطاع، حتى تكون لهم الهيمنة على السلطة والمال والنفوذ، الذي تحول لاحقا إلى الرأسمالية التي تتحكم في مصائر الشعوب تحت شعار العولمة.
والقول بأن القانون لا يحمي المغفلين، هو مبدأ رأسمالي بحت لضمان حرية الكسب على حساب الفقراء . . !
وبموجب هذه الشريعة، لم يتمكن مظلوم واحد في التاريخ، من أن ينال حقه سلميا، فلم يك بوسع سكان المستعمرات، أن يستعيدوا أراضيهم، إلا بمعارك دامية ، وحروب داخلية جرت داخل المدن الرأسمالية نفسها تحت سمع القانون وبصره، ولا تزال تجري حتى الآن بأشكال مختلفة .
فالتطور الذي شهدته الإنسانية لم يحدث إلا بالثورات التي عرفتها الحضارة الإنسانية، ضد تحالف الإقطاع والأصولية الدينية، بدءا بالثورة الإنجليزية في القرن السابع عشر التي قامت عام 1688،وعرفت بالثورة الإنجليزية المجيدة، ضد منطق الحق الآلهي للحاكم، ومن ثم جاءت نظرية العقد الإجتماعي التي طرحها جون لوك لملء الفراغ الذي خلفه سقوط النظام الذي كان سائدا حينذاك.
فالعلمانية شرط من شروط التطور الإنساني والإستقرار السياسي والتنمية الإقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فلا ديمقراطية بلا علمانية، ولا علمانية بلا ثقافة تنوير، ولا تنوير بلا عقد إجتماعي، ولا عقد إجتماعي بلا ليبرالية، فهذه هي مرتكزات الحضارة الإنسانية، التي أدت إلى تطور الغرب وخروجه من عصور التخلف و البربرية الهمجية.
إن الذين يرفضون العلمانية هم أعداء التطور والتقدم والإستقرار السياسي.
فالعلمانية تخدم الإنسان والدين معا، لأنها تحرر الشعب من الجهل، والدين من هيمنة رجال الدين.
العلمانية ضد منطق الحقائق المطلقة، وإنما تؤمن أن الحقيقة شيء نسبي، لأن الحياة في حالة تطور وتغير مستمر.
الأفكار والنظريات مثل البشر، عرضة للتشويه.
فالعلمانية تعرضت للتشويه من قبل الأصولية الدينية في الغرب، وفي عالمنا العربي والإسلامي، لأنها تجرد رموز الأصولية الدينية من هيمنتهم على البسطاء بأسم الدين.
فجماعات الإسلام السياسي في منطقتنا والسودان على وجه الخصوص، هي في الواقع جاهلة، وتجهل أنها جاهلة، ومع ذلك تدعي العلم لتجهيل الناس بشعارات الدين وليس تثقيفهم إذن المشكلة عندنا قائمة على الجهل المركب . . !
مثال على ذلك، موقف جماعات الإسلام السياسي من كارل ماركس، هو موقف إنتهازي منافق، فهي في الواقع لا تعرف عنه الحقائق الموضوعية، بل تنطلق مما سمعته عنه من أعدائه الرأسماليين الغربيين وحدهم.
الرأسماليين الغربيين يحاربون توجهات كارل ماركس، لأنه كان يحرض على الثورة ضدهم وضد تغولهم على الشعوب، لذلك لهم مصلحة حقيقية في تشويه أقواله وأفكاره وتوجهاته.
وقد تولوا تقديمه إلى ثقافتنا العربية المعاصرة، موصوما بثلاث تهم، وكلها مختلقة عمدا لإدانته وتشويه سمعته أمام سكان العالم الثالث والعرب والمسلمين على وجه الخصوص .
التهمة الأولى: أن ماركس ينادي بإلغاء المؤسسة الدينية، ويعتبر الدين مجرد أفيون.
وهي تهمة تتجاهل أن المؤسسات الدينية التي يعنيها ماركس، هي المؤسسات المسيحية واليهودية، وأن هذه الفكرة، ليست ماركسية اصلا، بل إسلامية، سجلها القرآن منذ أربعة عشر قرنا، وفي آيات منها، قوله تعالى في الآية ٥ من سورة الجمعة ( مثل الذين حملوا التوراة، ثم لم يحملوها، كمثل الحمار يحمل اسفارا ) .
وهي صورة أكثر وضوحا- من قول ماركس أن الدين أفيون الشعوب.
التهمة الثانية: أن الاتحاد السوفياتي الذي إنهار في بدايات التسعينات، عبر مؤامرة من الرأسمالية العالمية، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، كان دولة قائمة على نظرية الحزب الماركسي، لكن في الواقع كانت التجربة آنذاك قائمة على نظرية لينين وليس ماركس، فلينين هو صاحب النظام الحزبي الذي أدار دولة الاتحاد السوفياتي وقتها.
أما ماركس شخصيا، فقد أستعمل كلمة COMMUNE، التي تعني في اللغة الألمانية الجماعة، لأنه يشترط مباديء دستورية في نظامه، منها أن تكون السلطة في يد الأغلبية، ومنها إنهاء الإقطاع، بترسيح الجيش المستديم، ومنها تحريم الربا، بتأميم وسائل الإنتاج.
وهي مباديء لا يتبناها الاتحاد السوفياتي، ولم تعرفها إدارة أخرى في التاريخ، سوى الإسلام، الذي كان ماركس ينقل عنه من دون أن يدري.
التهمة الثالثة: أن كارل ماركس، ينادي بإلغاء دور الفرد، ويعتبره مجرد مسمار في آلة كبيرة، هو رأس المال، صاحب الاحتكارات الموجهة لتكديس الربح . . !
أما كارل ماركس فقد كان ينادي بتحرير الإدارة من سيطرة رأس المال، لأنه كان يهدف إلى تحرير المواطن من وظيفة المسمار بالذات.
وقد عرض هذا المنهج في أعماله، قبل أن يكتب ( رأس المال ) بثلاثين سنة على الأقل، لكن خصومه الرأسماليين، لم يختاروا أن يعرضوا هذه الأعمال المبكرة للتدوال . . !
أن كارل ماركس لم يك رجلا غنيا بل كان رجلا فقيرا رغم عبقريته الفذة، كارل ماركس كان نصيرا للفقراء لأنه عانى الفقر في حياته وعرف مرارته.
لذلك حينما تكلم بث الرعب في قلب كل ادارة رأسمالية، تحدث عن: تأميم وسائل الإنتاج، وإلغاء الطبقية، والثورة الشعبية، وحقوق العمال، وكلها مصطلحات لا تعادي الله، والناس، بل أدخلت الرعب في نفوس الرأسماليين ورجال الدين المتحالفين معهم من أجل مصالحهم.
لذلك نجد أن الأنظمة القمعية ورأس المال الطفيلي ورجال الدين المنافقين لهم مصلحة حقيقية في محاربة الديمقراطية والعلمانية ونظرية العقد الإجتماعي وثقافة التنوير والليبرالية، لأن هذه المفاهيم تحرر الإنسان وتجعله صاحب الربط والحل، كما حدث في الغرب جراء الثورات الشعبية التي شهدتها كلا من بريطانيا، 1688، وأميركا ( 1784- 1775) والثورة الفرنسية (1789- 1799) والثورة الروسية1917، هذه الثورات هي التي غيرت مجرى الحياة في الغرب وأخرجته من عصر الجهل والتخلف والحروب وهيمنة رجال الدين والإقطاع إلى عصر الحضارة والمدنية والثورة الصناعية.
لثلاثة اسباب أعيد نشر المقال الذي نشرته قبل. الأول: هو مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، في العراق بعد أن قررت إدارة دونالد ترامب التخلص منه، ووضع إيران ومن يقف بجانبها أمام خيارات أحلاها مر . . !
نظام الملالي في طهران الآن بعد مقتل قاسم سليماني ليس أمامه من خيار، أما التصالح مع الشعب الإيراني والإقلاع عن سياسة خمه بأسم الدين لأربع عقود، التي لم تثمر سوى مزيد من العزلة والخراب والدمار جراء الجرائم التي إغترفها بحق الشعب العراقي في عهد صدام حسين بتآمره عليه حتى فتك به بتؤاطئه المخزي مع حلف الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في عهد بوش الأب والابن، وواصل تامره على العراق وبقية الدول العربية وله تأثير كبير في حالة الخراب والدمار التي تشهدها المنطقة . . !
النظام الإيراني خياراته باتت محدودة إما الاعتراف بفشل سياساته وبالتالي الإنفتاح على شعبه عبر ديمقراطية حقيقية وتبني العلمانية وثقافة التنوير. وإما ركوب رأسه وإنكار الحقائق الموضوعية على الأرض، والدخول في مواجهة مفتوحة مجهولة العواقب.
لكن في كل الأحوال إنها ستكون مواجهة خسارة لحكم الملالي في طهران وأعوانهم .
والسبب الثاني: الذي جعلني أعيد نشر المقال هو خطاب ترامب بعد مقتل قاسم سليماني. وأتمنى على المهتمين الإطلاع عليه ومقارنته بما ورد في هذا المقال.
والسبب الثالث والأخير: هو إصرار وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان على خيار العلمانية، سواء عقد المؤتمر الدستوري، أو لم يعقد، للأمانة والتاريخ أرى أن موقف الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز هو الموقف الصحيح 100% وكل من يعارضه من القوى السياسية، هو في الواقع يعادي فكرة بناء الدولة الوطنية الحديثة.
لا توجد دولة مدنية حديثة في هذا العصر لا تتبنى خيار العلمانية.
العلمانية ليست محل مساومة، هي ضرورة من ضرورات الحياة، لا يقف بالضد منها سوى القوى الرجعية والطفيلية الإنتهازية والاصولية الدينية المرتبطة بالرأسمالية الإمبريالية.
كفانا خداع للذات، قد حانت اللحظة التاريخية الحاسمة لدخول التاريخ من أوسع أبوابه، واللحاق بركب العصر والحضارة الانسانية والتقدم وتحقيق الإستقرار السياسي والتنمية الإقتصادية والإجتماعية.
ليس أمامنا من خيارات: إما الدخول في التاريخ، وإما البقاء خارجه تعصف بنا الحروب والأزمات.
إن أردنا لثورتنا الفتية في السودان أن تحقق أهدافها في الأمن والسلام والإستقرار السياسي والتنمية الإقتصاديةوالإجتماعية ، لابد من تبني خيار العلمانية بجانب الديمقراطية والتعجيل بعقد مؤتمر دستوري لكتابة عقد إجتماعي دائم، وتبني ثقافة التنوير والليبرالية عندها سينطلق السودان ويغادر حالة التخلف وعدم الإستقرار السياسي والحروب الأهلية .
أتمنى أن يتحول المد الثوري الذي أنجز الثورة إلى تيار لتبني مشروع العلمانية والحداثة والتطور وإلا سينهار السودان ويتفكك ويتلاشى من الوجود.

Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق