حملات التكفير والإرهاب ضد مطالب السلام : من المستفيد؟


عثمان نواي
فى يوم ٧ يناير الجارى صدر بيان من تيار نصرة الشريعة ودولة القانون ورد فى نصه الفقرة التالية :
" لن يكون الأمن والاستقرار ومصلحة الوطن العليا وثناً يعبد ويصان على حساب هدم الدين وهدر المقدسات وإقرار الفتنة والشرك وفرض العلمانية وإقصاء الدين . وسلام لا يسلم معه ديننا وعقيدتنا لا مرحباً به . فحفظ الدين مقدم على حفظ النفوس والأبدان والأوطان والأموال والممتلكات قال تعالى ( والفتنة أكبر من القتل ) ( والفتنة أشد من القتل ) صدق الله العظيم .
والفتنة في هذه الآيات هي الشرك والكفر كما قال علماء التفسير . " انتهى نص البيان.
فى ٢٧ أبريل ١٩٩٢ خرجت فتوى من" مؤتمر العلماء وأئمة المساجد ومشايخ الخلاوى والطرق الصوفية بولاية كردفان المنعقد بقاعة اللجنة الشعبية بالأبيض بتاريخ 24 شوال 1412هجرية, الموافق 27 ابريل 1992م " واصدرالاجتماع الفتوى التالية بوجوب الجهاد فى الحرب الدائرة بجنوب ولاية كردفان وجنوب السودان.
ولقد كان نص الفتوى كالآتي :
" أولاً أن المتمردين فى جنوب كردفان أو فى جنوب السودان بدأوا تمردهم على الدولة وأعلنوا الحرب على المسلمين وشرعوا فيها فعلاُ ووجهوا همهم الأكبر بقتل المسلمين وتخريب المساجد وحرق المصاحف وتلويثها بالقاذورات وانتهاك أعراض المسلمين مدفوعين بتحريض من أعداء الإسلام والمسلمين من الصهاينة والصليبين والاستعمارين الذين يمدونهم بالمؤن والسلاح. وعليه يكون المتمرد المسلم منهم فى السابق مرتدا عن الإسلام وغير المسلم منهم كافرا يقف فى وجه الدعوة الإسلامية وكلاهما أوجب الإسلام حربه وقتاله. " انتهى نص الفتوى.
نورد هنا النصوص الكاملة لبيان تيار نصرة الشريعة قبل يومين وأيضا فتوى تكفير الشعوب المقاومة فى جبال النوبة وجنوب السودان فى عام ١٩٩٢ ، لأن العبارات المستخدمة دقيقة وتحتاج التوثيق ورؤية مدى التوافق واستمرارية ذات النهج التكفيرى لمجموعات كاملة فى السودان فقط لأنها تطالب بحقوقها فى المواطنة المتساوية ولأنها لا تتفق ما أصحاب الفتاوى فى تفسير الدين او لاتتفق معهم في الانتماء لدين واحد. ومن المعروف ان تيار نصرة الشريعة مكون من طيف واسع من الأحزاب والحركات السلفية والكيزانية وبعض شخصيات الطرق الصوفية من اتباع الكيزان. وهذا التيار سير مسيرات دعم للمجلس العسكرى ايام التفاوض وكان قائده الداعشى المعروف محمد الجزولى إضافة الى عبد الحى يوسف وحسن رزق احد قيادات المؤتمر الشعبى إضافة الى محمد عبد الكريم قيادى فى أنصار السنة والعديد من قيادات الإخوان والكيزان. وهو واجهة الإسلاميين كيزان وغيرهم وأيضا واجهة أمنية يتم تحريكها ودعمها بكل سخاء من جهات عدة إقليمية وأمنية فى الداخل.
ولكن خطورة ما ورد فى بيان نصرة الشريعة هو هذا الإعلان الصريح بالتكفير لمن يطالب بالعالمانية بل واعلانهم فى فقرة أخرى انهم مستعدون لحمل السلاح بل انهم لا يرون وحدة البلاد ولا أرواح المواطنين السودانين اهم من دفاعهم عن الشريعة. وهذا النهج من التفكير هو الذى يوضح تماما لماذا تمت ابادة جماعية فى دارفور وجبال النوبة ولماذا انفصل الجنوب. ان وحدة السودان وقتل الأرواح لا تعنى شيئا لهؤلاء. وبناءا على الفتوى المماثلة لبيان نصرة الشريعة، فى فتوى عام ١٩٩٢، قامت حملات الجهاد في جبال النوبة بقتل ما لايقل عن ١٠٠الف واغتصاب عشرات الالاف وتشرد ما لا يقل عن مليون وتم التجنيد القسرى للأطفال وجرائم تصل الى ان تكون جرائم ضد الانسانية بحسب توصيف محكمة الجنايات الدولية، ولكنها لم تكن موجودة فى التسعينات، ولكن كل تلك الجرائم موثقة وهذه الفتوى أيضا وكل من أصدرها سوف يتم ملاحقتهم قانونيا فى القريب العاجل محليا ودوليا. " يمكن الرجوع لكتاب الدكتور مصطفى شركيان لمزيد من التوثيق حول الحرب ١٩٩٢ و٢٠١١، في النِّزاع السُّوداني: عثرات ومآلات بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق، مطابع أم بي جي العالميَّة، لندن، الطبعة الأولى، 2015."
وكل هذه الأعمال الوحشية وأسوأ منها تم تنفيذها فى دارفور أيضا وضد مسلمين حفاظ قرآن، ولكن لان الحقوق المطلوبة تتعاكس مع مصالح سدنة الدين هؤلاء فقد تم القتل والاغتصاب والإبادة وأيضا تحت ذات فتاوى حماية الشريعة من العلمانية والكفر والصهاينة. ان هذا الفكر الإرهابى التكفيرى ووجود أمثال هؤلاء فى الساحة السياسية العامة والسماح لهم بتشكيل الرأى العام ما بعد الثورة هو الذى يثير التساؤلات. من المستفيد من استمرار امثال هذه الابواق التى تعبء نحو حرب إرهابية للابادة بالاستمرار فى بث سمومهم؟ والسؤال هل ما بعد الثورة تنتظر شعوب الهامش حملات جهاد أخرى أيضا ولماذا يسمح لهؤلاء بنشر هذا الخطاب الإرهابى؟ ولا يمكن ابدا تفسير ذلك بالديمقراطية وحرية التعبير، لأن حرية التعبير يجب ان تمنع وتحمى الآخرين من خطاب الكراهية والعنصرية والإرهاب. كما ان هذه مجموعات تصرح بأن السيادة الوطنية وحياة المواطنين لا تعتبر ذات اهمية. فاى دولة تقبل بوجود مجموعات تهدد سيادتها ووحدتها وتهدد بشن حرب عنصرية لقتل بعض المواطنين؟ فهؤلاء لا يحاربون الدولة فقط ولكنهم يحاربون ويكفرون كل من يخالفهم فى الرأى من المواطنين. فمن أين يستمدون هذه القوة ولماذا لا يتم وقفهم وهم ينشرون خطاب ارهابى تكفيرى واضح؟ وكيف يتوقع السيد رئيس الوزراء بان يتم رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بينما لا يزال هؤلاء يصدحون فى منابر المساجد وأجهزة الإعلام ويمتلكون الشركات والأموال لبث هذا الخطاب التكفيرى الإرهابى الجهادى؟ وهل هناك اى ثمن يا ترى لأرواح المواطنين النى زهقت طوال سنوات بسبب هذا الخطاب التكفيرى الإرهابى العنصرى ؟ هل هناك ثمن لثلث أرض السودان الذى انفصل لذات السبب؟ وهل الحكومة الانتقالية مستعدة لان يستمر هذا الخطاب فى تشويه مطالب شعوب قُتلت وابيدت بسبب فتاوى نفس هؤلاء الإرهابيين ام انها سوف توقف هذا الخطاب وتضع هؤلاء الإرهابيين التكفيريين دعاة القتل فى مكانهم الصحيح ؟
بعد الزيارة التاريخية لرئيس الوزراء لكاودا بالأمس كان لابد من التنبيه الى ان مسببات الحرب لازالت قائمة وان السماح لهؤلاء الإرهابيين فى شحن الرأى العام السودانى ضد مطالب الشعوب السودانية بالسلام والمساواة إنما لا تخدم اى خطوات لتصحيح المسار التاريخى للدولة السودانية. بل ان الخطاب العاطفى وحده لن يكون سوى ذكرى مزيفة اذا لم يتم اتخاذ خطوات حاسمة لوقف هذا الخطاب الخطير الذى فصل السودان من قبل وأشعل حروبا لنصف قرن. ويجب ان تعترف النخب السياسية الحاكمة ان هناك صمت مخزى وتواطؤ كبير، حيث لا تصدر اى إدانة واحدة ولايتم انتاج اى خطاب مضاد لخطاب قوى الظلام هذه يدعم مطالب السلام والعدالة، وهذا لا يمكن تفسيره الا فى اطار التواطؤ الرخيص الذى يقدم المصالح السياسية الضيقة على مصلحة الوطن والمحافظة على أمن المواطن ،بل انه لا يمكن الهروب من ان هذا الخطاب التكفيرى الحاد يتم السماح له لأنه يخدم بشكل واضح مواقف ظلت تتردد فى طاولة التفاوض حول مسألة العلمانية والمطالبة بها. ومن المتاجرة السياسية الرخيصة ان يتم تعبئة الرأى العام عبر هذه الأصوات الإرهابية حتى يتم التحجج لاحقا بأن المجتمع السودانى لا يقبل بتغييرات جذرية فى مسألة علاقة الدين بالدولة. ولكن يبقى السؤال هو من الذى وجه المجتمع السودانى ومن صنع رايه هذا ان سلمنا جدلا اصلا ان المجتمع السودانى له رأى يتم الاخذ به من قبل القوى السياسية المهيمنة.؟!
يبدو ان وصول الخطاب السياسي للقوى المهيمنة فى المركز قد وصل حدوده القصوى من الفشل حيث أصبح التكفيريين والدواعش هم صناع الرأى العام حول اكثر القضايا حساسية ومصيرية فى السودان بينما يصمت المثقفين والقوى السياسية سواء كانت تقليدية او تقدمية. بل تترك الساحات لهؤلاء الإرهابيين للتعبئة للعنف والقتل والإرهاب. وهذا نهج عدمى فى إدارة الازمة السودانية يفضل ان تحترق الدولة السودانية على ان يتم قسمة عادلة للسلطة والثروة بين كل مكوناتها وان يتم الانفصال خير من ان تكون هناك شراكة فى السودان الموحد. هذا النهج الأحادي الإقصائى التكفيرى ،لا تتبناه التيارات الإسلامية فقط بل انه كما يبدو هو العقل القائد لكل النخب السياسية الحاكمة ولا نحتاج ابدا لإثبات فالواقع يحدث عن نفسه. لذلك فإنه، ان لم تتخلى النخب السياسية المهيمنة عن هذا العقل التكفيرى الإقصائى للآخر سواءا من منطلق الدين او منطلق الهيمنة الأحادية على السلطة ،فإن ما سيمر به السودان مقبل الايام سوف يكون السقوط الاخير الذى لن ينجو من احد. ان الموجة الحالية من التكفير والتعبئة التى يتم السماح بها تهدد بشدة مصداقية الحكومة الانتقالية فى تحقيق سلام مستدام وتهدد الوطن ككل فهل ستتحرك الحكومة والقوى السياسية لحسم ما يحدث وتقوم بتغييرات حقيقية فى نهج تفكيرها وادارتها الصراع السياسي السودانى ام انها سوف تستمر فى ذات النهج وتحرق نفسها والوطن؟ هذا هو سؤال المرحلة
nawayosman@gmail.com

Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق